بيان من جميعة الصحفين والكتاب إلى الرأي العام حول قضايا الساعة

بيان من جميعة الصحفين والكتاب إلى الرأي العام حول قضايا الساعة

إن جمعية الصحفيين والكتاب تشعر بضرورة الإعلان عن البيان التالي بناء على مناخ التوتر الذي بلغ حدا خطيرا يهدد الوفاق المجتمعي في البلد جراء بعض القضايا والادعاءات التي شغلت الرأي العام في الآونة الأخيرة مثل "إصلاح المعاهد التحضيرية الخاصة" و "قرارات مجلس الأمن القوم لعام 2004" و "ادعاءات التشهير بالناس في القوائم السوداء".

الإصلاح التعليمي والمعاهد التحضيرية الخاصة:

طالما أن هناك امتحاناتٍ واختلافاً لدى الطلبة في اختيار الثانويات أو الجامعات، ينبغي تجّنب وضع أي عوائق أمام المؤسسات التعليمية الخاصة في سعيها لتلبية هذا الطلب الطبيعي الناشئ من هذا الواقع.

ولا شكّ أن الحكومات تتمتّع بصلاحية تنفيذ إجراءات لإصلاح أوجه القصور الموجودة في النظام التعليمي، لذلك فإن الجهود الرامية إلى تحقيق هذه الغاية تستحق كل الإشادة والثناء. غير أن الاعتزام على إغلاق المراكز التعليمية الخاصة بقوة القانون، على الرغم من أنها نشئت نتيجةً لأوجه القصور الموجودة في النظام التعليمي، وعدم كفاية المدارس الرسمية، وانعدام المساواة بينها، ومع العلم أنها تزاول أنشطتها التعليمية منذ سنين في البلاد وفقاً للقوانين وفي إطار حرية النشاط، يتعارض قبل كل شيء مع حقوق الإنسان الأساسية والمبادئ الديمقراطية؛ الحقوق والمبادئ التي ينصّ عليها القانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ودستور الجمهورية التركية.

ولا يمكن تعيين ما هو ضروري وما هو ليس بضروري، ومن ثم إملاء ذلك على الفرد والمجتمع؛ كما أنه لا يجوز إعادة تشكيل المجتمع، والقضاء على الخيارات المتعددة في تلقي التعليم للفرد والمجتمع؛ ذلك أن الدول الديمقراطية في العالم تنحاز اليوم إلى نماذج تعليمية بديلة أكثر تعددية وديمقراطية. بناء على ذلك، فإن سعي الحكومة إلى إغلاق هذه المراكز، مع اعترافها بالحاجة إليها، وتصريحها بأنها تعتزم سدّ هذه الحاجة (عبر المراكز التعليمية الشعبية والدورات التعليمية في المدارس أيام العطل) لا يتلائم مع النزعات السائدة في الدول الديمقراطية، كما أنها لا تصبّ في صالح المجتمع المدني والمؤسسات المدنية.

من جانب آخر، فإن محاولة إضفاء الشرعية على حظر النشطات التي يقدّمها المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة للصالح العام، بحجة أنها "مؤسسات/هياكل موازية" في وجود الدولة، لا ينسجم أبدًا مع المكتسبات الديمقراطية.

وكما أن حركة الخدمة قد عارضت في الماضي القريب، وبموجب المبادئ التي تتبناها، وبكل الإمكانيات والوسائل التي تمتلكلها، إغلاق الأحزاب السياسية، ومدارس الأئمة والخطباء، والمحاولات الرامية إلى وضع مزيد من القيود على حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الآراء، وكافة الانتهاكات الحقوقية، كذلك هي تعارض اليوم وانطلاقا من التصور ذاته، إغلاق المراكز التعليمية الخاصة.

عملية التشهير بالأشخاص وقراررات التصفية:

لا يمكن غض البصر عن توقيع أعضاء الحكومة على القرارات التي اتخذها مجلس الأمن القومي عام 2004 في اجتماع له، والتي تتضمن متابعة نشاطات العديد من المؤسسات غير الحكومية داخل البلاد وخارجها، إلى جانب المؤسسات ونشاطات المتطوعين في حركة الخدمة، في إطار المبادئ التي تتيناها، وعملية التشهير بها ووضع خطة عمل لتصفيتها.

مع ذلك، فإن التوقيع على هذه القرارات إنما تم في الظروف غير الديمقراطية التي كانت سائدة في تلك الفترة، وبدون رغبة السلطة المدنية وإرادتها، كما أن هذه القرارات لا تنسجم مع الإجراءات الديمقراطية التي نفذتها الحكومة في السنوات اللاحقة. وانطلاقا من ذلك، فإن إعادة النظر مرة أخرى في القوانين والمرسومات التي تذكرنا بتركيا القديمة التي ورثناها من الفترات غير الديمقراطية، ومن ثم السعي لإجراء إصلاحات حتى تتوافق مع الحقوق والحريات الأساسية، تكتسب أهمية قصوى.

ولكن الخطوات والإجراءات التي تنبئ بالقرارات المذكورة لمجلس الأمن القومي، بدءا من محاولة إغلاق المراكز التعليمية وانتهاءا إلى التشهير بالأشخاص العاملين في القطاعين العام والخاص تبعث على القلق.

البحث عن الحقوق وإعادة صياغة المجتمع عن طريق السياسة:

إن السعي لتقديم الاعتراض والاحتجاج المدني والديمقراطي على حظر نشاطات المراكز التعليمية الخاصة والمبادرات غير المتسمة مع المبادئ الديمقراطية على أنها مؤامرة سياسية، ليس إلا إخراج القضية عن إطارها الصحيح وغايتها المنشودة وتقليب للحقائق. ويجب أن لا ينسى أن حركة الخدمة ليست هي من أطلقت النقاش الدائر حول حظر تلك المراكز، بالإضافة إلى أنها ليست المخاطب الوحيد والمعترض الفريد على هذا الأمر. وإن كان هناك اعتقاد بوجود مؤامرة سياسية حقا، فإنه لا تزال إمكانية إنهاء هذا النقاش وإزالة هذا التوتر قائمة، عبر إطلاق حملات في مجالات التعليم والحقوق والديمقراطية.

ولا ريب أن سيناريوهات المؤامرة التي يوردونها استنادا إلى الاعتراض الديمقراطي والمدني على إغلاق تلك المراكز حول تخطيط حركة الخدمة لإبقاء "حزب العدالة والتنمية بدون أردوغان"، و"الحيلولة دون انتخاب أردوغان لرئاسة الجمهورية التركية"، و"تأسيس حزب لخوض غمار السلك السياسي" و"التواطؤ مع القوى الخارجية على حياكة مؤامرة ضد حزب العدالة والتنمية"، وما شابهها من السيناريوهات لا أساس لها من الصحة والبرهان، بل هي عبارة عن افتراء كبير وبهتان عظيم وإخراج القضية من إطارها الصحيح.

وكما يعلم القاصي والداني، فإن حركة الخدمة قد حصرت كل همتها وطاقتها في تحقيق السلام في تركيا والبلدان الأخرى من العالم، وليس لديها أي خطة لإنشاء حزب سياسي، وأنها لن تفكّر مستقبلاً أيضاً الإقبال على شيء كهذا. لذلك من المستحيل نظرياً وعملياً أن تعتزم حركة الخدمة على تشكيل حزب سياسي أو تدعم حزباً معينًا دون الأحزاب الأخرى، وذلك نظراً لأن المتطوعين التابعين لها يتبنون أفكاراً سياسية مختلفة. فهي لا تروم إلا خدمة الإنسانية، وأن ما تقوم به في هذا الإطار هو عبارة عن تقديم النصح لمتطوعيها أن يحدّدوا مواقفهم السياسية وفقاً لمبادئ معينة، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية والعدالة والتعددية وسيادة القانون وإمكانية محاسبة المسؤولين وحرية التعبير والمعتقد. ولهذا فإن إمكانية حصول أي حزب من الأحزاب السياسية على أصوات الناخبين منوطة بسياسات الحزب وقابليته لإقناع الشعب.

ولا بد من التنبيه إلى أن حركة الخدمة تريد لتركيا من صميم قلبها أن تنتقل إلى حقبة ديمقراطية حقة، وأن تحقق سيادة القانون بمعنى الكلمة، وكذلك هي تحترم الإرادة الديمقراطية للشعب ومجلس الأمة.

وفي الوقت الذي شارفنا فيه على الانتخابات، فإنه لاحت في الأفق أمارات تشير إلى استعداد بعض الأوساط لتكرار ما حدث قبيل الانتخابات السابقة من المبادرات غير الأخلاقية المخلة بمحرمية الحياة الشخصية للأشخاص. لذلك ينبغي على الجميع أن يلعن ويرفض مثل هذه المبادرات اللاأخلاقية التي ستحاول استغلال هذا التوتر القائم لإلقاء ظل على على المطالب الديمقراطية المشروعة.

إضافة إلى ما ذكر، فإن الأسلوب المتبع في التعبير عن المطالب المشروعة يجب أن يكون بعيدا عن إهانة كرامة الإنسان وعن المواقف التي تزيل الشرعية والأحقية.

وغني عن البيان أن الجهود التي بذلها وستبذلها ممثلو منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وقادة الفكر والرأي والمثقفون لتحقيق التوافق الاجتماعي والسلام والعدل في هذه المرحلة الصعبة تستحق كل الثناء والإشادة. كما أن التاريخ والأجيال القادمة ستذكر جميع من يقفون إلى جانب الحق والعدل في هذه الأيام العصيبة.

وأخيرا، ستحافظ حركة الخدمة باعتبارها حركة مدنية على موقفها المبدئي من مساندة كافة الحقوق والحريات الديمقراطية دون كلل أو ملل، مع وضع التآلف الاجتماعي فوق كل اعتبار، كما دأب على ذلك حتى اليوم.