النـزعة التجديدية عند الشيخ فتح الله كولن

في ظل الحياة التي يحياها المسلمون في جنبات الأرض حيث الضربات المتلاحقة لجسد الأمة التي كانت يوما ما مفتولة العضلات قوية السواعد عالية البنيان ذائعة الصيت وذلك عندما كان أبناؤها أشد أهل الأرض تمسكا بالدين وأقوى الناس التزاما بالأخلاق وأسلمهم أعرافا وتقاليد وأجدرهم بقيادة الدنيا بسعة أفقهم السياسي والأجتماعى ونظمهم الفكرية وذلك بمعايشتهم للدين من غير خلل وبكمال أخلاقهم وعقلهم العلمي وسبقهم الناس في كل عصر حتى جعلوا الدنيا بعدا من أبعاد الجنة.

إذ بالأمة تصير كشيخ هرم خارت قواه وانحنى ظهره وذبل جسده ووقع أسيرا في قيود الجهل والانحلال الأخلاقي والخرافة والأهواء البد نية والجسمانية فانحدر إلى مهاوى الظلام والخسران وانحدر من هاوية إلى هاوية مبعثرا كحبات المسبحة إذا انفرط خيطها أو كصفحات كتاب انحل عقدها مهانا تحت الأقدام أو مهزوزا ومزعزعا يغنى أناشيد الحرية وصدره يتشظى أنينا في أعظم أنواع الأسرى عارا أنينا بلا هوية.

في هذه الحياة المأسوية يظهر أناس يضعون على عواتقهم إحياء النبتة التي جفت بشق قنوات تحمل الماء إلى عروقها فتعيد إليها اخضرارها ويجعلون رايات الإيمان والأمل والأمن والاطمئنان والحبور ترفرف من جديد في ظل الإسلام مرة أخرى ويقومون بتعريف البشرية في الأرض كلها على نظام عالمي جديد فوق ما تتخيل يستفيد منه كل إنسان بقدر ما تسع فطرته وأفق فكره لكنه للأسف فان بعض الذين يظهرون كممثلين للإسلام وناشرين له لا يفهمونه حق الفهم ولا يبلغونه حق التبليغ فتجدهم يتبنون منهجا يعتمد على القسوة والقوة والغلظة وعدم التفاهم وإعلان العداء للأخر وإذا كان هذا الفريق يهدم ولا يبنى ويضر ولا ينفع فإننا نجد فريقا آخر يظهر كشعاع نور ينبثق من الظلام الدامس اعتمد لغة التسامح والحوار مع الأخر اسلوبا جديدا يعرض به الإسلام وعلى رأس هذا الفريق يأتي ذلكم العلم الفذ الشيخ الفاضل محمد فتح الله كولن الذي حمل مسئولية بث روح جديدة في الإسلام مشبعة بالإيمان وحب الإنسان والحرية وتمييز البيئة لترسيخ الجذور المعنوية لشجرة مباركة تنمو و تزدهر أفنانها بهذه المعطيات وتزهو حقولاً جديدة بامتداد تلك الجذور.

ومما لا شك فيه أن الشعب التركي يدين للشيخ محمد فتح الله بالفضل الكبير في إحياء الإسلام في قلوب أفراده فلقد أعاد إليهم معرفة ذ واتهم وابتعث فيهم مواجد السنين ورسم الآخرة على قلوبهم وفض نعاس السنين عن أهداب أرواحهم وأحيا الإيمان في قلوبهم وأزال عنهم جهلهم بربهم.

إن الأمة الإسلامية لفي أمس الحاجة إلى مفكر ومرب في مثل حجم الشيخ فتح الله كولن يضع لنا أنموذج إنسان مسلم جديد يمحق الانحرافات الحاضرة ويقدم للعالم صورة إسلامية جديدة وصحيحة ويلبي حاجات أنماط البشر كلهم ويحتضن الحياة كلها في رحاب الزمان والمكان بالسعة والعالمية التي تسمح بها مرونة النصوص مع الحفاظ على أصالة الدين.

وفي هذا الإطار يتحدث الشيخ فتح الله عن الروح التجديدية التي يريد بعثها في الإسلام من جديد قائلاً في كتابه ترانيم روح وأشجان قلب.

الإسلام هو ثابت من جهة ومتغير ومتطور من جهة أخرى فهو كشجرة باسقة أصلها في الأرض وفرعها في السماء قد ضربت جذورها في الأعماق تعجز أي عاصفة مهما اشتدت عن اقتلاعها وأغصانها ممتدة للجهات الأربع تعطي في كل فصل أثمار جديدة أي هو كشجرة طيبة تأتي أكلها كل حين بإذن ربها وكلما أتى الإسلام أكله فتح عهداً جديداً.

إنه يرى أن الإسلام إذ ينظم بالكتاب والسنة حياة الدنيا والعقبى للمؤمن يهمس في الوقت نفسه في أذن دنيا الإنسان الروحية والعقلية والقلبية والوجدانية والحسية مولدا في أغوار ذاته أنساما أخروية ومشاعرا لاهوتية التلون ليحييه في كل آن مرة أخرى في بعد آخر فهو تجدد وتغير ذو أبعاد قرآنية وسجايا فطرية وبهذا يحدث التوازن بين أصول الدين وثوابته.ومستجدات العصر ومستحدثاته توازنا يبقى الإسلام في ثوب جديد مفعم بالبياض الناصع دائما وصالحا لكل زمان ومكان أبدا وهذه هي عالمية للإسلام ومرونته التي تمثل طابعا للإسلام لايمكن فصله عنه، يقول الشيخ فتح الله كولن في كتابه ونحن نقيم حضارتنا

الإسلام إيمان وعبادة وأخلاق ونظام يرفع القيم الإنسانية إلى الأعلى، وفكر، وعلم، وفن، وهو يستلم الحياة كلا متكاملا فيفسرها، ويقيمها بقيمه السامية ويقدم لأبنائه مائدة سماوية من غير نقص وهو يفسر الحياة دوما مع الواقع ولا ينادى ألبته بأحكامه في وديان الخيال المنقطعة عن الحياة، يربط أحكامه وأوامره بمعطيات الحياة المعيشة ولا يبنى عالمه في دنيا الأحلام

الإسلام حركة في الحياة بكل مساحاتها من المعتقدات إلى أنشطة الفن والثقافة والرياضة....

وذلك هو أعم باعث لحيويته وعالميته الخالدة

وبذلك فهو يؤمن بضرورة توجيه العالم الاسلامى جميعا إلى التجدد بكل أجزائه في فهم الإيمان وتلقيات وشعور الإحسان والعشق والشوق والمنطق وطريقة التفكير وأسلوب الإفادة عن نفسه.أن روح التجديد عند الشيخ فتح الله كولن تعنى ضبط الحياة بضوابط الدين وتفسير الأمور المتعلقة بالزمان حسب مدارك العصر مع التقيد بالكتاب والسنة والاجتهادات الصافية للسلف الصالح.

فلابد أن يتعرف المسلم بهذا العصر وبواردات العصر ومعانيه وتفسيراته وأن ينجح في ذلك ويتواءم معها فإن مقتلنا في انحسارنا داخل قشورنا.

واستغراقنا في الانزواء والدنيا تسير سابلة الزمام وهذا يعنى أننا بدلا من أن نولى ظهورنا لمستجدات العصر ومستحدثاته من صحف ومجلات ووسائل الإعلام ينبغي علينا أن نؤنس وحشية الصحف والمجلات والراديو والتلفزيون من جهة ونرشد بها الذين انحرفوا عن جادة الطريق وسبيل الحق من جهة أخرى.

وهذا يدفعنا أن نسير قدما في طريق إنشاء المدارس والأقسام الداخلية التي تربى لنا مسلما متوشحا بالأخلاق والدين إلى جانب علوم العصر من فيزياء وكيمياء وغيرها.

إن الشيخ فتح الله كولن يرى أن الأمة الإسلامية تعيش الآن آلام مخاض ميلاد جديد وتترقب فجرا يوشك أن يعم نوره أرجاء الكون ناشرا الإسلام في جنباته.

ولن يتحقق ذلك إلا إذا قيمنا الدنيا تقييما صحيحا بعقل موضوعي يتصور الأمس واليوم والغد معا وعلى صعيد واحد، ماهر في تفسير تكرر التاريخ باتجاه الذات.

ولن نستطيع كما يرى الشيخ أن نجهز خميرة أبديتنا ولا أن نقوم بإحياء جديد لماضينا إلا إذا جلبنا عناصر حياة الغد من ماضينا وأن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية بنور الدين وضوء العلم.