الطبيعة
الطبيعة بالمعنى العام هي الوجود بأكمله وبخصائصه وبالصفات النابعة من الخلق. أما في الإنسان فيأتي بمعنى المزاج والطبع والسلوك. وعلى أي حال فإنك إن تناولتها من أي جانب أو من أي زاوية فليست إلا نقشاً من يد صاحب القدرة اللانهائية وقانوناً وضعته يد القدرة الخالقة وكتاباً ينطق بحكمته جل وعلا. والطبيعة مثلها مثل المادة خالية من الحس ومن الشعور ومن الإدراك. لذا فهي تنطق وتشهد بكل المخلوقات الموجودة وبكل الكائنات الموجودة عندها والتي تتطلب علماً وإرادة وتقديراً وتصميماً نراها تنطق بعجزها وبفقرها، أي أنها تشير وتعلن بكل وضوح عن وجود علم محيط يحير العقول وقدرة شاملة وراءها.
وبما أن الطبيعة هي نتيجة للخواص المادية والصفات الناتجة عن خلقها لذا لا يمكن أن تكون قبل المادة لأن وجودها مديـن لها. إذن ألا يكون إسناد الوجود والحوادث إليها والقيـام بتفسير كل شيء بها محاولة خداع وتضليل؟
إن الذين لهم أي اطلاع -مهما كان قليلاً وضئيلاً- بالعلوم الطبيعية اليوم يعلمون جيداً أن الطبيعة عمياء وصماء وأنها لا تستطيع خلق أي شيء. لذا فإن محاولة إحلالها محل الخالق ومحل قدرته ليس إلا نوعا من التعصب الأخرق للكفر.
ومع أن ماهية الطبيعة معلومة جيداً وواضحة تماماً فإن إظهارها بشكل يخالف ماهيتها وتقديمها إلى الأجيال كقدرة خالقة ليس إلاّ مخالفة ومعارضة للعلوم وإهانة وتحقير لكل الكائنات والموجودات التي يعد كل منها تحفة نادرة في الخلق والتصميم.
إن كانت الطبيعة هي الوجود نفسه، أفلا يدرك الذين يقولون "إن الطبيعة هي التي خلقت" أنهم يقولون في الحقيقة "إن الوجود هو الذي خلق نفسه بنفسه؟"
أما إن كان القصد من كلمة "الطبيعة" هو المزاج والطبع والسجايا والصفة والقانون والنظام، عند ذلك عليهم أن يوضحوا كيف يمكن للطبيعة أن تقوم بخلق الأشياء وإحداث الوقائع التي هي مهد نشاطهم وعلة أعمالهم, بتنظيم ذلك كله.
- تم الإنشاء في