الرؤيـا

الرؤيا نافذة من النوافذ المفتوحة على عالم الحقيقة. وتعني رؤية جزء مما حدث أو مما سيحدث من الحوادث رمزاً أو صراحة. فكل رؤيا إشارة وحزمة ضوء من العالم البعيد تنير الظلمة أمام الإنسان بنسبة بُعد ذهن ذلك الإنسان عن الوقوع تحت ضغوط معينة وتحت أسر إيحاءات معينة.

ولأن الرؤيا لا تحتاج إلى عين أو مادة أو ضوء، بل تتم بواسطة الروح والبصيرة، فإن الأشياء المرئية فيها تكون في الأغلب جميلة وواسعة بشكل لم يعتده الإنسان ولم يتصوره. والرؤية الواحدة قد تحوي إشارات ومعلومات كثيرة عن الأمس واليوم والغد بحيث تملأ كتباً. مثل هذه الرؤى ليست نادرة.

يكاد لا يوجد هناك شخص لم يحلم ولم يشاهد رُؤى في منامه. لذا نستطيع القول بإن الرؤية مشاهدة طبيعية للروح. ويستطيع الإنسان بهذه المشاهدة اجتياز سور الجسد والعيش في بُعد آخر. ومن يدري فقد يستطيع حدس أسرار كثيرة حول القدر في نطاق الجيل الذي يعيشه.

الرؤى التي تحققت كما هي من الكثرة بحيث لو قام كل إنسان بسرد الرؤى التي شـاهدها وتحققت تعابيرها لاحتاج الأمر إلى مجلدات عدة.

الرؤى تتدلى إلى أفق مشاهدة الإنسان من العالم الآخر حسب صفاء قلب ذلك الإنسان. فكم من رؤيا تسيح فيها روح هذا الإنسان وتسعد بالتجول في عالم من الجمال وفي حدائق من البهجة وترتوي من عيون الكوثر، وتطل من تلك النوافذ الخفية إلى عالم فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر... ترتوي وتثمل وتنتشي.

نستطيع بفضل الرؤيا إدراك وجود خاصيتين متميزتين عندنا هما القلب والبصيرة. وبذلك نستطيع التحرر من أجسادنا المحصورة في أبعادها الثلاثة. والحقيقة أن الأرواح السامية التي ارتفعت وعرفت الحق وامتزجت به لا تحتاج لمشاهدة العالم الآخر إلى الرؤى بل تستطيع رؤية ذلك العالم وهذا العالم معاً وتعيش الجمال النابع من اللانهاية فتثمل وتنتشي بسعادة لا توصف. ولكن هذا الباب غير مفتوح للجميع، إذ لا ينفتح إلاّ بعد مجاهدة كبيرة وبعد تجارب روحية عميقة.

الذين يرون ذهن الإنسان مزبلة تحتوي على كل وساخة، أو الذين يبحثون عن هذا الأمر في العالم العكر للأحاسيس الحيوانية يرون في الرؤى التي تهب فيها نسائم الإلهام هبوباً أثراً من آثار كرنفال اللاشعور. مع أن الآلاف من المكتشفين وأصدقاء الحق وجدوا فيها إلهامهم الأول. وسيبقى هؤلاء يحملون شعور الاعتراف بالجميل لهذا المنبع الفياض والمبارك لعالم المثال.

أما صاحب أعظم روح وأسماها والذي أغرق الدنيا بالنور،[1] فقد بدأ سيره في بحار الحقيقة والمعرفة بالرؤى. وكان يرجع أحياناً إلى هذا السلم الأول المبارك، وجذب انبتاهنا إلى هذا البستان المبارك الذي عده شعبة من بضع وأربعين شعبة من النبوة.

الهوامش

[1] المقصود هو النبي صلى الله عليه وسلم. (المترجم)

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.