الإنسانية

على الإنسان أن يجعل من نفسه ميزاناً يزن به كل شيء في سلوكه تجاه الآخرين. فما يريده لنفسه عليه أن يريده للآخرين. وعليه ألاّ ينسى أنه عندما يكره تصرفاً معيناً تجاهه فإن الآخرين أيضاً يكرهونه، فيتخلص بذلك من جميع التصرفات الخاطئة من جهة، ويسلم من إيذاء الآخرين وجرح قلوبهم.

أنت ترى أن الإحسان المسدى إليك يلين قلبك ويزيد من محبتك وتقديرك لصاحب الإحسان، إذن تكون قد اهتديت إلى الطريق الذي يوصل الآخرين إلى محبتك وتقديرك.

أحسن إلى الأناس تستعبد قلوبهم             فطالما استعبد الإنسان إحسان

إذن فالإحسان أفضل طريق للوصول إلى قلوب من ترجو منهم خيراً أو تخشى من جانبهم شراً.

لا يظهر كمال الإنسان ونضوجه إلاّ عندما لا ينحرف عن طريق الحق حتى بالنسبة للأشخاص الذين أساءوا إليه، بل لا يتردد في إسداء الخير إليهم. أجل! على الإنسان ألاّ ينحرف عن الإنصاف وعن المروءة حتى تجاه من رأى منه الإساءة والشر. ذلك لأن القيام بالإساءة تصرف حيواني، ومقابلة الإساءة بالإساءة نقص خطير في الإنسان. أما مقابلة الإساءة بالإحسان، ومقابلة الشر بالخير فعلامة من علامات السمو والشهامة.

ليست هناك حدود في إسداء المعروف إلى الآخرين، فالإنسان الشهم قد يضحي حتى بروحه من أجل الآخرين. ولكن هناك شرط واحد لكي تكون مثل هذه التضحية علامة فضيلة، وهو أن تكون هذه التضحية بصدق وإخلاص وصفاء نية، وبعيدة عن التعصب العرقي والقبلي.

إن إنسانية أي شخص ومروءته وشهامته تكون واردة بدرجة قربه من أصدقائه وأحبائه وبدرجة استمرارية هذا القرب. لذا فالحديث عن الشهامة دون إظهار هذا القرب منهم يبقى مجرد ادعاء فقط.

أما إسداء المعروف إليهم مقابل معروفهم وجعل ذلك شرطاً، أو القيام أحياناً بعقابهم بقطع هذا المعروف عنهم، فتصرف يدل على عدم نضج الروح والعجز عن إدراك الحقيقة أو الوصول إليها.

من أفضل أنواع المعروف التي يمكن للإنسان عملها تجاه الآخرين هو التعامي عن رؤية التصرفات غير اللائقة الصادرة منهم وتجاهلها وتناسي تقصيراتهم. أما البحث عن أخطاء الآخرين وتقصيراتهم وعيوبهم فشيء خارج عن نطاق الأدب. أما إشاعة هذه العيوب والتحدث عنها هنا وهناك فنقيصة لا يمكن الصفح عنها. أما ذكر هذه العيوب وتعدادها لأصحابها فضربة قاصمة للإخاء وللمودة التي تربط بين الأفراد، لأن الأنانية التي تثار عنده ستمنع تأسيس المودة مرة أخرى.

والإنسان الناضج والكامل هو الشخص الذي يعد أكبر معروف يسديه للآخرين شيئاً ضئيلاً، وأصغر معروف يُسدى إليه شيئاً كبيراً. مثل هذا الشخص يكون قد سما إلى الخلق الإلهي ووصل إلى الاطمئنان القلبي. مثل هذا الشخص لا يمن بإحسانه ومعروفه أبداً، ولا يشكو من الإهمال وعدم الاهتمام الذي قد يتعرص له.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.