دوامة الأنانية

إن أمانة الأنانية المنعمة على الإنسان هدية مقدسة معطاة له لكي يبحث عن الحقيقة الكبرى ويجدها... هدية يجب ضربها بالأرض وكسرها حالما تنتهي وظيفتها، وإلاّ كبرت وتضخمت وانقلبت إلى عفريت يبلع صاحبه.

يدرك الفرد بها خالقه جل وعلا، ويدرك قدرته وعلمه وإرادته اللامحدودة، وكونه بريئا من كل نقص، ثم يقوم بإذابتها في لهب معرفة الله وحب الله الملتهب في صدره، فلا ينظر ويرى إلاّ بالله... به يفكرو به يعرف ويصل به إلى المعرفة... وبه يتنفس أنفاس الحق.

البقاء أنانياً ليس إلاّ تعبيراً عن رؤية الحق دون إدراكه وفهمه، وعدم قطع أي مسافة في طريق اللانهاية، بل البقاء في المكان نفسه معصوب العينين. والذين يفكرون دائماً وأبداً في نطاق الأنانية، ويقومون ويجلسون بها، ويبحثون ما يبحثون عنه في إطارها لن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام وإن مشوا سنوات وسنوات وقطعوا الفيافي والقفار.

الأعمال المنفذة حتى وإن كانت أشق الأعمال وأكثرها إرهاقاً إن عملت من أجل الأنانية لم تعد فضيلة على الإطلاق، ولم تحز على القبول الإلهي. والذين يعجزون عن تجاوز أنفسهم، ولم يمزقوا أنانيتهم والمحرومون من البصيرة... حبطت أعمال هؤلاء... وحرموا من كل شيء، حتى أن كل أعمالهم وتضحياتهم تذهب هباء منثورا.

لما كانت الأنانية صفة شيطانية، فإن مصير المنخدعين بها هو مصير الشيطان نفسه دون شك. بل إن دفاع الشيطان ومعذرته لم تكن إلاّ نغمة أنانية. فالنبي آدم عليه السلام عندما هفا هفوة، أطلق دموع الندم والتوبة ورجع إلى الله واستغفره، بينما نرى في كل كلمة من كلمات اعتذار إبليس عناداً وغروراً وعدم احترام وعدم توقير.

قد تنشأ الأنانية من العلم، أو من الثروة والسلطة، أو تنبع من الذكاء، أو تتضخم بالجمال... وهناك أنواع أخرى. ولما كان الإنسان لا دخل له في إيجاد هذه الصفات، لذا فأي ادعاء أو دعوى تكون وسيلة لغصب حق صاحب الملك الحقيقي وجلب لسخطه، وتؤدي في النهاية إلى هلاك أرواح هؤلاء المغرورين.

عندما تنضم الأنانية الفردية والشخصية إلى أنانية جماعة نراها تتضخم وتأخذ شكلاً عدوانياً. وتبدأ هذه الأنانية المتوحشة بتحويل كل شيء -حتى الأمور الخيرة- إلى غيوم سوداء تقوم بإمطار كل ما عرفه البشر من شرور.

أجل! فالعلم يكون في يد هؤلاء ضياء كاذباً ووسيلة للثروة والغرور والمظاهر، والقلب جحراً للأفاعي والحيات، والجمال فتنة للآخرين وضرراً، والذكاء وسيلة للضحك على الذقون.

الفلسفة كانت ولا تزال تمثل الأنانية، والنبوة تمثل الحق والتواضع. طريق الفلسفة حافل بالشكوى والشبه والخداع والشدة والغضب، وصدامات عنيفة كصدامات جبال الثلج وتفتتها، بينما نجد النور في طريق النبوة وانشراح القلوب ونجدة الملهوف والتساند والتعاون.

الرغبة في عرض النفس للآخرين والتحدث على الدوام عنها ناتجة عن عقدة الشعور بالنقص. ويستمر هذا الوضع عند هؤلاء حتى تلقيهم دروساً جيدة في تربية النفس والروح يصلون بها إلى فداء وجودهم لصاحب الملك الحق. كل أمر من أمورهم تفوح منه رائحة الأنانية وحب المظاهر. وكل مظهر من مظاهر تواضعهم إما خداع ورياء، أو محاولة لكسب الآخرين... سحقاً وألف سحق للأنانيين أعداء الحق!..