الإنسان

الإنسان كائن مجهز بالأحاسيس العلوية ذو استعداد للفضيلة، وعاشق للأبدية وللخلود. فأكثرهم بؤساً من ناحية المظهر يحمل في جوانحه حباً للخلود وعشقاً للجمال وإحساساً بالفضيلة. وطريق السمو بالإنسان والارتفاع به نحو الخلود يكون بتنمية هذه الاستعدادات والقابليات عنده.

إنسـانية الإنسان لا ترتبط بجسده المادي الفاني، بـل هي في روحه المشتاق إلى الخلود. وهذا هـو السبب الكامن وراء عدم وصـوله إلى الإشـباع والرضا أبـداً عنـدما يعامل وكأنه جسد فقط.

أسعد الناس وأكثرهم حظاً هو الإنسان المتعلق أبداً بعشق ما وراء هذا العالم... بعشق العالم الآخر. أما الذين يقضون أعمارهم في السجن الضيق لأجسادهم فهم بؤساء وتعيسو الحظ وسجناء وإن عاشوا في القصور.

الوظيفة الأولى للإنسان هي اكتشاف نفسه ومعرفتها، ثم التوجه إلى ربه بعد وضوح ماهية نفسه أمام عينيه. أما الذين لا يتعرفون على ماهية أنفسهم ولا يدركونها ولا يستطيعون تأسيس علاقة مع خالقهم الجليل... هؤلاء من ذوي الحظوظ النكدة، يمرون بهذه الدنيا ويفارقونها وهم لا يعرفون قيمة الكنـز الذي يحملونه بين جوانحهم مثل مرور الحمالين الذين لا يعرفون قيمة الكنوز التي يحملونها.

الإنسان كائن عاجز بحد ذاته، ولكن لا تخفى عن النظر حقيقة واضحة وهي أنه يبدي مقدرة كبيرة عندما يستند إلى صاحب القدرة اللانهائية. أجل! عندما يستند إلى صاحب القدرة اللانهائية ينقلب من قطرة إلى سيل، ومن ذرة إلى شمس ومن متسول إلى سلطان.

بقدر تعامل الإنسان مع الوجود والحوادث والتفاعل معها أخذاً وعطاءً تظهر شرارات الحكمة في قلبه. وهكذا يتعرف إلى ذاته ويصل إلى معرفة الله ثم يسلك طريق الوصول إليه تعالى، بشرط ألاّ يكون قد ضلَّ في سياحته الفكرية الى حد الوقوع في الإلحاد, أو تعرض مسبقاً لعملية غسل دماغه.

الإنسان الحقيقي هو الإنسان الذي يعرف النقاط المشتركة بينه وبين الأحياء الأخرى. ويؤدي وظيفته في إدامة النسل بشعور من المسؤولية وبالبقاء ضمن الحدود الضرورية لأداء هذه المهمة. أما الإنسان الذي يركض وراء رغباته الجسدية وشهواتها فإنه يكون قد قلص المسافة بينه وبين الأحياء الأخرى.