التجربة الفريدة

خصصت مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد (أغسطس 2009) غلافها الأمامي لعالم مفكر ربّاني تركي معروف هو الأستاذ محمد فتح الله كولن.. فقامت بنشر مقال له تحت عنوان "العشاق المتيمون في هذا الزمان"، وأجرت حوارًا مع المشرف العام لمجلة حراء التي هي أول مجلة عربية تصدر في تركيا، وعادة ما يكون المقال الرئيس لهذه المجلة من قبل الأستاذ فتح الله كولن. ثم قام محرر مجلة الوعي الإسلامي بكتابة مقال حول كيفية تعرف مجلة الوعي الإسلامي على تجربة الأستاذ فتح الله كولن، ولماذا خصصت هذه المجلة الغلاف الأمامي لصورة هذا العالم الجليل، وجعلته محورًا لملفّها الخاص.

كما هو معروف فقد اختارت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في يونيو الماضي الأستاذ فتح الله كولن في مقدمة عشرين مفكرًا من ضمن قائمة "أهم مائة مثقف في العالم"، بناء على استطلاع للرأي، وذلك ل"تجاوز تأثيره حدود بلده، وذيوع صيته الثقافي في مختلف أنحاء العالم".

ولا يزال العالم المربي فتح الله كولن وحركته التي تستند إلى توجهاته، تجذب أنظار العالم الإسلامي وتحوز على اهتمامه وتقديره. وبعد أن اطلع الأستاذ الشيخ "سلمان العودة" على هذه التجربة قال في برناجة "الحياة كلمة" (تاريخ الحلقة: 11 يوليو 2009): "إن هذه تجربة فريدة لا مثيل لها في العالم العربي، ولا حتى في أكثر بلاد العالم؛ حيث انتقلت هذه التجربة من الشخصنة إلى أن أصبحت روحًا مؤسسيَّةً وطنيةً تُسْهِمُ في بناء تركي".

مجلة الوعي الإسلامي

لمجلة الوعي الإسلامي صدى كبير وانتشار واسع في العالم الإسلامي. وهي مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت. صدر عددها الأول في شهر محرم عام 1385هـ الموافق مايو عام 1965م، ومنذ 46 عامًا وهي تواصل الصدور والعطاء..

مجلة "الوعي الإسلامي" مجلة شهرية فكرية رائدة، تعمل على نشر الكلمة الصادقة المتوحاة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وتعمل المجلة على تنمية الوعي الإسلامي بمفهومه الشامل من خلال التوجيه التربوي الفعال، وتعزيز الشعور بالانتماء للأمة، والرد على الشبهات بالدليل العلمي، ونشر الإشعاع العلمي والفكري، وتشجيع المشاريع الثقافية المؤثرة في الواقع الإسلامي، إلى جانب دراسة المشكلات المعاصرة وطرح الحلول والبدائل، بالإضافة إلى العمل على نشر الفكر الإسلامي السليم المنصب في خدمة الدعوة. وهي مجلة إسلامية كويتية تعمل على تأصيل القيم والمساهمة في تنمية المجتمعات الإسلامية بخطاب شرعي معتدل يجمع كلمة المسلمين، وهي مجلة حكومية غير ربحية، وتهتم بالواقعية والموضوعية.

الاهتمام بشؤون المسلمين

قلنا إن مجلة الوعي الإسلامي مجلة كويتية ولكنها ليست محلّية، فهي تهتم بشؤون المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتعمل على تأكيد الهوية الإسلامية وتعزيز الشعور بالانتماء للأمة. يقول عبادة السيد نوح (محرر المجلة) حول تخصيص الغلاف الأمامي من هذا العدد لللتنويه لأستاذ فتح الله كولن: "نحن لم نكن نسمع عن أناس؛ وهبوا أنفسهم وأموالهم منذ أربعين عاما لله، وينكرون ذواتهم، ولا يعترفون بذلك... أناس اتخذوا العمل منهاجا لخدمة الإنسانية... أناس آثروا البذل والعطاء على التنظير والشخصانية والتغني بالشعارات. ولم نكن نعرف مؤسِّس أكبر تجمع إسلامي في تركيا "محمد فتح الله كولن" مدّ الله في عمره ونفع به وجعله ذخرا للإسلام والمسلمين، بالرغم من اهتمامنا بشؤون المسلمين في الخارج".

مجلة حراء

وأيضًا نرى أن مجلة الوعي الإسلامي تسعى لغايات نبيلة، منها بناء نموذج متميز للإعلام الإسلامي الهادف والمساهمة في المعالجة الفكرية للمشكلات الإسلامية المعاصرة. فمن الطبيعي أن يجذب انتباهها الإعلام المتصف بمواصفات الإعلام الذي تريد. فيقول محرر المجلة: "بدأنا الرحلة بزيارة مجلة "حراء" التي تتبع أكاديمية "قايناق للعلوم" التي أتاحت لنا الفرصة للتعرف على ثمرة مباركة ذات رسالة إسلامية ترتفع فوق القواطع والفواصل، وتخاطب كل المسلمين وتعتنى بالعلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية، وراقنا أنها قرآنية الصبغة، عَصْريَّة الصياغة، جامعة بين الأصالة والمعاصرة بمنهجية وسطية تجاهد في سبيل التكامل، بعيدا عن الإفراط والتفريط. كذلك تعرفنا على مؤسسة صحافية عملاقة تعتبر الأولى في الصحافة اليومية هناك، تسمى "زمان"، بالإضافة إلى أخواتها مثل وكالة "جِهَان" للأنباء، ومجلة "إكسيون" الإخبارية، فالجدية في العمل والتضحية في البذل والإدارة الحديثة والبسيطة والالتزام أبرز معالم هذا الصرح العجيب!"

ومن ضمن القيم النبيلة لمكتب مجلة الوعي الإسلامي هي الحوار الهادف، والتعاون المثمر.. لذا بدأت بالتعاون مع مجلة حراء.. يقول الأستاذ عبادة: "بدعوة كريمة من مجلة "حراء" التركية الناطقة باللغة العربية زارت "الوعي الإسلامي" هذه المدينة الخلابة لمدة خمسة أيام، وكانت مترسخة لدينا صورة ذهنية سلبية عن تركيا، فكانت المفاجأة مذهلة، والوقائع تهزّ القلوب اندهاشا وتعجبا لما بصرَته العيون من تركيا العثمانية... تركيا الخلافة... تركيا الفاتح...تركيا السلاطين..." يستمر قائلا: "كرم الضيافة وحرارة الاستقبال كانا موجودين منذ أن وطئتْ أقدامنا تركيا، حتى إننا أحرجنا من التمادي في الضيافة، خاصة من المربي مصطفى أوزجان، ورئيس تحرير"حراء" نوزاد صواش، بالإضافة إلى جمال تُرك مدير أكاديمية العلوم."

وقف الصحفيين والكتاب

المنحى الفكري العام للمجلة هو العمل من أجل تأصيل فكر إسلامي معتدل، أو بعبارة أخرى ترسيخ الفكر الإسلامي المعتدل والفهم الصحيح للإسلام. فمجلة "الوعي الإسلامي" هي جهاز حكومي يسهم في التنمية المجتمعية وفق فهم إسلامي متكامل يدرك الواقع ويستشرف المستقبل بتوجيه فكري معتدل... وتستهدف إقامة حوارات لتقريب وجهات النظر بين الاتجاهات الفاعلة في المجتمع، وترسيخ أدب الحوار البناء، وغرس القيم الحوارية وتنمية العلاقات الإيجابية مع المؤسسات الإعلامية. وفي هذه النقطة يجذب انتباهَ المجلة وقفُ الصحفيين والكتاب في تركيا الذي يشغل الأستاذ فتح الله كولن الرئاسة الفخرية له. فيقول الأستاذ عبادة: "تعرفنا على "وقف الصحفيين والكتاب" الذي أنشئ عام 1994 ليقدم تجربة جديدة في جمع النخبة السياسية والثقافية والدينية من مختلف المشارب والأطياف على طاولة الحوار، لمناقشة القضايا الحساسة والخطيرة للوصول إلى رؤى توافقية".

المدارس

وأيضا من ضمن أهداف مجلة الوعي الإسلامي هي تنمية الوعي الإسلامي بمفهومه الشامل من خلال التوجيه التربوي الفعال، والمساهمة في تنمية المجتمع من خلال تقديم البرامج التربوية والثقافية لمختلف الفئات والشرائح وفق وسائل إعلامية متطورة. لذا فاهتمامها بالتربية أمر مهم. ومن هذا الجانب نرى أن الأستاذ فتح الله كولن وأفكاره المتجسدة في المجتمع التركي وكل أنحاء العالم تجذب انتباه هذه المجلة.. فيقول الأستاذ عبادة: "وقد بهرتْنا إحدى مدارس "الفاتح" بجمعها ما بين حداثة البنيان والإبداع التربوي والتعليمي بأسلوب فريد من نوعه، قلّما تجده في مجتمعاتنا العربية، ما يدفعنا إلى التفكير في مراجعة منظومتنا التعليمية مرة أخرى، فأوائل طلاب الثانوية دائما من هذه المدارس، حتى باتت معلما ثقافيا وتعليميا تتهافت عليه الأُسر التركية لتعليم أبنائها من مختلف الأطياف، مع الأخذ في الإعتبار أنه يوجد على شاكلة هذه المدارس أكثر من 1000 مدرسة موزعة في محافظات البلد المختلفة، وفي دول البلقان. وهذه الفعاليات التعليمية، نراها هي متأثرة بأفكار الأستاذ المربّي فتح الله كولن..". ويقول الأستاذ عبادة عن تأثير الأستاذ فتح الله كولن في هذه المجموعة: "وترى هذه المجموعة الربانية أن العمل مفتاح "الشفرة" للتغيير الإيجابي، فيقول كولن: "سوف نُثاب بالنجاح على جَلدنا وصبرنا، وسنعاقَب على كَسلنا بحجة قلّة ذات اليد".

ترسيخ القيم

ترسيخ الفكر الإسلامي المعتدل والفهم الصحيح للإسلام، هو أيضًا من ضمن أهداف مجلة الوعي الإسلامي، والمجلة اهتمّت بأفكار العالم الربّاني الأستاذ فتح الله كولن من هذا الجانب أيضًا. تقول المجلة في هذا الموضوع: "رجال في سن الشباب، وتجّار شعارهم البذل، وعَلاَّمَة مُلْهَمٌ... ثالوث النهضة الفكرية والثقافية والعلمية في تركيا. إنهم استلهموا من السيرة النبوية كيفية تغيير الواقع المزري بالتدريج من خلال التربية والبناء والتعليم، بعيدا عن السياسة ورفع الشعارات الإسلامية، والتغني بالصور الخارجية والمظاهر دون النظر لحجم الإنتاج العملي. وعلى الرغم من إيمان هؤلاء بأن المبادئ الإسلامية ثابتة لا تتغير كما أنزلت في القرآن، فإنهم على قناعة أنها لا بد أن تتكيف مع ظروف كل عصر، وأن يتم تفسيرها من جديد لملاءمة ذلك العصر، كما يرون أن توافر العلوم الحديثة هو السبيل لفهم الذات الإلهية بالعقل عن طريق البحث في المخلوقات، ويقولون إن المجتمع لا يمكن أن يتغير إلا إذا تغير الفرد، والسبيل إلى ذلك هو العلم، لذا فشعار "كولن" في ذلك هو "ابْنوا مدارس جديدة بدلا من المساجد".

ختامه مسك

وفي الختام يلخص لنا الأستاذ عبادة الجانب الذي يمكن أن يُستفاد من هذه الحركة قائلا: "إن أبرز ما يمكن أن نستفيده من هذه التجربة الرائعة هو الجدّية والتضحية في العمل، وضرورة توافر الكوادر المؤهلة علميا وروحيا، والعمل المؤسسي المنظم، وتقديم ثقافة العمل على التنظير... لتؤكد تركيا مرة أخرى للعالم أنها عائدة بقوة لإحياء روح الإسلام في ربوع الإنسانية"...

المصدر: إدارة الموقع.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.