رسالة الأستاذ فتح الله كولن إلى أهل اليمن

كلمة تهنئة من الأستاذ فتح الله كولن بمناسبة الحفل التعريفي بمجلة حراء الذي أقيم في صنعاء اليمن

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السادة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

إننا نشعر بالغبطة والسرور، إذ نجد أنفسنا بين أحضان أهل اليمن الكرام. تماما كشعور الأخ الذي وجد أخاه بعد ضياع لزمان طويل، فلصلة الرحم الآن لهيب من المحبة الغامرة، والشوق القديم.

ولقد وجدنا اليمن وأهله كما حدّث عنهم التاريخ، أهلَ كرم وجود وحضارة أصيلة ومحتد أثيل، وما يزال اليمن ينتج الرجال والفحول، ولم يزل أهله يزودون العالم بأخلاقهم النبيلة، فيسهمون في نشر الدين الحنيف تبعا لمسلك أخلاق أجدادهم من الصحابة والتابعين. كان الرضا الإلهي هنا ينبض بالكرامات منذ أن أشرق النور في قلب أويس القرني إلى أن نبت جيل هذا العصر الجديد، فكم من شعوب أسلمت بالنظر إلى خطاهم والاستماع إلى منطقهم الحكيم.

أيها الحضور الكريم..

إن حبنا لأهل اليمن أصل أصيل، فمنذ زمان انطلقت قلوب من بلاد الأناضول تسعى إلى الدفاع عن أرض اليمن السعيد يقودهم حب إخوانهم ونصرة أحبتهم وواجب دينهم، جاؤوا من أقصى الأرض يسعون كما جاء رجل من أقصى المدينة يسعى، فارتقى في مراتب الخلود عند رب العالمين. والآن جئنا لنجدد العهد ونصل ما انقطع بالكلمة الطيبة وبالحوار والمناجاة على صفحات مجلة تطلب ضيافتكم وتسعى إلى التزود من حبر أقلامكم والتضلع من مداد أفكاركم، فقد شهد لكم الرسول عليه الصلاة والسلام بالحكمة البالغة حيث قال: "الإيمان يماني، والحكمة يمانية". فهذه مجلة حراء تمد أيديها لكم بحرارة عسى أن تجد من بينكم من يصافحها بكل ذلك، وقطعا لن يخيب ظنها، فأنتم أنتم كما شهد لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن قلبي -أيها الأحبة- ليختلج طربا من الشوق إلى لقائكم والتملي بالنظر إلى وجوهكم، ولكن إذا عجز الجسد عن حضور مجمعكم، لموانع مما لا طاقة لي بدفعه من قدر الله، منها المرض وغيره مما الله به عليم، فإن الروح قد وصلت مع أول طليعة من إخوانكم من إسطنبول تطرق بابكم. إنني من مكاني هذا أشاهد بقلبي مجلسكم وأسمع حواراتكم وأتلذذ بجمال اللقاء كمن هو حاضر بينكم تماما. وإنني إذ أعلم حفاوتكم الكبيرة بإخوانكم الوافدين كحفاوة الأنصار بالمهاجرين فإنني أضع بين أيديكم وبين جوانحكم أمانة هي سبب من أسباب التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة الذين فرقت بينهم المسافات الزمنية والجغرافية... مجلة حراء... ذلك أن الكلمة المكتوبة لم يزل لها شأنها الذي جعله الله لها ولن يزال أبدا، يجدد التاريخ ويستأنف سير الحضارة، لا ينافسها في ذلك شيء، مهما تطورت وسائل الإعلام الجديدة، إن الكلمة جزء من قدر الله العظيم، تفعل فعلها بأمره سبحانه، فلا يهزمها شيء ألبتة مذ حكم جل جلاله بذلك في قوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾(القلم:1)، وما مجلة "حراء" إلا قبس من نور القرآن الكريم، كتاب الله الجامع لهذه الأمة، الرابط لها بأصلها، والضامن لوجودها حاضرا ومستقبلا.

إن العالم الإسلامي -كما تعلمون- قد مزقته الرياح والجراح في كل مكان، فلا قطر منه إلا وهو يعاني من نزيف مستمر، لكننا واثقون بوعد الله العظيم في أن الآلام تلد الآمال، وإن صلة الرحم وتجديد التواصل بين الأحبة والإخوة في كل مكان في هذا العالم لهو السبيل لبذر حبة الحياة في تربة أمتنا، عسى أن نستنبت شجرة لشرايين الحياة فيها.

هذا، وإننا لنقدم مجلة حراء بادرة لبدء السير في هذا المسعى المبارك وفتح ثغرة في الطريق المسدود، وإننا لموقنون بذلك، لأن كلمة الله سبقت بقضائه نصرة لرسله وأتباعهم إلى يوم القيامة، ذلك أنهم أخلصوا في السعي إلى رفع ألوية المحبة والسلام ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾(الصافات:171-172).

بارك الله في مجمعكم.. وزكّى حواراتكم.. وجعل كل كلمة من كلماتكم الطيبة ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾(إبراهيم:24-25).والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد فتح الله كولن

9 شباط 2008م الموافق 2 صفر 1429