إسطنبول تحتضن مؤتمرا للإعجاز العلمي في القرآن

بدأت أعمال "المؤتمر الدولي الثاني للقرآن الكريم والحقائق العلمية" بمشاركة نخبة من رجال العلم والمفكرين والكتاب من تركيا والبلدان العربية والإسلامية في مركز "فُرَات" الثقافي بمدينة إسطنبول، بتاريخ 14-15 مايو 2011، تحت رعاية مجلة "حراء" ومجلة "يني أميت" ومجلة "سيزنتي".

وفي تصريح أدلى به لوكالة أنباء جيهان قال رئيس تحرير مجلة "يني أميت" أَرغون جَابان، أن المؤتمر يستهدف إظهار خاصية المزاوجة بين العلوم الحديثة والعلوم الدينية بشكل موضوعي عملي، مبيّنا أن مستواه أكثر غنى من حيث المحتوى العلمي بالمقارنة مع مؤتمر العام الماضي.

وواصل أرغون حديثه قائلا: "والملفت للنظر أنه لا يوجد بين المحاضرين سوى شخص واحد متخصص في الشريعة وعلومها، أما بقية المحاضرين فتتألف من رجال علم متخصصين في علوم الفيزياء والطب والكون والأحياء وغيرها".

ويذكر أن محاضرات المؤتمر تُترجم فوريا إلى ثلاث لغات؛ التركية والعربية والإنجليزية؛ إضافة إلى أن فضائيات وإذاعات تركية مثل "مَهْتاب تِي فِي" وموقع "كُرَة تِي فِي" تقوم بنقل فعاليات المؤتمر إلى مشاهديها بالبث المباشر.

واختتم لقد استغرق المؤتمر الثاني للقرآن والحقائق العلمية -الذي نظمته مجلة حراء الناطقة بالعربية بالتعاون مع مجلتي سيزنتي ويني أوميت التركيتين- يومين.. فاستضاف كوكبة كبيرة من العلماء في الدول العربية وأفريقيا والشرق الأقصى وتركيا. ومن أهم الموضوعات التي ناقشها المؤتمر: ضوابط البحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الإعجاز العلمي في زيت الزيتون، توسع الكون والانفجار الكبير، آيات الشفاء في العسل، النمل والنحل وقراءة الكون في ضوء نظرية المعلومات، رضاعة الطفل لمدة عامين، تكوّن اللبن في الحيوانات، والنورانية والكمية.

وقد توصل المؤتمر في ختام دورته الثانية إلى عدد من النتائج المهمة التي كشف عنها العلماء المشاركون في المؤتمر من خلال طرح الأمثلة على التوافق بين القرآن والحقائق العلمية، والتي أثبتت أن القرآن الكريم هو مصدر الحقائق العلمية والاكتشافات العلمية المعاصرة، وأن التطورات العلمية المعاصرة تشهد بصدق كلام الله العزيز.

وفي الختام قام الأساتذة المشاركون بتقييم أعمال المؤتمر، ومن ذلك ما ذكره الأستاذ الدكتور سعاد يلدريم (من تركيا): إن هذا المؤتمر قد اضطلع بمهمة قراءة كتاب الكائنات في ضوء القرآن" وأشار رئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية حمزة آقطان (من تركيا) إلى أهمية اجتماع المتخصصين المعنيين بالعلوم الدينية والطبيعية. أما الأستاذ الدكتور/ حامد عطية محمد (من مصر) فقد أكد أن هذا المؤتمر سيسهم بشكل كبير في تحفيز وتشجيع العلماء على التوصل إلى حقائق علمية جديدة أشار إليها القرآن الكريم. ومن أهم التعليقات التي حازت إعجاب جميع الحاضرين بالمؤتمر ذلك التعليق الذي ذكره الأستاذ الدكتور عبد المجيد بلابيد (من المغرب) حيث قال: لقد أينعت وأثمرت تلك البذور التي نثرها واحتضنها الأستاذ فتح الله كولن، فالذين نظموا هذا المؤتمر هم أفراد في سن الشباب، والحق أننا تعلمنا وسنتعلم من هؤلاء الشباب الكثير، فنحن معكم، فواصلوا سيركم.".

ولقد دُعي الأستاذ المربّي فتح الله كولن إلى هذا المؤتمر، ولكن كونه تحت العلاج في الولايات المتحدة، مما حال بينه وبين الاشتراك. فأرسل رسالة تهنئة قائلا فيها:

العالم الفاضل الأستاذ فتح الله كولن في رسالة التهنئة الموجَّهة إلى المؤتمر الدولي الثاني لـ"القرآن والحقائق العلمية" الذي نظمته مجلة حراء بالتعاون مع مجلة "يني أميد" ومجلة "سيزنتي" في 14-15 مايو 2011 بإسطنبول.

أيها السادة الكرام؛ علماء الأمة الذين شرّفونا بالحضور إلى هذا المؤتمر من داخل الوطن وخارجه، وروّاد الفكر المحترمين، ومرشدي الأمة، ومنتسبي إدارة الشؤون الدينية، وسائر المشاركين الأعزّاء...!

إنه ليُسعدني أن تلتقي ثلاث مجلات فكرية تصدر في إسطنبول على إقامة الحلقة الثانية لهذا المؤتمر الدولي الذي تمت حلقته الأولى في الصيف الماضي تحت عنوان "القرآن والحقائق العلمية" حيث فَتح أمامنا آفاقًا شاسعة وجلى لنا بعدا آخر من الأبعاد المعجزة لهذا الكتاب العظيم.

بداية يسرّني أن أتوجّه بجزيل شكري وامتناني إلى كل الذين أسهموا في هذا المؤتمر ببحوثهم القيمة، وعملوا على إثراءه بأفكارهم النيرة، وإلى الحضور الكرام الذين يتشوفون لمتابعة تلك البحوث التي تبرز بعض جوانب الحقائق العلمية في القرآن الكريم.

فالقرآن الكريم هو خطاب الله للبشرية جمعاء إلى يوم القيامة، فيه الحلول لجميع مشاكل الإنسانية سواء على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، أوفي مجالات الاقتصاد والثقافة وغيرها..

وهو الحلقة الأخيرة لرسالات الله تعالى، أرسلها إلى الإنسانية بواسطة خاتَم الأنبياء عليه أفضل الصلاة والتسليمات.. واحتوت على أبعاد إعجازية عديدةٍ لا نظير لها فيما سواها.

برسالته هذه أرشد سبحانه وتعالى تعالى بَني الإنسان -مرةً أخرى- إلى جادة واسعة تؤدي به إلى نَيل رضاه ؛ وتعبّر عن ذاته جل وعلا وصفاته وأسمائه أيما تعبير؛ وتبيّن كيفيةَ معرفته تعالى والتعمّق في تلك المعرفة على وجهٍ صحيح، وتدعو الى ترسيخ الإيمان وتحقيق العبودية بكلّ وُضوح، دون أنْ تدع أيّ ثغرة لسوء الفهم أو تترك له مجال ؛ وتركّز على وظيفة المؤمنين ومسؤولياتهم، وترغب القلوبَ في وعد الله بالإثابة والمكافأة والنجاة، وتلقى الرُّعب في النفوس من وعيده بالمعاقبة والمجازاة والهلاك .. وأكْثرُ من هذا، لقد قَدّم الله تعالى القرآن الكريم إلينا كرَمْزٍ للأكْمليّة والأتَمّية، ومحورًا يؤدّي إلى رضاه تعالى.. وخطاب الله تعالى لنا في القرآنَ بشكْلٍ من التّنـزّل إلى مستوانا، هو فَضْل ومَنٌّ منه تعالى إلينا؛ واتخاذنا كمُخاطَبين لذلك الخطاب السماوي المعجز، هو أكْبر هِبَة لَمْ يحزها ولن ينالها أيّ أحد من بني البشر.

إن القرآن الكريم، هُو أبْهر معجزة أُهْديَت إلى الرسول الكريم عليه أكمل التحايا وأدْومها من ضمن مئات من المعجزات تحققت على يديه.. فكما أنه من خلال روعة بيانه وإعجاز نظمه ودقة تعبيراته وطرز أسلوبه، هو مجموعة لأمورٍ بديعيّة رائعة؛ فإنه كذلك من خلال مبادئه الاجتماعية، وأصوله الحقوقيّة، وقواعده التربويّة؛ وتأويلاته حول الإنسان والوجود والكائنات؛ وتناوله جُلّ أسُس العلوم إما إشارة أورمْزًا أوإيماءً وأحيانًا صراحةً؛ وتَقْديمه حُلولاً بديلةً لمشاكل إداريّة واقْتصادية وسياسيّة وثقافية.. نعم من خلال هذه الأمور كلّها، هو مَنبع نَقيّ لا يَجفّ، ومورد عذب لا يغيض يَضطرّ الجميعُ لورده والنهل من معينه الفياض -في الحاضر والمستقبل- وفي كلّ آن.. وهو يَمٌّ فسيح لم يقدر على تَكديرِ صَفْوه أي عهد معْضل أو فترة مكدّرة.

إن القرآن الكريم، هو بيانٌ وإيضاحٌ للأوامر التكوينية؛ وهو مصدرٌ -متين لا يَتغيّر- لِلمبادئ والقواعد التشريعية. إنه كتابٌ محكَم يَحتوي على أوْثق مَقاييس قِراءة الوُجود والكَون والإنْسان قراءةً صحيحة، وليس هناك أيّ مُشكلة معضلة لا يَقْدر على حَلّها فرْدية كانت أو أُسَرية اجْتماعية كانت وتربويّة. ومن هنا فإنه يصدح بأعلى صوته معلنا بأنه منزل مِن علْمِ ذاتٍ إلهيّة مُطّلِع ومُهَيمن على جميع الأمور والأشياء بأسْبابها ونَتائجها. وإلى جانب شموليةِ نظْرته المذكورة، وإحاطَة بَيانه وأسْلوبه؛ فإنّ لدَيه قُدْرة خارقة بفضل تنوّع مُحتواه وسعة مَعناه، ودقّةِ أسلوبه ورقّةِ بيانِه، على سحْريّةِ الانْفتاح على حسَب أفاق المخاطَبين، و مقادير معلومهم. نعم، بفضل هذه الميزات كلّها، سَحرَ القرآن كل من بلغ إليه -بشرط أن لا يكون متّخِذًا قرارًا مُسْبقًا-، وأحْدث دُوَارًا في رأسه، من شدّة الإعجاب به.

إن القرآن الكريم من خلال جميع ما عالجه من موضوعات، هو أغنى كنْـز للحقائق اللاّهوتية والكونية؛سواء بالتصريح فيما أورده من نصوص محكمة، أوببَيان صاحب الشريعة (ص) وإيضاحه فيما ورد من نصوص مُجْملة أو متشابهة، أو بتَوكيل الأمر إلى إلْهامات الْمُلْهَمين من هذه الأمّة..

إنه لا يُعضل الأمرَ في الموضوعات التي يَتناولها - عرضًا أو تحليلاً-؛ ويُوضّح الأمورَ التي تتعلّق بالأصُول، إيضًاحًا صريحًا؛ ويفضّل التدقيق والتحقيق في الأمور التي تحتاج إلى تأمّل وتفكّر وتدبّر، ويُوجّه ويرشد القارئ إليها.. ويومئ إلى الاتّجاه إليه سبحانه وتعالى من أقرب سبيل ومن كل سبيل، ولا يُرحّب بالانْخراط ولا الخوض بكلّ جُرْأة في المواضيعَ التي لا يَقدر الشَّخص على تحمّلها.

إن القرآن الكريم، بحسب طاقة من يعكف عليه ويُمعن النظرَ فيه، يُحدث في القلوب والأدْمغة بقدر مستوى عُمق التأمّل فيه- وسائلَ لتجدّد الانكشافات كثريّا سحْرية مدلاة، تتزايد أعداد مصابيحها كلّ آن، ومِن خلال تلك التجلّيات في مختلف المستويات، يمنح لمريده من بني الإنسان هدايا إلهيّة متنوّعة ترتقي بمشاعره الإنسانية الظاهرة منها والباطنة. ويجعل المتفكّر المطالِع ينتشي بمزيج من أحاسيس فرَح واحْتفال مُتداخل، من خلال عجائبه التي لا تَنتهي، وجَماليّاته التي لا تَنفد، وأنواره الوضّاءة التي تتلألأ.

ولا أظن أن من يَعرف هذا الكتابَ يحتاج إلى مصدرٍ غيرِه في المواضيع الأساسية المتعلقة بالإنسان -والكون - والله... إلا في تفصيلِ مجمَلاته وتدقيقِها. وإن تفصيل المجمل وتدقيقه لا بد أن يستند في إطار مرجعيته، إلى بيانٍ للنبي (ص) أو مشاهدةٍ متينة أو محاكمةٍ سليمة أو استدلالٍ عقليٍّ قوي.. وهذا يعنى أن كل شيء يجري في فَلَكه هو.

هذا الكتاب، بنـزوله على أعظم البشر بركةً وأسعدِهم طرًا، في نقطةِ تحولٍ مهمةٍ لسير التاريخ، استهدَف تنظيمَ حياةِ مجتمَعٍ محظوظٍ، فرديًا واجتماعيًا وسياسيًا وإداريًا واقتصاديًا وروحيًا وفكريًا... و-بالفعل- حَقق هدفَه بحَملة واحدة ونفخةٍ واحدة، وصار مصدرَ إلهامٍ فريدًا لانقلاباتٍ متشابكة حصلت في مجتمعٍ بدوي، لكنها تُعدُّ أنموذجًا يُقتدى به في الأمم الحضارية. وهو -لمن يلجأ إليه- لازال حتى اليوم سندا قويًا وثريًا ومقتدِرًا على تحقيق أمور اليوم، كما كان قد مقتدرا على تحقيق شؤون الماضي.

هناك العديد من المفكرين المعاصرين الذيـن يرون بـأن العصر القادم سيكون عصر القرآن. والحقيقة أننا إن دققنا قليلاً لرأينا أن عصرنا الحالي بدأ يتجه للقرآن بسرعة أكبر مما كنا نتوقع أو نتصور.

ليس من المبالغة أبداً النظر إلى المستقبل بأنه سيكون عهد القرآن، ذلك لأنه الكلام الذي يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.

إن القرآن كما لم يقم بالأمس بخداع الذين آمنوا به واتبعوه ولم يحيرهم، كذلك لن يخدع الذين سيتوجهون إلى جوه النوراني ويؤمنون به بعد اليوم، ولن يخيب آمالهم. لأننا نؤمن بأن العقول عندما تضاء بنور العلوم، والقلوب بمعرفة الحق، وعندما يوضع الوجود تحت عدسة العلم والحكمة للتدقيق والدراسة، سيكون كل حكم صادر باسم العلم موافقاً لروح القرآن ومتلائماً معه. أجل... لقد كان القرآن في كل عهد وعصر كتاباً يدعو الناس إلى العلم وإلى البحث العلمي وإلى التأمل وإلى النظام في التفكير وإلى قراءة كتاب الكون وفهم أسرار الوجود،بل لقد اختار طلابه الحقيقيين من بين المفكرين والمتأملين.

وأنا أرى بأنه في المستقبل القريب ستشاهد الإنسانية بنظرات ملْؤها الإعجاب والتقدير كيف أن شلالات مختلف العلوم والفنون تتجه نحو القرآن لتصب فيه. عند ذلك سيجد العلماء والباحثون والفنانون أنفسهم في البحر نفسه.

وأخيرا وفي ظلال هذا المناسبة الكريمة أغتنم الفرصة لأهنّئ كلا من مجلة "حراء" ومجلة "يني أميد" ومجلة "سيزنتي" الموقرات على تنظيمهم لهذا لمؤتمر الدولي الثاني لـ"القرآن الكريم والحقائق العلمية"؛ وأقدِّم عميق محبّتي إلي كل من شرَّف هذا المجلس العلمي من أقاصي البلاد ومن أدانيها، ومن داخل القطر وخارجه، من العلماء الأجلاّء، وكذلك محبّي العلم ومريدي العلماء من المشاركين.. وأتمنى من أعماق قلبي أن يبارك الله تعالى في هذا المسعى الهائل، وأن يجعله وسيلة لنيل مرضاته سبحانه وتعالى...

>محمد فتح الله كولن

المصدر: وكالة جهان للأنباء، 14 مايو 2011.