الفصل الثالث:  تجربة الخدمة..لبنة على طريق نهضتنا المعاصرة

فهرس المقال

ونحن نبني حضارتنا[1]

حين نقرأ عنوان هذا الكتاب، يلفتنا تصدُّر حرف الواو في العبارة، ويستطيع القارئ أن يتأول للواو محلاً نحويًّا ينسجم مع قصد الخطاب؛ إذ يمكن القول: إنها واو الاستئناف، أو الابتداء، ويمكن القول: إنها واو الحال، أو أنها للمعية، أو أداة نسق عاطفة.. إلى ما هنالك من إمكانات تحتملها القراءة التقديرية للجملة.. لكنَّ أَوْجَهَ التقديرات -بحسبنا- هو أن الواو في هذا العنوان واو الاستغراق؛ إذ إن النسق هنا يفيد -وبصورة أوضح- المباشرة والانخراط والاسترسال. فالحدث (حدث البناء) قد شُرع فيه، وهو مستمر، يستغرق الفاعلين ويشغلهم، فهم ملتبسون به التباسًا عضويًّا لا فكاك عنه؛ إذ اشتمال الفعل في الجملة على فاعل ظاهر (نحن)، وآخر مضمر في الفعل (نبني)، له إفادة التأكيد والاستغراق والمناجزة.. وربما شاكل هذا الخطابُ آية (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)(الْمُؤْمِنُون:4) من حيث الأداء والإبانة عن معنى الملازمة والاستغراق.

لا شك أن للعنوان بهذه الصيغة مرامي تصريحية جلية، فقد أخذ سمة البيان الإعلامي، واستوعب قيمة العرض والخطبة، حتى لكأن الدلالة الضمنية فيه تقول: ها نحن باشرنا البناء، وإن الجهود لتستغرقنا في إنجاز صرح الحضارة، وها نحن نسير بنفس الاجتهاد والتفوق الذي أنجزناها به من قبل.

ومن المؤكد أن القارئ المتابع لكتابات كولن، يتداعى بسهولة إلى ذهنه عنوان كتاب آخر، صِنْوٌ لهذا وقسيم له في الموضوع، هو (ونحن نبني صرح الروح)؛ إذ الكتابان يلحّان ويلفتان إلى أن هناك انطلاقة تشييد ميمونة قد بدأت، ينهض بها فيالق الخدمة، حاديهم في ذلك الإيمان والاستماتةُ.. انطلاقة تعمير، تستهدف وضع الأسس الروحية والأدبية لنهضة تسترد بها الأمة ما سُلب منها بالأمس من سبق وعز.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.