الفصل الثالث:  تجربة الخدمة..لبنة على طريق نهضتنا المعاصرة

فهرس المقال

المآل المشؤوم

لم يكن منطق الأشياء يحتمل أن تجاري تلك المجموعاتُ العزلاءُ من طلائع شباب الخدمة ترساناتٍ عالمية لها النفوذ والصولة والإمكانات اللامحدودة على التمدد في الأرض، وفي أقطار السماء، لكن كولن، العقل المجهّز لتلك الطلائع الخدمية، والمقحم لهم في الميدان، كان متيقنًا من أنه يقوم بما يقوم به، في إطار فهم نوراني، يؤكد له أن ساعة النهوض قد أزفت، فالقوى الشيوعية التي ظلت سادرة في غلواء تجبرها قد انهدت بلا مقاومة، مُؤْذِنَةً بتحقق وعد الله لعباده المؤمنين المستضعفين بأنه سيورثهم الأرض، بل لقد كان كولن واثقًا من أن المصير الدماري نفسه ستعرفه كل قوة باغية أخرى على وجه الأرض.

طالما كانت خطبه المتنبئة بالمآل المشؤوم للطغاة ممن حادُّوا الله واستهانوا بالروح، تثير السخرية، بل وتسبب له الملاحقات. لقد ظلت معاناته تتزايد؛ نتيجة رفضه أن ينساق في نهج الإنكار.. وكلما أمعنوا في العمل على قهره وتصفيته، أمعن هو في الجهاد والمناضلة، لا تزيده مظاهر التربب إلا قوة وإيمانًا بأن النصر قريب، بل لقد لبث يتوقع أن خراب المعسكرين كان يتسارع ويقترب من أجله باطراد وتصاعد قوتهما الضاربة، وتمادي الأنظمة الأيديولوجية المرتبطة بهما في البغي والعدوان. وكان أمرًا طبيعيًّا أن يقرأ كولن في واقعة سقوط الاتحاد السوفيتي أول نُذُر الله المتحققة، لذا لم يتردد في تجييش ما أمكن أن يحثه من تلاميذ ومحبين، وأن يدفع بهم نحو الآفاق، في اتجاه صنع عولمة من نوع جديد، عولمة لم يكن لها- قطعًا- ما تعتد به، قياسًا إلى عدة وعتاد وسيطرة القوى العالمية التي تنافست فيما بينها على اقتسام الأرض واحتكار السوق، لكن كولن كان يدرك أنه بتلك الزُّمَر القليلة كان يدشن المسيرة التي طالما حلم بها وحلمت الأجيال المقموعة من أهل الإيمان. كان يعي بامتياز مغزى قصة سباق الأرنب والسلحفاة.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.