الفصل الثاني : فتح الله كولن.. الارتحال بالأمة من فقه النازلة إلى فقه النهضة

فهرس المقال

الفقه في مهب المصادرة الأيديولوجية

تغيرت أوضاع تركيا المؤدلجة، وباتت السياسة -وليس الدين- تصنع القيم، فتهاوى الفقه الشرعي من علْيائه تحت صولة الأيديولوجية الإلحادية، وتحوّلت الفتوى عن جهة ذوي الاختصاص والأهلية، وبات ينهض بها مُشرِّعٌ في القانون الوضعي، ويتدخل في رسم موادها إداري تكنوغراطي، ويملي مقاصدها أيديولوجي مادي، وجميعهم يعادون العقيدة الإسلامية عن تصميم، ويناهضون مصادرها ورموزها كتابا وسنة وسيرة سلف عن قحة وضلال. لذا اضطهد الفقيه الحق، وألغي دوره التسديدي، وبدله قامت تنظيمات ما سُمِّيَ الوسطُ المدني بدور تعويم قيم المروق في المجتمع، وترويج أفكار التغرب والفلسفات الإلحادية بين الفئات والطبقات، وانبرت المدرسة والقطاع الإعلامي والفنّي تلقن الأيديولوجية اللادينية للمجتمع والناشئة، فاستكمل الطغيان جهوزيته، واستفحلت عوامل الردة، ولم يكن في طوق المصلح إلا أن يبدأ من هذا الوضع المتردي، الميؤوس من تعديله.

فظهر ازدواج في الخطاب الإصلاحي: مستوى فقهي للعامة وآخر للخاصة، وفَقَد مصطلح الخاصة والعامة مدلوله القديم. فلم يعد يحيل إلى سواد الناس وبياضهم بالمنطق التصنيفي الطبقي الذي كان له في بعض أطوار الحضارة العربية الإسلامية، بل أضحى مفهوم العامة يحيل إلى ناس المجتمع مطلقا، ومصطلح الخاصة يشير إلى قطاع من الأفراد مقربين، اختص بهم الداعية، وارتبطوا هم به ارتباط تتلمذ وتحصيل وتلقٍّ وتحفيز. فالنشاط الديني، الوظيفي، الحكومي كان يتوازى أحيانا مع نشاط استنقاذي وتنويري ينهض به مصلحون، كل حسب استعداده للتضحية. وكان ذلك النشاط يمارَس تحت تحوطات السرية، وينتشر كالضوء أفقيا في صورة زاوية منفرجة، يبدأ من شخص المصلح، فتنتقل تعاليمه إلى من يباشرهم من عناصر ملازمين، مداومين، ومنهم تنتقل تلك التعاليم إلى القرابة (أهل وأصدقاء)، وهكذا تنفرج مساحة النور، وتتسع قاعدة الهرم بكيفية وئيدة، لكن بتصميم. وكان على المصلح أن يُصعِّد من الجهد بكامل الدهاء والحذر والحكمة ما أمكنه التصعيد، فعيون الترصد لا تنفك عنه، وما أكثر ما كانت أجهزة الرصد تأخذ بمجرد الظنة.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.