الفصل الثاني : فتح الله كولن.. الارتحال بالأمة من فقه النازلة إلى فقه النهضة

فهرس المقال

الاجتياح الغربي الذي غمر البلاد الإسلامية هتك الحاجز الحسي والمعنوي الذي أسدل بين العالمين الغربي والمشرقي منذ سقوط الأندلس، فمع تصفية الوجود الأسلامي من الأندلس، تحولت أوروبا إلى مرحلة التمدد والانتشار، واستهدفت دار الإسلام، واستطاعت أن تستولي على الثغور والمجالات الحيوية، وتوجت خططها بتفكيك بنية الخلافة الإسلامية وتحويل العالم الإسلامي إلى خريطة تتوزعها ألوان الدول الغربية الغالبة، البريطانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية والإسبانية وغيرها.

كانت صدمة الأمة قوية وهي ترى جيوش الغرب تغزو شواطئها وتحل بمدنها وأريافها، إذ وعت الجماهير فجأة هول القصور الذي صارت إليه، وكارثية الاستنامة التي غيبتها عن التاريخ على مدى عهود مديدة.

ما أسرع ما بدد الغزو والاحتلال ما كان يتوفر للأمة من عدة وقايئة صورية، وشتت من كان هناك من جماعات وعناصر كانت تشكّل طليعة المجتمع، ومقدمة الصف، ومصدر التوجيه.. وهكذا رأينا أمثال الأمير عبد القادر يعيش محنة الأسر ثم النفي عن الوطن، ورأينا الأفغاني يعرف المصير ذاته، والشيخ محمد عبده يسام العسف، ثم يحجر عليه، بل وسنرى حتى العناصر التي انخرطت في العمل تحت رعاية السلطان الأهلي من أمثال الطهطاوي وخير الدين التونسي والكواكبي والنورسي وسواهم يلقون نفس المصير، إذ انقلبت عليهم السلطُ المحلية، وضُيِّقَ عليهم؛ لأن أمر الأمة لم يكن في يدها، وإنما كان في يد الأجنبي الصائل، وكان هذا الأجنبي يترصد كل بادرة من بوادر الاستفاقة، فيُجْهز عليها في المهد.. وهكذا عاشت المجتمعات الإسلامية مراحل قاسية، شبه عزلاء من مقوّمات الوعي وأدوات الاستنهاض، لأن المستعمر وصنائعه الأهليين قد نفّذوا خطة تفقير وتجهيل وتجريف للبيئات المسلمة من كل مولدات التفكير والمقاومة.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.