القسم الثاني: فهرست مادة الزمن والوقت في فكر الأستاذ فتح الله كولن

زمرة الزمن..  (زمن، زمان، زمني، أزمان، أزمنة)

أحيانًا نحس... وكأننا نذرع السماء ونصل إلى أحوال خارج الزمان وخارج المسافات.
اختلاف الزمان والمكان لا يكون حائلاً بين أخوة الإيمان.
أراد الله سبحانه أن يقرر حكمًا فوق الزمان.
الأرواح السامية المتجاوزة للزمن.
استيعاب متطلباتِ الأزمنة والأمكنة.
أصبحت هذه المراحل تعكس الخصائص والحقائق الخالدة للإسلام ضمن نواة صغيرة في البعد الزمني.
أصل الشورى... مُلَبٍّ لاحتياجات العصور، وهو أصل متخطٍّ لحدود الزمان.
اعلم أنَّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيرًا عظيمًا في محاكمات العقول.
أفضل الأدعية في زمن الشدة، هي الأدعية التي قيلتْ في أثناء الرخاء والأمن...
إن أردتَ أن يخضع لك الزمان وينقاد... فإلى صاحب الدهر -عز وجل- اسْتسلمْ.
إن أمكننا التخلُّص من قيود الزمان، استطعنا أخذ أماكننا في الصف المحمدي خلفهم، فنضمن بذلك خَلاصنا.
الإنسان أحيانًا يقطع شريحةَ زمانٍ واسع جدًّا، من دون أن يقع في قبضة القبض.
الإنسان الذي يحيا بحياة القلب يصبح كيانًا فوق الزمن.
الإنسان لا يستطيع رؤية الله تعالى في الدنيا... ولا تتعلق المسألة بأبعاد الزمان والمكان أو بغيرها من الأبعاد.
بفضل الفن يستطيع الإنسان... حدس ما وراء الزمان والمكان.
بمثل هذه الروحية نظَّم الصحابة -رضي الله عنهم- أيامهم وأوقاتهم وزمانهم.
تتولى خدمةَ الإسلام جماعة من المحتسبين لله في كلِّ زمان.
التصوف هو... تجاوز الزمان والمكان.
التطور يحتاج إلى زمن طويل لا نستطيع تصور طوله.
تفتح في رحم الزمان مئات من أبواب الخير والبركات.
تمت بشارته هو أولاً باعتباره الرسول الفذ والفريد في مستوى الكون والزمان.
التوجه لا يُقيَّم باعتبار علاقتنا بالزمان والمكان وأبعادنا الدنيوية والأخروية، بل بتجلي الحق سبحانه وتوجّهه الذي يسمو على الأزمان والأمكنة.
تيجان على هام الزمن.
جواب أبي بكر -رضي الله عنه- "أبقيت لهم الله ورسوله"... هو تعبير عن تقييم الزمان تقييمًا جيدًا.
حقيقة النور، وتجاوز الزمان والمكان.
حلُّ المعضلات بالتحرر من قيود الزمان.
الحوادث التي يبينها القرآن تتكرر على مرِّ الزمن، تحت صور مختلفة، ولكن بالماهية نفسها.
خارج الزمان النسبي.
ذكرُ الله له الحرية المطلقة في السير في أجزاء الزمان... فليس له حدّ لا زمانًا ولا حالاً.
الذوبان بين فكي الزمان الذي لا يرحم.
الذين يعرفون كيف يكونون فولاذًا في أحيان، وجليدًا في أحيان أخرى حيال هذه الإذابة الصامتة للزمن، يستطيعون الوصول إلى بعد آخر في خط جريان الزمن، فيتخلصون من العدم. ومن لم يستطع إدراك هذا، عصرتْه يد الزمن.
الذين يعيشون حياتهم مفكرين...يحضنون الزمن الآتي بحرارة قلوبهم، ويلوِّنونه بآمالهم، ويصوِّرونه بعزمهم وإرادتهم...
الذين يعيشون حياتهم مفكرين... يمضون أعمارهم في خوارق العيش ما فوق الزمان.
الرضا مصعد... الذين استقلّوه يصلون هدفهم بسرعة تفوق الزمان.
روح القرآن الذي لا يحدّه زمان ولا يبلى.
الروح المرتفعة فوق الزمان والمكان.
الروح في مثل ذلك الزمن الذي يفوق الزمان...قد شاهد المحبوب.
الزمان أكبر مفسّر للقرآن، مقولة بديع الزمان..
الزمان المضيء الساحر المفتوح للخيال.
الزمان بأبعاد عديدة.
الزمن أثمن رأس مال.
زمن أحمر يحاصره اليأس.
الزمن الحاضر مركز استراتيجي للأفكار المثالية.
الزمن الممتد نحو الأبدية.
الزمن سيل فياض أبديٌّ... يجتاز الموانع ويحطِّم السدود.
زمن عُجن بالأكدار والهموم.
الزمن كلما شاخ وتقدم في العمر ونضج وتكامل وقرب من أشراط الساعة ومن "آخر الزمان"، كلَّما لمعت حقائق القرآن كالنجوم اللامعة في كبد السماء.
زمن لا طلوع للشمس فيه ولا غروب.
الزمن لم يستطع أن يمحو من قلوبنا ومن صدورنا أي حقيقة من الحقائق العائدة له -صلى الله عليه وسلم-، ولا أن يبليها.
زمن متصل بأقْدم القديم.
زمن نسبك فيه رؤانا في أفكار مثالية.
الزمن يبلي كلَّ شيء.
زمن يسيل دون انقطاع أو تغير.
شحن النفس بقوى الإيمان وطاقاته في مواجهة محن الزمان.
شريحتنا الزمنية الذهبية.
الشريط الزمني الزاخر بالألوان.
شريط زمني قصير ومحدود.
الصبر على الزمن فيما يحتاج إلى زمان ووقت.
الصبر على تباطؤ الزمن صبر الطائر الحضون.
الصحابة، نظموا الأزمنة التي يجب فيها التضحية بأموالهم وأنفسهم تنظيمًا جيدًا.
صدى أقواله -صلى الله عليه وسلم- المباركة التي نطق بها قبل عصور، يتجاوز المكان والزمان ويصل إلينا.
صلاةَ الغائب تصلي... على بطل هنا كان، ثم تمضي... وفي غيابه جُبُّ الزمان انطوى.
علم الفيزياء يظهر أمامنا وكأنه العلم الذي ينمو على الدوام في عروق الزمن ويغذيه ويتوسع ويعكسه.
على الزعيم أن يكون بعيد النظر يتجاوز زمنه.
عن زمان آخَر حدِّثْنا... عن أولئك المشؤومين... الذين أبحروا بأشرعة سفائنهم... بعيدا نحو التغرُّب والاغتراب.
عندما ننظر إلى العناصر التي يستعملها القرآن نراها غير مختصة بزمن معلوم أو مكان معلوم.
عوالم خلف المكان والزمان.
العيش في آن واحد أزمانا عدة.
الفناء فيه سبحانه وفي مراده في كلِّ الأمكنة والأزمنة.
في الروضة الطاهرة... ما أعجب هذه النضارة وتحدي الزمن!
في زمن -لأنه قديم- تركوا التاريخ أيضا للبِلى... رميناه -لأن كلَّ قديم يرمى- فبَلى... لو كان وحده الذي تركناه للبلى.
القرآن معجزة كبيرة وشاملة وغنية تتجاوز كلَّ الأزمنة والأمكنة.
القرآن يخترق بنا آماد الزمان والمكان حتى لنكاد نشعر بأمواج الأبدية وهي تضرب شواطئَ أرواحنا.
كان -صلى الله عليه وسلم- صاحب رؤية وفراسة تتجاوزان أبعاد الزمان والمكان.
كان -صلى الله عليه وسلم- يستعمل عامل الزمن استعمالاً جيدًا.
كان على "خبيب" -رضي الله عنه- أن يُقحم الحياة كلَّها في جملة واحدة، يظل التاريخ صامتًا صاغيًا إليها وتبقى أذن الزمان ترنُّ بها.
كانت البعثة النبوية... حدثًا مدوّيًا في سمع الزمان.
كأنه تم هنا تجاوز الزمن في هذه السياحة.
الكذب لطخة سوداء على جبين الزمن.
كلُّ حادثة مقيدة بزمانها وظرفها.
كلُّ صاحب دعوة عليه أن يَبْلُغ ما بلغه "خُبَيب" -رضي الله عنه- في عشق التبليغ والشوق إليه، كي يمكنه أن يقول لسير التاريخ المخالف: قف! ويمكنه أن يتجاوز تيارات الزمن المخالفة أو المضادة، ويعيد الزمن إلى مجراه الصحيح، ليكون مؤديًا حقيقة وظيفة خليفة الله في الأرض.
كلُّ ما يحدث ويجري، وكلُّ ما في حياتنا من أحداث، إنما يُسجَّل ويُكتب آنًا بآن، وكأنه معلّق على شريط الزمان ليلاً ونهارًا. ونحن نطلق على هذا "التقدير اليومي"..
كلُّ من وصل إلى هناك من أصحاب القلوب العاشقة يبدو وكأنه دخل إلى دهليز من زمان سحري.
كلَّما تقادم الزمن، ازداد -صلى الله عليه وسلم- نضارة وطراوة وحيوية في قلوبنا.
كلما تقدم الزمن تجدد شباب القرآن.
كلما شاب الزمن وشاخ انفتحت قنوات جديدة وعروق جديدة، وتوسعت، وزاد سعي الإنسان وظهرت علوم جديدة تشرح لنا أسرار الكون وغوامضه.
كلمة "التقارب" الواردة في الحديث تعني اقتراب شيئين من بعضهما، وهذا يشير من جهة إلى نسبية الزمان.
كيف نستطيع... أن نقطع نفق الزمن الذي نعيشه بسرعة أكبر؟
لقد أرسل كلُّ نبي لفترةٍ من الزمن ولمكانٍ معين، بينما أرسل -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة حتى قيام الساعة.
لكي نستطيع الإحساس بالشريط الزمني السعيد الذي نعيش فيه حق الإحساس يجب أن تكون الأرواح والضمائر مستعدة لسماع مثل هذه الموسيقى...
الله -جل جلاله- واحد أحد، ومع ذلك فهو موجود وحاضر بعلمه وقدرته في كل مكان وفي كل زمان.
لو كان الزمن يتحكم في الملائكة ويُجري حكمَه عليها مثلما يجريه على سائر الأحياء، إذن لكنّا محقّين باتخاذ مقياس بشري في حقهم.
ليت مثل هذه اللحظات الحلوة من شلال الزمن لا تسيل بمثل هذه السرعة، ويا ليتنا كنا نملك الإحساس بها بكل ثانية أو ثالثة أو عاشرة...
ما كان لرسالة القرآن العالمية الشاملة في الزمان والمكان أن تنطلق إلاَّ من البلدة التي توجد فيها الكعبة.
ما من زمن "فترة" طويل خال من الأنبياء.
المبادئ الواقعية وغير الخيالية للقائد يجب ألا يسبقها الزمن.
المبلِّغ يحافظ على وضعه كما هو في كلِّ زمان ومكان وأيًّا كانت الظروف.
المحتوى الذي هو فوق الزمان، والمشاعر المقيدة بالزمان...
معلوم أنَّ الله سبحانه منزَّه عن الزمان والمكان.
الملحوظة الزمنية المربوطة بوجود الإنسان.
من يهدر الزمان فلن يبدي فعالية وكفاءة أخروية البتة.
منذ عصور خلت، وإنساننا هكذا حاله... نائما يمشي... مُغمض العينين، موقر الأذنين. قطارَ الزمن يمتطي، لا يعرف متى ينزل، أو متى يصعد.
تعيين زمان ومكان العبادات يعود للشارع تعالى.
مولانا جلال الدين الرومي لا يعتزّ بأنه سلطان الكلام وأنه قد فاق زمانه.
النطاق الضيق لأبعاد الزمان.
الهداية... ضرورية لكل شخص في كلِّ زمان وفي كل مكان.
هذا الرسول الجليل القدر -صلى الله عليه وسلم- في رحلته وراء الزمان والمكان، رأى من معجزات ربه، ومِن آياته الباهرة.
هكذا فبوساطة كلمتين سحريتين وهما "تقارب الزمان" يشير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما سيحدث من تغير في مفهوم الزمن عندنا.
هل يمكن حصْر الله -عز وجل- -حاشا لله- في زمن أو مكان معينين؟
هناك أناسٌ ربّانيين تجاوزوا الزمان والمكان.
هناك إنسان ينحت الزمن لحسابه... وهناك إنسان ينحته الزمن طوال عمره.
هناك حاجة إلى مرشد جهوري الصوت مثل سيد الزمان والمكان -صلى الله عليه وسلم-، لكي يشرح معنى الوجود، ومعنى الكون والكائنات.
هو -صلى الله عليه وسلم- الذي أعطى الزهو والفخر للزمان والمكان.
يرى سبحانه وتعالى الزمن بأبعاده الثلاثة كزَمَن واحد.
يُسأل السالك عن إضاعته للزمان من غير طائل.
ينسج بالحزن حياته على خيوط الزمان.
الجهل هو المجرم الحقيقي فالزمن والقدَر بريئان.
   يومٌ يقرُّ فيه الزمان ومَن في الزمان..
       زمرة الوقت..
(وقت، أوقات، مؤقت)
- أثمن هدية في الوقت الحاضر هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- احتضن بديع الزمان الوطن جمعًا وكلاًّ في كلِّ وقت وزمان.
- الأخبار في إمرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت تصل إلى المركز في وقتها، حيث كانت تقيَّم وتحلَّل حالاً.
- أدركنا في الوقت الحاضر أنَّ ما نعلمه وندركه من الأمور ليس إلاّ بضعًا يسيرا.
- إذا سرنا على هذا الخط فستكون ثقافتنا الرصينة... جزءًا لا يُستغنى عنه من الثقافة العالمية حينما يأتي الوقت المناسب.
- إذا ما وجد الناس في الوقت الحاضر مرشدين أمثال هؤلاء فقد وجدوا شيئًا عظيمًا. وإلاّ سينتظر هذا المجتمع طويلاً ما داموا مستغفلين بأنصاف المرشدين.
- إذا نظرنا إلى المسألة من حيث التقدير الإلهي، فنرى كأنَّ الله سبحانه يقول للإنسان: "إنني أعلم أنك ستستعمل إرادتك في هذا الوقت في الفعل المعيّن، ولهذا أقدّر لك هذا الفعل بهذا الشكل"...
- آذن الوقت بغروبها كالشمس، لكن ها هي تنهض لجولة أخيرة...
- استعان -صلى الله عليه وسلم- بالأسباب، ولكنه لم يهمل الدعاء في أي وقت من الأوقات.
- أملنا أن يُنقَذ هذا الجيل من هذا المستنقع في أقرب وقت. وهذه غاية وجودنا ومبتغانا.
- إنَّ الإنسان عادة ما ينسى العناية الربانية في أوقات الراحة والرخاء والارتخاء.
- إنَّ الذين استطاعوا الخلاص من سجن الجسم، ووصلوا إلى مرتبة حياة القلب والروح، يستطيعون عيش الماضي والمستقبل معًا وفي الوقت نفسه.
- إنَّ الله في الوقت الذي أظهر أهلية بعض الناس، لم يعطهم المال والأولاد.
- إنَّ إنساننا في الوقت الحاضر، إن كان يريد أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده... عليه أن يراقب نفسه مراقبة جادة، ويحاسب رغباته حسابًا عسيرًا، في الوقت الذي يزاول نشر الحق وتبليغ الحقيقة للآخرين.
- إنَّ أي حملة نشاط وفعالية مثلها مثل اتخاذ التدابير، إنما هي دعاء متوجه لله تعالى. وهما في الوقت نفسه وجهان لحقيقة واحدة.
- إنَّ بيئة عامرة بتراثنا الثريِّ ستؤثر في كلِّ وقت، في العالِم والجاهل... والمفكِّر والسارب في هواه.
- إن كان الموضوع موضوعًا علميًّا وجادًّا ويحتاج إلى تدقيق وبحث، فإنه يأخذ وقتًا أطول.
- الإنسان الذي أُلقي به في شوق وهجران مؤقَّت يظل يهذي في عشقه هذيان المخمور هاتفًا باسمه تعالى طوال عمره.
- إنساننا اليوم بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أكثر من أي وقت مضى..
- إنساننا في الوقت الحاضر أحوج ما يكون إلى المحبة والشفقة والكلام الطيب والصوت الأنوس الحنون، بدلاً عن القسوة والعنف والضرب والقتل.
- إنه سبحانه هو الذي قدّر الحسنات والخيرات وأعدّ أسبابها من المبدأ إلى المنتهى، كما أنه هو الذي أرسلها أيضًا في وقتها المناسب.
- أهدى لهم النصر في وقت لم يكونوا يتوقعونه أبدًا، مذكرًا إياهم بأنَّ المشيئة والحكم له وحده.
- الأيام تُظهر على الدوام صدق كلِّ ما قاله وأخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما يحين الوقت المناسب لذلك.
- آية (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)(الضُّحَى:3) تعني أنَّ غدك سيكون أفضل من يومك الحالي، ومستقبلك أفضل من وقتك الحالي.. والتاريخ يشهد بأنَّ هذا هو ما حصل فعلاً.
- أية أمَّة أرسيت قواعدُها بهذه المثابة، على أساس ثقافي بهذه الرصانة، فإنها بمرور الوقت ستصل إلى مستوى من النضج.
- بدرجة المستوى الذي نبلغه في الصلاة نكون بعيدين عن المنكرات. وبمرور الوقت تكون مثل هذه الصلاة بأبعادها العميقة عاملا مهما في توجيه سلوكنا.
- البشرية محقة في الوقت الحاضر إذا ما تخوفت وقلقت... من كلِّ إنسان يمثل الإلحاد.
- بمثل هذه الروحية نظَّم الصحابة أيامهم وأوقاتهم وزمانهم.
- تحمُّل كلِّ البلايا والمصائب -التي تنزل في وقت غير متوقع وبشكل غير متوقع وتهزك- دون أي يأس أو إحباط... هذا هو الصبر الذي هو أمرّ من العلقم، ولكنه في نهاية المطاف شراب زلال.
- تشكل هذه الآية دليلاً معاكسًا للتطوُّر؛ لأنها تشير إلى أنَّ وقتًا طويلاً قد مرَّ دون أن يكون هناك أي إنسان...
- جاء وقتٌ استُهين فيه بالمؤمنين، وأصبح قول "إنني مسلم" سببا للاستهانة والتحقير..
- الجندي المتهيّئ للجهاد سينال حصته من ثواب المجاهد، حتى خارج أوقات الجهاد الفعلي.
- الجهاد الأصغر هو مزاولة الإنسان له إذا اقتضت الظروف، ويكون في أوقات معيَّنة وبين حين وآخر.
- الحال: هو التجليات التي ترد تترى في أوقات موافقة لمراد الإرادة الإلهية المطلقة..
- حتى في الأوقات التي ينغمس فيها البلد في ظلام دامس نجد أنَّ المعبد يستمر... بتلاوة شعره الخاص.
- حتى وإن لم تقم بالتعرض لمن أصبح هدفًا لقهر الله، فإنَّ الله سينتقم منه في الوقت الملائم.
- حسب عقيدة أهل السنة والجماعة، فإنَّ مجرد ورود خاطر التوبة بشكل صحيح، وفي الوقت الصحيح، يعدُّ تلفظا.
- الحقُّ إن لم يُمَثَّل حسب مقاييس قيَمه الذاتية، يمكن أن يُستردّ في كلِّ وقت.
- الحقيقة الأحمدية هي في الوقت نفسه حقيقة الكون.
- ذُكر الخيل في الحديث لأنها أَسرع واسطة للنقل والحرب لعصر معيّن. أمَّا في الوقت الحاضر فقد تغيَّر الزمان.
- الذين يرون الجهاد جدالاً ونقاشًا هنا وهناك، إن لم يراقبوا أعمالهم ويقوموها بموازين الجهاد الذي ينادون به، فإنهم لا يعملون إلاّ لقتل الوقت وخداع أنفسهم.
- ربما تكمن صفاتٌ مؤمنةٌ في تقدم الكفار في الوقت الحاضر في كثير من النواحي في أرجاء الدنيا.
- رجل الفكر الحقيقي يقارن في كلِّ وقت بين ضياء القلب ونور العقل، كفرسي رهان في المضمار.
- رجل القلب والعواطف الذي يغني أوقات وحدته وعزلته بالتأمل وبالتفكر والمراقبة.
- روح الإنسان وُجود مستقل. إذ ثبت هذا في الوقت الحاضر بوضوح تام...
- سبب تفوُّق الغرب في الوقت الحاضر هو ما أخذوه من صفات المسلمين، لذا تراهم يجولون في الذرى.
- الشباب في الوقت الحاضر، غريب عليهم التعابير والاصطلاحات الدينية، فمن الضروري التكلم معهم بلغة يفهمونها.
- الشخص المشغول بما لا يعنيه لا يجد الفرصة أمامه لكي ينشغل بما يعنيه حقا، إذ لا يجد الوقت الضروري والكافي لذلك.
- الشرور العارضة وإن بدت دائمة، إلاَّ أنها مؤقتة. ومثل أي شيء آخر فعندما يحين وقتها ويأتي أجلها ستموت وتفنى.
- الشكر القلبي في الوقت نفسه يؤسِّس الشكر الذي يُؤدّى باللسان والجوارح.
- الصديق الحقُّ هو الذي يرعاك في أوقات الضيق.
- الصلاة التي تُؤدَّى بإخلاص، والهادفة إلى رضا الله تستطيع -بمرور الوقت- إبعاد الإنسان عن الفحشاء والمنكر، إن لم يكن اليوم فغدا.
- طرح أسئلة هنا وهناك، وفي كلِّ وقت وحين، شيءٌ مذموم وغير مستحب، إذ الأفضل أن تتوجَّه مشاعر الناس وأفكارهم إلى أمور مفيدة مثمرة.
- الظاهر أنَّ هناك حاجة لبعض الوقت لكي تصل الحقائق إلى الجماهير العريضة.
- عاش شعبنا مرتبطًا بمحاور فكرية متعددة في وقت واحد.
- عديدٌ من الدول التي تبدو عظيمة بترفها وبذخها وأبهتها، إنما تُلهي في الواقع حشودَ الغافلين بالخدع الوقتية لحركتها في فلك النفعية.
- عرّف آخرون الزهد بأنَّه الحفاظ على حدود الشرع وحمايتها حتى في أوقات الضيق والشدة، والعيش لأجل الآخرين في أوقات الغنى والرخاء.
- على الإنسان ألاَّ يربط عباداته بالفيض أو باللذة التي يحصل عليها منها. فأحيانًا قد تؤدي صلاةً وأنت في حالة روحية منقبضة، أي في وقت ضاقت فيه نفسك وقلبك.
- على هذا الكادر الاستقامة على الحقِّ، وعبور نفق هذه الأزمة بأقصر وقت ممكن.
- علينا أن نضع الغد وما بعد الغد أمام أنظارنا على الدوام، وفي الوقت نفسه لا ننسى ما يعود للدنيا من أمور وأشياء.
- علينا وعلى كاهلنا في الوقت الحاضر حقوقً هائلة تراكمت منذ عصور.
- عندما يحين الوقت المناسب يكلِّف الله تعالى هذا الشخص المصطفى بمهمَّة الرسالة.
- الغالب في الوقت الحاضر ليس الغرب نفسه، وإنما الصفات الإسلامية التي فيهم.
- الفسق أو الفجور، يحتمل فيه المغفرة -في كلِّ وقت- بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الحق تعالى.
- في الوقت الحاضر يجوز العمل في وظائف الدولة ضمن حالات الاضطرار.
- في الوقت الذي نرى أننا محاصَرون بالآثام من كلِّ جانب، ونحزن لهذا، نرى وجود إيجابيات تستطيع إزالة آثار تلك السلبيات...
- في الوقت الذي يغفر لنا الله تعالى زلاَّتنا وأخطاءنا التي وقعنا فيها... علينا السعي إلى كسب رضاه بالنوافل والتهجد.
- في الوقت الذي يهاجَم فيه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ويُفتَرى عليه وعلى الإسلام، لا نستطيع جعل كرامتنا موضوع الساعة، بل لا نستطيع أن نجد الوقت حتى لمجرَّد التفكير في ذلك.
- في كلِّ وقت تقريبا عندما نمرُّ بهذه الحالة الروحية نحسُّ أنَّ نظرتنا للحياة تتبدَّل وتتغير.
- في مثل هذه الأوقات المباركة يكون الصباح كأنه سعادة الخطوة الأولى في دخول الجنة.
- في مزدلفة... توجّهٌ إلى الله تعالى خارج أوقات الصلوات وتوجّهٌ نحوه في الصلوات.
- في معظم ساعات الأذان وأوقات العبادة نحسُّ كأنَّ ألوان العالم الآخر، وأنفاس الملائكة -التي تسمو بأرواحنا وتطير بها- تملأ جوانحنا.
- قد تأتي أوقات تسيطر علينا خيالاتنا إلى درجة لا نستطيع معها حمل ثقلها، ولكننا نستطيع التخلص منها والابتعاد عنها ومحاكمتها.
- قد تأتي أوقات وأوضاع لا تكفي لمواجهتها إرادتنا وحيوية قلوبنا، عند ذلك نستمد العون من أشخاص ارتبطوا بالله تعالى ارتباطًا وثيقًا.
- قد يدفع البحث عن مثل هذا الرضا الإنسانَ في بعض الأوقات وتحت ظروف خاصة، إلى الانفراد والاغتراب، رغم أنه يعيش بين الناس.
- القرآن يرفعنا فوق العالم إلاَّ أنه لا يطلب مِنَّا الانسحابَ منه، ويعلو بنا فوق الكون في الوقت الذي يريد منَّا أنْ نتنبَّه لأقلّ جزئياته بداهةً وأُلفةً.
- القلب المتفتح بالمعاني... يحسُّ بالطمأنينة في أكثر أوقاته توترا.
- كان الرسول يهيئ جيشه بنفسه، وفي أوقات السلم يشجعهم على أداء الفعاليات الرياضية، ويرتب بعض المسابقات بينهم، حتى إنه اشترك في بعضها.
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجد وقتًا من بين مشاغله الكثيرة والمهمة، فيذهب إلى مرضعة ابنه ويحتضن ابنه ويقبله ويداعبه...
- كان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يحكم أرضا تسعُ سبع مرات مساحة تركيا في الوقت الحاضر.
- كان شعبنا يجثو أمام آلهة موهومة كثيرة في وقت واحد.
- كان -صلى الله عليه وسلم- يرجع إلى آراء الآخرين في كلِّ وقت.
- كان قلب بديع الزمان مفعَما بالإيمان، ولم ينزلق إلى القلق، بل إلى الشكر والحمد في أوقات صبره على المحن.
- كان يختار الوقت المناسب للدخول في صدام مع العدوِّ، بحيث يكون وقت المعركة ومكانها في صالح المسلمين وفي غير صالح العدو.
- كأنَّنا مضطرُّون إلى الإحساس بأشياء عديدة في وقت واحد!
- الكفر يرِد في الوقت الحاضر من جانب العلم.
- كلُّ حادثة تتجلّى عند كلام رسول الله تعالى بشكل بشارة أو إنذار، تقوم بتصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلسان فصيح عندما يأتي وقتها.
- كلُّ مسامرة أو مذاكرة أو أي أسئلة وأجوبة لا تساعد على توسيع هذه المعرفة، إسرافٌ في الوقت، وإسراف في الكلام.
- كلُّ وقت من هذه الأوقات (الليالي المباركة) يمر بطعم وبلذّة مختلفة ثم يذهب ويغيب.
- كلَّما حان الوقت الملائم ظهرت الحادثة التي تنبَّأ -صلى الله عليه وسلم- بها، وهناك حوادث تنتظر الظهور.
- كما اختار الله -عز وجل- رسولنا وأصحابه في وقت مهم، سيقوم باختيار قوم آخرين لإعزاز دينه...
- لا أريد أن أعرض أمامكم -ولو لوقت قصير- لوحة سوداء مقززة... وأنا أرى أن هذا يشكِّل جريمة.
- لا استيحاش ولا انفراد لمن يحيا في جو من "الأنس بالله". بل باغترابهم المؤقَّت يتقربون أكثر فأكثر إلى الحقِّ سبحانه.
- لا توبة [بل أوبة وإنابة] لمن هُم في معية الله في كلِّ وقت حيثما كانوا وكيفما كانوا، غير فاقدين للشعور بالحضور الإلهي ولو للحظة.
- لا يمكن في أيِّ وقت من الأوقات أن يكون الدين ملكَ فئةٍ معينة، حيث هو ملك جميع من ينتسب إليه.
- اللذة غير المشروعة تجلب معها على الدوام آلافًا من الآلام في الوقت نفسه.
- لقد أصبحت العوامل التي كانت في وقت من الأوقات كافية لهدم الدول الأخرى والقضاء عليها، تحيط بنا من كلِّ جانب كالأخطبوط.
- لقد تبدَّل تقويم الأشياء والنظر إلى الحوادث في وقتنا الحاضر تبدلاً كليًّا...
- لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتخذ قراره بسرعة، ويستطيع أن يلم بأطراف الموضوع في أقل وقت...
- لقد نظَّم -صلى الله عليه وسلم- وقته جيدًا بحيث إنه كان يجد وقتًا لهذه الأعمال من بين الأعمال والمسؤوليات والمهام الكبيرة التي كان مكلفًا بها.
لم يتحقق في هذا الوقت ما ينتظره منَّا أهلُنا، وأمَّتنا، وجيلُنا من أمور.
لم يزل الذين نصروا هذا الدين إلى الوقت الحاضر وتبنّوا قضيته هم الأقوياء إيمانًا، وهكذا كان الأمر وهو كذلك اليوم نفسه، وسيكون غدًا أيضًا على المنوال نفسه.
لم يكن ابن عمر -رضي الله عنه- معارضًا لآل البيت في أي وقت من الأوقات، وبأيِّ حال من الأحوال، ولم يلتزم جانب الأمويين...
لم يهمل -صلى الله عليه وسلم- في أي وقت من الأوقات الاهتمام بالعنصر الإنساني.
لما كان العالم الإسلامي في الوقت الحاضر قد فقد القدرة على الكلام وفق فنون العصر، فقد أُسقط من موقع الخطاب للعالم.
لما كان الموت لا يحلُّ بأحد إلاَّ في وقته المعين فالأفضل أن يموت المرء عزيزًا.
لماذا لا يستطيع العالم الإسلامي الاحتفال في ربيع الأول كما يجب بمولد سلطان الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- الذي هو في الوقت نفسه ميلاد هذا العالم وربيعه، ويوم خلاص الإنسانية نفسها...؟
لو تصرَّف مسلمو اليوم في موضوع القرآن بصفاء المسلمين الأوائل... لاحتلّوا مكانة مرموقة في التوازن الدولي الحالي في وقت قصير.
لو نظرنا إليه من هذه الزاوية لحسبناه قد كرَّس وقته للأمور العسكرية فحسب.
ليس لذكر الله وقت معين.
لئن كان اليهود ظاهرين في الوقت الحاضر... فلا بدَّ أنه نتيجة اتفاقهم الظاهر والناشئ من التمسك والاعتزاز بقيمهم التاريخية...
ما الدنيا؟ وكيف يتصرف الإنسان تجاه شيء زائل ووقتيّ؟
ما أن تشرِّفوا بالله تعالى أوقاتكم التي تنفردُون بها وحدكم، يكون "جليسا أنيسًا" لكم حيثما تُدفعون إليه من انفراد واغتراب..
ما إن يرى الواقف في عرفات نفسه في موضع آخر وفي وقت دعاء ومناسبة تضرع، حتى يرى أنه لا يستطيع إلاَّ الاندماج في جوِّ الدعاء والتضرع.
ما أن يكون لسانكم رطبًا من ذكره في أوقات راحتكم، يرسل إليكم أنسام الرحمة أمام الحوادث الممضة لكم.
ما نشاهده في الوقت الحاضر من التكتّلات، والتخريبات، والفرق، ليست إلاّ ثمارًا من حنظل وزقوم، نمت من تلك البذور الجهنّمية التي نثرت في تلك الفترة.
ما يبدو صغيرًا في بادئ الأمر ينتشر في وقت قصير جدًّا، ويستشري كالوباء الساري إلى حدٍّ قد يهدد المجتمع بكامله.
ما يحرز من نجاح وقتي هو إخفاق ضمني، لأنه بلا غد.
المبلِّغ -في الوقت نفسه- إنسانٌ منطقي، سواء في تقييمه الأحداث أو في تفهيمه مخاطبيه.
المتدين الحقُّ هو الإنسان الخلوق خلقًا رفيعًا في الوقت نفسه.
مثل هذه التجمعات القائمة على أساس من أحاسيس ومشاعر فوارة ليست إلاّ تموجات وحركات وقتية سرعان ما تزول.
المدعوون للرحلة وراء الأفق يُختارون من بين المتجولين في وقت السحر.
المراقبة في الوقت نفسه هي بذلُ الإنسان جهده لئلا تتكدَّر مشاعره وأفكاره، حتى في أوقات انفراده وحده، لشعوره بأنه مشهود ومراقَب في كلِّ آن.
يقول النورسي: مرَّت عليَّ أوقات رجحت الموتُ على الحياة ألف مرة. ولولا أنَّ ديني يمنعني من قتل نفسي، فربما كان سعيد الآن ترابًا تحت التراب.
المرشد في مراقبةٍ مستديمة لنفسه، فيراقب مشاعره وتصوراته، ويجهد أن يستقر في نفسه ما يبلغه للآخرين أولاً ومتلبسا به. وفي الوقت نفسه يتجنَّب ويتحرز تبليغ الآخرين أو نصحهم بمسائل لم يحاسب نفسه عليها بعدُ.
المرشد والمبلّغ في الوقت الحاضر لا بدَّ أن ينظر من زاوية عصره المعيش، قبل أن يتطرق إلى المسائل.
مع أنه مرت أوقات جفاف مؤقتة، إلاّ أنَّ الرحمة الإلهية سرعان ما كانت تهطل أمطارًا غزيرة.
معرفة نوع إنكار المخاطَب، وعمَّا إذا كان إنكارًا كليًّا أم إنكارًا لبعض الأركان... لكي لا نصرف وقتنا وجهدنا هباء...
من الصعب توقُّع أيِّ تحسن ملحوظ في الوضع الحالي في وقت قصير من جهة الخير والجمال.
من الواضح أنَّ كلَّ من يستعمل ضميره يعلم أنه لم يخطئ في أيِّ وقت في هذا الصدد، ولاسيما إن أجال ناظريه وشاهد التأثير العالمي للقرآن.
من أهم الطرق المؤدية إلى كسب قلوب الآخرين البحث على الدوام عن أي فرصة لتقديم الخير والخدمة إليهم دون إضاعة أي وقت.
مَن عاش حياته في غفلة دون أن يراقب نفسه فسيقضي معظم وقته في النوم والكسل، وسيسمُن ويكثر شحمه.
من لا يكون بجانب أصدقائه في الأوقات الصعبة وفي الظروف الخطرة فلا علاقة له مع مفهوم الصداقة.
من يتقدم إلى مهمة التبليغ في الوقت الحاضر عليه أن يستمع بقلب شهيد... إلى المرشد الكامل الذي نوّر الله عقله كقلبه، وقلبه كعقله.
من يُهن المسلمين مرة واحدة يمكنه أن يهينهم كل وقت.
مهندس الفكر والروح متتبع للنظام في كلِّ وقت.
الموجودات الوقتية تدخل عالم الوجود وتأخذ أشكالها ثم تنطفئ وترحل.
المؤمن الذي... قلبُه موصول في كلِّ وقت بربّه... لن يستوقفه هذا وذاك، ولن يدور البتة في فَلَك الآخرين مهما كانوا.
المؤمن حياته منظَّمة بكاملها، لا يمرُّ عليه آن إلاَّ وهو منوَّر، لا يعرف الإسراف في الوقت، وليس له قضاء الوقت في المقاهي.
الناس في الوقت الحاضر يرتكبون الرذائل بكل أنواعها، والدول تبقى في وضع اللامبالاة والمتفرجة عليها.
نحن نعيش في زمن نسبك فيه رؤانا في أفكار مثالية، ونؤمن أنَّ مسؤولي العصر سيحقِّقونها بتوقيت جيد حين تَأزف ساعتها.
نحن نقرُّ ونعترف بتقصيرنا ونواقصنا، ولكننا في الوقت نفسه نأمل من الرحمة الواسعة أن تغفر لنا.
نؤمن بأنه سيُستفاد من الوقت والإمكانات بأَجدى وسائل التحفيز السريعة... بفضل السماح للتفكير بالتوسُّع.
هذا الانتظار في الوقت نفسه ليس أمرًا سلبيًّا قط، بل هو انتظار ذو تمكين.
هناك إخوانٌ لنا فترت علاقتهم بالدعوة لأسباب شتى. ويمكن أن يقع هذا الأمر في كل وقت، ولكنهم مع ذلك يبقون إخوة مؤمنين بالنسبة لنا.
هناك أوقات مهمَّة يجب فيها اتخاذ قرار سريع، والزعيم يتميز عن الآخرين في مثل هذه الأوقات، بقابليته على اتخاذ القرار السريع الذكي والصائب.
الوظيفة المقدسة حياةٌ للفرد وللمجتمع على السواء، وفي الوقت نفسه شرط للحفاظ على الحياة.
الوقت الحاضر بحاجة إلى الذين يفعلون ما يقولون وليس إلى المجادلين والمتحذلقين.
الوقت الذي يقضيه التاجر الذي يراعي الحلال والحرام في تجارته يعدّ عبادة.
وقت السحر مهم جدًّا لدى المؤمن، فهو الوقت الذي تهبُّ فيه على المؤمن نسائم التجلي...
ولكي لا يغتر الإنسان في الوقت نفسه بفعله الحسنات يعمل القدر عمله قائلاً له: "لا تغترّ، أنت لست الفاعل"، فينقذه من الغرور.
ونرى أنَّ سيدنا عمر -رضي الله عنه- في الوقت الذي وردت إليه خزائن الدنيا يكتفي بالكفاف من العيش ويرفض الزيادة عليه.
يا ويح من لم يسجد لله سجدة، ولم يسلك سبيل المؤمنين، ويقضي أوقاته وأعياده في المقاهي والملاهي والحانات...
يتم انتظار الوقت المبارك بكلِّ يقظة وانتباه ورسوخ لتقييمه بأفضل شكل.
يجب عدم إفساح فسحة من الوقت بين الذنب الذي تمّت التوبة منه وبين ذنب ثان، أي يجب ألا تبقى الذنوب دون توبة... ولو لمدّة خمس دقائق.
يحسُّ الإنسان من الصمت العميق في أوقات مراجعة النفس ومراقبتها، أصواتا شبيهة بأصوات الجنة.
يخلق تعالى الأشياء التي قدّرها حسب مشيئته عندما يحين وقتُها، وحسب ميل المكلّف ونيّته.
يد العقل والمنطق والمحاكمة التي تبايع هؤلاء المرشدين، تَضْمَنُ في الوقت عينِه الاستفادةَ القُصوَى من طاقاتها.
يروى كلام طيب كحديث شريف إشارة إلى هذه المباركية "لي مع الله وقت، لا يسعني فيه ملَكٌ مقرّب، ولا نبيّ مرسل".
يشاهَد في الوقت الحاضر عددٌ هائلٌ من الناس -يدفعنا إلى الإعجاب- اهتدوا واختاروا الإسلام دينًا لهم، سواء في الشرق أو في الغرب.
يشرع الله تعالى بمعاقبة هؤلاء المعتدين الظالمين عندما يحين الوقت المناسب.
يفهم من قوله تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(التوبة:33)، أيضا أنَّ الله سبحانه سيفتح له العالم كله، متى ما حان وقته.
يقضون لياليهم بالتهجد والقيام لله، وألسنتهم رطبة بذكر الله، لا يهدرون الوقت ما استطاعوا، بل يشغل كل منهم كل آن من وقته بما يفيد وينفع.
يقول -جل جلاله-: ابحث عني كلَّ وقت وكلَّ حين.
يقيس أفراد ذلك المجتمع جميع شؤونهم وفق ذلك المقياس، وينظِّمون أوقات يومهم وفقه، ويمضون لياليهم تحت أنّات هذه المسؤولية.
يلزم في الوقت الحاضر أن يسلك المبلِّغون مسلك الصحابة الكرام، فلا يلجون إلى سبل إلاَّ أن تكون مشروعة...
يمكن أن ينسحب الحكم الوارد للخيل على وسائط النقل المستعملة في وقتنا الحاضر.
ينبغي الجهاد إذن وفق الظروف ووقتها.
 زمرة الأزمنة الثلاثة.. (الماضي - الحاضر - المستقبل)
إبان تزحزح العالم كله نحو الربيع في هذه الأيام، يتفق الجميع على أنَّ المستقبل سيكون خيرًا، على الرغم من معوقاتٍ بسبب الوضع التاريخي.
إبان تقدمنا إلى عصرنا الحاضر، حُجبت أنوار الفكر عن إضاءة زوايا المجتمع، وعُطّلت الإرادة تعطيلاً كاملاً.
أبطال اللدنّيات الذين يئنّون بآلام الأجيال... ويحوّلون مستقبلها الكدِر إلى دموع في أرواحهم فينوحون نواح أيوب -عليه السلام-، ويتقاسمون معها أوجاع يومهم وغدهم...
الأبناء المضحّون اللائقون بهذه الأمة الوفية، يهرعون أفواجا باسم وطن المستقبل الكبير، إلى الغربة والحرمان، وفي أيديهم مشاعل العلم والعرفان.
اتخذ مثقّفونا خاصة، حلم فرنسا... حركياتٍ لتفسير الحياة وموانئ لرسو السفائن المبحرة إلى المستقبل، بنَهمِهم المختلط والفاقد للمعايير، وحسب تقلب الزمان.
إثم جعل الأجيال عدوَّة لماضيها وخصمًا له، وعدوَّة لتاريخها ولجذورها
أثمن هدية في الوقت الحاضر هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أجيال الأمل باعتبار الزمن الحاضر هم ممثلو العلم والإيمان والأخلاق والفن...
الأجيال الحاضرة الذين جُرّدوا من التعليم الديني وحُرِموا منه، باتوا ضعافًا، عزّلاً وبِلا حماية ووقاية تجاه هذه الهجمات المكثفة القوية.
الأجيال الحاضرة تبحث في كلِّ مكان عن ذاتها، وعالم وجدانها، والجنان التي أضاعتها وافتقدتها.
الأجيال المُحْدَودَبة ظهورهم تحت ثقل المعضلات الحقيقية الحاضرة والقلق المتصوَّر في المستقبل...
أحاطتْ بمجتمعنا في ماضينا القريب أحداثٌ مأساوية زعزعَتْنَا، وفَتحت عيوننا على العصر في ضبابِ ودويِّ صواعقَ كأنها قيامة حمراء!
الأحكام التي ذكرها -صلى الله عليه وسلم-، والحوادث التي أخبر عنها وقال إنها ستقع في المستقبل، حدثتْ فعلاً وكما أخبر عنها تمامًا.
الأحكام والقرارات تُقَوْلَب في الحاضر حسب مقدسات (!) مصطنعة.
وضْعنا الحالي وأحوالنا الحاضرة تدمي القلوب شبابًا وشيبًا. وهذه الحالة المؤلمة نابعة -إلى حدٍّ ما- من ضحالة ثقافة مَن يتقدم إلى الإرشاد والتبليغ.
إخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المستقبل القريب، والمستقبل البعيد...
أخذت البشرية تبحث عن ضالّتها في الماديات، فهذه المصيبة التي جثمت على صدر البشرية امتدّت حتى عصرنا الحاضر.
إدارة ترى فيها الرعايا والرعاة المرشدين العارفين في صف واحد في تلاؤم وتناغم... هذا هو ما أتخيّله لسيناريو المستقبل...
أدركنا في الوقت الحاضر أنَّ ما نعلمه وندركه من الأمور ليس إلاّ بضعًا يسيرا.
إذ ندخل إلى عتبات القرن الحادي والعشرين، فإنَّ مستقبل بلادنا والبلاد المرتبطة بشؤوننا، منوط بعُقبان جيش النور ذات أجنحة الضياء الذين يُعَدّون ممثلين سامقين للعلم والفضيلة والأخلاق في أيامنا، والذين نذر أكثرهم نفسه للتربية والتعليم.
إذ نقول "روح الإسلام"، لا نعني حاله الذي يبدو في واقعنا الحاضر، ومن زاوية نظرنا ووِجهةِ تقويمنا له، باهتا وذاويا وفاقدا بَريقَ جاذبيته السماوية.
إذ يكفينا أن نطّلع على ماضينا القريب لنمتلئ رعبا؟
إذا استَقْوَينا... بماضينا التليد كمصدر سرعةٍ منطلقة "عن قوة الطرد المركزي"،...فحينئذٍ لا شك ولا ريب في أن القمم التي تبدو وكأنها عصية على العبور ستتمهد، وستنبسط السهول بلا عوائق.
إذا ما قيّمنا العالم الإسلامي الحاضر ضمن هذه الأطر، لا يمكننا أن نقول إن الدولة وكذا الناس يؤدّون المهمّة التي عليهم. فالناس في الوقت الحاضر يرتكبون الرذائل بكلِّ أنواعها، والدول تبقى في وضع اللامبالاة والمتفرجة عليها.
أرباب القلوب يستطيعون السياحة بين عالم الأزل والأبد عدة مرات في اليوم الواحد، ويمرّرون الماضي والمستقبل معًا من منشور الفكر بوتائر متعاقبة.
أرجوكم أن تتفكّروا... كيف نسير إلى المستقبل في ثقة واطمئنان؟
الأزل ليس نهاية الزمان الماضي، إنه لا زمان.
الأساس في هذا الموضوع ليس الحياة المحدودة والمؤقّتة التي يعيشها الإنسان، بل نيته المتوجهة إلى المستقبل.
استشهد عبد الله بن رواحه ليأتي الدور إلى خالد بن الوليد الذي كان القدَر الإلهي يمهّد لظهوره كقائد كبير في المستقبل.
الإسلام إن كان لا يستطيع في الوقت الحاضر أن يعبر عن نفسه تعبيرًا كاملاً، فذلك بعداوة خصومه الألدّاء المستمرة بلا توانٍ منذ عصور.
أسماؤنا لا تعطى لنا حسب مهاراتنا المستقبلية، بل حسب رغبات آبائنا وأمهاتنا، حتى إننا نسمّى بأسماء لا تتناسب ولا تتلائم معنا.
أصل المسألة هي الارتباط بالله الذي له مقاليد خزائن الغيب والحاضر، والهداية خزينة عظيمة فمفتاحها أيضًا بيده بلا شك..
إعادة النظر في تصوراتنا عن النظام، وتجديد الإيمان... هو أَجَلّ هدية تقدمها الأجيال المعاصرة إلى عوالم المستقبل الآتي.
اعترى الغرب في القرون الماضية نسيان لقيمه الدينية ووصايا السيد المسيح.
إلى جانب الذين قاتلوا الأشرار في سبيل مستقبل إيماني زاهر، نرى العديد ممن دخلوا المعارك في سبيل مصالحهم الشخصية.
أما الإنسان "المبتدئ" فهو يؤمن أيضًا بالقدر، ولكنه ينظر إلى الماضي والبلايا التي تصيبه من زاوية القدر... فينجو من اليأس. أمَا عندما ينظر إلى المستقبل والمعاصي فإنه ينظر إليها من زاوية الإرادة الجزئية.
أمَّا في عهد التراجع والتخلف، فقد أحاط الوهن بقلوبنا، أي داخلنا الخوف من الموت والضعف وحب الحياة والتعلق بها والخشية من المستقبل.
الأمل في المستقبل من ركام الفوضويين المعتلِّين بأمراض عديدة من كلِّ جانب، ليس إلا انخداعًا.
إنَّ ألحان صروح الفكر هؤلاء، تسمع دومًا في خرير تيار الفكر المديد إلى الماضي.
إنَّ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا، ومنذ عدة قرون، بما سيحدث مستقبلا، وكلَّما جاء زمن ذلك الخبر ظهر بشكل يوافق كلامه في كلِّ شيء، ويصدِّقه حتى في تفاصيله الدقيقة.
إنَّ عجزنا في زماننا هذا عن إعداد أبطال كهؤلاء... فلن نستطيع أن نَعِدَ بشيء باسم المستقبل، ولا أن نديم وجودنا في الأيام المقبلة.
إن كان الخوف والرجاء، هو إحساس بالقلق أو نشوة أمل مما يُحَب أو يُكرَه فيما يخص المستقبل؛ فالقبض والبسط، نبض القلب بالنشوة أو انكماشه بالقسوة فيما يخص الحاضر، بتأثير موجات ترد عليه مختلفة في الطول واللون.
إن كلَّ إنسان روحاني مرشح -بقدر سعة اضطرابه- لتجاوز طاقته الذاتية... وقد يتحول إلى مركز محوري لطاقة وقوة الأجيال الماضية والآتية.
إن كنا حقًّا نستشعر برباط العلاقة مع إنساننا الحاضر ونعتقد أننا نعطف عليه ونحتضنه بالرحمة والشفقة، فإنَّ أحسن دليل على صدق تصرفنا هذا هو أداء ما يجب علينا من وظائف نحوه.
إن لم نعيِّن أسس الأفكار المضرة والتيارات المفسدة، بمشاعر مسؤولية جادة لنقاومها منذ اليوم، فسوف نرى في المستقبل أبعادًا مختلفة للبؤس الأخلاقي، والنكبة الاجتماعية، والانحرافات الأخرى.
إن لم يوفِ هذا الوارث رسالة التاريخ المتعلقة باليوم والغد حقّها من الاهتمام، فسوف يحسب مسؤولاً عن خراب اليوم وضياع الغد. وهي مسؤولية تجعله -بقياس معين- في موضع خيانة القضية والتاريخ وهدم الجسور بيننا وبين المستقبل.
إنَّ ماضينا القريب ليس مما يشرح الصدور. يُقال "إنَّ اليأس يمنع كلَّ كمال"... ولكن من الصعب أن يكون الإنسان متفائلاً، مع وجود كل أسباب الفرقة هذه.
إنَّ مرشدي ومبلّغي يومنا الحاضر بحاجة ماسة إلى متابعة ما وصل إليه العصر من علوم وفنون وتكنولوجيا ولو بشكل معلومات أولية، وبخلافه يظل إرشادهم إرشادًا خاصًّا لا يشمل الناس عامة.
إنَّ مسلمي يومنا الحاضر أصبحوا لا يفقهون شيئا من كتاب الله. فهم في واد والقرآن في واد آخر.
علينا أن ندع النزاعات التي حدثت في الماضي ولا نثيرها من جديد، ولا نجعلها وسيلة لنزاع جديد أو خصام.
أنا أرى بأنه في المستقبل القريب ستشاهد الإنسانية بنظرات ملؤها الإعجاب والتقدير، كيف أن شلالات مختلف العلوم والفنون تتجه نحو القرآن وتصب فيه.
أنا شخصيًّا كلَّما نظرت وأبصرت كيف تم قرض معاني الروح الآتية من ماضيه، وكيف أهينت هذه المعاني وقضي عليها، أشعر أننا تعرضنا لهزيمة مرة في جبهة القدس، فأشعر بغصَّة في حلقي.
أنا لا أدري إن كانت الأمم التي لا تحافظ على ذكريات الأجداد وقبورهم تدرك أنها قد نزلت بهم إلى مستوى الحيوانات؟ والحقيقة أنَّ احترام الأموات نوع من الأمن المُهدَى إلى أحياء المستقبل ورجاله.
انتظار مستقبل متكامل ومنظَّم من ركام البشر الضجر الشريد السادر في الراحة والرخاوة، ليس إلا محض وهم وسلوان كاذب.
الإنجليزيّ حقق وحدة "الأنكلوسكسون والغال" لكي يؤمّن مستقبله. مع أن هذين العنصرين "الإنجليز والغال" يكره أحدهما الآخر وينفر منه نفورًا كبيرًا.
الإنسان ينظر إلى الحوادث الواردة في القرآن وكأنها قصص ماضية. ومثل هذه النظرة في قراءة القرآن يقلِّل نسبة الاستفادة منه كثيرا.
إنساننا في الوقت الحاضر أحوج ما يكون إلى المحبة والشفقة والكلام الطيب والصوت الأنوس الحنون بدلاً عن القسوة والعنف والضرب والقتل.
الانشغال بمظاهر الجيل الحاضر وبملابسه، بدلاً من الانهماك بتعمير قلبه وضماد جروحه، دفَعه إلى النفور والهروب.
انطوت الجاهلية في صفحات الماضي، ولم يعد أحد يذكرها إلاَّ بابتسامة مُرَّة، أو بابتسامة هازئة.
إننا إن كنا عازمين على المضي قدما نحو المستقبل، فلا مناص من أن نكون ذاتيين في المنطق والمحاكمة العقلية والأسلوب...
إننا باعتبارنا أمَّة لا بد لنا اليوم أن نعرف البرامج والخطط التي نسير بها إلى المستقبل، والمراحل التي نريد التنقل عَبرها في مسيرنا.
إننا لم نتعرف على مثل هذه الألفاظ والأوصاف في ديننا من قبل، وإلى عصرنا الحاضر.
إننا مفتونون بالمستقبل الذي سيولد من رحم الغيب، ولكننا في هذا المستقبل لن نجد سوى نوره... فإذا انطفأ هذا النور فستصبح الحياة ظلمة أبدية.
إنَّها لمسؤولية عظيمة لا تترك أيَّ مسألة تدخل في إطار إدراك الفرد وإرادته الشاعرة. مسؤولية إزاء الوجود والحوادث... مسؤولية إزاء الطبيعة والمجتمع... الماضي والمستقبل.
اهتزت أواصرنا الروحية وجفّت منابع فضيلتنا، وتعمقت الهوة بين حاضرنا وماضينا.
أولئك هم جذورنا الذين توجهوا إلى الخالق ووجدوا قبلتهم الحقيقية... نحن كنا أولئك، ونحن اليوم "تمثُّلُهم" في الحاضر، وهم أصولنا، وسيكون الآتون من بعدنا هم فروعنا.
أولئك ينشغلون بحساب الغد مع اليوم قيامًا وقعودًا، ويستعملون الإمكانات والحركيات الحاضرة أحجارًا لإنشاء الجسور الموصلة إلى الغد، ويجدون في حناجرهم غصص نَقْل الأيام الحاضرة إلى الأيام القابلة...
أياصوفيا! هنا نشعر بسحر يسري في قلوبنا بطعم الماضي، ونحس أننا نطير بأجنحة سحرية في سماء الأمس.
الآية بالكلمات التي استعملتها وبالأسلوب الذي صاغته احتفظت بجدتها ونضارتها حتى اليوم، وستبقى جديدة في المستقبل أيضا على رغم تساقط جميع النظريات ووضعها على الرف.
أية حقيقة تمس العقيدة مستغنية عن إسناد وتصديق من خارجها، ولكن جيلنا الحاضر غير المحظوظ الذي زاغ بصره بكثير من النظرات الأجنبية، وانحرف قلبه بكثير من هذيانات خارجية عندما نخاطبه: "ارجع إلى رشدك!"،.
أيها الماضي.. أَقبلْ بعيونك الشهل، فقد عِيل الصبرُ، وطال الانتظار.
بالألطاف الإلهية المنهمرة عليهم يصبح هذا الزمن متصلا بأقدم القديم وبالعهد الذهبي المجيد من ماضينا من جهة، ومن جهة أخرى ممتدا نحو الأبدية.
البشرية محقة في الوقت الحاضر إذا ما تخوَّفت وقلقت... من كل إنسان يمثِّل الإلحاد، حيث لا يوجد في أيٍّ منهم الشعور بالأمان والاطمئنان.
بعد تقديم خلاصة قصيرة عن الفكر الرياضي قد تبدو غامضة وإسرافًا في الكلام، لكني أثق بدوي أصدائه في المستقبل، أريد أن أنوّه إلى الوصف الثامن.. لورثة الأرض..
بعد مطالعة الكتب العديدة التي كتبت حول تاريخ العلم القديم والحديث والمقارن... المحايدة منها وغير المحايدة، لا يملك الإنسان إلاَّ الشعور بالفخر بماضينا المجيد.
بعض الأحياء التي خلقت وعاشت في الماضي ثم انقرضت... كالديناصورات، فهي تشكِّل أمثلة على الانقراض وليس على التطور.
بقاء المدنية وعيشها في فراغ باعتبار المعبد والمعبود... حال موقوت بمدة قصيرة لا محالة، في الماضي وفي المستقبل.
بلاء مسخ السيرة، أكثر من الذي يصيب الجسد فقط، على الرغم من أنه أشد منه. وأغلب البلايا التي تنزل في الوقت الحاضر هي من هذا الصنف.
بنسبة إعجاز القرآن في إخباره عن أنباء الأمم الماضية، هناك إعجاز قرآني بالنسبة لأخباره المستقبلية.
بينما كنا نسير نحو مستقبل مفعم بالنور بقلوب ملؤها الأمل، إذا بنا نسمع أصواتا كريهة ترتفع من اليسار ومن اليمين تدعو إلى عهد مظلم من جديد.
بينما يشير علم المستقدمين والمستأخرين إلى القدر الإلهي، يشير من ناحية أخرى إلى التوحيد أيضا. ذلك لأن مَن خلَق الماضي هو الذي يخلق -أو سيخلق- المستقبل.
تبليغاته -صلى الله عليه وسلم- وموضوعات أحكامه رحيبةٌ وَسِعَت الماضي والحاضر والمستقبل، ومحتوياتها متنوعة تتعدى عقول البشر.
تتراءى أمام أعيننا في اللحظة نفسها خيالات الفردوس الذي نؤمن بأننا سنصل إليه في المستقبل فنكاد نغيب عن أنفسنا في لجة الفرح والبهجة.
تحتل الثقافة محلاًّ متميزًا في حياة كلِّ أمة. وكلُّ ثقافة امتزجت مع ماضي الأمة وارتبطت بجذور روحها تستطيع إنارة طريق الحياة والتقدم أمامها.
تحولت كلُّ حملة إلى تماسك ونضوج واعدٍ بالمستقبل، بتغذيتها المستمرة من معانيه وروحه.
تَرى إحدى يديهم ورجليهم منشغلة بالعمل اليومي، وأخراها منشغلة في تجهيز الخطط والبرامج للمستقبل.
التصرفات الحسنة غير المستمدة من الإيمان...لا تُمنِّي بمستقبل واعدٍ البتة.
التصوُّر للديمقراطية والحرية -ولو بوضعهما الحاضر- قد خلّصت شعبًا عاش رهين الغفلة...
تقدير الله سبحانه لما سيحدث في المستقبل وتعيينه له مسبقًا وظهوره في حينه، كتابةٌ تخص القضاء والقدر من حيث العلم الإلهي.
تقييم الأخطاء الماضية والاستفادة منها، والعفو عن الناس السابقين، وعدم الانكباب على تذكر أخطائهم تصرف حميد وعاقل.. أما الانشغال بالماضي دون أي داع والتهجم على الأشخاص السابقين، فتصرف أحمق.
تماسك قوامهم إلى درجة كافية لتصفية الحساب مع المستقبل. وهم اليوم جاهزون لاستلام "النوبة" بقوة الروح الخارقة للعادة، يتطلعون إلى العصر بأبصارهم في ترقب نشط.
التنقيب عن وقائع ماضينا سيكون نافعا جدا. وقد أتت إلينا دعوة الإسلام العظيمة منذ الرعيل الأوَّل إلى الآن، بهذا الشعور وعلى هذه الشاكلة
الثابت عندي هو أن نفرًا قليلاً في هذا الوطن يقومون ويقعدون منذ سنوات مديدة حالمين بالمستقبل ومضطربين، على أملٍ بأن الطرق الوعرة ستوصل إلى الممهدة في يوم آت.
جاء القرآن المجيد برسائل نورانية أزلية وأبدية... وهيَّأنا لنكون إنسان المستقبل، بعد أن أرانا الذرى الموجودة وراء الشواهق المادية والمعنوية.
جرى هذا القانون الإلهي منذ القدم إلى يومنا الحاضر؛ لذا لا يخدعنّ المؤمنين وأهل الفراسة النجاح الجزئي والعابر لغير المخلصين أو ناقصي الإخلاص.
جيلنا الحاضر يفقد دمه، ونحن لا نعطيه إلاّ مضادات حيوية.
الحاصل أنَّ الإسلام صوتُ كتابِ الكائنات ونَفَسُه وتفسيرُه وإيضاحه، كذلك هو رسْمُ ماضي الكائنات وحاضرِها ومستقبلِها...
الحال أنَّ الإسلام كان -ولم يزل- يقدِّم للإنسانية جمعاء نظامًا للحياة جديدًا وفريدًا... نظامًا لا نظير له في الماضي، ويبدو رمزًا للمثالية والتفرد في الآتي.
الحال أنَّ عصرنا الحاضر يموج كفرًا وعصيانًا، يفوق مجموع ما في العصور التي خلت.
حتى المواقع الظاهرة بسيماء الهزيمة تحوَّلت في تلك المرحلة المباركة إلى ظفر وفوز، وازدانت "أقواس نصر" على الطرق الموفية إلى المستقبل.
حسب القاعدة الكريمة والمليئة بالبشارة (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)(هود:114) فهي تطهر الإنسان من آثامه الماضية، وتجهزه بوجد العبادة وبالارتباط بالله تعالى، والنية الصالحة لكي يستطيع مواجهة أخطاء المستقبل وذنوبه.
حقق الأوائل في آسيا في الزمن الماضي، ثم الغربيون، نهضتهم بفكر القوانين الرياضية.
حلُّ عقدة المعضلة مرتبط بتجاوز الزمن الحاضر، بل بالتحرر من قيود الزمان... إلى درجة النظر إلى الماضي والحاضر والقابل، والقدرة على تحليله وتقويمه، بالصفاء والنقاء نفسه.
الحيلولة دون التلوُّن والتحوُّل المحتمل في المستقبل لا يمكن إلا بالتعرُّض للمحن في هذه الأيام.... والله تعالى هو الممتحن الآن، وفي المستقبل، وما علينا إلا الثبات والصبر والتزام بابه بكلِّ صدق.
حينما أخرجه قومه من مكَّة المكرمة لم يكن في حالة روحية أليمة لتركه ما وراءه، بل كان ينظر بأمل ونشوة إلى ما يقابله في أفق المستقبل.
الخطأ ليس في المبادئ، ولكن في الأشخاص الذين عاشوا عالة على الماضي، فعلى الرغم من كونهم داخل بحر، فإنهم لم يعرفوا قيمة ذلك البحر.
الدنيا التي يريد القرآن إقامتها، يمكن رؤية المستقبل فيها بثمراته الطيبة والخبيثة، روحًا ومعنى وفكرًا وبجزئياته. فهو يغرس في ضميرِ مُنتسبيه وفي وجدانهم شدَّة الخوف من العقبى طوال حياتهم.
الكتاب ذو البيان المعجز من الله تعالى الذي أحاط علمًا بأدق التفاصيل لكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل.
ذكْرُ عظمائنا السابقين بكلِّ خير حقٌّ لهم، وتعبير عن وفائنا. ذلك لأنهم بمثابة جذور هذه الأمَّة التي أكسبتها الحياة والأصالة. وكلُّ محاولة للنيل منهم محاولة لإبعاد الأمَّة عن ماضيها المشرق المجيد.
ذلك حتى يستطيع الحفاظ على جوهره وشخصيته، ويتقدم إلى مستقبله على خطه الذاتي أثناء التعايش الحميم مع العالم.
الذي يضع المستقبل نصب عينيه وهو يعيش حياته الحالية، إنسان قد وهبه الله تعالى موهبة خاصة وحكمة. والذين يكونون مظهرًا لمثل هذا الفضل سيكونون هم ورثة المستقبل في هذه الدنيا.
الذي يعزم على السياحة في هذه الدائرة، يكون مَظهرًا للآية الكريمة التي تمثل الوفاء (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ)(الفتح:2) من ناحية ماضيه، ثم يُدخله إلى حصن حصين بقوله: (وَمَا تَأخَّر) من ناحية مستقبله.
الذين استطاعوا الخلاص من سجن الجسم، ووصلوا إلى مرتبة حياة القلب والروح، يستطيعون عيش الماضي والمستقبل معًا وفي الوقت نفسه.
الذين وُهبوا بصيرة نفّاذة وفراسة قوية يستطيعون أن يحدسوا بعض مقدرات الإنسان المستقبلية، بمجرَّد النظر إلى سيماه..
الذين يتبعون طريق الحكمة والموعظة الحسنة، يحلّون مشاكل مستقبلية مهمة.
الذين يمشون في هذا السبيل على الرغم من كل الإغراءات التي يحفل بها المجتمع، هم الذين سيبنون المستقبل، ويكونون مهندسيه ومعماريّيه.
ربّ شرارة من فكرٍ تكون سببًا لإضرام نار الإيمان في قلوب الكثيرين في المستقبل.
ربما تكون تلك الاستغاثة سببًا في إيقاف جميع تصرفاته الخاطئة في المستقبل، وتسوقه مع القول اللين إلى سبيل الاستقامة والصواب.
الرجاء هو ترقب خير، وأمل الحصول عليه.. واستشراف ألطاف الله وآلائه.. والامتلاء بالأمل لأجل المستقبل والعيش به لنيل المأمول. وقد عرّفه الصوفية بـ"تعلق القلب بمحبوب سيحصل في المستقبل"
رجال التبليغ والإرشاد أيضًا في الوقت الحاضر، عليهم أن ينفّذوا هذا المفهوم للتضحية، والتي تمثلت في عهد الصحابة الكرام الذين هم في الذروة في كلِّ مجالات الحياة.
رجائي أن يكون كلُّ جهد وهمة، وكل قطرة دمع، بعد الآن كما كان من قبل، شفاءً لجروحنا التي بدت مستعصية على الدواء، وضياءً للمستقبل الذي بدا مظلما في عيون البعض منا.
رفعُ مستوى الفكر والمشاركة في المجتمع، والتذكير بأهميته بالرجوع إلى رأيه في كل حادثة، وتشجيعه على توليد الأفكار البديلة، والحفاظ على حضور الشورى وحيويتها من أجل مستقبل الإسلام.
روح الإنسان وُجود مستقل. إذ ثبت هذا في الوقت الحاضر بوضوح تام، بما لم يعد هناك ما يستدعي النقاش حوله.
رئيس الدولة ولي الأمر الأعظم ملزم بأصل الشورى، وإن كان مؤيدًا من الله ومُعلَّما ومُربّى بالوحي والإلهام. هكذا كنَّا من الماضي إلى الحاضر.
الزبدة والعسل المقدَّمان إليك، لكي يكونا وسيلة لإرغامك على تناول الفلفل الحار والملح الأجاج في المستقبل، هما أمرّ من السمِّ.
سأبين بعض المسائل التي أراها ضرورية، حيث لا تقدّر حق قدرها، بل هي من الأسباب الرئيسية التي أدّت بنا إلى هذه الحالة المحزنة في الوقت الحاضر.
السبيل الوحيد لوحدة المسلمين هو اجتماعهم على التصديق بالقرآن والإيمان به. وقد نجحوا في السابق في هذه الوحدة، وسينجحون في المستقبل أيضا عند الإيمان والتصديق به.
سلوك الأنبياء هذا يعلّم الشيء الكثير لفدائيي المحبة في عصرنا الحاضر.
سنأخذ من إبداعات عصورنا البيضاء التي نراها شريحتنا الزمنية الذهبية ومصدر فخرنا الأبدي... ونزيد بغزل النقوش على أردية مرفلة تسربل المستقبل.
سنلجأ نحن أيضًا إلى ماضينا وجذور معانينا، ونقتبس من مُثلنا الروحية التي لم يتكدر صفاؤها بتعاقب الزمان.
السياسة عبارة عن صورة واسعة لفن إدارة الجماهير وإرضائها؛ بحيث تتماشى مع رضا الحق تعالى، وتنظر للحاضر وللمستقبل في آن واحد.
السياسة هي فن الإدارة التي تجلب رضا الله تعالى ورضا الناس. وبنسبة قيام الحكومات... بالمحافظة على شعبها من الشرور والمفاسد، وصيانته من الظلم، تكون بنسبة نجاحها وتوفيقها، وتبشر بمستقبل زاهر.
سيكون المستقبل أثرًا رائعًا للربّانيين الممثلين لهذه الرسالة المهمَّة برؤى المسؤولية، وكذلك بمشاهد النجاح فيه.
سيكون هؤلاء ممثلين لحركات الإعمار والإحياء الآتية غدًا. وسيتحقق هذا التمثيل باستنباط نظريات حقوقية جديدة من مصدري الكتاب والسنة لمعالجة المستحدثات والتوقعات المستقبلية.
الشخصية التي يحتاج إليها شعبنا أمسَّ الحاجة، هي شخصية الإنسان...الذي يهيمن على تصرفاته وأعماله التفكير في الأيام القادمة، في خططه وبرامجه، بقدر التفكير في ضرورات الحاضر.
الشِّعر لحْن عشْق ووجْد من العالم البعيد يضيء الحاضر وينير درب المستقبل.
الصدق شعار الأنبياء، والكذب شعار الكفار والمنافقين.. الصدق أساس مهمٌّ يحتضن الحاضر والمستقبل، والكذب لطخة سوداء على جبين الزمن.
علم التصوف في أساسه خلاصة الحقيقة الأحمدية وعصارتها بلا شك، مع ما يبدو في مشاربه المختلفة من تباين واختلاف في الوقت الحاضر.
العلم والتكنولوجيا... قد ظلَّت الأيدي تتناقلهما بين الأمم في الماضي، وستستمر المبادلة فيهما مستقبلاً، وتنتقل أمانةً ووديعةً في أيدي حائزيها...
على الرغم من أنَّ التبليغ فرض كفاية في الظروف الاعتيادية، فإنه في يومنا الحاضر لكونه من المسائل المهملة قد أخذ موقع أفرض الفرائض، فلا يجوز إهماله قطعًا..
على مهندسي مستقبل الضياء أن يجهدوا في استخدام قوتهم الفكرية -إلى جانب دوافعهم الحركية- من أجل أن تنصت المحركات التاريخية التي ننشئ بها حياتنا الدينية والملّيّة إلى صوت الإسلام كرة.
علينا أولاً أن نفكر بحاضر ومستقبل هذه الأمة الكريمة، فلا ندعها نهبًا للملحدين وللفسقة.
عندما نتمْتم بهذه الأصوات المرتفعة من المعابد، ونهمس بها، نحس من جديد بماض طويل مجيد، بل أكثر من هذا بحقيقة عالمية شاملة، ونظرة تمتد من الأزل إلى الأبد، فنغرق في جو من السعادة.
عندما نشرح الإسلام لجيلنا الحاضر، فلا بد لنا من الاقتداء بأسلوب تبليغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإرشاده وليس إلى الأسلوب الفلسفي لبرجسون وباسكال وأفلاطون وديكارت.
عندما نقيّم آية (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)(الضُّحَى:3) في ضوء تلك الظروف التي كانت تحيط بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، نعلم أنَّ معنى هذه الآية تعني أن غدك سيكون أفضل من يومك الحالي، ومستقبلك أفضل من وقتك الحالي...
غرس أفكار جديدة في عقل المجتمع عمل شاقٌّ وعسير، بقدر انتزاع العادات والتقاليد الموروثة من الماضي بنفعها وضرها والمفاهيم والمتلقيات الراسخة.
فألْف لعنة على من يتلاعب بعقيدة وتاريخ هذه الأمة! وألف لعنة على أعداء ماضي هذه الأمة! وألف لعنة على من خرّب فكر وثقافة هذه الأمة! وألف لعنة على المتشائمين الذين يرون مستقبلنا مظلمًا ويوهموننا بذلك!..
فتَح الصحابة القلوبَ أولاً حتى اعتقد الناس أن المسلمين سيفتحون العالم كله في مستقبل قريب.
فتَح -صلى الله عليه وسلم- أبواب الماضي واستعرض أقوال الأنبياء منذ آدم -عليه السلام-، وشرح أوصافهم وشمائلهم؛ ثم حوّل بصرَه إلى المستقبل فشرح كلَّ شيء حول المحشر والجنة والجحيم، وهو الذي لم يقرأ كتابًا ولم يدرس على أحد؛ فكيف تسنّى له معرفة كلِّ هذا..؟
(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ) (الشمس:15) وأهلكهم جميعًا دون تمييز بينهم، ودفَنَهم في مقبرة الماضي.
فريق العقل هذا... سيهمس في أذن كل صنف شيئًا من الروح ومن المعنى، مقبلاً من الماضي، ومكتسبًا عمقا أشدَّ غورا في الحاضر، وممتدًا إلى الآتي.
فقد تعرضت أمم عديدة في الماضي، كما تتعرض في الحاضر، لهزات شديدة مع كونها تملك سياسات، ولكنها فشلت في ربط تلك السياسات بهدف سام وسليم، وقَصُرَ باعُها في النفوذ إلى قلوب البشر.
في السنوات الأولى لنزول القرآن كان المسلمون ضعفاء ومستضعفين في الأرض لا يملكون حولاً ولا قوة، ولا يملكون فكرة واضحة عن مستقبلهم.
في المستقبل القريب سوف يتجرع مرارة الألم ولوعة الندم مَن فاتته المسارعة إلى رحابه، والتوجه إلى جنابه -صلى الله عليه وسلم-.
في جموع البشر ميل دائم في الماضي والحاضر إلى الوقوع في مؤثرات أمثال هذه التركات.
في سورة الضحى نلمس صورة القلق والضيق الفردي والشخصي، وكذلك صورة المستقبل، والانتصار والغلبة الروحية الآتية في المستقبل على مستوى المجتمع.
في كل مكان يسير الدين مع العلم يدًا بيد، وينثر احتضان الإيمان والعقل ثماره في كل صوب، وينبت ويزدهي المستقبل في صدر الأماني والآمال والعزم بألوان وأفنان لا يضاهيها خيال "المدن الفاضلة".
في مقابل عدم استطاعة الإنسان أن يحيط بأمسه وغده ببصره، بل حتى بكل أبعاد حاضره ويومه، يستطيع ببصيرته أن يدرك نفسه وكلَّ الأشياء المحسوسة جزءً وكلاًّ.
في وقتنا الحاضر مئات من الأحداث أمثال هذه تدفعنا إلى التفجع نفسه.
قالوا في السابق: "لقد بقيت الأخلاق في طيات الكتب". أمَّا الآن فيقولون: "بقيت في طيات الكتب القديمة". وحتى لو كان هذا صحيحًا فكم من جديد يستحق أن نضحّي به في سبيل هذا الشيء الغالي الذي يريدون إبقاءه في الماضي.
قد رأينا بأمِّ أعيننا إلى أيِّ حال جرّنا هذا التسامح مع الفوضويين ومع أعداء عقائدنا وتراثنا وماضينا، ولا نزال نرى ذلك ونشاهده، وقلوبنا تتفطر ألمًا.
القدر هو تقدير الله العليم -ذي العلم المطلق- بالماضي والحاضر والمستقبل، وهو يرى الزمن بأبعاده الثلاثة كزَمَن واحد؛ بل ليس هناك ما يسمّى بالماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة إليه.
القرآن الكريم يذكر هذا لكلِّ عليم اللسان في الماضي والحاضر، ممن يتمشدقون باسم الدين والأمة والوطن من دون أن يؤدوا شيئًا يُذكر.
القرآن شيءٌ خارقٌ بما يحتوي من أخبار الغيب للماضي وللمستقبل، لذا لا يمكن أن يُعدَّ من كلام البشر.
القرآن نزل قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، إلاّ أنه نزل من الملأ الأعلى أي من نقطة ترى الماضي والحاضر والمستقبل.
القرآن وصاحب القرآن حين يبيّن لنا رجل القلب، فهو أهل الحقيقة وإنسان القلب الذي يرى ويفكر ويتصرف بكليات قلبه كافة... متجردًا تجردًا مطلقًا عن نفسه ومنافع ذاته وهموم مستقبله.
القرآن يعرف الماضي والمستقبل كمعرفته للحاضر...
القوى الفتية والحركية المأمول منها أن تسمو بالمستقبل كسارية العلم على هاماتها، هي التي تحتقر الراية وتشتم الماضي من جهة، وتحسب المستقبل ساحة جنون لإجراء رذائلها من جهة أخرى.
كان النورسي ساعيًا في تلقين هذا الشعب المجيد لكن الفقير حظًّا، وهذه الدولة الشامخة لكن الآفلة طالعًا، دروس ماضيه الرحيب والغني.
كأنَّ كلَّ ماضينا مستقرٌّ ومستكنّ فيه...
كأن ماضينا يتكلم أو يهذي في حلمه... ثم يستيقظ ويدبّ فيه النشاط...
كأنَّ مآل المستقبل إلى أن يكون سرادقًا أبديًّا لهؤلاء، ما لم تهبَّ عاصفة مضادَّة لا تُبقي ولا تذر.
كسبت هذه الوظيفة الملقاة على عاتق هؤلاء الأبطال في الوقت الحاضر أبعادًا جادة أخرى؛ لأنَّ غالبية الناس يعيشون حياة مقطوعة الصلة بالله.
كلُّ مسلم يَعرف هذه الحقيقةَ...ويخطط لمستقبله وفقًا لهذا الفهم.
كل من يعش في خيال البرج العاجي لقلبه، يلقه هناك سحر سيحسّه وسيذوقه في المستقبل إلى جانب ما ذاقه اليوم. ويتجوَّل في عالم رؤى المستقبل الأكيدة التي تبدو لعالمه الداخلي أكثر ملاءمة ودفئا ونعومة.
كلما توطدت فلسفة الحياة وتبناها كلُّ أفراد المجتمع، تكون سلوكياتهم وأنماطُ حياتِهم باقيةً وواعدة في المستقبل.
كم شهد الماضي من رجال ومن سلاطين كبار أصبحوا أسرى للمال الغدّار. وكم من مرة اسْتُغِلَّ هذا الضعف الموجود في فطرة الإنسان فمحيت مجتمعات وذلَّت أمم.
كما تأسَّست أخوَّة صادقة في الماضي، يمكن تأسيسها أيضًا الآن. ولكن بشرط أن يتم تناول هذه المسألة المهمة بالعقل والمنطق، وتوضع تحت المجهر الإلهي.
كما يتمنى الإنسان لأولاده الخيرَ على الدوام ويرغب أن يكون مستقبلهم زاهرًا، كذلك يجب أن يريد الخير لنفسه على الدوام.
كمثال الملائكة التي تملك أجنحة وأبعادا عديدة، ننتقل بها -وإن كنا محدودين بزمان ومكان معيَّنين- بمشاعرنا وأفكارنا من خلال مرايا عديدة إلى الماضي وإلى المستقبل، وكأننا ننظر من خلال فانوس الزمن الحالي، فنعيش في آن واحد أزمانا عدة، وفي أماكن عدة.
لا بد أن يكون كل جهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ولا يداخله شيء آخر، سواء أكان القائم يقوم ببناء سكن أو مدرسة أو مبيت للطلبة أو أية مؤسسة أخرى تمليها ظروف تلك الحالات في المستقبل.
لا بدَّ أن يمسك الذين يريدون أن يحيوا حاضرهم بحبل الانسجام والوئام والتعاون ما بين شلالات الحياة، وبين إرادتهم الذاتية وسعيهم وجهدهم.
لا تنفق كلَّ هذا الإنفاق اليوم، لأنه سيحين في المستقبل أوان الإنفاق أيضًا. فلو لم نحسب حساب الإنفاق في المستقبل لقلنا لكم "أنفقوا اليوم كل ما تستطيعون إنفاقه"...
لا شكَّ في أنَّ من واجب كلِّ مثقف أن يفكِّر مليًّا في مستقبل وطننا وشعبنا.
لا غرو بعد ذلك أن يعتدي هذا الجيل على اليمين والشمال، ويستخف بماضيه، ويضيع ثقته بنفسه وثقة الآخرين به زيادة على تضييع إيمانه...
لا نفكر أبدا بأننا إن سرنا في مثل هذا الدرب فسنبقى وحيدين وسنكون أسارى نواقصنا، ونحوّل مستقبلنا المملوء أملا إلى كابوس وإلى جحيم.
لا يغيب عن العارفين بهذه المراحل المضطربة ما فقدناه، وما ضيّعناه من قيمنا الذاتية في الماضي القريب.
اللازم لتقدُّم الشعب نحو المستقبل أن تُهدم هذه القناعات الخاطئة...
لأنَّ الدنيا حسب القلوب المطمئنة كيوم عرَفات. والأيام الماضية للدنيا بالنسبة للعيد كيوم عرَفات. أمَّا العيد الحقيقي فوراء الأفق بل وراء وراء الأفق.
لأن الذين فازوا بالصلاح في الماضي بلغوا هذه الذروة، وهو قانون إلهي نافذ في كلِّ زمان ومكان. فأنتم متى ما حققتم الصلاح في أنفسكم، ستتحقق النتائج وتكون مقدّرة حتمًا.
لقد تبدل تقويم الأشياء والنظر إلى الحوادث في وقتنا الحاضر تبدلاً كليًّا، فالمنطق والعقلانية في مقدمة الأمور.
لقد تبدَّل شكل الخطر حاليًّا عما كان في الماضي، ذلك لأن الخطر في السابق كان آتيًا من الخارج، أما الآن فهو يأتي من الداخل أيضًا.
لكونهم محرومين من حسِّ الآخرة، ولكونهم أعداء الماضي وجهلاء الحاضر، فإنهم لن يصلوا إلى أي نتيجة.
لم يستطع أحد ممن كان حول السلطان سليم فهْم قيمة أفكاره المستقبلية، لذا ظهر الكثير من المشاكل وعدم التفاهم، إذ كانت خَطَواته محسوبة لخمسين سنة قادمة.
لم يعرف الغرب -لا في الماضي ولا في الحاضر- القيم الإلهية، لذا قام باحتلال البلدان، ووضع يده على ثروات تلك البلدان ما ظهر منها وما بطن...
لم يُقبل الأنبياء على الجدل والمراء والنقاش، ولم يهتمّوا بالأسلوب الفلسفي، إذ لم تؤدِّ هذه الأساليب -لا في الماضي ولا في الحاضر- إلى هداية أي شخص.
لما كان العالَم الإسلامي في الوقت الحاضر قد فقد القدرة على الكلام وفق فنون العصر، فقد أُسقط من موقع الخطاب للعالم.
لن يخلو أنْزه مجتمع وأمْثله طريقةً من أرواح مظلمة، خادعةٍ تفرق، ومستغلةٍ تسحق، ومُبَدلةٍ لأقنعتها المضللة تنجح في ستر أنفسها... وكما كانت في الماضي. لكن الواقع يبشر اليوم بوجود بَشَرٍ وافر وجهدٍ زاخر يفوح طيبا ملء الدنيا.
الله سبحانه قد علم بعلمه الأزلي ما يصلون إليه في المستقبل، وكافأهم مسبقا بمِنح إلهية.
الله سبحانه لا يريد إضلاله ولا يخلق الضلالة لعلمه بما عمل من حسنة في الماضي، أو بما سيعمله من حسنة في المستقبل.
لو كانت هذه الأقوال لشخص آخر غيره فإنَّ معنى هذا أنَّ صاحبها يملك رؤية نورانية نحو المستقبل كرؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ولكن هل وجد في التاريخ رجل آخر يمكن أن يكون ندًّا أو شبيها له لكي تسند هذه الأقوال إليه؟ كلا..
لو لم يقم المسلمون بالحفاظ على منابع دينهم بكلِّ حساسية واهتمام لكانت العاقبة نفسها في انتظار الدين الإسلامي. ولا نستطيع أن ننفي وجود محاولات من هذا القبيل في الماضي والحاضر.
ليت شعري، متى يعود... ذاك الماضي، ذو العيون الشُّهل؟!
ليس لأمثال هؤلاء ماضٍ ولا مستقبل، ما داموا يرددون قول عمر الخيام: "لا تَشغل البَال بماضي الزمان / ولا بآتي العيش قبلَ الأوان / واغنم مِن الحاضر لذّاتهِ / فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمان".
ليس من المبالغة أبدًا النظر إلى المستقبل بأنه سيكون عهد القرآن، ذلك لأنه الكلام الذي يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.
ليس من المستبعد حدوثُ تغيرات اجتماعية كبيرة في المستقبل القريب. وستكون هناك تغيرات في خريطة العالم.
لئن كان اليهود ظاهرين في الوقت الحاضر... فلا بدَّ أنَّه نتيجة اتفاقهم الظاهر والناشئ من التمسك والاعتزاز بقيمهم التاريخية، حتى حقق لهم إنشاء دولة بشكل من الأشكال.
لئن كان كلُّ هذا يعدّ في وقتنا الحاضر أمرًا ذا بال -وهو كذلك- فإنه يدل على أنَّ القلوب إنما تُفتح وتُغلق بالشفقة. وأنَّ كلَّ ما يثير الحقد والبغض لم يأت بخير سابقًا كما لن يأتي به حاضرًا ومستقبلاً.
ما الذي يعيق الأجيال البصيرة عن تقدم الصفوف، ما دامت قادرة على تقييم الماضي والحاضر والمستقبل على صعيد واحد...؟
ما زالت الأرض بعد الدوار الطويل والتزلزل الشديد، ورغم أنف الأشياء، قادرة على تحقيق هذا التكوين في الحاضر، ومالكة لطاقة تحقق بعثًا جديدًا بعد الموت...
ما شهد الماضي والحاضر أحدا مثله -صلى الله عليه وسلم- استطاع أن يقول شيئًا أو يضعَ أحكاما ثابتة في مسائلَ كثيرةٍ مختلفة...
ما من وسيلة أو طريق للخير والسعادة من نتاج عقل البشر، إلا ويُحكم عليها بالزوال أو القِدم.. ويَعرض عليها التبدل من مجتمع إلى آخر، وتترهل وتخرق بمرور الزمان، وتستهلك وتتهرأ بالغلط والتصحيح المستمرَّيْن... فهي لا تتعدى أن تكون "نُظَيْماتٍ" تُمَنِّي بخيرات نسبية... لكنها لم تحقِّق قط ما تصبو إليه البشرية في الماضي، ولن تحقق أمانيها البتة في المستقبل.
ما نعمله للآخرين، من خير أو شرٍ، سيكون بذور ما سنجابهه في المستقبل.
ما يعنيه التقاء الماء، والتراب، والهواء، والشمس، في نقطة واحدة بالنسبة لوجود أي كائنٍ حيٍّ ومواصلتِه لحياته، هو الذي تعنيه الثقافة بالنسبة لحاضرِ أيِّ مجتمع ومستقبلِه.
الماضي مدرسة مليئة بالأمثال وبالعبر المأخوذة من الحياة. والذين يستطيعون معرفة كيفية الاستفادة من ثمرات هذه المدرسة وتقييمها تقييما جيدا يستطيعون حكم المستقبل بكلِّ نجاح. ذلك لأن اليوم يشبه الأمس، والأمس يشبه أمس الأمس... الألوان هي المتغيرة فقط.
ماضيًا صرتم، وفي الأمس غرقْتم... وعيونَكم عن الواقع أغمضْتم... وركبْتم خيول الخيال، فما لم تدركوا روح العصر وحقيقته، فلا مستقبل لكم ولا استقلال.
مثل هذه الحظوة يمكن أن تتحقق في الحاضر أيضًا، إذا تشبَّع المسلمون -في إطارِ ما أشرنا إليه آنفًا- بروح كفاحٍ مكين، ولم ينقادوا للفتور مهما كانت الظروف.
المجتمع الذي أفراده قد تجاوزوا حدود جسمانيتهم وعاشوا حياتهم القلبية والروحية، هو مجتمع أنموذج للنظام. هذا النظام في عالم الإنسان يتصف بالديمومة والأمل في المستقبل، لأنه بُعدٌ من الانسجام الكوني المحيط بالوجود كله.
المجتمع السليم الواعد بمستقبل مشرق، يتكوَّن من أفراد سليمين هم منه كالجزء من الكلِّ.
المدارس (التقليدية) والزوايا والتكايا التي كانت تربي مهندسِي فكرِنا وعمَّالَ روحنا في الماضي، لم تنتج مشاريعَ تأخذ بأيدينا إلى المستقبل.
المرشدون والمبلّغون الذين يسعون لإدامة حيوية جماعتهم بمجرَّد إثارة العواطف والأحاسيس، يخالفون الآيات التكوينية، ولا يَعِد سعيُهم شيئًا للمستقبل.
المستقبل يتطوَّر إلى براعم في رحم اليوم، ويربو برضاع اليوم، ليتماسك قوامه. وكما يحمل وجودنا اليوم سمات أمسنا، بخيرها وشرها، كذلك يكون الغد نسخة من اليوم بصورتها المطورة والموسّعة والمتحولة من الفردية إلى الاجتماعية.
معظم الأخبار التي أخبر بها القرآن الكريم حول المستقبل ستكون الحدود النهائية التي ستصل إليها مختلف العلوم.
معظم الأديان ذات المظاهر الباطلة، والتي استمرت ووصلت إلى أيامنا الحالية كانت مستندة في الماضي إلى أسس متينة وصالحة وصافية في الأكثر.
معنى وراثة التاريخ هو وراثة كل ركام الماضي.
المكتسبات مهما كانت مندرجة في طبع الإنسان فلا تَظهر في الحاضر مجدَّدًا بعين الذات القديمة؛ لأنَّ كلَّ يوم جديد هو عالم خاص بذاته، وإذ يطلع يطلع بخصوصياته، وإذ يغيب يغيب بخصوصياته..
من أجدى الأمور في بناء الجيل الحاضر تيسير تنقلهم بين عوالمهم الداخلية وبين حقائق الوجود...
من الضرورات اللازمة حقًّا أن نوقن بأنَّ المستقبل لنا؛ من حيث وجودنا وبقاؤنا، وننظر إليه بهذه العين.
من الضروري قيامنا بتقوية الرابطة الموجودة فيما بيننا. ولا يتم هذا إلاّ بإظهار النقاط المشتركة فيما بيننا.. وذلك كوحدة الماضي والتاريخ والأيام التي تقاسمْنا معًا حلوها ومرّها، ووحدة المصير المشترك، ووحدة الأعداء في الخارج...
من الطبيعي أن تعادي الإسلامَ عقليةٌ تتناول كلَّ شيء بنظرة دنيوية محضة، وتتخذ المنافع المادية أساسا للحياة الدنيوية، لأنَّ الإسلام يقلب دنياها رأسًا على عقب في حاضرها ومستقبلها..
من الغلط أن نحصر حاضر "الغرب" في آثار جهود علماء ذوي قابليات راقية، مثل كوبرنيك وغاليلو وليونارد دافينشي...
من اللوازم أثناء استعمال حقنا والإيفاء بواجبنا أن نراجع ماضينا المجيد باستمرار.
من ذاك الماضي الأغرّ قدمتَ... ومن قلب شموسه انبثقتَ... تُواصل السيرَ وتحثّ الخطى... نحو مستقبل مشرق زاهر... رافقتْك السلامة يا صغيري.
من مسوخ الماضي صُنعت... وعبر التاريخ تناسخت... وفي صور شتى تمثلتَ... ولحاضرنا أتيت... ليت شعري، هل عرفتموه؟!
مَن يدري، لعلنا نشهد في المستقبل أُمما أخرى تضطلع بالدور نفسها ولكن تكون لها رؤيتها المتجددة للعالم وحلتها الحضارية المتميزة ونسيجها الثقاقي الخاص.
المُناصرُ للنُّظُم البشرية أو الدنيوية (اللادينية)... عاجز عن تبيان ما يُطَمْئِن الإنسانَ أو يُقنعه بشأن حاضره وقابله، وسوف يعجز لا محالة! لأنَّ هذا الدين هو نظام الله في الأرض.
منذ الزمان الغابر وإلى يومنا الحاضر، قادت أمم كثيرة شعوبا متنوعة في بلاد عديدة من هذه الأرض الواسعة، وصارت أحيانًا من عناصر التوازن.
مهما تكلَّم بعض المحافل العلمية وبعض العلماء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، ومهما أبدوا من اهتمام ومهما ورد في بعض كتبهم أو في محاضراتهم فلا يوجد أي سند قويٍّ، ولا أيّ برهان أو حجَّة قوية في تأييد نظرية التطور.
نبقى وندوم بذواتنا وبخصالنا الذاتية من جهة، ونسير إلى المستقبل من غير السقوط في دوامة الباطل والخرافة والتغرب...
"نَجيب فاضِل" هو أحد أفذاذ أساتذة الشعر والنثر، ومهندسي الفكر المستقبلي في العصر الأخير.
نحن بحاجة في الحاضر إلى أن تفيض القلوب من العشق، وأن تطفح من الشوق، في فهم جديد وطري، لتحقيق انبعاث عظيم.
نحن نجلب عناصر حياة الغد من ماضينا. فإن استطعنا أن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية بنور الدين وضوء العلم، نكون قد جهزنا خميرة أبديّتنا.
نحن نرى سلامة مستقبلنا البعيد والقريب في أن نكون ملجأً للأرواح الأخرى، وفي ضخ النور في الإرادات الأخرى، وفي إعلاء القلوب الأخرى إلى الذرى.
نحن نمشي في طريقنا نحو المستقبل بكلِّ ثقة وأمن واطمئنان، دون أن يخطر ببالنا ظهور أيِّ مصاعب أو أمور سلبية أمامنا، وإذا بنا نفاجأ بهم وقد انتصبوا أمامنا بكلِّ ما في جعبتهم من حقد ونفور وغضب.
نحن نؤمن يقينا بأنَّ أجيال الفكر المثالية المتوجهين نحو المستقبل بحسِّهم وفكرهم وعملهم الحركي... ستجتاز العقبات كلِّها وتنشئ تكوينات جديدة.
ها نحن نخنق أنفاس الحقِّ والإرادة والفكر الحرِّ، ونجثم على صدور الآخرين. والمؤلم أنَّ هذه الأمور لم تنته بعدُ، ولا نجزم بانتهائها في المستقبل.
نرى في الحاضر بوارق لمعان يقظةٍ تحلُّ محلَّ الركون القديم إلى الراحة.
نرى وجوب قيام كلِّ إنسان بالواجب الملقى على عاتقه لتهيئة ما يمكن تهيئته للمستقبل. وإلى جانب هذا نعتقد بعدم جواز تناسي ضرورة الارتباط بأسس معيّنة..
نريد أن ندع مهندسي تلك الأيام السوداء في خلوة مع مساوئهم، وفينا منهم غثيان في أنفسنا وأنين في قلوبنا، ونتحدَّث عن عمَّال الفكر المشتغلين ببناء مستقبلنا.
النظام اسم جامع للأمان والاطمئنان والانسجام الاجتماعي ورجاء المستقبل الزاهر. فلا يُنتظر الأمان والانسجام من الفوضى، ولا المستقبل والعطاء من اختلاط الحابل بالنابل.
نعلم من أمسنا ويومنا أنَّ رجال الروح والمعنى والبصيرة قد حلّوا عُقَد أعصى المعضلات والأزمات بيسرٍ لا يستوعبه خيالنا، وذلك بسعة آفاقهم وعلوّ هممهم، وبتحريك قسم من مصادر قوة اليوم لحساب المستقبل.
نعيش منذ جيلين بحمد الله ابتهاج العودة إلى روحنا بوتيرةٍ أسرعَ سيرًا، وأدقَّ منهجًا مما شهدناه في الماضي.
نمدّ إلى شهر رمضان أيدينا في جو من الإشراق الروحي، لكي يفتح لنا بابا نحو أيام جديدة مضيئة للمستقبل.
هجم علينا الصليبيون في الماضي تحت تأثير فكرة معيَّنة، وكانت هذه هجمة الشخص الأوروبي الساذج الأحمق.
هذا الفكر الرحيب الذي يعني احتضان الغد منذ الآن، وفهم محتوى المستقبل روحًا ومعنى، سَمِّه إن شئت "مثالية".
هذا الكلام البليغ والقوي النازل والموحى به، لا بدَّ أن يكون له نفع حتى ولو بالقوة "أي بالاحتمال في المستقبل"..
هذا يظهر كيف أن أعماق أرواحهم لا تزال محافظة على جذور عميقة من المعاني، مما يهمس في قلوبنا مجد الماضي وأمل المستقبل
هذه الأمور والحوادث لم تظهر حتى الآن، فهي من الحوادث المستقبلية، وسيهتف الأقوام الذين سيدركون ويشاهدون تحقق هذه النبوءة: "صدقتَ يا رسول الله!".
هذه هي الطريقة المثلى لتوحُّد المجتمع وتَطابُقه مع فلسفة حياته وأسلوبه الذاتي وطبيعته التاريخية، حتى يصبح مجتمعا مستقرا بماضيه وحاضره، ومنفتحا على العقل والفكر والوحي.
هم مؤمنون حقيقيّون، وهم ضمان انبعاث أجيالنا في المستقبل، وهم أصحاب القلوب السالمة والسليمة.
هناك ظاهرة "التَّلَبَاثِي"، وعلماء اليوم يتهيأون للتخاطب به في المستقبل. وهذا طراز آخر من التحدث.
هناك مسألة أخرى تعكّر صفو بعض العقول وهي أن التفكير المحدود لبني الإنسان لا يستطيع هضم مفهوم الأزل وإدراكه، لذا نراه يضفي صفة الأزلية على المادة، ثم يرى احتمال وقوع أشياء غير معقولة في الماضي السحيق الذي لا تستطيع الأرقام إيضاحه.
هؤلاء بيدهم وسائل ووسائط نفخ في روح هذه الأمة وفكرها، وبالبراهين المستخلصة من لب وعصارة ماضينا، لا يفترون عن محاولة إعادة تلك الأيام المجيدة دون يأس أو كلل.
الواجب علينا... أن نضع أمامنا أهدافا سامية نتّخذ -في سبيل تحقيقها- قيمَنا الذاتية أسسا لصياغة سياسات ومشاريع مستقبلية، حتى يتحققَ الاستقرار في سياساتنا...
وأحسب أننا لو كنا نحتاج إلى أن نَصِف حضارتنا -باعتبار ماضينا- بصفة، لكان من الأنسب أن نصفها بـ"حضارةِ الفقه وأصول الفقه"...
والله إن لم تتكفلوا بالجيل الحاضر وتربُّوه في ميدان الروح، وتنفخوا فيه الروح، ولم تعمِّروا فيهم الشعور الأخروي، فلن تنفع تنشئته بالتمشدق بالحضارة، ولا المصانع التي تقيمونها أو أقمتموها..
(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ): جملة اسمية لا تتعلق بالأزمنة الثلاثة "الماضي، الحاضر والمستقبل" بل تفيد الاستمرارية، أي لا تقول: "إننا وسّعنا في الماضي ثم تركنا" ولا تقول: "إننا نوسّع الآن" ولا "إننا سنوسّع في المستقبل"، بل تقول: "إننا نوسع على الدوام ودون توقف".
وجب علينا في المقابل أن نزيد من نشاطاتٍ تُكسبهم القوة والمناعة لمواجهة المعضلات التي قد تواجههم في الحاضر والمستقبل.
وحيث يقول سيدنا -صلى الله عليه وسلم- «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار» يعلِّق فلاح الأمَّة وضمان مستقبلها بالشورى.
وضع سبحانه في ماهيتنا إرادة مجهولة الماهية حيث لا عبث في إجراءاته، وأنشأ/وينشيء على هذه الإرادة المجهولة الماهية جميع ما فعلناه/ونفعله في الماضي والمستقبل.
وضْعَهم اللبنات الأولى لثغور حُلم المستقبل الكبير في جهات الأرض المختلفة...
الوقت الحاضر بحاجة إلى الذين يفعلون ما يقولون، وليس إلى المجادلين والمتحذلقين.
اليابان... لم تستخف بتاريخها، ولم تلعن ماضيها، ولم تنكر جذورها المعنوية والروحية..
يبدو الناس في الأعياد وهم سعداء ومطمئنّون، لكونهم أصبحوا مظهرا للعفو الإلهي، وتخلصوا من تبعات أخطائهم وذنوبهم، ولكونهم يعيشون الماضي والمستقبل معا بشكل متداخل.
يتم الهجوم بكلِّ دناءة لمن يرتبط بالأمة وبالماضي. ويعلو قدر الذين انقطعوا عن جذورهم وأصالتهم.
يتوحَّد عماليق الأفكار لهذا الماضي المارد العظيم بقاماتهم العملاقة، فيهمسون في آذاننا طلاسم الخلاص والانبعاث.
يجب الانسلاخ عن المشاعر اليومية المعتادة، وأن تتطهر أفكارنا مما ألم بها من تلوث، وأن تتعمق آمالنا وتوقعاتنا المستقبلية.
يجب أن يكون هناك في كلِّ سلَّم من سلالم خدمة الدعوة ممثل متَّصِف بالصدق والاستقامة والأمانة وبشعور وإحساس بالواجب، وبإدراك يفوق إدراك أمثاله وله حدس يستطيع به رؤية المستقبل والحاضر مع خلق وعفة.
يجب علينا اليوم -ونحن نستعد للتجديد-... هو أن نجهّز الأبطال... الأبطال المُنْشِدون القادرون اليوم على أداء الكلمات لأناشيد ماضينا من غير تعثر بشيء أو بعائق.
يحتاج مَن سقط في هاوية الإلفة إلى:... وإطلاعه على الصفحات المشرقة لماضينا.
يحتمل أننا سنملك في المستقبل معلومات أكثر تفصيلاً حول الزائدة الدودية. ولكن ما عرضناه حولها يكفي لبيان تهافت هذا الزعم.
يحق لنا أن نترقب نسيجًا مباركًا بألوان الغد السعيد، يحظى باهتمام الإنسانية جمعاء، من هذه النقوش الصغيرة التي تغزلها بمغازل أفكار الخير أجيالٌ محظوظةٌ في الزمن الحاضر.
يرتشفون ماضيهم مع يومهم هذا، وكأنهم يرتشفون نغمة مليئة بالبهجة والحبور.
يستقرُّ شعبنا في حرز مصان ومتين من كل جهة، سواء في العلم والفن، أو الفكر والأخلاق، فنضمن مستقبله.
يشاهد في الوقت الحاضر عددٌ هائل من الناس.... اهتدوا واختاروا الإسلام دينًا لهم سواء في الشرق أو في الغرب.
يفتح الجميع عيون قلوبهم ومنافذها.. يفرح لحظه الحسن، أو يغتم لحظه النكد، ثم يتطلع ويرمي بنظره بأمل إلى المستقبل، وتتعمق في وجوههم خطوط المعاني.
يلزم في الوقت الحاضر أن يسلك المبلّغون مسلك الصحابة الكرام فلا يلجؤون إلى سبل إلاّ أن تكون مشروعة في كلِّ جزء من جزئياتها. وهؤلاء هم الذين ينصرون الدين وينشرونه في الآفاق.
يمكن القول بأنَّ البيئة ظلَّت مصدر القيم الثقافية في كلِّ الحضارات، سابقها وحاضرها..
ينبغي أن نفتح عيوننا فنرى الحقيقة، ونعمل ببصيرتنا فنصون خواصنا المنتقلة إلينا من أمس إلى اليوم، ونطرد ما يمضغ وجودنا وشخصيتنا من دواخلنا. وإن لم نفعل، فسوف نرى يومًا نعجز فيه عن الحفاظ حتى على حالنا الحاضر.
ينبغي أن يستشعر وارثو الأرض الذين يخططون لإقامة عالم المستقبل، نوعَ العالم الذي يريدون إقامته...
ينبغي في الحاضر أيضًا أن يترك الذين يبرمجون لمسيرة المستقبل الأنانيةَ جانبًا، ويضعوا أيديهم في أيادي كلِّ إنسان، وكلِّ شيء بالضرورة واللزوم.
ينسج من آفاق القابل رؤيا مثالية تستنهض الهمم. ومن وجهة أخرى، يمحّص ويعلل حاضر العالم الإسلامي بمعضلاته وأزماته والعوائق الاجتماعية والتاريخية المعرقلة لتجديد بناء الفكر الإسلامي.
 
 
زمرة "الأمس - اليوم - الغد"..
(اليوم، الأيام، اليومية، الأمس، الغد...)
أبرز خصال جيل الضياء هذا، أن يحيط علمًا بشؤون اليوم والغد.
أبطال اللدنّيات الذين يئنّون بآلام الأجيال، إذ يسْعون للنهوض بها إلى درجة معينة، ويحوّلون مستقبلها الكدِر إلى دموع في أرواحهم، فينوحون نواح أيوب -عليه السلام-، ويتقاسمون معها أوجاع يومهم وغدهم...
الاتهامات اليوم هي نفس الاتهامات السابقة: "أنت منحرف... أنت رجعي... أنت تعيش في القرون المظلمة"... الخ.
أجل، لقد كانت سُنَّته من الأمس حتى اليوم منبع المجتهدين الذي لا يضل وباب العلم الفسيح...
أجيال اليوم التي تهرَّأت روحًا وشخصية... ستشهد "الانبعاث بعد الموت"، في ظل الاستقلال الروحي والاستقرار الفكري.
أجيال اليوم المؤمنة السائرةَ في الطريق، المشدودةَ بالتحفز الروحي الكامل استعدادًا لمنازلة الغبن والقهر والظلم الذي أصابها منذ قرون، يزفون بتحفزهم هذا من الآن ببشائر مهمَّة.
أحدث الفرضيات المطروحة باسم العلم والفلسفة، تتغير كلَّ يوم بنظريات جديدة مختلفة.
أحدثتْ الثورةُ الصناعية أوّل صدمة في العالم الإسلامي... كانت هذه شبيهة بلعبة القط مع الفأر بعد إحداث صدمة مرعبة عنده... أجل! بدءًا من ذلك التاريخ وحتى اليوم أحدث الغرب صدمة في العالم الإسلامي وبدأ اللعب به.
الإحساس باضطراب وآلام هذه المسؤوليات في القلب، وإشعارها عن نفسها في الروح خفقانا مجنونا بعد خفقانٍ؛ هو جزء من جدول أعماله اليومية (رجل القلب)، يتبارى ليحوز على الموقع الأوَّل في السبق.
إذا أردتم الانتماء إلى أحدهم (المرشِدين)، فانظروا أولاً إلى حياته اليومية، فإن كانت تتسم بالتواضع والاستغناء، ولا تكذّب أعمالُه أقوالَه، فاتبِعوه وانتموا إليه.
إذا بقينا على تخبُّطنا الذي عرفناه أمس واليومَ في التزوُّد والتغذِّي من مصادرِ ثقافةِ الآخرين، وانغرزنا في التقليد، كلَّما فكَّرنا في الإنشاء، فلن تنجو الأمة من ذلة التبعية.
إذا توعَّرت الطرق يومًا وتشابكت السبلُ، واحلولكت الآفاقُ، ودوَّت أصداءُ الاضطرابِ والقلق، فلن يتشكي عن الطريق التي يسلكها ولن يرتبك أو يتقهقر، بل يستعينُ بالله، ويتشبثُ بالسعي والعمل، ويستسلمُ للحكمة الإلهية...
إذا كان الحجُّ لا يستطيع اليوم أداء هذا الدور، فهذا ينبع من نقص الوعي عند المسلمين...
إذا كان القلب يحافظ على جلائه ورونقه بتجديد إيمانه وانتسابه للحقِّ تعالى وميثاقه، ويصقل ويجَلَّى كل يوم وأسبوع وعام بشتى أنواع العبادات، فلا يُحتمل مطلقًا أن يبقى ذلك القلب مفتوحا لتلقي العداوات.
إذا كان اليوم هناك أُمور تصلح لتأمين وفاق واتحاد في ظل فهم إسلامي صحيح -وأنا أعتقد أنه موجود- فيجب الوقوف عندها والاهتمام بها.
إذا كانت الأيام متوجِّهة نحو أعدائهم اليوم، فقد تدبر عنهم غدا، وقد تغشى الابتسامة والانشراح في المستقبل هذه البلدان المظلومة البائسة.
إذا ما شملتم قلب إنساننا اليوم بالعطف والحنان، سمعتم صدًى حزينًا منه، لأنه لن يسعد إنسان يغوص في الآثام ويخوض في الرذائل...
إذكاء نار العداء بين الذين يسمون أهل الشريعة وأهل الحقيقة أجّجَ في السابق ويؤجج اليوم صراعات خطيرة بين المسلمين...
أرباب الخوف يتألمون ويتوجعون، وأحيانًا أخرى تنهمر منهم الدموع سيلاً مرات ومرات في اليوم، ولاسيما عند انفرادهم.
أرجوكم أن تتفكروا... بمَ ننجو من الفقر الأخلاقي والمعضلات المتشابكة يومًا بعد يوم، حتى جعلت الحياة حملاً ثقيلاً وحيرة لا تطاق؟
أرجوكم أن تدلّوني على زمن لم يكن فيه من يشبه هؤلاء (الخونة)! فهم موجودون في كلِّ زمان، وسنجدهم غدًا كما نجدهم اليوم!
الإرشاد والتبليغ في المجتمع الإسلامي ليس وظيفة فحسب، بل هو بمثابة معيار ومقياس لكلِّ شيء، حيث يقيس أفراد ذلك المجتمع جميع شؤونهم وفق ذلك المقياس، وينظّمون أوقات يومهم وفقه، ويُمضون لياليهم تحت أنّات هذه المسؤولية.
أساس حياتنا المعنوية قائم على الفكر الديني والتصورات الدينية. ولقد حافظنا على وجودنا حتى اليوم بهذا الأساس...
الأسباب المنثورة اليوم -من جهة العِلّية- كالبذور على سفوح التاريخ، هي عوامل تُعَيّن نتائج الغد، المتسمة ببُعْد الحكمة وصبغة العدالة...
الاستقامة رصيد، إن فقدته قام من عرف ذلك بسحب كلِّ ما كان قد أكسبه لك حتى ذلك اليوم...
الأشهر المباركة التي تتقدم على رمضان وتبشّرنا بإشراقه، هي بمثابة مؤشرات وعلامات صامتة وهادئة على قدوم أيام مباركة وظهور بشائرها في الأفق... أيام مليئة بفيوضات تقبل كالسيل الهادر وتحتضن القلوب...
أصبح الأذان المحمدي يُقرأ في شرق العالم وغربها خمس مرات في اليوم.
أصبحت إيماءات نبوّته وعلاماتها تتضح يومًا بعد يوم...
أصبحنا نتوقع في كلِّ يوم اعتداءً جديدا، وبدأنا وكأننا تعوَّدنا على أن نكون مظلومين.
أصحاب هذه الأرواح المنكودة التي اسودّت بالدخان، وصدأت حتى فقدت شفافيتها، وحل السواد محل البياض الناصع في العالم الداخلي لهم، لا يتورعون -إن لم يكن اليوم فغدًا- من حرق الوطن وكل شيء.
أظنّ أننا سندرك جيدًا ما ينبغي أن نتخذه مبادئ، ونستطيع أن نضع برامج واضحة للغد، بعدما أن نفهم ما ذكرناه فهما دقيقًا...
اعتبارا من اليوم الذي أضيئت به العيون والقلوب، كم من لغز في الكون كان ينتظر الحل منذ آلاف السنوات، وكم من مشاكل معقدة متداخلة بعضها مع البعض الآخر كانت تنتظر الحلول، حلَّت الواحدة منها إثر الأخرى..
أفضل معونة يمكن تقديمها اليوم لأي إنسان، هي المعونة المقدمة لإنقاذ حياته الدينية.
أقول: إنَّ الأساس عند جنود الخدمة هو الاستغناء وعدم مدّ اليد إلى الناس أو انتظار شيء منهم. فهذا الأمر صفة من الصفات المهمة لهؤلاء الذين يريدون التهيئة للغد المرتقب.
ألفنا في هذا البلد منذ الأمس إلى اليوم أن ننتظر ساعات العبادة، وأن نستمع إلى أصوات الأذان، كأنها صرير أبواب السماء.
إلى جانب كياننا وأوضاعنا التي نعيشها حاليا، نهذي كحالم بالأيام التي تتفتح كالبراعم من آمالنا ومن إيماننا...
أليس أمثال هؤلاء من مدَّعي الزعامة والقيادة هم السبب في خيبة الرجاء التي يحسها إنساننا اليوم؟
أليست الأيام السوداء التي شهدناها في مرحلة معينة، وليدة "لوثيات" المرحلة التي سبقتها؟
أمَّا نحن اليوم فعلينا أن نجابه الأعداء بالطرق والمناهج التي يستعملونها..
أمام إهمالنا الحالي، لا أدري هل فكَّرنا بنوعية الجيل القادم الذي سيملأ ساحاتنا وشوارعنا غدًا؟
امتثال هذه الأمانة المقدسَّة، ونشرها في آفاق العالم اليوم، دَين في أعناقنا...
الأمر الناجز الذي ينبغي أن نعمله اليوم، هو أن نهرع إلى أخذ موقعنا في التوازن الدولي، في استبطان للشعور الجاد بالمسؤولية وبهويتنا الذاتية، ومن غير هدر للزمن.
الأمراض "الملّيّة" والآفات الطبيعية... لا تعالج بتدابير يومية قصيرة الباع... الاشتغال بمعالجتها بسياسات المناورة اليومية، التي لا غاية لها ولا أفق فيها، ليس إلاَّ هدرًا للزمن.
الأمم والشعوب التي تتعرض إلى التبدل داخليا في حياتها المعنوية، مصيرها إلى الخذلان غدًا، مهما كانت ظاهرةً اليوم.
الأمور ما أن تبدأ بالجريان في سياقها الطبيعي حتى تبدأ ما يمكن أن نطلق عليه اسم "الدائرة الخيّرة/الصالحة" -ضد "الدائرة المفرغة"- أي الدائرة الولودة، هذا ما نشاهده الآن كلَّ يوم، في العديد من وجوه خدماتنا الإيمانية...
إن أضاف إلى هذه المتعة التي يلقاها طوال اليوم في عالم الحقيقة والواقع متعةً تخيُّل وتصوُّر ما سيلقاه من الآخرين، يكون قد أنشأ عالما ساحرا جديدا خارج هذا العالم المحدود بأبعاده الثلاثة...
إنَّ العيش اليوم مسلمًا أصبح أصعب من المشي على الجمر...
إن بقيتَ في إطار الاستقامة فلا يضرك التهم التي سيطلقها الأعداء أو الحساد عنك؛ لأنه سيأتي اليوم الذي تظهر فيه براءتك...
إن بلغ هذا الفهم الذروة في يوم من الأيام، سيكون البعث والإحياء في الذروة أيضًا.
إنَّ بني إسرائيل اليوم واليهود يجنون ثمرات احترامهم لدين سماوي، رغم أنه مفتوح من حيث بعض جوانبه للتصحيح والتجديد.
إنَّ علماء عباقرة بزّوا في ميادين العلم والتقنية التي تسجل يوميًّا خطوات واسعة متقدمة، حتى غدت موضع انبهار العقول...
إن كان المجتمع محرومًا من هذه الروح وهذا العشق، فإنَّه يتهاوى على رؤوس أفراده، إما اليوم، أو غدًا، أو بعد غد. وإنّ غدًا لناظره قريب...
إن لم تكن (مكة) محتفظة به (مقام مرقد النبي) فنحن نأمل أن تصل في يوم من الأيام إلى هذا المقام، ويهبّ عليها من جديد النسيم المحمدي المبارك.
إن لم تكن لك استقامة على الطريق فالفقر يكون لك بابًا للكفر؛ لأنَّه يسوقك إلى عصيان الله، ويومًا بعد يوم تزيد عصيانًا لله...
إن لم نعيِّن أسس الأفكار المضرة والتيارات المفسدة، بمشاعر مسؤولية جادة لنقاومها منذ اليوم، فسوف نرى في المستقبل أبعادًا مختلفة للبؤس الأخلاقي والنكبة الاجتماعية والانحرافات الأخرى.
إن لم يوفِ هذا الوارث رسالة التاريخ المتعلقة باليوم والغد حقَّها من الاهتمام، فسوف يحسب مسؤولاً عن خراب اليوم وضياع الغد.
إنَّ مرشدي ومبلغي يومنا الحاضر بحاجة ماسة إلى متابعة ما وصل إليه العصر من علوم وفنون وتكنولوجيا ولو بشكل معلومات أولية...
إنَّ مسلمي يومنا الحاضر أصبحوا لا يفقهون شيئا من كتاب الله. فهم في واد والقرآن في واد آخر.
إن وُجّه إليهم (الصحابة) سؤالٌ يوم القيامة فسيوجه إلينا أيضا سؤال.
الآن، نريد أن ندع مهندسي تلك الأيام السوداء في خلوة مع مساوئهم، وفينا منهم غثيان في أنفسنا وأنين في قلوبنا، ونتحدَّث عن عمَّال الفكر المشتغلين في بناء مستقبلنا.
أنا على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي سيؤمن بهذا جميع الناس وعامة البشر.
أنت تتوقَّع أن تكون أمام جميع الأنظار دومًا، وأن يُصفق لك ويُهتف بإسمك، ولكن أنّى يكون هذا وأنت تنكث عهدك كل يوم خمسين مرة؟
أنت ترى نفسك دون أيِّ نقص أو قصور، وتريد من الآخرين أن يروا هذا الرأي أيضا... ولكن أنّى يكون هذا وأنت تحمل على ظهرك ألف إثم كل يوم؟
الإنسان الذي خُلق مكرَّمًا سيجد الطريق السوي يومًا ما، إذ بخلافه يكون هذا القانون خطأ -والعياذ بالله-..
إنسان ذلك اليوم، ما كان ليعرف أبدًا أنَّ الملايين من الجراثيم قد توجد بين أظافره.
الإنسان مخلوق يحتاج إلى خشوع القلب وإلى دموع العين، وهو محتاج كلَّ يوم إلى الالتفات إلى عالمه الداخلي، وتعميق هذا العالم وترقيقه.
الإنسان يفكر ويتكلم منذ عهد آدم -عليه السلام-، وسيظلُّ يفكر ويتحدث حتى يوم القيامة...
إنساننا اليوم بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أكثر من أي وقت مضى...
إنساننا يحتاج اليوم أمسَّ الحاجة إلى أهل العمق، الباكين من أجل آثام شعبهم، المقدِّمين مغفرة وعفو البشرية على مغفرة أنفسهم...
انشغلت الكتاتيب والمدارس عمومًا -يوم أن كانت لنا- بإضفاء المعنى للوجود والكائنات.
انقلب المجتمع رأسًا على عقب باعتبار قيمه. ذلك بشهادة القلق وضياع الأمان المحسوس -في عصرنا الحاضر خاصة- في أغوار قلوبنا جميعًا، حتى العقلانيين الواقعيين(!) الذين لا همَّ لهم إلا تحقيق مآربهم اليومية.
إننا اليوم أمَّة مرهَقة بمحن متنوِّعة، لم نشهدها في تاريخنا إلاَّ قليلا.
إننا اليوم بحاجة ماسة -قبل كلِّ شيء- إلى هدف سام بعيد المرام، هو انبعاثنا برؤيتنا الحضارية وبثقافتنا الذاتية.
إني أذكر زمانا كان أمثال هؤلاء التعساء يقيئون حقدهم وكرههم وغيظهم، ويناضلون نضال المستميت لكبح صوت الدين والمسلم، أيام رواج الشيوعية والاشتراكية، متكئين على نظم لا أنساب لها.
إني أؤمن إيمانا صادقًا بأنَّ هذا الانتظار والحركية سيحيينا، ويحقق بأيدينا تغيير وجه العالم في يوم آتٍ...
أهم ركن للرضى من حيث المبدأ هو توجّه الفرد إلى الله في قيامه وقعوده... وإنشاؤه وسائل متجددة كلَّ يوم للوصول إلى معرفة أعمق للألوهية.
أوقات السحور التي تهبّ عليها نسائم السحر في هذه الأيام التي يسترجع فيها الدين شبابه... فهي أوقات ذات طعم وذات ضياء خاص، ولهجة خاصة تخالط القلوب...
أولئك المرشدون الذين يمتد عالمهم الفكري من المادة إلى المعنى... فهؤلاء كانوا وراء أيام العمران المديدة حتى اليوم، وسيكون هؤلاء ممثلين لحركات الإعمار والإحياء الآتية غدًا.
أولئك ينشغلون بحساب الغد مع اليوم قيامًا وقعودًا، ويستعملون الإمكانات والحركيات الحاضرة أحجارًا لإنشاء الجسور الموصلة إلى الغد، ويجدون في حناجرهم غصص نَقْل الأيام الحاضرة إلى الأيام القابلة...
الأيام المباركة التي يتم فيها الإحساس بالوجود وبالإنسان وبما وراء هذا الوجود إحساسا أفضل وأكمل، تُشعِل في أذهاننا أقوى الأفكار...
أيام رمضان في كلِّ أرجاء العالم، ولا سيما في البلدان الإسلامية وبين المسلمين، وبالأخص في دنيانا وفي جونا وعالمنا تكون مركزًا لكل الاهتمامات، وميدانًا لجميع الأذواق الروحية...
أيام شهر رمضان الذي يطلع كلّ نهار فيه وكلّ ليل بمشاعر مختلفة... إنَّ أيامه تمس القلوب بروح جديد...
أيام شهر رمضان ولياليها التي تقدّم لنا بأعذب لغة لُباب وجوهر جميع المواسم والشهور العطرة للسنة وروحها ومعناها الحقيقي...
أيام مليئة بفيوضات تقبِل كالسيل الهادر وتحتضن القلوب. ومع اليوم الأوَّل من هذه الأشهر المباركة يحس صاحب كلِّ قلبٍ مؤمن أنه مغمور في جوِّ رمضان. فتجده من اليوم الأوَّل مستعرضا جميع مشاعره المتعلقة بعبوديته.
الأيام والليالي المرتبطة بالمسيح -عليه السلام- قد امتزجت في فكر الإنسانية إلى درجة أنَّ الجميع -أدركوا ذلك أو لم يدركوه- يجدون أنفسهم في خضمِّ هذه الاحتفالات الغريبة...
الآيةُ، بالكلمات التي استعملتها، وبالأسلوب الذي صاغته، احتفظت بجدتها ونضارتها حتى اليوم، وستبقى جديدة في المستقبل أيضا، على رغم تساقط جميع النظريات ووضعها على الرف.
باعتبارنا أمَّة لا بدَّ لنا اليوم أن نعرف البرامج والخطط التي نسير بها إلى المستقبل، والمراحل التي نريد التنقل عَبرها في مسيرنا.
باعتيادنا من قبلُ على تنفُّس أجواء مثل هذه الأيام المباركة، من شريط الزمن، فقد نفذت إلى أرواحنا وامتزجت بها...
بالأمس القريب فجَّروا القنابل النووية فوق مدينة "هيروشيما" و"ناغازاكي"، فقتلوا في كلٍّ منها أكثر من ثمانين ألفًا من السكان المدنيين، وخلّفوا عشرات الآلاف من المصابين والمعوقين والمشوَّهين. هذا هو ما عمله مدعو المدنية الحالية.
بالنسائم السحرية التي تهبّ علينا من حولنا وتحتضن كياننا وتلفه، نبتعد عن المشاغل اليومية وندخل في جوِّ الآخرة.
بدأ يتنزه في سفوح الجنة في يوم رؤية الله تعالى والنظر إلى جماله...
البصيرة... في كتب التعريفات والمصطلحات: انفتاح عين القلب، سعة الإدراك، استشفاف النتيجة ورؤيتها من البداية، مَلَكة تقييم الأيام الآتية مع اليوم المعاش.
بمثل هذه الروحية، نظَّموا أيامهم وأوقاتهم وزمانهم. وعندما جاء يوم التضحية لم يترددوا في التضحية بكلِّ شيء...
بنسبة النسائم التي تغذي شجرة الزقوم في قلوبهم، تراهم يموتون مرات كل يوم ثم يحيون.
تأملوا في سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد ارتحل إلى العالم الآخر منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، ولكن مَن ينعم بالحياة مثله ومَن هو حي مثله؟ إذ يفتح يوميا ولا يغلق أبدًا سجل حسناته، بجميع صحائفه وتُكتب له الأثوبة؟
تبين اليوم بأنَّ العديد من الأعضاء -التي عدَّت في السابق أعضاء ضامرة ولا فائدة منها ولا وظيفة لها- لها وظائف مهمَّة.
تثار مشاعرهم وأفكارهم وتتقلب على لظى النار كلَّ يوم من مثل هذه الحوادث في أثناء سفرهم هذا بسبب تفكيرهم بالمحطَّة الأخيرة...
تحدَّى القرآن معارضيه منذ نزوله وحتى اليوم ببلاغته وإعجازه...
تحويل المرأة إلى رجل، أي صنع امرأة مسترجلة، لم يعد اليوم يقابل إلاَّ بالسخرية أو بالامتعاض.
تخلَّصوا من كلِّ ضيق يتعلق بالجسمانية، وانفسحوا كلَّ يوم في إقليم القلب الواسع الرحب إلى عمق جديد.
تراهم (الأبطال)، يوازنون كلَّ خطوة من خطواتهم، ويحيون عمرًا مليء الأيام، ويستعدون للموت في كلِّ منعطف من منعطفات الحياة...
ترى في أحوال كلِّ هؤلاء، وفي تصرُّفاتهم في ليالي هذه الأيام المباركة، وفي أنهرها، ظرفا يفوق ظرف ما جاء في الأساطير وفي القصص...
تستمر هذه التضرعات والتوسلات حتى شروق الشمس وظهورها في الأفق، معلنة عن ميلاد يوم جديد.
تسربت كل خصائص ومميزات عالمنا -من الماضي وحتى الآن- إلى بوتقته وإلى جوِّه العام، إلى درجة أننا نشعر في أعماقنا كلَّما أدركنا أيامه المباركات، وكأننا نعيش أيامنا المجيدة السابقة.
تشرق الشمس في كلِّ يوم على مشاعرنا...
تطفح صدورُهم غيظًا وحقدًا على هؤلاء المؤمنين، ويقعدون لهم كلَّ مقعد ليسحقوهم، ويتربصون بهم الدوائر، ويتصدَّون لهم كل يوم بخطر جديد.
تعالوا نتبْ من كلِّ آثامنا، مستغلّين بركة هذه الأيام التي أحاطت بنا، فنبدأ بعيش فترة تطهّر، ونعزم على احترام الآخرين...
التعبير الوارد في الآية حول اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، يتعلَّق بالشؤون الحياتية اليومية، ويقرر بأنهم لا يملكون حق التشريع...
تعجب الألسنة من عدم مبالاته -عليه السلام- بالموت ومن سخائه الفائق، بل حتى أعماله اليومية...
تعرفت على نمط من الشباب لو تعلق بنظرهم حرام في أثناء تجوالهم لضرورة في السوق يتصدقون بيوميتهم، كفارةً لذلك الذنب فرارًا إلى باب التوبة...
تعميق روح "الإحسان" يومًا بعد يوم، بالإحساس بحقيقةِ: "لي مع الله وقت".
تقف الإنسانية اليوم مع كلِّ نظامٍ يُعرض عليها موقفَ الشكّ والقلق والاستهزاء.
تلوث الجو العام في أيامنا الحالية بأصوات محطَّات الإذاعة والتلفيزيون والطائرات والسيارات والبواخر والتراموايات...
تماسك أجيال الغد وقوامها وسعادتها، حاصل من حواصل الأرواح والأنفاس المضحّية هذا اليوم.
تمر أيام هذه الحياة التي نعيشها هنا بين أمواج عواطف العشق والشوق الضاربة في سواحل قلوبنا كعهد وصال ولقاء...
تنهمر من هذه المآذن أصواتٌ لاهوتيّة عدَّة مرَّات في اليوم، وتحيط بكلِّ الأجواء وتنساب فيها.
تهفو نفوسنا إلى الأعياد، وتعتبرها ضرورة ماسَّة، ونحاول أن نشعر بهذه الأيام المباركة بكلِّ عمق وبكلِّ هباتها وهداياها وألطافها...
توجد إرشادات عديدة في هذه الآية الكريمة، متعلقة بالخدمات الدينية اليوم...
توجد لعلم الاجتماع قوانينه ومبادئه التي لا تتغير إلى يوم القيامة...
تَوعّد الذين يخالفون أوامره (القرآن) بيوم تهلع فيه القلوب، وتزيغ فيه الأبصار، وتبلغ فيه القلوب الحناجر.
الثقافة الغربية اليوم قد انزلقت بمعظمها إلى أجواء الثقافة الأمريكية.
ثمَّ حرارة للحيوية الندية والانبعاث الطازج تسري في أرواحنا الغارقة في أحضان الراحة والخمول. ولا بدَّ أن يعقب هذه التطورات ربيع زاهر الأيام.
الحاجة ماسَّة اليوم إلى صدور متسعة تحيط بالتفكير الحر، وتنفتح على العلم والبحث العلمي...
الحاجة ماسة في أيامنا إلى عقلٍ موضوعي يتصور الأمس واليوم معًا.
حالنا اليوم ما هو إلاّ بضعة أجزاء من هذه الدورة التاريخية المتكرِّرة.
حتى اليوم، هو (القرآن) يقوم بتنوير قلوب المتوجهين إليه الناهلين من نبعه، ويهمس في أرواحهم أسرار الوجود.
الحركات السرية العائدة للصلاة التي تغذِّي أفكارنا وأخيلتنا كلَّ يوم عدة مرات، تجد على الدوام طرقا ومنافذ وراء أفق هذا العالم لتنقلنا إليها.
حسبما نقرأ في الصحف فإنَّ آلافًا من الأورويين يسلمون، والدّنيا بأجمعها مقبلة على الإسلام. أجل، إنَّ أوروبا حامل بالإسلام وستلد يومًا ما، وأما العالم الإسلامي فهو في آلام المخاض وسيلد قريبًا...
الحقائق الكبرى التي احتاجت في ظهورها إلى أشخاص من نمط الصحابة، تحتاج اليوم كذلك إلى مثل هذا النمط لكي تظهر اليوم وتنتصر...
حياتنا "الملّيّة" بألوانها وأحوالها الخاصة، تشبه نهرًا يسيل متسربًا من جبال الماضي ووديانه، وسهوله وأريافه، فينحدر إلى المستقبل بتلوناته الخاصة. وإذ ينحدر نحو قابل الأيام، يحمل معه خصوصيات الأرجاء التي يمر منها.
حياتهم خلت من الكذب حتى في المزاح. ويصعب فهم هذا في يومنا، الذي يختلط بعض الكذب بكلام أصدق الناس...
الخدمات الإيمانية المقدَّمة اليوم، وأصحاب هذه الخدمات الذين نالوا شرف الدخول ضمن دائرة الرضا الإلهي من الأفراد والجماعات والأمم والدول، سيأخذون طبعًا نصيبهم من هذا التيسير، بل نالوه فعلاً..
خسر الكثيرون هذا الامتحان حتى اليوم؛ فكم من غني مع أنه يملك ثروة كبيرة لا يملك في قلبه شرارة نور واحدة بسبب جحوده.
دعنا الآن نقم برحلة قصيرة في الغابات التي تعد "رئات المدن"، والتي أصبحت اليوم عليلة ومنهكة القوى...
الدمامل التي ظهرت أمس في صور الإهمال والغفلة واللامبالاة وضعف الكفاءة وأحلام التغير، صارت أورامًا، ثم انتشرت في جوانبنا وأخضعتنا لنفسها، بمضاعفاتها السريعة والمتلاحقة...
الدين الإسلامي محفوظ من قبل الرب الجليل، وسيحافظ على طراوته ونضارته إلى يوم الدين...
الذي نذر نفسه لله وسعى لكسب رضاه وحده سبحانه، سيبلغ مراده ومطلبه قطعًا، إن لم يكن اليوم فغدًا في الآخرة.
الذين استُشهدوا في "بدر" وفي "أحد" وفي "مؤتة" وفي "جناق قلعة" وفي "طرابلس" أو في "أفغانستان" ضد الروس أو الفلسطينين الذين يستشهدون اليوم في كفاحهم ضد الظلم اليهودي.. كلُّ شهيد من هؤلاء الشهداء يشغل مرتبة من مراتب الشهادة هذه.
الذين سبقونا قد انقرضوا لما انحرفوا عن الغاية والهدف من وجودهم. ونحن اليوم في الموقف عينه...
الذين لهم أي اطلاع -مهما كان قليلاً وضئيلاً- بالعلوم الطبيعية اليوم يعلمون جيدًا أنَّ الطبيعة عمياء وصماء، وأنها لا تستطيع خلق أي شيء.
الذين يذكرون العظماء الحقيقيين بالخير والاحترام، سيُذكرون يومًا بالخير أيضًا.
الذين يزرعون الفتنة، أمس أو اليوم، يحصدون الشرَّ؛ والذين يزرعون فسائل الخير، يجنون ثمار الخير والبركة.
الذين يستطيعون الاستماع إلى الوجود من خلال منافذ قلوبهم، تنقلب الأيام والليالي المباركة لديهم إلى شاعر يتكلَّم بلغة ما وراء هذا العالم...
الذين يستطيعون معرفة كيفية الاستفادة من ثمرات هذه المدرسة وتقييمها تقييما جيدا يستطيعون حكم المستقبل بكلِّ نجاح. ذلك لأنَّ اليوم يشبه الأمس، والأمس يشبه أمس الأمس... الألوان هي المتغيرة فقط.
الذين يسقطون في درك التردُّد وعدم الاستقرار، وينقضون العهد الذي قطعوه على أنفسهم بين فينة وأخرى، سيأتي يوم يفقدون الثقة بأنفسهم، ويدخلون شيئًا فشيئًا تحت تأثير الآخرين.
الذين يعملون السوء على الدوام سينقلب هذا السوء حتمًا عليهم في يوم من الأيام، وإن لم يتدخل أحد لمنعهم من السوء...
الذين يعيشون حياتهم مفكرين، ويجعلون -حسب درجاتهم- كل يوم، أو كل ساعة، من حياتهم ميناءً أو مرسى أو طريقًا للأفكار المبتكرة، فهؤلاء يمضون أعمارهم في خوارق العيش ما فوق الزمان، ومفاجآته وسحره.
الذين يقتسمون العالم فيما بينهم حول الموائد المستديرة اليوم، لن يتخذوا قرارًا إلاّ وينظرون إلى ملامح وجوهكم ونظراتكم.
الذين يقومون بمهمة التبليغ والدعوة اليوم -وهي مهمة الأنبياء والمرسلين كما ذكرنا- يجب أن ينتبهوا لهذا الأمر (الحصول على رضا الله) ويكونوا شديدي الحساسية تجاهه...
الذين يناصرون نظرية التطور اليوم في عالمنا هم الملحدون من أصحاب الفلسفة المادية.
رأت السنة بجانب القرآن منذ العصر الأول حتى اليوم اهتمامًا كبيرًا، وحوفظ عليها وسجِّلت ودُرست وانتقلت مكتوبة من الأسلاف إلى الأخلاف...
رجال العلم يقولون اليوم بأنَّ من يقول هذا الكلام لا يمكن أن يكون شخصًا عاديًّا؛ بل لا بد أن يكون نبيًّا....
رجل الفكر... يعلم كيف يضحِّي في سبيل فكره بالنفس والحبيب، والمال والجاه، والأهل والعيال، واليوم والغد، في آنٍ كلمح البصر.
روح الأخوَّة التي كانت ترفرف في سماء المدينة، سيأتي يوم تحلِّق فيه على أرجاء العالم كله.
الروح إنما يحلّق بأجنحة وَارِدَاتِه، فيعلو إلى "عرش كماله"... يعلو إلى أن يربط كلَّ شيء بـ"سلطنة القلوب". هذا ما حصل أمس، وهذا ما يحصل اليوم، وهذا ما سيحصل غدًا.
الرؤية الواحدة قد تحوي إشارات ومعلومات كثيرة عن الأمس واليوم والغد بحيث تملأ كتبًا.
ساقِطو الهمة سيفقدون يومًا كل ما لديهم، وينقلبون رأسًا على عقب.
ستبقى سطور هذا الكون وأوراقه مبعثرة ومتشتتة؛ حتى يأتي اليوم الذي يتحوَّل فيه القرآن إلى نور ينهمر على وجه هذا الوجود.
ستشعر في الوقت نفسه نفورًا من جهنم ومن كلِّ ما يؤدي إليها من عمل. ويكبر هذا النفور يومًا بعد يوم، حتى يصبح الوجدان مرشدًا ودليلاً...
سلك هذا الطريق المضيء فخرُ الإنسانية وإمامها وسيد الزمان والمكان محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأبقى باب الهجرة مفتوحا حتى يوم القيامة للآتين من ورائه.
سمعت وشاهدت الكثيرين من الذين اهتدوا حديثًا، أنهم لو كانوا قد قتلوا بالأمس، ما كانوا لينعموا بهذه الأذواق الروحية اللطيفة، التي تفيض اليوم من الإيمان...
سندفع الحساب اليوم ونحن في القبضة الحديدية للحوادث والبلايا... وسندفع غدا أمام التاريخ... ثم سندفعه يوم المحكمة الكبرى... يوم لا يعزب عن ربك مثقال حبة من خردل.
سنعجز عن الانفلات من دائرة الأزمات الفاسدة، اليوم أيضًا كما في أمسنا، ما لم نتبصّر في الأسباب الحقيقية للمعضلات.
سهل اليوم التذبذب بين الصدق والكذب، لذا يجب الحذر تمامًا حتى من تجويز استعمال "التعريض" اليوم، ذلك لزيادة الكذب وفشوه في أيامنا الحالية...
سواء أعرفوا (الذين يعيشون بلا تفكير) أم لم يعرفوا، فهم يقعون كلَّ يوم في واحد أو أكثر من هذه الفخاخ القاتلة، ويذبحون أرواحهم مرات بسكين أرذل أنواع الموت.
سوف يأتي اليوم الذي ستؤيد البحوث صحَّة إنجيل بَرنابا إن شاء الله، حيث نجد فيه اسم رسولنا -صلى الله عليه وسلم- صراحة...
سوف يجتمع الجمهور الأعظم من الإنسانية -ولو بالتدريج- حول هذا المركز الجاذب (الإسلام)، إن لم يكن من يومه، ففي القابل القريب.
سيأتي اليوم الذي تنفتح جميع القلوب وجميع الضمائر وجميع النفوس لمحبة خاتم الأنبياء وسلطان الأولياء -صلى الله عليه وسلم-، الذي نعلن اسمه خمس مرات على الملأ كلَّ يوم.
سيأتي يوم تخضع فيه القوَّة بكلِّ ما لديها من أسلحة إلى الحق وتستسلم له...
سيظلُّ اسمه وذكراه الطيبة على الألسنة إلى يوم القيامة، مرتبطا بتزكية القرآن.
الشخص الذي يتوجه إلى هذا النبع (العبادة) كلَّ يوم عدة مرات بالفكر والذكر، هو شخص عازم على السير في درب "الإنسان الكامل".
الشخص الذي يَصرُّ على أسنانه، ويرفض أن يذوب في مثل هذا المجتمع، ويحافظ على كيانه وعلى هويته، يستحق أن يكون في معية الصحابة يوم القيامة.
الشرق والغرب قد تجاوزا اليوم المفهوم الجغرافي، لذا فنحن ننظر إلى روسيا باعتبارها جزءًا من الغرب.
الشمس بدأت تطلع كلَّ يوم على ظلم أو على اعتداء وتجاوز أوهذيان، وتمر الليالي حالكات الظلام، وأصبحت حالنا حال مجتمع عقد العزم على اقتراف الآثام.
الشورى وصف حيوي، وقاعدة أساسية، لربانيي اليوم، كما كانت للورثة الأولين.
الشيء الأساسيُّ الذي نريد الوقوف عنده في تحليلنا لهذه الآية، هو موضوع المكان والزمان اللذين اختارهما موسى -عليه السلام- لهذا التحدي المهم. ويستطيع المسلمون اليوم استخلاص دروس وعبر مهمَّة من هذه الحادثة...
الشيطان يتقلَّب في مشاعر الانتقام ضد الإنسان حتى يوم القيامة، ولا يستطيع الخلاصَ منها.
صار هذا الطين إنسانا.. إنسانًا لا يستطيع أفرادٌ منه أن يتجاوزوا الملائكة، ولكنه إلى جانب هذا حمل معه قابلية التعفن حتى اليوم، وإمكانية الخلوّ من أي خير...
الصدأ عدوٌّ للحديد، والرصاص للماس، والسفاهة للروح؛ إذ تقوم بعملية تعفين للروح... إن لم يكن اليوم فغدًا.
الصراع بين الدين وخصومه بدأ منذ عهد آدم -عليه السلام- واستمرَّ إلى أيامنا الحالية، وسيستمر حتى يوم القيامة.
الصلاة التي تُؤدَّى بإخلاص والهادفة إلى رضا الله تستطيع -بمرور الوقت- إبعاد الإنسان عن الفحشاء والمنكر، إن لم يكن اليوم فغدا...
الصوت الحقيقي والموسيقى الحقيقية لهذا البلد التي لا تصمت في أي ساعة من اليوم، والتي تعبِّر عن نفسها في كلِّ وقت بأبعاد مختلفة، تأتي من هذه المعابد.
الطرقُ الوعرة ستوصل إلى الممهَّدة في يوم آت.
الظالمون اليوم سادرون في غيهم، ولكن إياك أن تيأس وأنت تشاهد هذه الأوضاع...
العالم الإسلامي اليوم يعاني مما هو فيه من أمراض وعلل وفقر إلى حدِّ البؤس، فلا بد له من انتفاضةٍ ورجوعٍ إلى ذاته...
العالم الإسلامي اليومَ، الذي يبلغ تعداده مليارًا ونصفًا، لا يملك أربعمائة فقيها.
عرفات ميدان يسود فيه الأمل والقلق، مثل ميدان البعث والحشر يوم القيامة، وسفح من سفوح الرحمة.
علم الطبِّ اليوم لا يملك إلاَّ أن يقول له: "صدقت يا رسول الله!"...
العلم لا يزال يحبو في كثير من المواضيع، ويصحِّح غدًا ما يعدُّه صوابًا اليومَ، ويسعى إلى تقويم الغلط المجزوم به بالخطأ المحتمل.
العلم لم يضع حتى اليوم حكما ثابتًا في هذه الموضوعات التي تطرّقنا إليها، بحيث لم يضطر إلى تبديله لاحقا...
العلم يقول اليوم إنّ اللوزتين عبارة عن بوابة حراسة وأمن ضد الجراثيم التي تحاول دخول جسم الإنسان عن طريق الفم.
عُلماء اليوم يهيِّئون بحساباتهم وتجاربهم أنه سيأتي يوم يمكنهم أن يتخاطبوا بالتليباثي...
العلوم المعاصرة اليومَ قد تكتشف -من منظور كلِّي وبتقويم شمولي- أمورًا مهمّة تتعلق بالنظام والانسجام والحركة في الوجود والحوادث، ونحن نستقبل ذلك بالتقدير والتوقير.
العلوم اليوم خاضت في محيط الوجود تحلِّل وتدرُس وتمحّص كل الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وفي كلِّ يوم تظهر حقائق حول صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-...
على الدعاة المخلصين اليوم والمتجاوزين أهواء الدنيا وأعراضها، من الذين شمّروا عن سواعدهم لنصرة القرآن الذي بقي وحيدًا دون نصير منذ ثلاثة قرون، أن يفكِّروا فقط في الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي ينتظر جيل الفجر الجديد...
على الرغم من أنَّ التبليغ فرض كفاية في الظروف الاعتيادية، فإنَّه في يومنا الحاضر، لكونه من المسائل المهملة، قد أخذ موقع أفرض الفرائض.
على الرغم من هذا الادعاء، فإننا نرى في كلِّ عهد من عهود التاريخ، وفي كلِّ سنة وموسم ويوم أنَّ أضعف الأحياء يعيش -ضمن القوانين الإلهية الموضوعة في الطبيعة- مع أقوى الأحياء جنبًا إلى جنب...
على الضد من الحرص على المادة... وما يشبه من العوامل التي حلت محل قضيتنا الروحية والفكرية، وعلى النقيض من تقديس كلِّ متروك ومنبوذ، نحسُّ اليوم بداية زحزحتها عن مكانها، وإشغاله بكلِّ ما محوره الروح والمعنى.
على القائد أن يحدس أحداث اليوم وموضوعاته من اليوم السابق، وأن يحدس أمور المستقبل منذ اليوم، ويضع خططه على أساس هذه الرؤية البعيدة؛ لكي لا تعرقل خطة اليوم الحالي التنفيذ في المستقبل؛ وإلاَّ تضاربت أعمال اليوم وأعمال المستقبل، وعملت إحداهما ضدَّ الأخرى.
على مبلّغي اليوم ومرشديه أن ينظروا من هذه الزاوية إلى الإنسانية الملطخة بالمهالك المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وينظروا في ضوئها لما يقع من الآخرين من أمور حياتية، فلا تليق بالمرشد الحدّةُ والضرب والشدة والفظاظة.
عليكم إذن أن تصوموا ألف يوم، وتقيموا ألف ليلة، كي تبلغوا ثواب المرابط ليلة واحدة في سبيل الله، تجاه العدو الذي يريد الحلول في بلدكم وتخريب أمتكم.
علينا ألاّ ننسى أنَّ أحوج ما يحتاجه إنسان اليوم: قليل من الكلام الطيب، والنصح له...
علينا أن نضع الغد وما بعد الغد أمام أنظارنا على الدوام، وفي الوقت نفسه لا ننسى ما يعود للدنيا من أمور وأشياء...
علينا أن نعتقد أنَّ هذه الوظيفة السامية (الإرشاد) في يومنا هذا دَين فطري، في عنق كل فرد من أفراد المجتمع...
عندما اهتدينا إلى الحقيقة بعد أن قاسينا الكثير في هذه الأيام الصعبة، فإنَّنا نتجاوز الزمن الذي نوجد فيه، ونثبت أنظارنا على "الزمن الآتي"...
عندما تدور الأيام، ويقبل خريف العمر، يحس الإنسان أنه قد هُجر من قبل الجميع، وتُرك من قبل كلِّ الأشياء...
عندما تؤدَّى الواجبات اليومية والأسبوعية والشهرية بإخلاص، فإنَّ الفضائل المترتبة على هذه الواجبات والثواب لا تنحصر ضمن زمن الأداء، بل ستحتضن كلَّ دقائق وثواني الحياة وتشملها بتأثيرها.
عندما جاء اليوم الذي حاولت فيه الدول والامبراطوريات عرقلة مسيرة الإسلام وتوسعه والوقوف أمام المجاهدين، اضطر المسلمون إلى جرد سيوفهم..
عندما حاولنا أن نوصل سعادة ذلك اليوم -الذي سنراك فيه دون حجاب ولا ستر- إلى القلوب الفجة... كنا نريد إيصال هذه الحقائق إلى القلوب التي تعلقت بالقشور...
عندما نزل القرآن أفضلَ جوهرة من جواهر اللوح المحفوظ، نزل بمنزلة وبشرف لا يُدانى. وهو اليوم محافظ على هذه المنزلة الرفيعة كما هي، بل ربما أكثر...
عندما يأتي اليوم المرتقب الذي ينزاح فيه الستار عن العالم الآخر، تظهر بذرة جهنَّم الموجودة في الفكر مثل كابوس أسود يخيِّم فوقَ كلِّ جانب.
عندما يسود الحقُّ نرى ظواهر الرحمة والشفقة من الأغنياء نحو الفقراء والضعفاء، ونرى الشكر من الفقراء للأغنياء. هكذا كان ديدن التاريخ حتى يومنا الحالي.
عندما ينشقُّ فجر يوم العيد تنطلق أصوات التسبيح والتمجيد من المآذن، وفي الدقائق التي يبلغ الجو الروحاني الذروة في كلِّ مكان نشعر بأحاسيس غامضة وسرية تثير خيالنا وتأخذنا إلى الأعماق، بل إلى أعماق الأعماق.
العيد عند أصحاب هذه المعايدات يوم باهتٌ بعيد عن الحياة، ومعزول ومنبتّ عن الماضي وعن المستقبل، وكأنه مجرد يوم توزع فيه الحلويات على الصغار.
العيد هو يوم لقاء للمشاعر وللفكر الإسلامي الذي يفيض فيه من إنائه، ويتماوج وينتشر، فيحتضن كل جانب.
غدًا سيفتحون بابًا للنفاق في الشرق وبابًا للشقاق في الغرب، وفتنة في الشمال وأخرى في الجنوب...
الغريب أنَّ هذه الجرائم ترتكب اليوم باسم العلم.
الغلطُ العظيم اليوم هو الانصراف إلى إشباع الرغبات الجسمانية، في حين أن لَهَفَ الإنسانية أو حاجتها تَرجع إلى الجوع القلبي والروحي.
فالله -جل جلاله- الذي يخاطب الأمس واليوم معًا، ويعلم ويسمع الأمس كاليوم، ربما أخذ الميثاق في كل هذه المراحل...
الفرق بين تضحياتهم وجهادهم أمس وما نحن بصدده هو فرق من حيث النوعية.
فهذه الأحاديث كالجواهر النفيسة تحتفظ بقيمتها ومصداقيتها إلى يوم القيامة...
في الصلاة... تشغل كياننا أحاسيسُ واسعة وعريضة لا تسعها الألفاظ اليومية الاعتيادية.
في القرون الأخيرة، شهد العشق والحكمة والبصيرة وحسُّ المسؤولية ضمورًا وانكماشا، وجاءت المسائل اليومية الطفيفة لتقعد في مكان فكر "الملّة".
في الوقت الذي كان الإرهاب يصول ويجول في البلاد، والبؤر الداخلية والخارجية تؤجِّج نار الفتنة، وعشرات من الشباب يقتلون يوميا...
في اليوم الذي نقيّم الدين ككل، وتألفه أرواحنا، نتحرر من الذل وننجو من الهوان...
في أيام نحسٍ سود سيق البشر فيها إلى الإلحاد بالاستغلال السيء للفنون والفلسفة، وتعرضوا إلى "غسيل الدماغ"! بالشيوعية...
في أيدينا اليوم خطب عديدة له (سيدنا عمر -رضي الله عنه-) يستنبط منها العلماء والفقهاء أمورًا كثيرة.
في كلِّ يوم كان هناك من يلتحق بركب الإسلام، وكان هناك في كلِّ يوم شعور جديد، وفكر جديد، وتكييف جديد، لتحويل الفرد إلى فرد اجتماعي...
في كلِّ يوم كانت هناك رسائل جديدة من مالك السموات والأرض ومن مليكهما، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يتطهرون كلَّ يوم بهذه الرسائل ويغتسلون بها..
في مثل هذه الأيام نضع الماضي والمستقبل معا في خيالنا...
في مثل هذه اللحظات والأوقات تضعف روابطنا الجسدية والجسمانية، وتتخلَّص أرواحنا من همومها ومشاغلها اليومية، ونحسُّ أننا ارتفعنا وسمونا إلى ذروة نراقب منها الوجود بأكمله.
في مقابل عدم استطاعة الإنسان أن يحيط بأمسه وغده ببصره، بل حتى بكل أبعاد حاضره ويومه، يستطيع ببصيرته أن يدرك نفسه، وكلَّ الأشياء المحسوسة جزءً وكلاً...
في هذا الطريق يصل في نهاية المراحل التي يقطعها في كلّ يوم إلى وصال صغير ليتوج به سفره المبارك هذا. والذين يغذون أرواحهم كلَّ يوم بمثل هذا الوصال... يرجعون لأنفسهم، وينغمرون مع هذه المعاني في صمت مهيب...
في هذه الأثناء، إذ تتحوَّل الأيام إلى الربيع، ويتبع الفجر فجرًا، ينتعش أملنا وانتظارنا.
في هذه الأيام الزاخرة بالأنوار، نشعر بأننا نحيا من جديد بحزن لطيف وبانشراح عميق، وبأمل عريض واسع يلفنا ويثير مشاعرنا...
في هذه الأيام المطلة على أيام الحبور، إذ يستنشق فجرها أنفاس العيد، نجد في الواقع نوبات مرض ومعضلات تبدو مستعصية على الحلِّ.
في هذه الأيام، وفي مختلف أرجاء هذه الأرض مواسم الربيع المتفتحة... كلّ ربيع أزهى من الآخر وأجمل!..
في هذه المرحلة المشؤومة التي جرجرت فيها خيالاتٌ وأحلامٌ تتبدل كلَّ يوم الكتل البشرية خلفها، ألقى من ألقى نفسه في تيارات مجهولة العواقب.
في يوم القيامة يستطيع من أجهد فكره في الدنيا أمام الآيات الكونية أن يراه (سبحانه)
في يوم من الأيام ستنفجر شمسنا بقوة لامركزية انفجارًا مرعبًا جدًّا، عندما ينفد وقودها، تعقبه حركة انكماش مركزية وتقلص.
قام اليوم كثير من الباحثين بتناول موضوع السواك من مختلف الجوانب العلمية...
قبل أن يبدأ الإنسان بالطواف يكاد يسمع -وهو يشاهد منظر الزحام الذي يذكر بزحام يوم القيامة- صمت الحرم الإلهي المنزوي وشعره.
قد تكون المسيحية اليوم أكثر انتشارًا من الإسلام، غير أنه من الصعب اليوم العثور على المسيحية الحقيقية حسبما جاء بها السيد المسيح -عليه السلام-، ومن الصعب اليوم أن تفهم المسيحية التي غرقت في لجة تأويلات وتفسيرات معقدة.
القُدس الحزينة الأسيرة اليوم... اللطخة السوداء على جبين العالم الإسلامي...
القرارات المنبثقة من الفهم السائد المعلول... اليوم، هي سبب تضارب شريحة مع أخرى، وتحوُّل التنوع إلى التخاصم.
القرآن كما لم يقم بالأمس بخداع الذين آمنوا به واتبعوه، ولم يحيرهم، كذلك، لن يخدع الذين سيتوجهون إلى جوه النوراني ويؤمنون به بعد اليوم، ولن يخيب آمالهم.
قلب الصوفي... يظلُّ في سُموٍّ وارتقاء إلى آخر مدياته حتى يقف عند ينابيع العطاء الرباني في بهجة وهيام، يزداد لهيبه في قلبه كُلَّ يوم قوةً على قوة.
القلق المحسوس به في الوجدان العام لسيرنا المنحوس، وخفقان القلوب بسبب العيش تحت الوصاية سنين وسنين، ورد الفعل لدى إنساننا على استغلالنا قرونا، أورثنا اليوم شهقة كشهقة النبي آدم -عليه السلام-... لكننا نحس اليوم بانكماش المسافة واقترابنا من نقطة الوصول إلى مسافة خطوات.
القول: "سأفعل هذا غدًا" تعبير آخر عن عدم وجود الإرادة.
كاتب هذه الأسطر لا يعرف وجوه هذه القراءات التي يطلق عليها اسم "علم الوجوه"، والذين يعرفونها اليوم أشخاص قليلون...
كان أجدادنا في عصورنا الذهبية، يتذكَّرون مرارًا، وكلَّ يوم، أنهم "خلفاء الله في الأرض".
كأن الجمادات كانت من قبله (فخر الكائنات) رموزا لمسيرة العبث في مسرح الوجود، وتبدو الأحياء وكأنها في قبضة الانتخاب الطبيعي، وفي كل يوم بقبضة موت مختلف.
كان الجهل والفقر والتفرُّق والتعصُّب وما يشبه ذلك، هم أعداؤنا في زمن ماض. واليوم زيد عليهم: الخداع، والتسلط، والسفاهة، والخلاعة، واللامبالاة، وضياع الهوية.
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعرف الأيام المقبلة مثلما يعرف يومه، بل مثلما يعرف راحة يده، وكان هذا كيفية خاصة به.
كان السلف الصالحون يدوّنون أعمالهم اليومية وأطوارهم أو يحفظونها في ذاكرتهم، كما سجّلها صاحب "الفتوحات المكية"...
كأنَّ القوة -اليوم- قد انصهرت في قالب الحق، واستسلمت له بعد أن ذاب معظمها.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسب سرِّ الآية (وَلَلْأٰخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ اْلأُولَى)(الضحى:4) يتقدَّم كلَّ يوم، ويقطع الدرجات نحو العُلى ونحو الأفضل، ويكون يومه دائمًا أفضل من أمسه، فإنه كان يستغفر كلَّ يوم مائة مرة.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرح الأمور الأساسية للحوادث حتى أمور يوم القيامة، وكأنه جالس أمام شاشة تليفزيونية...
كان هؤلاء المرشدون من مستوى رفيع، بحيث إنَّ الذين يدّعون اليوم أنهم معلِّمو الإنسانية لا يستحقون -لو كانوا في زمان هؤلاء المرشدين- إلاَّ أن يكونوا تلاميذ لهم يتعلمون منهم.
كثافة الضباب والدخان اليوم ليست بالقتامة التي عهدناها.
الكثير من الناس في أيامنا الحالية يرى أن اللعب السياسية اليومية ليست سوى استغفال للناس...
الكلُّ تقريبًا يعرفون أنَّ القيامة قريبة، ولكن لا أدري كم منا يدرك أنَّ جزءً من القيامة يقوم كلَّ يوم.
كلُّ شيء اليوم توسَّع في التفريعات توسعًا يعجز الفرد الفريد عن حمل العبء...
كلُّ ما يحدث ويجري، وكلُّ ما في حياتنا من أحداث، إنما يُسجل ويُكتب آنًا بآن وكأنه معلّق على شريط الزمان ليلاً ونهارًا. ونحن نطلق على هذا "التقدير اليومي".
كلُّ من يصل إلى هذا العالم يجمع يومه مع أمسه وأمسه مع عصر النور للحبيب -صلى الله عليه وسلم-، ويثمل من أخفى همسات مجلسه، فيكاد يغيب عن وعيه.
كلُّ من يعش في خيال البرج العاجي لقلبه، يلقه هناك سحرٌ سيحسُّه وسيذوقه في المستقبل إلى جانب ما ذاقه اليوم.
كلٌّ منا يعيش في هذه الأيام (العيد) بمشاعر متداخلة من فرح غامر ومن حزن يكاد يبكينا.
كلُّ يوم جديد هو عالم خاص بذاته، وإذ يطلع يطلع بخصوصياته، وإذ يغيب يغيب بخصوصياته!
كلّ يوم يمر هناك أصوات تتقوى، وصدور تنبض أكثر بالانفعال، وأرواح تترابط في هذا الموضوع بقوة أكثر.
كلَّما خطا الزمن خطوة نحو يوم القيامة كلَّما تكاملت الدنيا ونضجت أمام أعيننا...
كلّما شاهدتَ المرأة المستسلمة لأهوائها عذرت الذين يصفون المرأة بقصر العقل. وأنا أظنُّ بأن هؤلاء لو شاهدوا كيف أن المرأة أصبحت اليوم مادةَ إعلانٍ لَما وجدوا كلمة يستطيعون بها وصف أمثال هؤلاء النساء.
كم عمرٍ انقضى هدرًا، وما زلنا نسلو بخيال أن نبتكر أشياء جديدة! ويبدو لي عسيرًا أن نجد أسلوبًا جديدًا وفلسفة حياة جديدة بعد اليوم، كما لم نجد في السابق.
كم مرَّة يقترف النظر الحرام شابّ يجول في الأسواق ويجوب الشوارع، وكم مرة يموت كلَّ يوم..
كم من مرَّة حاولنا كأمَّة أن نقيّم هذا الشهر المبارك بأيامه المجيدة ونستفيد منها كما يجب...
كم من معان عميقة تكمن في توجُّهه نحوه تعالى عدَّة مرات يوميا، ضمن هذا الإطار، محاولا أن يرى ويسمع بقلبه ما وراء هذا العالم المادي.
كم هو حزين أن يطلق الإنسان الهتافات المطالبة بالإسلام والجولات في الأزقة والشوارع، متتبعًا خطوات الشياطين، ناسيًا نفسه من دون أن يأخذها بالمحاسبة الدقيقة. ولا يتحرى يوميًّا مرات ومرات مدى علاقته مع ربه الجليل.
كما ظهر منذ الأمس وحتى اليوم أشخاص عديدون فاقوا الملائكة وسبقوها بفضل عبادتهم، فإنَّ عدد الذين تدحرجوا إلى أسفل السافلين لعدم عبادتهم ليسوا قليلين أبدًا.
كما يتمُّ المشي بكلِّ حذر في الأراضي المزروعة بالألغام، أو في مدينة للأعداء، كذلك يجب إبداء الحذر نفسه عند التجول في الأسواق والشوارع اليوم.
كما يحمل وجودنا اليوم سمات أمسنا، بخيرها وشرِّها، كذلك يكون الغد نسخة من اليوم بصورتها المطوَّرة والموسَّعة، والمتحوِّلة من الفردية إلى الاجتماعية.
كنا نملك قبل عصرين أو ثلاثة ثقلاً كبيرًا ومكانةً بارزةً في التاريخ الإنساني وفي الميزان الدولي. ولكننا فقدنا اليوم هذه المكانة وهذا الثقل...
الكيِّس مَن أمسُه شقيقُ يومه، ويومُه رفيق غده، فتلك هي الحكمة الكبرى.
لا أعلم مهمَّةً أجلّ من هذه المهمة (مسؤولية التبليغ والإرشاد) في يومنا هذا، ولهذا أعتقد أنَّ من نذر حياته لهذه المهمة فإنَّ دنياه وآخرته ستكونان عامرتين بإذن الله...
لا بدَّ من تشخيص عللنا العلمية والاجتماعية والإدارية... حتى لا نقع في مضايقات تسحبنا كلَّ يوم إلى المهاوي الشنيعة، التي تمضغ وجودنا، وتهز كياننا من الأساس.
لا ريب أنَّ الذين رموا بأنفسهم في أحضان الكسل فماتت أرواحهم... هؤلاء سيأتي يوم يضطرُّون للتذلل للآخرين للحصول على حاجاتهم المعاشية الضرورية.
لا زال (القرآن) حتى اليوم سندا قويًّا وثريًّا ومقتدِرًا على تحقيق الأمور التي حققها...
لا نأمل أن تختلف أعمال شرائح من المجتمع بنوعها وطبيعتها اليوم أو غدًا عن أمسها.
لا نزال نشاهد كيف أنَّ الروح المحمدية تفتح في كلِّ مكان آفاق السموِّ نحو الأعالي، فيغمرنا الوجد والشوق خمس مرَّات كل يوم في عالم الروح.
لا نستطيع نحن صرف أيِّ كلام غير مناسب في حقِّ الصحابة، مثلما فعل منتسبو بعض المذاهب الباطلة بالأمس، أو مثلما يفعل الآن بعض المستشرقين الذين أصبحت عداوة الإسلام دينهم...
لا نقول اليوم كل ما نريد قوله، فلَنا كلام نقوله في الغد، فلا فائدة من قوله اليوم.
لا يجد (واقعنا) وسيلة لخلاص العالم الإسلامي من التدحرج يوما بعد يوم إلى مهاوٍ مهولة وبئيسة، ولا نتحفز بروح الوحدة، ولا نصفي حسابنا مع العصر.
لا يزال القرآن حتى اليوم -وهو يُقرأ من قبل البلايين- يهمس لنا وهو يبتسم من سماء الوحي باستحالة الوصول إلى بلاغة أسلوبه وبيانه...
لا يظهر اليوم عندنا مكتشفون ولا مخترعون... بل يظهر المقلّدون. نحتاج إلى نفسية متمرِّدة تقوم بتغيير كلِّ شيء تقريبًا...
لا يمكن اليوم ذكر شيء أكيد حول تأثير الديناميكية الحرارية الكلي في الكون.
لا يمكن أن نُرجع "النهضة العلمية" أمسِ، ولا الفوران العلمي والتكنولوجي اليوم، إلى مساعي عدد قليل من أمثالهم (العلماء المشهورون) فحسب.
لا يمكن أن يحافظ الإنسان على استقامة الوجدان إلاّ بمثل هذا الجهد والفكر، اللذين يمكّنانه من التمييز بين الخير والشر، والجميل والقبيح، والنافع والضار، مما يتعلق بأمسه ويومه وغده.
لسنا بحاجة اليوم إلى هذا وذاك، بل إلى أمثال هؤلاء من رجال الأفق الرحيب المثاليين بالشخصية السامقة...هم اليوم جاهزون لاستلام "النوبة" بقوة الروح الخارقة للعادة، يتطلعون إلى العصر بأبصارهم في ترقب نشط.
اللعبة الشيطانية الأولى التي جرت معه على سطح هذه الأرض، مستمرَّة اليوم من قبله، ومن قِبل أتباعه...
لعلِّي أجزم أن مرشدًا وداعية -في يومنا هذا- إذا ما تمكن من تطبيق هذه النقطة (الإرشاد بمراعاة مجريات العصر) المذكورة يسبق الأولياء والأقطاب في الآخرة...
لقد أرشد بديع الزمان إنساننا المترنح برجّةٍ تصيبه بعد رجّة، إلى السبل الموفية إلى نبع "الخضر"... في زمان شؤم أوقع الفكر المادي فيه حياتنا الفكرية في تشتت الهرج والمرج، وجن فيه جنون الشيوعية، وسقط العالم في أسوأ أيام الضياع والظلمات والمحن...
لقد أكرهت الأمَّة منذ السابق وحتى اليوم، بقبول جميع الفاسدين وجميع السيئات، بتخويفها من سيئات أكبر وأفظع.
لقد بدأ الأطباء يفهمون اليوم حكمة هذه الوصية، فالإنسان لا يدري ماذا مسّت يده وهو يتقلب في فراشه أثناء نومه...
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتصرَّف وهو يحسب حساب اليوم والغد وما بعد الغد، ولو أظهر الشدة لانفضّ الناس من حوله كما يذكر القرآن...
لكي يكون الإنسان في يوم القيامة أبيض الناصية، نوراني البصر، يتقدم على الآخرين بالأمارات الموجودة على أعضائه... لكي يتحقق كلُّ هذا فعليه بالصلاة وبالأعمال الصالحة قبلها.
لكي يكون الناصح مقنعًا، عليه أن يطبق نصائحه أولاً على نفسه ويعيش بها ويمثلها... وهذا على ما أعتقد هو السبب وراء تأثير النصائح بالأمس وعدم تأثيرها اليوم.
لم تأنسوا بالله في الدنيا، واليوم لا يكون هو أنيسكم.
لم تعد هناك اليوم مؤسسة لم تتلوّث بالربا من قريب أو بعيد، فالتجارة العالمية كلُّها تدور اليوم حول محور الربا...
لم تكن غايتي هي إثارة مشاعركم بعرض مناقب عملاق الإسلام عمر -رضي الله عنه-، بل التساؤل هل يتم تمثيل الإسلام اليوم بالمستوى السامي اللائق به؟
لم نعرف حتى اليوم أيديولوجية نجحت في جمع البشر في ظلها زمنا طويلاً، بل ولا أيديولوجية اكتَشفت كلَّ الضرورات اللازمة التي يتطلبها جمع البشر تحت سقف واحد.
لم يبق مفهوم الجهاد في الإسلام منذ فجر الدعوة حتى يومنا الحاضر على حالة نظرية بحتة...
لم يُسمع منه أنه قال يومًا فاتتني صلاة الفجر، وإن حدث ذلك خارج طوقه يقضى يومه بالحسرات والزفرات، حتى تنعكس على سلوكه طوال ذلك اليوم، وينكفئ على نفسه من الندم.
لم يسمعنا حتى اليوم سواك، ولم يربّت بشفقة على رؤوسنا أو ينظر أحد سواك إلى وجوهنا.
لم يصل الإنسان منذ وجوده على الأرض وحتى يومنا الحالي، إلى الطمأنينة الحقيقية وإلى السعادة إلاّ في الجو الدافئ للدين.
لم يعد مفهوم الأخلاق في هذه الأيام كما كان القدماء يفهمونه في السابق كمجموعة فضائل. فإنسان اليوم يراها في الأغلب كمجموعة من الذوق والتربية الاجتماعية واللباقة.
لم يفلح حتى اليوم أي مجتمع أهمله (أصل الشورى) أو تناساه...
لم يك فينا يومًا حبُّ الاستيلاء والسيطرة على الأقوام...
لم يكن القرآن في أي يوم من الأيام -مثل غيره من الكتب- كتابا بقي ضمن إطار زمنٍ أو مكانٍ معين من طفولة الإنسانية.
لم يَملّ هؤلاء من الاضطراب المستمرِّ حسب متطلبات الحال من حيث المنافع والمطامح المتقلبة، من أجل صياغة شكل للملّة على صورة معينة يومًا، وعلى صورة أخرى يومًا آخر.
لماذا لا يستطيع العالم الإسلامي الاحتفال في ربيع الأول كما يجب بمولد سلطان الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- الذي هو في الوقت نفسه ميلاد هذا العالم وربيعه، ويوم خلاص الإنسانية نفسها...
لن نستطيع أن نَعِدَ بشيء باسم المستقبل، ولا أن نديم وجودنا في الأيام المقبلة.
لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يلتقي بتلك الأرواح السامية التي كانت لها أفضال وذكريات عاشوها في هذا المكان (المسجد الأقصى).
الله -عز وجل- أعدل من أن يحاسب عبدًا يوم القيامة عن ذنب سبق وأن غفره له، ولا أن يعاقبه يوم القيامة على ذنب سبق وأن عاقبه بسببه في الدنيا.
الله تعالى الذي سبقت رحمته عذابَه يعفو عن الكثير من ذنوبنا، ومن يدري كم من المرات يعفو عنا في اليوم الواحد، وهذا هو ما تسجله الآية الكريمة (ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)(الشورى:30)...
لهذا صمتَ القرآن والسنة ولم يحدثانا بمكنونات نفسيهما، فلئن مضينا على هذه الحالة فإن صمتهما سيدوم. فلا نجاة لمسلمي اليوم من هذا الكابوس المخيم عليهم...
لو استطاع الإنسان يومًا الخروج خارج المجموعة الشمسية، فلا شك أنَّ المفهوم الحالي للزمن سينقلب عنده رأسًا على عقب...
لو تخلى (الإسلام) عنا يوما -لا سمح الله- فأظنُّ أننا سنهلك همًّا وغمًّا وكمدًا.
لو تصرَّف مسلمو اليوم في موضوع القرآن بصفاء المسلمين الأوائل -علما أن هناك حركة ملحوظة في هذا الاتجاه حاليا- لاحتلُّوا مكانة مرموقة في التوازن الدولي الحالي في وقت قصير.
لو تفهَّم عدة مئات من المثقفين بديع الزمان وأعانوه، عندما كان يسعى حثيثًا، ويلهث ركضًا في كلِّ ناحية من أرجاء البلاد، عارضًا رسالته، فربما كنّا اليوم أغنى من كل دولة، وأسبق شوطًا في الحضارة بين الأمم.
لو رتبت الاحتفالات بمولده -صلى الله عليه وسلم- أياما وسنوات وعصورا لما تم الإيفاء بحقه.
لو كان لهذا المعبد لسان، واستطاع أن يعبِّر عمَّا رآه في السابق، وعمَّا يلقاه اليوم، لربما ارتعب المسؤولون عن حاله مما فعلوه، ولربما خجل الأصدقاء الجاحدون ورجعوا إلى أنفسهم.
لو لم تكن هناك خصومة الأعداء، وأفكارهم وأحكامهم المسبقة الظالمة، ولا جهل الأصدقاء وجحودهم، لاجتمعت الإنسانية جمعاء اليوم حول مائدته السماوية (القرآن)، واتّحدت وتصافحت.
ليس من الصحيح توقُّع الاستجابة لكلِّ أدعيتنا كما هي، لأننا لا نأخذ بنظر الاعتبار إلاَّ رغباتنا وطلباتنا المتعلقة بأيامنا الحالية...
لئن طالب الإرهابيون بغلق المحلات والدكاكين ليوم غد، فالمؤمن يفتح محله منتظرًا فيه حتى لو كان معذورًا -من جهة أخرى- لسدِّ محله في ذلك اليوم. فهذا العمل يعدّ بالنسبة له أعظم جهاد؛ لأنَّه يعني مجابهة الظلم، فكأنه يبصق بوجه الظالم...
لئن وضع في يوم من الأيام شرفنا وأعراضنا ووطننا ككل بل كل مقدساتنا على مائدة المفاوضات، فما ذلك إلاّ نتيجة أليمة -لكنها حقيقية- لهذا التنازل الذي أُعطي لأول مرَّة.
ما أحسن أن نقرأ كلَّ يوم بضع صفحات عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ممن عاشوا الإسلام بصدق...
ما لم يُسلِّمْ هذا الإنسانُ زمامَ أمره إلى دليلٍ هادٍ، عارفٍ بيوم هذا السفر المجهول وغدِه، وبمقدمته ومؤخرته، فإنه سيقع لا محالة في أخطاء كثيرة وضنك شديد...
ما نراه اليوم من سوء في أجيالنا الحالية، ومن عدم قابلية في بعض الإداريين عندنا، وما تعيشه أمَّتنا من مصاعب... المسؤولون عن هذه المشاكل هم الإداريون عندنا قبل ثلاثين سنة...
ما نعانيه اليوم من فساد مستشرٍ، وتفسُّخ مستمرٍّ في أجيالنا، فهو نتيجة طبيعية لإهمالنا.
ماذا نقول لمن يغير اتجاهه وفكره كلَّ يوم مرات عديدة من أصحاب الإرادة الضعيفة.
متى ما تحقَّقت هذه العلاقة وهذا الاتصال، فستولد دنيا الغد التي يكون "الحقُّ" فيها تاجًا فوق الرؤوس، وتلقى الحقيقة التوقير...
مثل كل الحوادث التي تدل على حقيقة الفناء وتشير إليها، يفهم الإنسانُ أنه متى آن وقت الرحيل، فعليه أن يرحل، وأنه لا بد أن يأتي يوم سيرحل فيه عن هذه الدنيا.
مجتمعنا اليوم ضعيف من ناحية بنيته العلمية والفكرية، وفقير من جهة حياته الروحية والقلبية، ومحروم من القيادة والتوجيه إلى درجة يرثى لها.
المحاسبة، أو محاسبة النفس ومناقشتها؛ هي تفقّد المؤمن عمله كلَّ يوم، كل ساعة، خيرًا كان أم شرًّا، صحيحًا أم خطأً...
مرّ دَور كان الغرب يفكر على نحو مختلف. أمَّا الآن فهو ينتقد تعدّد الزوجات، وغدًا قد ينتقد طراز تفكيره الحالي.
المرأة التي فتحت قلبها لنور الإيمان وعقلها للعلم وللتربية الإجتماعية، تضيف كلَّ يوم جمالاً جديدًا لبيتها وكأنها تنشئه من جديد.
مرَّت سنوات طويلة على حرب البلقان، ولكن آثار مشاكلها لا تزال باقية حتى اليوم.
المساجد والمصليات التي نسيت أو تنوسيت في الأمس، أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من الحياة.
مسائل عديدة قيلت في الأمس ولم يفهمها أحد حق الفهم ونراها الآن متحققة...
المستقبل يتطور إلى براعم في رحم اليوم، ويربو برضاع اليوم، ليتماسك قوامه.
المسلمون اليوم تائهون، يدورون -مثل السابقين- في فلك الآمال التي أطلق القرآن الكريم عليها اسم "الأماني"...
مشاعرُ هذه الأرواح تتفتَّح تفتُّح البراعم على المعرفة كأنَّهم يسيحون عدَّة مرَّات في اليوم في ربوع الجمعة للجنة.
مع التقدم الحاصل في ميادين مختلفة، لم نبلغ بعد في الشورى إلى ما بلغوه في تلك الأيام.
مع أنَّ آذاننا تعوَّدت على صوت الأذان الذي يتكرَّر كلَّ يوم، إلاَّ أنه يظهر أمامنا فجأة على الدوام وكأنه قمر يرتفع من وراء التلال الموجودة بيننا وبين العوالم الأخرى.
مع أننا لا نملك اليوم معلومات قاطعة حول الخلق الأولي للخلية، فإنَّ العلم الحديث يعطي لنا معلومات كثيرة حول الخليّة...
مع هذه المثبطات كلِّها كان المجتمع يصنع كلَّ يوم أحلامًا جديدة، ويُسَرِّي عن نفسه بالأماني، ثم يرجع خاوي الوفاض مما أمِل في كلِّ يوم جديد ببرنامج جديد!
المعاني التي يضيق عنها عالمنا الفكري كانت المعاني الاعتيادية التي يتحدث -صلى الله عليه وسلم- بها كلَّ يوم. فهل يمكن تفسير هذا إلاَّ بالفطنة؟
معجزات عيسى -عليه السلام- التي تتعدَّى خيال الإنسان، إلى مسافات أبعد مما تَوصَّل إليه الطب الحديث وعلمُ الجينات في يومنا هذا، بإضفاء الحياة على ما ليس له روح.
مفهوم "المجدّد" -ما دام موجودا في ضمائر المسلمين وسيبقى إلى يوم القيامة- هو الشخص الذي يشتهر بعلمه وعمله في عصر يموج بالفتن والعداء...
مقابل إخبار القرآن بهذا قبل 14 قرنًا، لم يكن العلم يعلم حتى الأمس القريب أنَّ السحب تبدو كالجبال... مقابل ما ننتظره ونأمله، ينبغى أن يكون ما يعمله إنسان اليوم باسم الجهاد والكفاح على النمط نفسه ومتوجهًا إلى الوجهة نفسها.
المقصود هو التذكير إلى مصدر للعلم لا يُلتفت إليه اليوم، مع أنه أصحُّ المصادر في التعبير عن حقيقة الإنسان والوجود والخلق.... ألا وهو مصدر "النبوة" التي احتفظت بنداوتها أبدًا.
من أجل ألاَّ تقع أنواع التنازع والتفرق كما وقع أمس، ولكي نلم الشعث إن كان قد وقع اليوم، يجب القبول بالإيمان وبالإسلام وفاقًا للأصول والأسس التي وضعها الله -جل جلاله-.
من الطبيعي أنَّ من يفهمونه ويعرفونه في أمَّته يزداد يومًا بعد يوم...
مِن اللوازم أثناء استعمال حقنا والإيفاء بواجبنا أن نراجع ماضينا المجيد باستمرار، ونلجأ إلى قيمنا التي جعلت أمسنا زاخرًا بالعظمة.
من المحتمل بقوَّة أنَّ الْمَعْنِيِّينَ اليوم في الآيات الكريمة بالإذهاب والاستبدال هم أصحاب النفوس الميتة، وسكانُ العالم الثالث، الذين لم يجدِّدوا أنفسهم، وفشلوا في الحفاظ على حيويتهم، وفرَّطوا في حقِّ إيمانهم...
من المفيد أن نذكِّر مرَّة أخرى بأنَّ مسؤوليتنا الأساسية اليوم هي إشعار وجدان الأجيال بمؤثِّرات الكدح المبذول منذ عصور مديدة...
من ترك نفسه في الجوِّ المعراجي للصلاة، تعد إشراقات فجر للأيام الحلوة التي تملأ خيالاتنا لعهودنا في الجنة من قبل، أو للجنات المقبلة...
من يستطع اليوم ادعاء أزلية المادة أو إنكار الألوهية؟!
من يقرأ نفسه كلَّ يوم ويحاسبها فإنه سيكون آمنا مطمئنا يوم القيامة، وهو يتوجه نحو الجنة ونحو رضوان الله تعالى... أمَّا من فرط في محاسبة نفسه في الدنيا فإنه سينذهل يوم القيامة...
المناسبات المباركة كلَيْلة المعراج أو ليلة المولد، هي من الليالي التي تُعَدّ تيجانا على هام الزمن، وذروة الأيام القريبة من الله...
المنافقون الذين يبلّغون ما لم يفعلوه، ولم يعيروا سمعًا لما بلّغوه، تراهم يغوصون كلَّ يوم في دوامة طريق غير مستقيم، فضلُّوا وأضلوا...
المنتظَر منّا اليوم خفض جناح الرحمة والشفقة على الجميع، حتى نسمع أنّاتهم في قلوبنا...
منذ الزمان الغابر وإلى يومنا الحاضر، قادت أمم كثيرة شعوبا متنوعة في بلاد عديدة من هذه الأرض الواسعة، وصارت أحيانًا من عناصر التوازن.
منذ اليوم الأول لتلقِّي الإنسان هبة الحياة، ثم ترعرعه شيئًا فشيئا، يكون حملاً وعبئًا على أكتاف والديه...
منذ بداية رحلتهم (الحجاج) يضعون جانبا جميع مشاغلهم اليومية، وجميع مشاكلهم، وأسباب قلقهم، ويتخلصون منها.
منذ ذلك التاريخ حتى اليوم ما تزال (الأفكار المنحوسة) تنفث الضباب والدخان في طريقنا المضيء لتعكير دنيا إنساننا وزيادة ظلامها.
منذ عصور ونحن عاجزون عن الاحتفال بيوم وأسبوع وشهر ولادة هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، الذي تدين له الإنسانية جمعاء، بما يتناسب مع قامته السامقة الرفيعة.
منذ عهد آدم -عليه السلام- وحتى اليوم اختار الكفر طريق التخريب والهدم، واختار أصحاب الإيمان طريق البناء والتعمير.
منذ عهد الصحابة وحتى اليوم، كَمْ عشنا بفضله في فترات مختلفة عصورًا ذهبية وأقمنا حضارات زاهية.
المنظر العام الذي نراه اليوم في عالمنا هو مصداق ما نقول. فالقوى العظمى تقوم بامتصاص دماء الأمم والشعوب مقابل ما تعطيه لهم من دراهم معدودة غايتها الدعاية...
مهما كانت ظنون نفر منَّا، فليس اليوم أمام إنساننا المعاصر... إلاّ سبيل واحد ينقذه من الضيق والشدائد المتوالية؛ وهو عودة الحياة إلى تلك الحركيات المذكورة آنفًا.
مواقع النجوم، إنما تشير إلى الكوازارات والنجوم النابضة. والثقوب البيضاء مصدر ومنبع هائل جدا للطاقة، واليوم يمكن مشاهدتها وتثبيت مواقعها...
موقفنا اليوم وموقف العالم الإسلامي اليوم معلوم للجميع. لقد فقدنا شخصيتنا وبدأنا نئنّ تحت أزمات فقدان الهويّة...
المؤمن بعدما رضي أن يموت عزيزًا، فإنَّ عزّته ستدوم إلى يوم القيامة، كراية خفَّاقة باسم الدين الذي آمن به.
المؤمن يعرّف بالله دون توقُّف، وهذه القضية قضيته الأساس. بل يفرغ نفسه لهذا العمل حتى يجافيه النوم ويفقد شهيته للطعام، في يوم لم يتمكَّن من تعريف الآخرين بالله، ولا يعدّ ذلك اليوم من حياته.
الناس على اختلاف طبقاتهم اليوم يدرسون في مختلف المدارس ذات المستويات المختلفة، وأصبحوا يتنافسون في الحصول على العلم...
نأمل ألا يحصر المؤمنون الذين يؤدون اليوم خدماتهم للإسلام في موضوع العبادة والطاعة، وأن يغنوا قلوبهم بها فقط.
نبوغ إرادات عظيمة وقوية تتّسِم بالعمق... لتهيء بيئة حياتية ندية وطرية، ببث روح جديدة في إنسان يومنا...
نتذكر تلك الأيام التي انتشرت فيها الحرب والضرب، وغطى الضباب والدخان على كل شيء... ونتذكر أيام شهر رمضان الحزينة التي كانت تبرق وتلتمع مرة وتنطفئ أخرى مثل صواريخ الاحتفالات... في تلك الأيام الحزينة من شهر رمضان التي كان الفقر المادي والمعنوي فيها متداخلا بعضه في بعض ومتراكما.
نتنفس من جديد رائحة تلك الأيام النقية ونستنشقها بعشق لتمتلئ بها صدورنا...
نتوحَّد في هذه الأيام المباركة التي تتردَّد فيها أنفاس جبريل -عليه السلام-، وتلتقي فيها الأدواء مع العلل والأمراض.
النجاحات الخارقة للعادة، المتحقِّقة أمس واليوم، والتكوينات العالمية الكبرى، مرتبطةٌ -إضافةً إلى عبقرية الأفراد ونبوغهم- بالبناء الاجتماعي المولِّدِ للعبقرية، والوسطِ المناسب لتنشئة المكتشِفين.
نحن اليوم أمام أحد خيارين: إما الكفاح المصيري بهمّة والذي سيؤدي بنا إلى "الانبعاث"... وإما الإخلاد إلى الراحة والاسترخاء الذي يعني "الاستسلام للموت الأبدي".
نحن اليوم أمام مفترق الطرق: إما أن نبقى أو نزول.
نحن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى طريق يوصلنا إلى الحقيقة والفضيلة، ومنهج تفكير لا يخدعنا، وموازين لا تضلنا.
نحن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى مرشدين ذوي أدمغة متأهِّلة، وأفكار رحيبة وآفاق واسعة.
نحن اليوم نرى أنفسنا -وإن كان إلى حدٍّ معين- أمضى عزمًا وأرصن قرارًا...
نحن إن لم نضحِّ منذ الآن بقلوبنا ورؤوسنا من أجل وجودنا في الغد، فسيطلبها منا الآخرون بوقاحة في مكان وزمان لا نفع لنا فيه قطعًا.
نحن كافة ننتظر مثل هذا اليوم، ونشعر ونحس بوجودنا في هذه البلدان، ونحن نؤمن بأنه سيأتي اليوم الذي يعود فيه الإسلام الذي غاب عن هذه البلدان إليها...
نحن كنا أولئك (الأجداد)، ونحن اليوم "تمثُّلُهم" في الحاضر، وهم أصولنا، وسيكون الآتون من بعدنا هم فروعنا.
نحن لم نستطع حتى الآن حلَّ مسائلنا الاقتصادية. وعندما نرى أنَّ نظامًا اقتصاديًا معيَّنًا وُضع بالأمس قد أدّى إلى مشكلات ومصائب، تركناه وركضنا وراء نظام آخر صائحين: "لن يتقدم البلد إلاَّ بهذا النظام"...
نحن نأمل حصول تقدُّم أكبر في هذا الصدد، بإنتاج مواد مضادة، ونظرًا لعدم استعمال الأشعة والنظائر هنا يكون الضرر الملحق بالمرضى أقل بكثير. وسيأتي يوم تتخلص فيه البشرية من هذا الكابوس.
نحن نترقب ذلك اليوم الذي سيكون فيه فتح جديد...
نحن نجلب عناصر حياة الغد من ماضينا. فإن استطعنا أن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية بنور الدين وضوء العلم، نكون قد جهّزنا خميرة أبَديّتنا.
نحن ندعو الله أربعين مرَّة أو أكثر كلَّ يوم أن يهدينا إلى "الصراط" الذي سلكه الأنبياء والصدِّيقون والشهداء...
نحن نذكر اليوم مظالم البلغار ومظالم الروس ومظالم الهنود. نذكر هذه المظالم ونجد في الأقلِّ من يشجب هذه المظالم ويستنكرها...
نحن نرى بأنَّ مشركي الأمس واليوم ليسوا حياديين في تفكيرهم، بل تصرفوا بحقد وعداء.
نحن نستشعرها (الثقافة) في كلِّ شيء يخصنا، في أمسنا ويومنا، فنعيشه من خلالها وبها وفيها، ونطوره، ثم نُودِعه أمانةً لدى الوجدان الاجتماعي، العارفِ المتأهل لما يُقدَّر ويوقَّر.
نرى أنَّ المادة وكلَّ شيء نبع منها، إن كان موجودًا اليوم، فهو غير موجود غدًا...
نرى في طريق مغامرتنا "الملّيّة" الخاصة، آثارًا موضعية لفرنسا، وتوقفًا عند المتلَقّيات الألمانية، ومجاراة لنمط الفكر الإنكليزي أحيانًا، واليوم نجد نشوة مع الحرية الأمريكية، وفي كل الأحوال نضغط على السواتر الجانبية لطريقنا الرئيسي.
نستطيع القول -انطلاقا مما جاء في القرآن الكريم- بأنَّ أصحاب الكهف جماعة تمثل رمز البعث والإحياء حتى يوم القيامة.
نستطيع اليوم أن نقول بأنَّ المختبرات الحديثة تقوم اليوم بفحص الأحياء بدقة غير مسبوقة.
نستطيع أن نقول إنه يوجد اليوم -بفضل الله- من المسلمين المضحِّين مَن يستحق أن يأخذ مكانه خلف الصحابة الكرام.
نطلق اليوم على الكادر النوراني الذي يدعو إلى الله اسم "جيش القدْسيّين" بتعبير السيد المسيح -عليه السلام-.
النظام الكامل محروم الآن من تمثيل في مستوى تمثيل الشهود الأوائل، ومبتلًى بسوء الحظِّ في أيدي نفرٍ عديمي الوفاء، فهو لذلك محكوم عليه اليوم بالانحباس في الضيق وهو رحيب، وبالمنع من الكلام بلهجته الخاصة.
نعرف اليوم بشكل أفضل بأنَّ فهم الطابع الاجتماعي والخصائص الاجتماعية العامَّة لأمَّة، والاطلاع على اهتماماتها، ومعرفة بنيتها الاقتصادية، من أهمِّ الأسس في إقامة العلاقات معها.
نعلم من أمسنا ويومنا أنَّ رجال الروح والمعنى والبصيرة قد حلّوا عُقَد أعصى المعضلات والأزمات، بيسرٍ لا يستوعبه خيالنا، وذلك بسعة آفاقهم وعلو هممهم، وبتحريك قسم من مصادر قوَّة اليوم لحساب المستقبل.
نعيش -بجانب ما نعيشه اليوم وما عشناه بالأمس في أعمق الأذواق وأوسعها- في ذكريات لذائذ روحية ساحرة.
نغمات كلام عندليب الأنبياء وبلبل القرآن -صلى الله عليه وسلم-، ستنعكس يوما، وتتردد أصداؤها في جميع القلوب...
نمرُّ في اليوم الواحد بجوار المعبد عدَّة مرَّات، ونتملَّى منظره، ونتمعن فيه، ونملأ أعيننا منه، ويبدو لنا منظره العام كإنسان رفع يديه إلى السماء بضراعة.
النهضات العالمية التي عرفناها وعلمنا بها حتى اليوم، كانت ثمرة سعي الدهاء الفردي، لا حملات الكتل البشرية وحركاتها...
النورسي يرى مصدر المفاسد كلِّها -بالأمس كما اليوم- في الجهل، والفقر، والتفرّق.
نؤمن أننا بهذا الجهاد المعنوي الذي يمكن تسميته بكفاح العلم والأخلاق والحقِّ والعدل أيضًا، سنلمّ شعث أشلاء "أمّتنا" المباركة الممزعة البئيسة والمشردة في أرجاء الأرض المختلفة، لتجتمع الأجيال التي ظلت بلا راعٍ ولا غاية حتى اليوم في ظل الفكر، فتعيش "الانبعاث بعد الموت" من جديد في نشوة الوصل بـ"لواء الحمد".
الهجرة التي عمَّقت إيمان الصحابة الكرام، والتي أعطت للمسلمين وللإسلام لونًا متميزًا، أصبحت اليوم أيضًا من مواضيع الساعة.
الهجرة في معناها العام مستمرة حتى يوم القيامة، ذلك لأن الهجرة توأم للجهاد، وُلِدا معًا ويعيشان معًا...
هذا الفريق يسع الجميع. يحتضن الطفل الملتزم والمؤدب في المدارس، كما يحتضن أبناء الوطن السائبين وغير المنضبطين في الأزقة. ويُفرغ في كل صدر إلهامات روحه، ويُعِدّهم لفائدة المجتمع دهاة مؤهلين بعلوم الغد ومهاراته.
هذا الفريق ينقذ التربية والتعليم المتغيرة صورة وتوجهًا كلَّ يوم، تحت وطأة الضغوط الخارجية والانحرافات الداخلية، من وصاية الأفكار الدخيلة.
هذا الوطن، وهذه الأرض... تعيش اليوم مع كثير من أبنائها الأوفياء حماس العبور من الماضي إلى الآتي... ترى إحدى يديهم ورجليهم منشغلة بالعمل اليومي، وأخراها منشغلة في تجهيز الخطط والبرامج للمستقبل.
هذا هو طريق وصراط الأنبياء والصديقين والشهداء؛ فمن أراد أن يرافقهم يوم القيامة ويكون معهم، فعليه أن يسير في الدنيا على آثارهم.
هذه الأيام والليالي المباركة لم تفقد بريقها في ذاكرتنا وقلوبنا...
هذه الآية تعني أنَّ غدك سيكون أفضل من يومك الحالي، ومستقبلك أفضل من وقتك الحالي...
هذه البذور التي زرعها الإخلاص ستنبت عاجلاً أم آجلاً... إن لم يكن اليوم فغدًا؛ فالنور الذي نشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن ينطفئ أبدًا.
هذه الحال أو هذا المنوال يساعد على فهم القرآن، وسيأتي يوم يهتدي فيه كبار علماء الغرب الذين يبحثون عن أسرار العلوم وحقائقها...
هل هناك شخص آخر غيره يُذكر اسمه خمس مرات في اليوم، من فوق المآذن في كلِّ أنحاء العالم..؟
هم يخشون أن يصلُب عود المسلمين يومًا من الأيام، فيصبح الإرهابيون كالحُمُر المستنفرة تفرّ من قسورة.
هنا نشعر بسحر يسري في قلوبنا بطعم الماضي، ونحس أننا نطير بأجنحة سحرية في سماء الأمس.
هناك تدرج في عملية ربط الأذهان والقلوب، وربط الحياة اليومية بالتوحيد...
هناك سبيلان للخلاص من المسؤولية يوم القيامة: إما عيش الإسلام كاملاً، أو المجاهدة لإرجاع الإسلام إلى الحياة.
هو (القرآن) بعمقه هذا يستطيع حتى اليوم تحدي الجميع، وتحدي جميع الأشياء.
هؤلاء الذين يضعون جباههم على الأرض ساجدين مائة مرة يوميا، في جو من المهابة والمخافة، يتبارون مع الملائكة الكرام كفرسيْ رهان.
هؤلاء لا يمكنهم قطعًا أن يؤسِّسوا هذه الحاكمية -بمعناها الحقيقي- وسيفيقون من غفلتهم يومًا من الأيام، عند شروق شمس الإسلام...
هيئة الشورى في الدولة التركية اليوم تُعدُّ محدودة في الوظيفة، وضيِّقة الساحة في الحركة، ومقيَّدة قياسًا بالشورى في الإسلام.
الواجب أن نجعل زوالنا غدًا فرادى، أساسًا وعصارة لوجودنا وبقائنا "ملةً"...
الواجب علينا اليومَ أن نكافح من أجْل الحفاظ على ذاتيتنا، بالارتباط بمنظومتنا العقدية والفكرية، والتوجهِ نحو ثقافتنا ونتاجها..
الواقع أنَّ الوجدان والقيم الأخلاقية مصادرُ نور تكفي لحل كثير من المعضلات. لكن في أيامنا هذه، الوجدان جريح، والقيم الأخلاقية شتات...
الواقع يبشر اليوم بوجود بَشَرٍ وافر، وجهدٍ زاخر، يفوح طيبا ملء الدنيا.
وجود الجماعات الإسلامية في يومنا هذا حقيقة واقعة؛ والاعتراف بوجودها شيء، وتصويب عملها شيء آخر.
(وَلَلْأٰخِرَةُ)(الضحى:4) تعني الغد بالنسبة لليوم، والحال القادمة بالنسبة للحال الحاضرة، وبشارة بالرحمة الشاملة واللطف الواسع القادم بالنسبة للضيق الحالي واللطف النسبي الحالي...
ويَعِدُ (الركوعُ) قلوبنا أمورا تتجاوز بكثير ما ننتظره أو نتوقعه... يعدها بأيام ودقائق زمرّدية وراء هذا العالم...
يا سلطان الوجود الذي جعل قلوبنا عارفة بصور جماله الخفي! كم ألف مرة حاولوا أن يعرّفوك من الأمس حتى اليوم، وكم كأسا من كؤوس كوثر حبك قدّموا لعطشى حبك!
يا صروحا بالأمس كانت عامرة، يا بُنًى بالأمس كانت زاهرة، أين اليوم عمَّاركِ، أين من على الإنسان تجبَّر وعَلاَ.؟!
يأتي يوم يقرُّ فيه الزمان، ومَن في الزمان، على الفَلَك الذي أمر به الله تعالى...
يتذوَّقون لذَّة الوصال والمعية. فهم ثملون بنشوة الوصال والغياب عن النفس كلَّ يوم، وربما كلَّ ساعة مرات ومرات...
يتعرَّض الذين تعهّدوا هذه الوظيفة الجسيمة في يومنا هذا إلى مضايقات ومشقَّات أشدَّ ممن تعرضوا لها في العصور السابقة...
يتلطخ (القلب) كلَّ يوم مراتٍ عديدةً بتلوُّثات تسرُّ الشيطان، وتفجِّر الروح ببارود العصيان.
يجب ألاّ ننسى أنَّ يومًا ما سيحملوننا على محمل بلا روح، ويضعوننا في حفرة، ويهيلون علينا التراب...
يجب الانسلاخ عن المشاعر اليومية المعتادة، وأن تتطهر أفكارنا مما ألم بها من تلوث، وأن تتعمق آمالنا وتوقُّعاتنا المستقبلية.
يجب أن يكون شعار المرشد: "لو مرَّ طريقي يومًا على جهنم لبحثتُ لأجد هناك من أبلغه الحق والحقيقة".
يجدِّد (شعبنا) العهد والولاء لمعبودات مزيفة عديدة في يوم واحد!
يحسون ببهجة وجودهم هنا وغدًا في حياة أبدية في الآخرة، فيقضون حياتهم وكأنها أبيات من شعر جميل...
يحصل للمحظوظين الذين وجدوا طريق القرب ودخلوا الرواق المؤدي إلى الخلود، فيُصبحون ويُمسون بعمق جديد يوميًّا...
يحقُّ لنا أن نترقب نسيجًا مباركًا بألوان الغد السعيد يحظى باهتمام الإنسانية جمعاء، من هذه النقوش الصغيرة التي تغزلها بمغازل أفكار الخير أجيالٌ محظوظةٌ في الزمن الحاضر.
يخطو إلى الأمام وكأنه سيصل إلى الوصال الأبدي بعد خطوات، ثم يكون قيامه وقعوده في ظل الشوق إلى ليلة الوصال ويومه الحبيب.
يرتشفون ماضيهم مع يومهم هذا، وكأنهم يرتشفون نغمة مليئة بالبهجة والحبور.
يسْمون ويرتفعون ارتفاع عطر البخور، حتى كأنهم يشاركون الملائكة كلَّ يوم بضع مرات في مجالسهم.
يشار في هذه الآية إلى أنَّ القلب يجب أن لا تطغى عليه الغفلة أبدًا، في الحياة العادية واليومية، ولاسيما عند الدخول في صراع مع الأعداء...
يشدّ الرحال إليه سبحانه يوميًّا مئات الألوف من المجهّزين بالإيمان المجنّحين بالعمل، الغارقين في التقوى...
يشعر الإنسان في المعبد باليوم وبالأمس... بالأمس وبالأبَد معا، وبشكل متداخل...
يقعد ويقوم أولئك المحظوظون كلَّ يوم على هذه المائدة السماوية الآخذة بالألباب... يعيشون -بزخاتِ غيث الوحي الهاطل كلَّ يوم على آفاقهم- "انبعاثاتٍ بعد الموت"، متشابكةً ومتداخلةً، كأنهم سمعوا صوت الصُّورِ من اللانهاية.
يقول الله تعالى في الفرقان البديع البيان:(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء:105). ولا ينبغي أن يتردد امرؤ في توقُّع مجيء هذا اليوم، وهو وعد الله المؤكّد.
يمكن القول إنَّ العالمين اليومَ -إلا شرذمة قليلا- في حالةِ تزعزُعٍ، وخيبةِ أمل، وترقُّبٍ مريب، وبحثٍ عن مَخرج خارق للأسباب.
يمكن مشاهدة شرائح سعيدة محظوظة من المجتمعات، بدءً من خير القرون إلى يومنا هذا، كنماذج يمكن احتذاؤها...
ينبغي أن نفتح عيوننا فنرى الحقيقة، ونعمل ببصيرتنا فنصون خواصنا المنتقلة إلينا من أمس إلى اليوم، ونطرد ما يمضغ وجودنا وشخصيتنا من دواخلنا.. وإن لم نفعل، فسوف نرى يومًا نعجز فيه عن الحفاظ حتى على حالنا الحاضر.
يهيمن على تصرفاته وأعماله (مهندس الفكر والروح) التفكير في الأيام القادمة، في خططه وبرامجه، بقدر التفكير في ضرورات الحاضر.
اليوم أصبح البعض منا ضد الجميع، وضدَّ كلِّ فكر.
اليوم تكافح فئة قليلة حصرت داخل حدود ضيقة، من أجل البقاء أمام التيارات الداخلية والخارجية، التي تستكثر عليها حتى حق الحياة في هذه المساحة الصغيرة...
اليوم ساد الكذب بين المستشرقين الذين أسندوا الكذب إلى الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وتابعهم في هذا بعض المنذهلين بالغرب من المسلمين...
اليوم نرى أنَّ هناك إقبالا على الإسلام في جميع أنحاء العالم...
اليوم نشهد سياق عودة الحياة من جديد إلى القرية والمدينة، والعائلة والدولة، والشارع والمدرسة، والفنِّ والعلم، والعمل والأخلاق...
اليوم وإن كان الحديث عن مثل هذا الإنعام زعمًا مشكوكًا فيه، إلاَّ أن جنود الإيمان الذين يقدِّمون خدماتهم في العديد من بلدان العالم، يستحقون هذا الإنعام، وهو بالنسبة لهم عين الحقيقة.
اليوم يتبع ما يقارب المليار من الناس هذا القرآن، الذي يعدُّ الكتاب الوحيد الذي لا مثيل له ولا شبيه.
اليوم يحاولون وضع فكرة استحضار الأرواح وفكرة تناسخ الأرواح بديلاً عن الدين.
اليوم يخوض المسلمون -وهم خُمُس البشرية- كفاح الانبعاث في كلِّ أرض...
اليوم، هذا النفير التربوي بأسمائه وعناوينه المتنوعة... هِمّة مهمة في سبيل لملمة شعث المجتمع، وتحريك مصادر قوته المعنوية...
اليوم، وبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة، بدأنا ننتبه إلى ضرورة منع انقراض أنواع عديدة من الحيوانات والمحافظة عليها...
زمرة "الليل - النهار"..
(نهار، ليل، ليلة، ليالي)
أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أَمَرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا"...
إحدى العينين عين الرهبان، والأخرى عين الفرسان؛ ففي الليل كانوا رهبانًا يذرفون الدموع في عبادتهم وسجودهم، وفي النهار كانوا فرسانًا يصولون ويجولون ويهاجمون الأعداء كالأسود...
أحلك وقت للظلام هو في الوقت نفسه بشائر أنوار الفجر. والليل يحمل جنين نور النهار، ويحمل بردُ الشتاء وثلجه جنين الربيع.
أحيانًا يكون الإنسان... مرتبطا بالمعاني التي تلهمها تلك الأيام وتلك الليالي، فيحسُّ بهدوءٍ وراحةٍ، وكأنَّه يعيش حياة متناغمة وموزونة.
إذا أردت أن تشرح لأحدهم معنى مخافة الله والبكاء من خشيته، فعليك أولاً أن تقوم في الليل وتبلل سجادتك بالدموع. في نهار تلك الليلة وعندما تدعو الناس ستتعجب من مدى تأثير كلامك عليهم، وإلا ستتلقى صفعة من الآية الكريمة (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ)(الصف:2) فتلاقيك الخيبة في التأثير على الناس.
إذا ما غاب النهار، وأسدل الليل الأستار... فأبشرْ بميلاد يوم جديد... من رحم كل مساء.
الإرشاد والتبليغ في المجتمع الإسلامي ليس وظيفة فحسب، بل هو بمثابة معيار ومقياس لكلِّ شيء، حيث يقيس أفراد ذلك المجتمع جميع شؤونهم وفق ذلك المقياس، وينظمون أوقات يومهم وفقه، ويُمضون لياليهم تحت أنّات هذه المسؤولية...
الأرواح النزيهة المتطهرة من الأرجاس المعنوية، المستعدَّة للتحليق في السماء، تتسامى أكثر في بعض الليالي في هذا الزمن المبارك، وتشعر بلذَّة أكثر، وتشمُّ هذه الأيام مثلما تشمُّ وردة عطرة.
أسعد اللحظات عندي في الليل هي اللحظات التي أؤدي فيها الصلاة (رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)..
الأصل في الخلوة هو الانتظار متهيئًا لتوجُّه منه سبحانه، ليل نهار، دون أن ترتد عين القلب نحو الأغيار قطعًا.
أظنُّ أن قليلاً من التفكير كاف لرؤية عاقبتنا في الدنيا، أليست واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، كيف ندفع ثمن هَجْرنا للقرآن؟
أمَّا الليل فهو أوان لأنواع لا يستوعبها العقل والإدراكُ من ألوان جمال الخلوة. وكلُّ وقت من هذه الأوقات يمرُّ بطعم وبلذَّة مختلفة، ثم يذهب ويغيب.
إننا بانتظار أضواء وأنوار سرية تخرق ظلام هذا الليل البهيم؛ لتضيء لنا الدروب المؤدية إلى عهد الورد والياسمين...
إنني أقول بإصرار بأنَّ من يستطيع لجم فوران نفسه وهيجانها وضبطها ومنعها من الولوج إلى الآثام ومقاومتها على الدوام بصبر لا ينفد.. مثل هذا الشخص قد يحصل في لحظة واحدة على فيوضات لا يحصل عليها شخص قضى سنوات من عمره في تكية، أو شخص يصلي كل ليلة مئات الركعات...
أنين "ناي" مولانا الرومي، وصرير "دولاب" يونس أمْرَه، ما هما إلاّ صراخ لما يشعران به من شوق نحو الوصال والمعيّة التي عرفاها في الميثاق منذ الأزل، وهذا الصراخ يستمر إلى الموت الذي عدّوه "ليلة الزفاف".
أهل التحقيق وأهل الشهود والأصفياء والأولياء والأنبياء، جميعهم شاهدوه (سبحانه) بوضوح، كالشمس في رابعة النهار، وأظهروه للآخرين.
أيام شهر رمضان الذي يطلع كلُّ نهار فيه وكلُّ ليل بمشاعر مختلفة... إنَّ أيامه تمس القلوب بروح جديد...
أيام شهر رمضان ولياليها التي تقدّم لنا بأعذب لغة لُباب وجوهر جميع المواسم والشهور العطرة للسنة وروحها ومعناها الحقيقي، وما يترشح منها من عصارة، تحيط كلَّ لحظة القلوب بعذوبة وسعادة وبهجة لا مثيل لها...
الأيام والليالي المرتبطة بالمسيح -عليه السلام- قد امتزجت في فكر الإنسانية إلى درجة أنَّ الجميع -أدركوا ذلك أو لم يدركوه- يجدون أنفسهم في خضمِّ هذه الاحتفالات الغريبة.
الآية الكريمة تذكر "الربّانيين" الذين يستحقرون الحياة ولذائذها كافة، وكل ما يعود إليها، وهم لا يسكنون ليل نهار في ابتغاء مرضاة ربهم، ويبذلون كلَّ غال ونفيس في سبيله...
بالنية تنقلب عادات الإنسان وحركاته الاعتيادية إلى عبادة خالصة. فالشخص الذي ينام ناويًا قيام الليل، تكون أنفاسه وهو يغط في النوم بمثابة ذكر الله..
بعد أن يعيش الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الجوِّ الروحاني، يقف للصلاة في ظلام الليل البهيم، لكي يبلل أسدال الليل بدموعه.
بفضل النور الذي أنار -صلى الله عليه وسلم- به الوجود افترق الضياء عن الظلام، وانقلب الليل إلى نهار... كأنَّ كلَّ شيء قد بُعث من جديد، ووصل إلى قيمته الحقيقية.
بلوغ مرتبة الرضا يتطلَّب... قبول أوامر الحقِّ سبحانه ونواهيه بسرور وحبور؛ كأنها دعوة إلى "ليلة زفاف"...
بينما أشعَّة الشمس تكون موجودة في النهار فقط إن لم تكن هناك غيوم، ولا توجد في الليل، ثم إن جزءً كبيرًا من السنة يكون شتاءً، لذا لا تكون الطاقة الآتية من الشمس منتظمة وبالمقدار نفسه...
تخترق البذرة التربة والصخرَ بصمت وبثبات حتى تصل نبتتها إلى سطح الأرض، ويعرض البرعم نفسه للشمس مرات ومرات، ثم يواجه هذا البرعم وطأة ظلام الليل مرات ومرات حتى يصل إلى ماهيته ويتفتح.
ترى في أحوال كلِّ هؤلاء وفي تصرفاتهم في ليالي هذه الأيام المباركة وفي أنهرها ظرفًا يفوقُ ظرف ما جاء في الأساطير وفي القصص، حيث يلتحفون الجمال المعنوي لهذه الأيام المباركة...
الحال: هو عيش الإنسان في أعماق ذاته بنفحات ترِد من عالم الغيوب، واستشعاره بتمايزات الليل والنهار، والصباح والمساء، التي تجرى في أفق القلب.
حياء "التقصير" كحياء الملائكة الذين ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾(الأَنْبِيَاء:20)، ومع ذلك يقولون "ما عبدناك حقَّ عبادتك".
الخير والشر، والجمال والقبح في مرآة روحه (إنسان المحاسبة والمراقبة الرحيب) منفصلان عن بعضهما، ولكل شيء موقعه الملائم فيها، كاختلاف الليل والنهار، والضياء والظلام.
الذنوب الناجمة من النظر من منافذ أجواء شتى، وما تترك من انطباعات في أذهاننا، قد اقتحمت حتى أغوار قلوبنا بل جعلتْنا مشلولي القوى، فباتت ليالينا خالية من الأشواق، ومحاريبنا محرومة من الدموع...
الذين لم يمرّوا بتجارب وجْدانية لتعميق الإيمان قد يبدو لهم هذا الكلام شيئًا نظريًّا؛ ولكنَّ الأرواح المشتاقة إلى ربّها جلَّ وعلا، والتي تملأ الأنوارُ لياليها، يفهمون ما نقول.
الذين يستطيعون الاستماع إلى الوجود من خلال منافذ قلوبهم، تنقلب الأيام والليالي المباركة لديهم إلى شاعر يتكلم بلغة ما وراء هذا العالم...
سكن حبُّ هذه الأشهر المباركة والليالي المتميزة فيها، التي ترقى إلى الذرى في قلوبنا المترعة بالإيمان...
الشمس بدأت تطلع كلَّ يوم على ظلم أو على اعتداء وتجاوز أوهذيان، وتمر الليالي حالكات الظلام، وأصبحت حالنا حال مجتمع عقد العزم على اقتراف الآثام.
صلاة التهجد هي النور في عالم البرزخ.. وهي من أسرع العوامل في محو السيّئات، لأنك تتوجه فيها لربك في أحلى ساعات الليل المظلم البهيم بالدعاء والتضرع بقلب يتقلب بين الخوف والرجاء...
عليكم إذن أن تصوموا ألف يوم، وتقيموا ألف ليلة، كي تبلغوا ثواب المرابط ليلة واحدة في سبيل الله تجاه العدوِّ الذي يريد الحلول في بلدكم وتخريب أمّتكم. بل هذا أرضى لله وأكثر قبولاً عنده.
عندما ندقِّق سيرته من ناحية صفة رحمته، تظهر أمامنا الحقيقة نفسها كالشمس في رابعة النهار...
عندما يبدأ الطفل بالبكاء في الليل، قد يضطر الأب إلى ترك غرفة النوم إلى غرفة أخرى. ولكنَّ الأم تُسرع إلى غرفة الطفل، وقد تبقى معه حتى الصباح، لأنها تحمل حنانًا لا يوصف نحو طفلها.
في ساعات الليل بالأخص تبتسم الأضواء الملونة في عيوننا، وتهمس لنا نغمات بُعد آخر من أبعاد الوجود.
في كل ليلة من ليالي رمضان نهبُّ من فراشنا وكأننا مقبلون على سفر بعيد، ونضع حظرًا على النوازع الجسدية...
في مثل هذه الأوقات يكون الصباح كأنه سعادة الخطوة الأولى في دخول الجنة، والظهر كأنه أوان التخلص من تعب النهار، ولحظة الفرحة لرؤية الحبيب والتملي بحسنه.
في هذا العالم الذي صيغت جميع محتوياته ومعانيه من الإيمان ومن الفكر ومن العواطف والأحاسيس والشعر، يحس الإنسان... من المعاني الدافئة التي تحيط بالأرواح وتحتضنها، لذة خيالية في ليله ونهاره، وفي صيفه وشتائه...
في هذه الأيام والليالي التي تولد كطوفان من النور، يظهر نوع من العشق والمعرفة اللدنّية في أحوال المؤمنين العامَّة، عند قيامهم وقعودهم....
قام الآلاف من الناس والآلاف من الكتب بالحديث عنه.. كان فيهم مثل الفراشات التي تطير نحو النور وتطوف حوله، وفيهم من يشبه الخفافيش التي ترتعب من ضوء النهار...
القبض والبسط -أيضًا ككل شيء- تحت تصرف الخالق العظيم، يتعاقبان كتعاقب الليل النهار، والنهار الليل.
قد يُهلك الله شخصًا أو جماعة أو قومًا ويخسف بهم الأرض، وهم يذكرونه ويعبدونه ويتلون الأذكار آناء الليل وأطراف النهار... لأجل هذا نجد في بعض المصادر روايات إسرائيلية مفادها: أنّ قوم لوط -عليه السلام- أُهلكوا وكان فيهم ألوف العبَّاد والزهَّاد القائمين الليل الصائمين النهار، ولكن ما كانوا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر.
قراءة هذا الدعاء في ساعات الليل البهيم تحمل معاني كثيرة، فالسماء تظهر في الليل بكل عظمتها وبهائها، والنجوم تومض بهدوء وبكل جمال...
القلوب التي غدت وكأنَّ كل واحد منها بَيت من بيوت الله ستتطهّر من كل خاطر أجنبي، فلا تفكر إلاَّ به تعالى ولا تشعر إلاَّ به، وتشرق شمس النهار به، وتغيب به.
القلوب باتت بعيدة وغريبة عن أن تكون مهبط الإلهام الرباني، فيحرمون من الأسرار الإلهية. فنَهار هؤلاء مظلم كلَيلهم.
كان أناسي خيْر القرون -عصر النبوة- كالأُسد في الوغى، ولكن ما إن يُرخي الليل سدوله حتى تراهم كالرُّهبان المتبتّلين يقيمون الليل كله، في عبادة وذكر وتسبيح إلى الفجر، وكأنهم كانوا فارغين في النهار، وليسوا أولئك المجاهدين الذين اقتحموا المهالك، بل زهّادًا منقطعين للعبادة وحدها..
كان تواضعه -صلى الله عليه وسلم- عميقًا مذهلا، فهو عبد الله ورسوله، يؤدِّي فروض عبوديته لله تعالى في الليل وفي النهار...
كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إذا فاتته صلاة التهجد في الليل قضاها في النهار؛ وذلك لكي يعطي لنا درسًا في وجوب عدم ترك أيِّ فجوة في حياتنا.
كان عبد الله بن جحش وعمرو بن جموح وسعد بن الربيع -رضي الله عنهم-، من هؤلاء الصحابة الذين ينتظرون الشهادة، ويسعون إليها، ويحلمون بها كل ليلة.
كان فيهم (الصحابة) من يملك زوجتين أو ثلاثًا، ويقضي ليله بالعبادة، ونهاره بالصوم.
كأنَّ يد القدرة أعدّتهم لصحبتك (يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)... فكانوا جديرين بصحبتك ولائقين بها. وحين سرتَ إلى الوصال فرحًا كـ"ليلة العرس" رنوت إليهم بجانب قلبك الناظر إليهم، فبكيت قبالة تلك الوجوه الناضرة.
كانت صفة الحلم في إبراهيم -عليه السلام- ذروة لا يمكن بلوغها، ذلك لأنه كان يعطف حتى على الذين رموه في النار وحاولوا حرقه، وكان يخشى أن يصيبهم بلاء من الله تعالى، لذا كان يسهر الليل حتى الصباح وهو يتأوّه ويتألم لهم..
كلُّ صحابي كأنه على صورة حواري، فهو أزهد الزهاد وأعبد العبّاد ليلاً، وهو في النهار بطل يلقي الرعب حتى في قلوب الأُسود الضارية.
كلُّ غروب يهب لأرواحنا أقداح الفرح والحزن، وتلفُّنا كل ليلة بسحر الخلوة، وتفتح مغاليق ألسنتنا لنبثّ لواعجنا...
كلُّ ما يحدث ويجري، وكلُّ ما في حياتنا من أحداث، إنما يُسجل ويُكتب آنًا بآن، وكأنه معلّق على شريط الزمان ليلاً ونهارًا. ونحن نطلق على هذا "التقدير اليومي".
كم من المؤلم أننا نبحث عن طرق سهلة -كمراسيم توبة في ليلة الجمعة- للخروج مِن تحت وطأة وبال الآثام التي أثقلت كواهلنا.
كما ينحسر الليل أمام ضوء الفجر، تنحسر الغيوم السوداء المحيطة بأياصوفيا بعد كلِّ هذا الزمن غيمة غيمة، وتتشتّت لتبدو السماء الزرقاء الصافية محلَّها.
لا تبقى نقطة سوداء في حياة مَن وهب نفسه في سبيل الله، فلَيله كنهاره. نعم إنَّ كلَّ ثانية من عمره بمثابة سنين من العبادة، كيف لا وهو في طريق الخير...
لا شك أنَّ الأدلّة التي نسردها لإثبات مقولتنا قد استعد هو لتفنيدها بأدلة أخرى. وهكذا يتحول الحوار في المراء إلى كلام عقيم ولو طال ليالي وأيامًا.
لا يوجد شهر آخر مليء بالقرآن، يكون ليله بهذا النور، ونهاره بهذا الضياء المضمّخ بعطر القرآن...
لو رتِّبت الاحتفالات بمولده -صلى الله عليه وسلم- أياما وسنوات وعصورا لما تم الإيفاء بحقّه. ولو أنشدنا عشرات وآلاف القصائد والأناشيد كلَّ ليلة، لما أوفيناه -صلى الله عليه وسلم- حقه.
لو عبد الإنسان ربَّه ليل نهار، أو كان مثل الأسود بن يزيد النخعي أو مسروق أو طاووس في العبادة، فلا ينجو يوم القيامة بعمَله وبعبادته؛ لأنها لن تكون كافية.
ليالي شهر رمضان التي تلفُّ بأسرارها كلَّ شيء تكون مؤنسة وحلوة، ونهاره الذي يحتضن مشاعر الإنسان وأفكاره بلطف وحلاوة، يكون دافئا وحريري الملمس...
الليالي ميادين مفتوحة لفائدة البشرية وسعادتها ونمائها. فما أكثر المبادئ والأفكار العالية والسامية التي انبثقت في العقول في ظلام الليل البهيم وقدمت لأجل فائدة البشرية.
ما دام الليل قد انقضى وأشرق الصباح فلم يكن مهمًّا لدى أحدهم، أأعطي له منصب سلطان أم درجة متسوِّل.
المبلِّغ.... يخجل من أن يتكلم عن الصلاة نهارًا وقد فاته التهجد ولم يتنور ليله، ويستفرغُ الدمع لإزالة لوثة تعلقت بعينه من نظر حرام...
مجتمعا... يهتم بأناس تتماوج في آهاتهم الحسرات حبًّا للإنسانية وإشفاقًا عليها، يقضون لياليهم بالتهجد والقيام لله، وألسنتهم رطبة بذكر الله، لا يهدرون الوقت ما استطاعوا، بل يشغل كلٌّ منهم كل آن من وقته بما يفيد وينفع.. نعم إنهم يهتمّون بأناس مشحونين بمثل هذه الطاقات.
المسألة التي تشرحها ابتداءًا للغارق في الإلحاد، المضطرب في الكفر، ليست بفضائل قيام الليل والتهجد بلا شك، بل تفهّم له الأسس الإيمانية فهمًا ملائمًا لمنطقه العقلي، وبأسلوب علميٍّ، حيث إنَّ الكفر يرد في الوقت الحاضر من جانب العلم..
مكانته ومنزلته -صلى الله عليه وسلم- عند الله منزلة سامية سموّ ثقته وإيمانه بالله وتوكُّله عليه، لذا فلو دعا لانقلب الليلُ إلى نهار، والظلامُ إلى نور...
من أراد رؤية حياة انقضت في الدعاء ليل نهار، وفي الابتهال وفي المناجاة، فليُمْعن النظر في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
من لا يقوم الليل، عليه ألا يتحدث عن صلاة التهجد، وأن يستحي من هذا. ومن لا يستطيع الصلاة بكلِّ خشوع وخضوع، ولا يتصرف بأدب تجاه الله تعالى ولا يحس بالمهابة والمخافة منه تعالى، يجب ألا يتحدث عن صفات الصلاة الكاملة.
من مراتب التوبة... ملء الخواء الذي أحدثته الأخطاء والزلاّت في الروح، بالعبادة والطاعات، واغتنام التضرعات في جوف الليالي.
المناسبات المباركة كليلة المعراج، أو ليلة المولد الشريف، فهي من الليالي التي تُعَدّ تيجانا على هام الزمن، وذروة الأيام القريبة من الله... ففي هذه الأيام والليالي المباركة تبرق القلوب بشفافية غير عادية، وتتوجه الأرواح نحو اللانهاية.
منهم "لامارك" الذي يقول عنه السيد "عدنان آدي وار": "كان شخصًا بسيطًا وكحاطب ليل يجمع بعض المسائل بسرعة ودون تمحيص وبشكل لا يليق بحرمة العلم"...
المؤمن لا ينظر نظرة حرام، ولا يمدّ يده إلى حرام، ولا يمشي في موضع فيه حرام. ليله كنهاره مضيء مشرق، سجّادته عاشقة لسَجَدَاته في جوف الليل...
ميلاد فخر الكائنات يعدُّ ميلادا جديدا للإنسانية كلِّها. فحتى أن شرّف الدنيا لم يكن هناك فرق بين الأسود والأبيض، ولا بين الليل والنهار، ولا بين الورد والشوك.
نحن نبكي وراء الشهداء، ونرقّ على أَيتَامهم الذينَ تركوهم، بينما هُم يَبكُونَ على الوضع الأليم لأهل الدنيا... وعلى التكاسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الليالي التي تمضي سوداء مظلمة، وعلى السجاجيد التي لم تبتل بالدموع الغزيرة...
نحن نؤمن بعد كلِّ لوحات الحزن هذه، وفي الليل الضبابي الحالي الذي يلفُّ كلَّ شيء... نؤمن بأنه: "اشتَدِّي أَزْمة تَنْفَرجي"...
نفرح لأنَّ الموت هو الجسر الوحيد لهذا العالم السحري الذي يدير العقول، والذي يطلّ علينا بوجهٍ ضحوك وطليق في أحلامنا كلَّ ليلة...
هذا النور النابع من وراء عالمنا يهب لنا فرحةً تفوق فرحة ليلة عيد البحرية، التي تأخذ فيها المدن عندنا كلَّ زينتها، وتطلق فيها صواريخ الاحتفال إلى السماء.
هكذا نرى أنَّ الآية عندما تذكر "تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل" تشير بشكل واضح إلى كروية الأرض...جاء ذكر تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل عند الحديث عن تعاقب الليل والنهار، أي شبّه تعاقب الضوء والظلام في الدنيا بلفّ عمامة على هامة كرتنا الأرضية.
هكذا يرى "المنتهِي" (صاحب الإيمان الواصل إلى أعماقه البعيدة) هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ وذلك بسلوكه الوجداني.
هناك في جميع أنحاء هذا الوجود شروق بعد كلِّ غروب، تمامًا مثلما يتعاقب الليل والنهار في دنيانا هذه. فالضوء يترك مكانه للظلام، والظلام يترك مكانه للضوء.
وفكِّروا مليًّا قبل أن تسيروا وراء أيِّ شخص، فالشخص الذي تسيرون وراءه وتتبعون خطاه يجب أن يكون متجردًا لله، وأن يكون حبُّ العمل في سبيل الله شاغله ليلا ونهارا، لا يلتفت إلى زخرف الدنيا...
الوقت الحاضر بحاجة الى الذين يفعلون بما يقولون، وليس إلى المجادلين والمتحذلقين. فهؤلاء يمكنهم أن يحلّوا العقد المستعصية في أفق نجاتنا وخلاصنا، وليس غيرهم. فالذين حملوا أسفارًا، أو يولِّدون الكلام ليل نهار صفر اليدين أمام مهمَّة نجاة الأمة.
وكان أصحاب الصُّفّة بالأخصِّ، يقومون بإحياء الليل بالصلاة وقراءة القرآن وتدارسه، حتى إنَّ عدد المتحلِّقين حول معلم واحد هناك كان يبلغ أحيانًا سبعين شخصًا، وكان الدرس يمتد أحيانًا حتى الصباح...
يا أيها الخليل المتدثّر في الليل بردائه... إنَّ مهمّة شاقة مثل مهمَّة النبوة في انتظارك... قم واعبد ربك... فأنت في حاجة إلى أن تُشحن من قبل ربك، لأنَّ بانتظارك وظائف كبيرة عليك أن تُنجزها.
يحاول (المريد أثناء العزلة) نسيان رغباته الجسمانية بصورة عامَّة، بالانشغال -دون توقف ليل نهار- بالذكر والفكر، وهذه الخلوة تعدُّ بابًا من أبواب التقرّب إلى الله سبحانه.
يريهم -صلى الله عليه وسلم- كيف تكون الخشية من الله، وكيف تؤدَّى السجدة بكلِّ خشوع وخضوع، وكيف يكون الركوع. وكيف يكون الجلوس للتحيات، وكيف يبتهل إلى الله في ظلمة الليل.
يشمُّ العاشق في كلِّ شيء عطر حبيبه. في النسيم الهاب، وفي المطر الهاطل، وفي الجدول المنساب، وفي صوت الغابة، وفي غبش الصبح، وفي ظلمة الليل. وعندما يرى جماله المنعكس حواليه يجتاحه الوجد...
يضع -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى تحت رأسه ويثني ركبتيه قليلاً وينام على جنبه الأيمن، ناويًا قيام الليل، فقد عاش على الدوام وهو يحمل عاطفة الشوق والوجد لقيام الليل؛ ليتذوق حلاوة المثول بين يدي خالقه في تلك الساعات من الليل.
يكون قيامه وقعوده (العاشق) في ظل الشوق إلى ليلة الوصال ويومه الحبيب.
ينقسم الليل والنهار بشكل غامض بالصلاة... وتُنظم الحياة حسب مفهوم زمنيّ يتخذ العبادة محورا له...
 
 
 
زمرة أجزاء اليوم..
(الشروق، الغروب، السحر، الظهر، العصر...)
أبطال الذاكرة القوية عرفوا أسلوب الرسول -صلى الله عليه وسلم- معرفة جيدة؛ لأنهم كانوا يعيشون معه صباح مساء.
أبطال المحبة على شفاههم بسمة المحبة... يرون في شروق الشمس وغروبها وفي بريق النجوم وخفوتها رسائل محبة.
أحلك وقت للظلام، هو في الوقت نفسه بشائر أنوار الفجر.
الأدعية بعد فترة العصر (في عرفات) تكون أكثر عمقا، لأنها تبدو وكأنها قد تضمخت بعطر وجوٍّ مِن وداع حزين...
إذا بالأنوار تغدق على الروح من الجهات الأربع، وينبثق الفجر على أضواء تترى في آفاق الوجود. وتسطع المغارب سطوع المشارق.
ألا نبتهل لله -عز وجل- كلَّ صباح وكلَّ مساء في أدعيتنا أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا جنته؟
آمال وأشواق وأفراح حلَّت محلَّ الألم والهجران... وكلُّها أمارات لا تكذب على الفجر الصادق.
إن كنت تروم عيش حياة الروح والقلب... إن كنت تروم هذا، فكيف تحصل عليه دون الصوم حتى الغروب؟
أنت تنتظر على الدوام فجرًا جديدًا يطل على أفقك، ولكن كيف يمكن ذلك دون أن تزين قلبك بالمثل السامية...
انطلاقًا من هذه الملاحظة نقول: إنه مع وجود مشرق ومغرب مختلف كل يوم، فقد تم تناول مشرقين ومغربين يمثلان الحدود القصوى للشروق والغروب، وترجع المشارق والمغارب النسبية بين هذين الحدين كل إلى القطب القريب منه.
أوقات السحور التي تهبُّ عليها نسائم السحر في هذه الأيام التي يسترجع فيها الدين شبابه، والإفطار الذي يكون مظهرا لألطاف سرية... هي أوقات ذات طعم وذات ضياء خاص، ولهجة خاصة تخالط القلوب.
بعد شروق الشمس وفي الساعات الأولى من الصباح كان يقرأ هذا الدعاء وعشرات غيره من الأدعية، وما أن تغيب الشمس ويسود الظلام حتى نراه يقرأ الدعاء الآتي الذي يكون له نورًا وضياء، فأماسي الرسول -صلى الله عليه وسلم- منورة مثل أصباحه، وأدعيته كانت مثل القناديل لا يهمل أبدًا إيقادها.
بينما يستريح بعضهم تهيؤًا لغد حافل بالنشاط والجهد، ترى آخرين وهم يقضون الليل حتى الصباح في الصلاة والعبادة.
التسليم المطلق للحقِّ تبارك وتعالى، وهو أحد الأوراد التي نكررها في الصباح والمساء.
تعرّضهم -في السنين الأخيرة خاصة- كلَّ صباح لمصيبة، وكلَّ مساء لنكبة، أعانهم على فتل حبلهم الروحي، وهروعهم إلى الله، وشد عزيمة كفاحهم.
تنتبه جميع مشاعرنا النائمة والغافية، وتتحفز للقائها واحتضانها في صباح يوم مشرق.
جو الوجدان بغمائم الغروب أسيان... ورذاذه، نقيع حزن، على الضمير الولهان.
الحال: هو عيش الإنسان في أعماق ذاته بنفحات ترد من عالم الغيوب، واستشعاره بتمايزات الليل والنهار، والصباح والمساء التي تجرى في أفق القلب.
حين يسرى في أبناء الشعب كله روحُ الإحياء، ينبلج فجرُ الانبعاث بعد الموت، أو النهضة العظمى...
الذين يُدعون للرحلة إلى ما وراء الأفق يُختارون دائمًا من الذين يهيمون في أوقات السحر.
الذين يغيِّرون محاريبهم صباح مساء، هم إمَّا أشخاص بؤساء لم يصلوا إلى الحقيقة، أو حمقى لم يدركوا قيمة الحقيقة حق الإدراك.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكّرنا بهذا الحَجْر الصحي والحماية حيث يدعو مرارًا صباح مساء متضرعًا إلى الله تعالى: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».
سيفيقون من غفلتهم يومًا من الأيام عند شروق شمس الإسلام، وعندها يندَمون، حيث يدركون تخبطهم في ظلمات دامسة، فيعترفون بخطئهم.
الصلاة، بالنسبة لمعظم من ترك نفسه في الجو المعراجي للصلاة، تعدُّ إشراقات فجر للأيام الحلوة التي تملأ خيالاتنا لعهودنا في الجنة من قبل، أو للجنات المقبلة.
عدد المتحلِّقين حول معلم واحد هناك كان يبلغ أحيانًا سبعين شخصًا، وكان الدرس يمتد أحيانًا حتى الصباح.
عندما تلوح علامات الفجر في الأفق تبدأ جميع المشاعر والأحاسيس التي هاجت في عرفات بالانسياب إلى مزدلفة، بعد أن تكون قد تضاعفت، تنساب مختلطة بأصوات أنين وبكاء مع ابيضاض وجه السماء بعد الفجر...
عندما لم يصحبوه (خالد بن الوليد -رضي الله عنه-) إلى المعركة الأولى بعد إسلامه صعب عليه هذا الأمر جدًّا، وبكى حتى الصباح، وهذا يوضِّح كيف أنه توحد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، في وقت قصير جدًّا.
عندما يستيقظ (هذا الجيل المشوَّه) صباحًا يصفِّق للفوضوية، وفي الظهر يقف احترامًا للنظام الماركسي/اللينيني، وفي العصر يحيي "الوجودية"، وفي العشاء قد ينشد نشيدًا هتلريًّا (Hitler).
عندما ينشق فجر يوم العيد تنطلق أصوات التسبيح والتمجيد من المآذن، وفي الدقائق التي يبلغ الجو الروحاني الذروة في كل مكان نشعر بأحاسيس غامضة وسرية تثير خيالنا وتأخذنا إلى الأعماق.
في جوه (رمضان) الجميل الملون بألوان قوس قزح، تتماوج القلوب كتماوج رائحة البخور من المباخر، وتحتفل به الأرواح في سحر كل يوم، وتغرد في بساتينها وخلجانها مئات البلابل...
في زمن يسيل دون انقطاع أو تغير، قد عجن بالأكدار والهموم، لا طلوع فيه للشمس ولا غروب... نرى روح المؤمن ينتقل مثل وردة من يد إلى يد...
في سبيل تحقيق هذه الرغبة المقدسة يحاول الإنسان اغتنام التجليات التي تهبّ في أوقات السحر، وتقييم أوقات الصلوات التي هي منافذ تنتظر الإنسان لمشاهدة آفاق وراء أفق الدنيا هذه.
في ظلام المساء الذي يداعب السفوح الخضراء، وفي الروائح العطرة المسكرة للزهور الساحرة... يرون في هذه المناظر تجليات وانعكاسات من جماله هو.
في مثل هذه الأوقات يكون الصباح كأنه سعادة الخطوة الأولى في دخول الجنة، والظهر كأنه أوان التخلص من تعب النهار...
في هذه الأثناء، إذ تتحول الأيام إلى الربيع، ويتبع الفجر فجرًا، ينتعش أملنا وانتظارنا.
في هذه الأثناء، يعتكف نبينا في غار حراء -الذي سيكون اسمه بين أمته فيما بعد "جبل النور"- ويفارق مجتمع الناس؛ هناك يثبت ناظريه في الأفق، وينتظر فجر الخلاص..
في هذه الأيام المطلة على أيام الحبور، إذ يستنشق فجرها أنفاس العيد، نجد في الواقع نوبات مرض ومعضلات تبدو مستعصية على الحل.
قَبّاث بن أَشْيَم -رضي الله عنه-، قُطعت رجل هذا البطل في المعركة في وقت الظهر بضربة سيف ولكنه لم يحس بذلك، وعندما تم النصر للمؤمنين في وقت العصر أراد هذا البطل الترجل عن جواده، وعندما مد رجله كالمعتاد لينزل وقع على الأرض، وعندما حاول أن ينهض أدرك ما جرى له.. كانت رجله قد سبقته إلى الجنة..
قد تبقى معه (الأم مع طفلها) حتى الصباح؛ لأنها تحمل حنانًا لا يوصف نحو طفلها.
قد لا تكون فتحت كفيك وتضرعت إلى الله تعالى قائلاً: "يا رب!" ولكنك أرقتَ وتقلبت في الفراش حتى الصباح، وحرمتْ عيناك النوم وأنت تفكر في أحوال الأمّة الإسلامية: "آه يا إخواني في تُرْكِسْتان"...
قد نستطيع أن نكون مثلهم، وقد نتقدم عليهم، ونحن نترقب فجرًا يتبع فجرًا في هذا الزمن..
قرأ -صلى الله عليه وسلم- وصلَّى حتى الصباح.. لم يكن يَشبع من الصلاة، ولم يكن يعرف حدًّا لحاجته إليها.
كان إذا نزل في ساحة قوم أعداء بجيشه، فهذا يعني أن أمر هؤلاء الأعداء يُعد منتهيًا، وساء صباحهم.
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرأ صباح مساء: «اللهم أحسِنْ عاقبتَنا في الأمورِ كلّها وأجِرْنا من خِزْي الدنيا وعذاب الآخرة».
كان من المفروض الاستفادة من وضع هذا البيت النبوي المملوء نورًا، والمرتبط صباح مساء بعوالم ما وراء السماوات...
كانت الأحداث تشير إلى قرب قدومه، ودنو مجيئه.. فحلكة الظلام تؤذن بقدوم الفجر.
كلُّ بطل من أبطال الحقيقة هؤلاء، يخطو في النور على الدوام في الصباح أو في المساء، ويغرف من النور، ويتجول بين الأنوار. لا يستطيع الظلام الاقتراب منه، ولا يستطيع الغروب إسدال ستار الظلام عليه.
كلُّ غروب يهبُ لأرواحنا أقداح الفرح والحزن...
كلَّ يوم تشرق الشمس فتنساب أشعتها موجة إثر موجة من بين مآذنها، وتلمس قبتها، وتربت عليها، وتداعبها ثم تتوجه وتصل جامع السلطان أحمد. وعند الغروب تتوجه حزمة الضياء التي تحتضن جامع السلطان أحمد مع النسائم الحزينة لما بعد العصر إلى قبة أياصوفيا لتلمسها بلطف.
كلماته الرقيقة الشبيهة بأكمام الورود النضرة، وزهوره المتفتحة على أنداء الصباح، لم تكن تشبه زهور الآخرين.
كم من أمر مستصغَر في عالم المادة أذكى نارَ أذهان وقَّادة، وكم من أمر يبدو للآخرين هينا، ولكنه فتح الأبوابَ لاستلهام عظائم؛ مثل طاس الحمّام لـ"أرخميدس".. وبزوغِ شمسِ صباحٍ آسرٍ لـ"ميكيلانجيلو"، وماءِ جَرّةٍ لـ"دنيس بابن"!
كما يظهر الله رحمانيته بالشمس التي تبتسم وهي تشرق لنا كل صباح... هذه الشمس التي هي بمثابة مدفأة لمن يحتاج إلى الدفء...
كما ينحسر الليل أمام ضوء الفجر، تنحسر الغيوم السوداء المحيطة بأياصوفيا بعد كل هذا الزمن غيمة غيمة، وتتشتت لتبدو السماء الزرقاء الصافية محلها.
ما أسعدنا ونحن نكرِّر صباحًا ومساء هذا الوِرْد: "لا إله إلا الله الملك الحق المبين، محمد رسول الله صادق الوعد الأمين".
ما إن يرخى الليل سدوله حتى تراهم كالرُّهبان المتبتّلين، يقيمون الليل كله في عبادة وذكر وتسبيح إلى الفجر...
ما دام الليل قد انقضى وأشرق الصباح فلم يكن مهمًّا لدى أحدهم أأُعطي له منصب سلطان أم درجة متسول.
المدعوون للرحلة وراء الأفق، يُختارون من بين المتجولين في وقت السحر.
المرأة هي في البيت منذ الصباح وحتى المساء، مشغولة بأطفالها وتربيتهم التربية الصحيحة. والأمَّهات هن مربّيات الأبطال، والرجال العظام، ومفاخر الإنسانية.
مع أنه (القرآن) يُتلى بكل سهولة صباح مساء فلا يُستطاع الإتيان بمثله.
المغرب أوان سعادة المشي لوصال الحبيب عند إقبال الظلام.
من دون تكهنات البحث عن أمارات الفجر حولنا، ومن غير الانشغال بالأبحاث السحرية لأسرار دنيا الرياضيات، نقوم بتقييم كل شيء تشير بوصلة أرواحنا إلى صحتها وسلامتها حسب إرشاد الثوابت الإلهية...
الموجودات المختلفة في الأوصاف والكيفيات المتوجهة للشمس... تنمو وتترعرع بشروقها وغروبها.
نرى رفرفة خمائل القضية في كل صوب وناحية منذ الآن بوفاء كوفاء الفجر، وعلى مرغمة كل عائق، وبفضل الذين حفّزوا الخارطة الروحية للوطن بخفقات قلوبهم، ولوّنوها وسقوها بدموعهم. ولئن جاز العديد من خداع الفجر الكاذب، فإن شهادة أصدق الشهود على شروق الشمس قريبًا هو الفجر الصادق في الأفق نفسه.
نستطيع تناول الموضوع في ظلال سورة العصر: (وَالْعَصرِ)... فالإيمان والعمل الصالح والارتباط بالحق والتواصي بالحق والصبر والتعلق بالصبر والتواصي بالصبر... كل هذه أنواع من العمل والحركة، والله تعالى يحب أصحاب هذه الأعمال.
النظام المذهل الذي تجري ضمنه حركات الشموس والأقمار وشروقها وغروبها، فيه آيات لأولي الألباب...
هذا هو ينبوع الخضر -عليه السلام- ذو العيون الثلاثة التي يرده هؤلاء الربانيون، ويشربون منه صباح مساء.
هذه الحقيقة نفهمها من الذكر الوارد في السنة، الذي يُقرأ صباح مساء: "لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
هناك دعاء مأثور عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يطلق عليه "سيد الاستغفار"، يدعى به صباحًا ومساءً وهو: "اللّهم أنت ربي...".
هناك روايات عديدة تذكر بأنَّ من يعمل صباح مساء في سبيل إعلاء الدين، ويدعو الله تعالى مخلصًا أن يرزقه الشهادة، يحوز على مرتبة الشهيد، وإن مات مرتاحًا في فراشه.
هناك في جميع أنحاء هذا الوجود شروق بعد كلِّ غروب، تمامًا مثلما يتعاقب الليل والنهار في دنيانا هذه.
هؤلاء الأبطال الذين ينشرون النور والضياء حتى الصباح مثل الشموع المحترقة... هؤلاء بيدهم وسائل ووسائط نفخ في روح هذه الأمة وفكرها.
يتم التجديد وتتحقق الحيوية والنشاط في خضم هذا المجيء والرحيل، والشروق والغروب.
يعقب الظلمات الضياء، والغروب الشروق... ويأتي يوم يقر فيه الزمان، ومن في الزمان...
يوصي -صلى الله عليه وسلم- بالشكر كل مَن أتاه، بل كان ذكره الدائم صباح مساء، هذه الكلمات النورانية: «رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ».
 
 
 
زمرة "الساعة وأجزاؤها"..
(الساعة، الدقيقة، الثانية، اللحظة...)
ابحث دائمًا عن مناصب ومناقب جديدة لروحك التي ستدوم وتبقى إلى الأبد. ولا يغيبن عن بالك لحظة واحدة الاحتفاظ بهذه المناقب والفضائل وعدم فقدانها.
الأبطال، يقضون أعمارهم تحت زخّات الإلهام... فيتجرعون أذواق ولذائذ وحظوظ البقاء في الفناء، في كلِّ لحظة، وفي كل مرة.
أثبت -صلى الله عليه وسلم- أنه هو القدوة والأسوة لجميع الأجيال حتى قيام الساعة...
الأجل الذي قدّره الرب الجليل لا يستقدم دقيقة ولا يستأخر. إننا نموت في الوقت الذي عيّنه الرب الجليل.
احتفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالقيادة في يده على الدوام، ولم يترك جبهة القتال طوال أيام الحصار ساعة واحدة..
أحيانًا تقوم العين في الساعات والدقائق التي نعيشها في هذه الأيام المباركة، بإفشاء أسرار عالمنا الداخلي بذرفها الدموع...
أحيانًا يتحول العيد بأصوات التكبير المرتفعة من المآذن، وبالأنين الأخروي للمحاريب، ويسمو إلى شيء آخر، بحيث إنَّ الكثيرين يشعرون في تلك الساعات المباركة كأن جميع معاني السماء وعصارتها تنهمر عليهم...
الأديب كالفنان، يبحث دومًا في ألوان الكون وخطوطه وأشكاله عن نفسه. وفي اللحظة التي يجد فيها ما يبحث عنه ويعبر عنه يكسر قلمه، ويرمي بفرشاته ويغيب بذهول وإعجاب عن نفسه.
إذا انقطعت وشيجة العقل عن القلب وانقلب من السماوية إلى الترابية... تمادى في قتل القلب كلَّ ساعة، وأقام على أنقاضه سرادق النفس.
إذا قمنا بالضغط على زرّ لمرسل يعمل على هذا التردد سُمعتْ الإشارات وأصوات أحرف المورس في جميع هذه الرادْيوهات، في اللحظة نفسها.
الأذان، هو الصوت الحقيقي والموسيقى الحقيقية لهذا البلد التي لا تصمت في أيِّ ساعة من اليوم، والتي تعبر عن نفسها في كل وقت بأبعاد مختلفة...
الإرادة الإنسانية التي تقاطعت في لحظة في عالم الأسرار، في نقطة معينة مع المشيئة الإلهية، أدَّت إلى هذه النتيجة...
أرجو أن تتفكروا لحظة! هذا الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات وأعقلها وأكثرها قابلية وذكاء، بينما لا يستطيع أن يرسم مربعًا مساويًا تمامًا لمربع سبق وإن رسمه...
الأرض تأخذ تدريجيًّا وبمرور الزمن شكلاً بيضويًّا، وهذا التغير يؤثر على الزمن، وعلى ساعاتنا دون أن نشعر.
استطاع رسولنا -الذي تحول جسده الطاهر إلى وضع استطاع فيه مرافقة روحه الذي تحول إلى حالة نورانية- إتمام معراجه في دقائق معدودة والقفول راجعا.
الاستمرار في السير دون تعثر، إنما يمكن فقط عندما يكون هذا السير مستندًا كلَّ لحظة إلى البصيرة الواعية...
أسعد اللحظات عندي في الليل هي اللحظات التي أؤدّي فيها الصلاة.
أصبح محمد -صلى الله عليه وسلم- شخصًا يتحدث عنه الكل، ويعرفه الجميع.. شخصًا ذا أهمية كرجل هذه الساعة ورجل كل ساعة.
أعتقد أنَّ العديد من الحقائق السماوية ربما لبست هنا لباسا أرضيا. لذا كان على كلِّ من قرر صرف بضع ساعات مع القرآن بقراءة هذا الكتاب أن يضع هذا نصب عينيه، لكي لا تهتز مهابة القرآن في ذهنه.
أَلا يربط بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- قيام الساعة بعدم بقاء من يقول على الأرض: الله...الله.
ألفنا في هذا البلد منذ الأمس إلى اليوم أن ننتظر ساعات العبادة، وأن نستمع إلى أصوات الأذان؛ كأنها صرير أبواب السماء.
أمَّا الأعمال المتوجهة لرضا الله تعالى وحده، فإنَّ الذرة الواحدة منها تعادل الشمس، والقطرة الواحدة منها تعادل البحار، واللحظة الواحدة منها بِقيمة الأبد.
أمَّا صلاة التهجد فهي النور في عالم البرزخ.. وهي من أسرع العوامل في محو السيّئات، لأنك تتوجه فيها لربك في أحلى ساعات الليل المظلم البهيم، بالدعاء والتضرع بقلب يتقلب بين الخوف والرجاء.
إنَّ الإحساس بالفخر وبالعزَّة أمام الأعداء إحساس بريء، ولكن مثل هذا الإحساس، وإن خطر ببالهم لحظة واحدة، يعدُّ بالنسبة للمقربين من أمثالهم سيئة...
إنَّ الله تعالى بقصِّه علينا هذه القصص، يشير إلى بعض الحقائق الكونية الجارية حتى قيام الساعة...
إنَّ المسيحيين واليهود لا يسلِمون ولا يُقبلون على مبادئكم السامية، فهل فكّرتم لحظة في السبب الكامن من وراء هذا الأمر؟
إنَّ تجرع مثل هذه الآلام يعد دعاءً عظيمًا وكبيرًا، وعند التوجه إلى الله يقول أهل السماء: "آمين"، وهي لحظة يصل فيها المؤمن بآلامه هذه إلى مرتبة سامية... تلك اللحظة التي يحس فيها المؤمن بصداع في رأسه، ويضع يده على خاصرته وهو يتلوى من الألم...
إنَّ تغيرًا بقوة مئات من الطفرات سيؤدي إلى هلاك ذلك الكائن الحي في لحظة واحدة.
إن حققنا هذا ملكناها وحكمناها. وإلاَّ حكمتنا الدنيا وعشنا حياة خالية من الشعور والإحساس، كلُّ دقيقة فيها هباءٌ في هباء.
إنَّ حكمة بالغة تنطوي في أمر الله تعالى لسيدنا -صلى الله عليه وسلم- باستشارة أصحابه: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(آل عمران:159) والمعركة شارفت على نهايتها، وفي أثقل الساعات شدة، ومع أصحابه الذين كانوا سبب هذه الشدة!
إن زللتم أو انحرفتم لحظة عن الطريق فلا تقعوا في اليأس أبدًا.
إنَّ فرار العوام هو الاحتماء من ضيق الوجود وضجيجه، ومن قبح المعصية إلى رحاب الأُنس بالله وجميل غفرانه -جل جلاله-. فهؤلاء يتْلُون في كل طرفة عين: (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(المومنون:109).
إن فرعون وهو في تلك اللحظة الحرجة الرهيبة لم يلتجئ إلى الله تعالى، وإلى الذات الجليلة الموصوفة له من قبل موسى وهارون عليهما السلام، بل قال بتعبير فج بأنه آمن بما (آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)(يُونُس:90).
إن كانت المجرَّة الموجودة في برج الدلو تبتعد عنا بسرعة كذا من الكيلومتر في الدقيقة، فإن مجرة أخرى أكثر بعدًا عنا تبتعد بسرعة أكبر.
إن كنت ترغب في إيداع مالك عند أحد الناس، فإنك لا تتردد لحظة واحدة أن تذهب، وتسلمه إليه -صلى الله عليه وسلم-...
إن لم تكن الذرية هدفًا للزواج، كان ذلك الزواج عبارة عن مغامرة وتسلية وبقصد اللذة فقط. أما الأطفال الذين يأتون من هذا الزواج فليسوا إلاّ ضحية للحْظة لذة.
أنا أومن بأنَّ الرسالة المقدسة لرسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ستبقى وستستمر حتى قيام الساعة.
إنجاز مثل هذه الأعمال في يوم مبارك، وفي لحظة مباركة، قد يكسب صاحبها ثوابًا أكبر.
انظروا إلى صدقه وصدق عهده، ها هو يقوم ويجدد العهد الذي سبق وأن عاهده قبل نومه، أي قبل بضع ساعات فقط، ذلك لأنه كان راجعًا من العوالم التي كان يرتادها في أثناء نومه إلى عالم الشهود...
انقضت كل دقيقة، بل كل ثانية، بل كل عاشرة، من حياتهم في مثل هذه الحساسية والتسليم.
إننا ننتظر بفارغ الصبر اللحظة التي سنرى فيها جمال ربنا سبحانه، هذه الرؤية التي لا تعادلها حتى حياة الجنة كلها.
إنني قضيت حياتي أدعو الله أن ينيلني شرف الخدمة لأصغر صحابي من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ابتهالي من الله تعالى أن لا يُبعد فكرنا لحظة واحدة من أمنية تعفير وجوهنا بتراب أرجلهم...
إنه (تعالى) يسوقه (الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-) على الدوام إلى الطريق المؤدي إلى الجنة، ولا يدَعه لحظة لنفسه.
إنه علمٌ يحيط بكل شيء في اللحظة نفسها...
إنه لقدَر إلهيٌّ أن تترافق وتتداخل وظيفة التبليغ والمعاناة معًا بلا انفكاك؛ إذ الأشياء التي تحصل بصعوبة وتعب تحظى بالاهتمام والعناية والمحافظة، بينما الثروات التي حُصِلَ عليها بدون جهد أو نصب لا يستغرق استهلاكها سوى دقائق.
إياك أن تعتمد على ظن الشعب أنك شخص عظيم أو كبير. فهذا التوجه... لا يعدُّ أمرًا مرغوبًا فيه، أو شيئًا تحرص عليه، فهو إن أسعد الإنسان لحظة أبكاه ساعات.
إيمان فرعون في تلك اللحظة الحرجة لم يكن إيمانا كاملا خالصا، بل كان يرتكب كفرًا وهو يقول بأنه آمن.
بعد شروق الشمس، وفي الساعات الأولى من الصباح، كان يقرأ هذا الدعاء وعشرات غيره من الأدعية...
بما أنه لا يمكن التفكير في وجود أبسط ساعة أو في توقع وجودها من دون صانع، فكيف يمكن تناسي وجود من يرى ويعير ويقود جميع الفعاليات الحيوية الدقيقة الجارية في جسم الإنسان والتي تفوق دقة الساعة وتعقيدها بملايين المرات؟ إن هذا سيكون أكبر إهانة للفكر وللتفكير نفسه.
بنسبة تملكنا للثواني والدقائق والأيام والأسابيع نحسّ بلذة العيش، ونتمنى ألاّ تمر هذه الأيام بسرعة..
التاريخ يقول لنا إنَّ القتال لم يستمر سوى عدة ساعات، انتصر بعدها جيش طارق انتصارًا كبيرًا على أعدائهم..
تتخلص من الانجراف في تيار الأفكار الخاطئة، ومن التذبذب -كرقاص الساعة- ذات اليمين وذات الشمال، وتكون لها مناعة معينة ضد الإلحاد.
تتسامى أفراد المؤسسات العدلية والقضائية بقراراتها الصائبة والصحيحة التي ابتغت بها وجه الحق والعدل، وتكون مرشحة لأسمى المراتب الأخروية. وكلُّ ساعة عدل منها تعدُّ أعواما من عمل الخير في حقها لدى الحق تعالى.
التحرك أبدًا في دائرةِ "لِله، ولِوجه الله، ولأجل الله"، تكونَ الثواني والدقائق والساعات والأيام في هذا العمر الفاني أجزاءً من زمانِ طريق البقاء، وتغدوَ وسائلَ لسعادته الأبدية.
تستطيع معرفة منزلتك لدى الناس بتقييم تصرفاتك تجاههم... لا تغفل عن الحق تعالى لحظة واحدة، وكن بين الناس فردًا من الناس.
تصرَّف -صلى الله عليه وسلم- كأيّ فرد منهم، وشارك جيشه في جميع مشاكله وساعات ضيقه، وهذا يشير كيف أنَّ قيادته كانت في الذروة على الدوام.
تعد صلاة النافلة، ثم إقامة الصلاة فترة استقبال لنسائم الرحمة الإلهية الهابّة على الأرواح، وزيادة في التركيز المتزايد بشكل تصاعدي حتى تلك الدقيقة...
التفكر والتأمل المنظَّم ساعة، للتوصُّل إلى شيء تستطيعون تقديمه لخير الإنسانية...
تكتسب أجزاء الزمان المحدودة بضع ساعات، بدرجة سعة القلب وعلو الروح، صفةً فوق الزمان، فكأنه اكتسب خلودا.
جاء هذا الأمر الإلهي في لحظة غير متوقعة لينجده وينقذه: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)(الأنبياء:69)...
جاءت لحظة لم يبق هناك ذراع لم تُبتر، أو رأس لم يُقطع، وبدأت جماعة من المشركين الحانقين يتقدمون نحوه...
الجماعات الإسلامية في تركيا، وفي العالم الإسلامي، معرَّضة في كلِّ لحظة للأخطار الآتية.
حاولوا أن تكتبوا صفحة واحدة، عند ذلك ستجدون بأن عليكم صرف نصف ساعة أو أربعين دقيقة. أمَّا إن كان الموضوع موضوعًا علميًّا وجادًّا ويحتاج إلى تدقيق وبحث، فإنه يأخذ وقتًا أطول.
حتى اللحظة التي نصل فيها بالتربية إلى نجدة الشاب نراه في المحيط الذي نشأ فيه، يحوم بجنون حول الأهواء والشهوات، بعيدًا عن البصيرة وعن العلم والمنطق.
حتى في هذه اللحظات لم يترك سلوكه الرقيق تجاه زوجاته، فطلب منهن الإذن في البقاء في غرفة عائشة رضي الله عنها لعدم استطاعته زيارتهن، فوافقن على طلبه.
حساسية الإنسان وإعجابه بجمال الوجود وجاذبيته، وإعجابه بالنظام الموجود الذي يعمل أدق من الساعة...
خلايا الدماغ حية عدة دقائق بعد الوفاة، والتوصل إلى بعض النتائج بعد تشريح الجثة أمور تتجاوزنا وتتجاوز الموضوع الذي نتناوله...
الدقائق الحانية المليئة بالعشق والوجد والشِّعر (في عرفات) تبرق من منافذ ومن عيون أرواحنا على الدوام وتلتمع...
دقيقة واحدة من تأمُّل الجمال الإلهي يعادل آلاف السنوات من العيش السعيد في الجنة، وتخلصه من تلك الورطة.
ذوو الأرواح التي عزمت على السفر إليه تعالى، لا يمكنهم أن يغفلوا ولو للحظة واحدة عن السفر، وعن تصوُّر السفر، والمعاني والغايات الجليلة التي تُستهدف في ذلك السفر.
الذي نذر نفسه وحياته للخير وأوقفها لعمل الخير فإنَّ يومه ليس أربعًا وعشرين ساعة، بل سنين طوالا.
الذين لم تلوَّث ثيابهم بغبار الدنيا، بَعيدون عن جهنم، وإنَّ الملائكة الذين لم يغفلوا عن الله طرفة عين بَعيدون عن جهنم.
الذين يعيشون حياتهم مفكِّرين، ويجعلون -حسب درجاتهم- كلَّ يوم، أو كلَّ ساعة، من حياتهم ميناءً أو مرسى أو طريقًا للأفكار المبتكرة، فهؤلاء يمضون أعمارهم في خوارق العيش ما فوق الزمان.
الذين يفتحون أماكن عملهم قبل ساعة من المعتاد، ويغلقونها بعد ساعة من المعتاد، يجعلون أيام أشهرهم 35 يومًا وأيام سنتهم 420 يومًا.. بشرط قيامهم بأداء عملهم على الوجه المطلوب في ساعات العمل.
الذين يوفّقون إلى مشاهدة تجليات الجلال والجمال من خلال هذه المنافذ، يتذوقون أذواقًا روحانية لا عين رأت مثلها ولا أذن سمعت، حتى إنَّ ساعة من هذه الحياة ضمن هذه الزمزمة الذوقية تعادل مئات السنين.
رجل الفكر، يعلم كيف يضحي في سبيل فكره بالنفس والحبيب، والمال والجاه، والأهل والعيال، واليوم والغد، في آن كلمح البصر ومن غير توان...
رسل الحق الهداة... توجهوا إليه تعالى، وهم في شبوبِ مشاعرَ كأنهم تحت شلَّالِ محبةٍ عميقة وذوقٍ روحانيٍّ، في كلِّ آن ولحظة.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعاه مرة، وهو في إحدى لحظاته السعيدة، بأبي هرٍّ...
الركوع، يَعِدُ قلوبنا أمورا تتجاوز بكثير ما ننتظره أو نتوقعه... يعدها بأيام ودقائق زمردية وراء هذا العالم...
الروح الذي يتلقى هذه الدعوة (للعودة إلى حضرة الخالق تعالى)، لا يستطيع الانتظار دقيقة واحدة في الدنيا...
الزمن كلما شاخ وتقدَّم في العمر ونضج وتكامل وقرب من أشراط الساعة ومن "آخر الزمان"...
ساعة يدك أمرك فيها نافذ... أخِّرْها وقدِّمْها، وإن شئت أوقفها... وللزمن ساعته، ليس لك عليها سلطان.
ساعة يوسف -عليه السلام- المجهولة الكُنهِ، التي منَّ بها الله عليه بشكل معجز، جراءَ بحثه عن جدول الأوقات.
سالكو الخشية الذين يعيشون في كلِّ لحظة من لحظات حياتهم، محوّلين الهوى إلى الهدى...
نسأله تعالى أن يحفظنا من الانحراف ومن الضلال، وألا يدعنا لأنفسنا طرفة عين...
السبب في كون ساعة من التفكر والتأمل تعادل كذا سنة من العبادة، هو أن الإنسان يستطيع في ساعة واحدة من التفكر الصحيح المثمر تغذية أسس إيمانه وتقويته... لكن هذا لا يعني أن قيامه بالعبادة مئة سنة ذهب سدى، فلن يُضيع الله أجر ركعة واحدة ولا سجدة واحدة.
شخص مثل أبي بكر -رضي الله عنه-، الذي لم يفكر لحظة واحدة في فراق الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
صاحب الخشية يعيش كلَّ لحظة بمفهوم آخر، بحثًا عن وسائل الالتجاء إليه تعالى، منقّبًا عن فرص الاحتماء به.
الصبر يعني عدم اهتزاز حال المؤمن وعقله، والثبات وعدم الهلع عند الصدمة الأولى الداعية إلى المعصية والمؤدية إلى إثارة المشاعر والأحاسيس السيئة أو في اللحظة الأولى من سماع أوامر الطاعة والدعوة إليها.
الصدّيق الأكبر وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعليّ الكرار -رضي الله عنهم-.. هؤلاء لم يخالفوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرفة عين...
عاش إبراهيم -عليه السلام- لحظات خوف من الإيماءات والإشارات التي تلقاها ولاحظها، وكان هذا نتيجة لفراسة النبوة وتأويل الأحاديث... بعد لحظات تخلص من دهشة الصدمة، وحل المنطق النبوي محل المشاعر الثائرة، وبدأت صفة الحلم والسلم عنده تعبر عن نفسها في الكلام والخطاب ولكن بعد أن عاش لحظات البداية...
عاش -صلى الله عليه وسلم- على الدوام وهو يحمل عاطفة الشوق والوجد لقيام الليل ليتذوق حلاوة المثول بين يدي خالقه في تلك الساعات من الليل.
عقيدة المهدوية... قد تكون وسيلة أمل للفرد وللجماعة في عصر الفتن الكبرى الدالة على اقتراب الساعة...
العلوم ما هي إلاَّ قطرة من بحر علمه -صلى الله عليه وسلم-، والحكمةُ برمَّتها رشحة نزرة من شلال معارفه. الأزمنة كلُّها لا تعدل لحظة من لحظات عمره -صلى الله عليه وسلم-.
على الرغم من أنَّ الموت يأتيه من كلِّ مكان منذ اللحظات الأولى، إلاّ أنه لا يتمكن من اقتلاع ما فيه من الشعور بالأبدية.
على المؤمن أن يغذِّي إيمانَه بَنِيَّاته وتصوراته وإرادته وبرامجه، ويؤديَ حق إسلامه، وألاّ يرسل نفسه إلى الغفلة دقيقة واحدة أو ثانية واحدة، حتى لا يقع في التفسخ.
عندما سيخطر على خيالنا منظرنا وقد تحولنا إلى عظام نخرة في القبر، كنا سنرتجف من رعب بارد مظلم يستولي على نفوسنا... الرعب من العدم... هذا العدم الذي نقترب منه كل دقيقة...
عندما ينشق فجر يوم العيد، تنطلق أصوات التسبيح والتمجيد من المآذن، وفي الدقائق التي يبلغ الجو الروحاني الذروة في كل مكان نشعر بأحاسيس غامضة وسرية تثير خيالنا وتأخذنا إلى الأعماق.
الفصل الأخير "من عشّاق الجهاد" هو عرض لنماذج عملاقة ذاقوا لذة الجهاد وارتشفوا من رحيقه في كلِّ لحظة من لحظات حياتهم، أولئك الصحابة الكرام، رموز فخرنا واعتزازنا وكرامتنا.
فكّروا لحظة... وتصوروا أنه ما من شيء يموت... في هذه الحالة لا يستطيع الإنسان وحده -حتى في العصور الأولى- بل لا تستطيع حتى ذبابة واحدة العثور على مكان للعيش.
في الحقيقة إنَّ الشهداء في عيش رغيد وحياة ملؤها السعادة والطمأنينة، أليسوا في كلِّ لحظة مع الله عز وجلَّ؟
في الساعات الزرقاء لموسم الحجِّ تراه يتلوى من حسرة داء وِصال جديد، ومن عدم عثوره تماما على ما يبحث عنه. فتراه يذهب ويجيء...
في اللحظة التي دخل فيها السجن وفقد حريته كان قد دخل مرحلة حكم القلوب والنفوذ فيها.
في المسعى، يستمرون في الذهاب والإياب وفي الصعود والنزول... الدقائق والساعات هناك مع كونها خفرة وحَيِيَّة فهي كثيرة الطلب، فهي تطلب الاهتمام على الدوام.
في ساعات الليل بالأخص، تبتسم الأضواء الملونة في عيوننا، وتهمس لنا نغمات بُعد آخر من أبعاد الوجود.
في ساعاته (العيد) ودقائقه الزرقاء زرقة السماء نستمتع -بجانب جميع اللذائذ الجسدية المشروعة- ونأخذ نصيبنا من موائد الفكر والمشاعر ونستمع إلى تناغم أرواحنا.
في ساعاته الأخيرة كان يدعو قائلاً: "اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه...".
في كل لحظة يشعرون بالعجائب ويحدسون توقعاتها -كل مؤمن حسب درجته- ويتلذذون بها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
في مثل هذه اللحظة (التي تستعر فيها الشهوة) تكون السيطرة على النفس من أجل مخافة الله وفي سبيله مهمة جدا، إلى درجة أنها تكون وسيلة إلى السمو العمودي للإنسان.
في معظم ساعات الأذان وأوقات العبادة نحس كأن ألوان العالم الآخر، وأنفاس الملائكة -التي تسمو بأرواحنا وتطير بها- تملأ جوانحنا، فينقلب الوجود آنذاك إلى حال تنتشي فيها الأرواح، وينقلب الزمن إلى زمن سحري، يحمل لنا جمالا غامضا مليئا بالأسرار.
في هذه اللحظة التي تجمعت وكملت جميع الشروط التي تهيء الإنسان إلى أعلى ذروة، تكفي ضربة خنجر لكي تسمو به إلى ذروة الشهادة...
في هذه اللحظة توجه بكيانه كله إلى الله، ووسيلته في هذا التوجه هي الشكر الذي هو التعبير الجامع للعبودية...
الفئة المؤمنة من الجن والسعيدة بإيمانها هذا أظهروا رغبتهم وقرارهم بالعودة إلى قومهم فورا، لدعوتهم إلى الإسلام في الحال دون ضياع دقيقة واحدة.
قال "إديسون" في لحظة من لحظات عرفان الجميل: "لقد تعلَّمت الطريق المؤدِّي إلى الكهرباء من كتاب الفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي".
قام بإثبات وصول الشعاعين إلى المركز، أو إلى عين المشاهد، في اللحظة نفسها رياضيًّا.
قد تأتي لحظات ينحرف فيها الإنسان عن الطريق بسبب مشاعر الغضب والحسد والشهوة المركوزة في طبيعته من أجل الامتحان.
قد يدعو بعضهم في لحظة مؤقتة من لحظات ضيقهم وغضبهم، وبعد نفاد صبرهم على أعدائهم المعتدين عليهم والظالمين إيّاهم.
القلوب اليقظة التي تستطيع سماع هذا الصوت في أعماق وجدانها، تكون كمن تهرع على الدوام نحو ساعة حظها وسرورها...
كان -صلى الله عليه وسلم- يعلم جيدًا فيما هو مقبل عليه، كان قد أتى إلى هناك وهو يعلم أنَّ ساعة الحساب مع أعدائه قد أزفت، وأنَّ صراعه معهم قد بات وشيكًا...
كان "وحشي" ينتظر كلَّ دقيقة -بل كل ثانية- دعوة ثانية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... كان يقف وراء سارية وينظر إلى النبي، ويحاول أن يتصيد نظراته...
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينتظر اللحظة المناسبة ليضرب الضربة الأخيرة لهذه النظرة الفاسدة المتغلغلة في المجتمع...
كان -صلى الله عليه وسلم- يضع جبهته على الأرض، ويبتهل لربه ساجدًا لساعات طويلة، يسأله خلاص الإنسانية...
كان يذهب بنفسه إلى آخرين ويشاركهم في مجالسهم حتى كان يعدّ ساعة عند عُبيد الله بن عبد الله تعدل العمر كله.
كان يريد أن يجد أحدًا لينقذ حياته الأبدية، ولو في هذه اللحظات الأخيرة.
كان يستطيع أن يوصل الأخبار إلى موضع على مسافة تحتاج إلى ثمان وأربعين ساعة، من جمل يعدو بأقصى سرعته...
كانت اللحظة المناسبة قد حانت تمامًا، فقلت له: يا أستاذي أتسمح لي؟ قال: تفضّل...
كانت زوجاته المحظوظات، لا يبادلن الساعة الواحدة التي قضينها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدنيا كلِّها.
كانت هذه البعثة اللحظةَ التي انتظرها الأزل ليناولها إلى الأبد...
كانت هذه اللحظة لحظة دقيقة جدًّا وحساسة، فأي كلام أو إشارة أو غمز كان سيؤثر لا محالة تأثيرًا مضاعفًا...
كانت هذه الليلة هي اللية الأخيرة للجاهلية، إذ لم يبق بين المسلمين وبين ساعة الفتح سوى ليلة واحدة...
كأنه عاش كلَّ لحظة من لحظات حياته وهو متوجِّه إلى الله تعالى بالدعاء، ولو قضى إنسان كلَّ حياته لا يعمل شيئًا سوى الدعاء، لما تجاوز عدد أدعيته، الأدعية التي رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كذلك نرى أنَّ الدماغ يؤدي وظائف مختلفة ومتناقضة فيما بينها في اللحظة نفسها..
كساعة رمل تلكم الدنيا... تمتلئ وتخبو... كساعة رمل تلكم الدنيا... بلا صوت ترنو... ويوما ما بلا حس ولا نفَس تغدو.
كل ما يبذل في سبيل الباقي الحقيقي له ثواب عظيم مهما طال أو قصر، ولهذا فإنَّ لحظة واحدة منه خير من ألوف السنين من حياة ميتة عقيمة.
كلُّ من قضى ساعات من عمره على عرفات يتفتح طوال حياته كزهرة، ولا يشحب ولا يبهت لونه أبدا؛ فالدقائق الحانية المليئة بالعشق والوجد والشِّعر تبرق من منافذ ومن عيون أرواحنا على الدوام وتلتمع...
كم من أسرة مباركة أسست من اللحظة الأولى -باللجوء إلى الحق تعالى- على أساس سليم من العقل والمنطق، فأصبحت طوال حياتها بمثابة مدرسة تخرج طلابًا نافعين، يعدُّون ضمانًا لبقاء أمتهم ودوامها.
كم من إنسان مغلول بالقيود والسلاسل؛ ولكنه يستطيع الطيران حرًّا في سماء قلبه وضميره، ولا يحس لحظة واحدة بأنه في الحبس وفي السجن.
كما أنَّ الإنسان كان محتاجًا إلى ترجيحه سبحانه وتقديره ومشيئته لأجل إخراجه من "ممكن الوجود" إلى نور الوجود، فهو محتاج كذلك إلى فيض وجوده في كلِّ لحظة، لإدامة وجوده.
كما يَتخيل الصائم وهو ينتظر ساعة الأفطار لذة الإفطار، كذلك يحس المؤمن -الذي قضى حياة حافلة بألوان الطاعة والإخلاص والخضوع والخشوع- من الرؤية العاجلة وغير التامة في هذه الحياة لذّةَ تلك الرؤية التامة والآجلة في الدار الآخرة.
كنا نقوم بصنع أجهزة وآلات وساعات تشتغل بنظم هيدروليكية، فقد وضع "قره آميدي الجزري" قبل 800 سنة تقريبًا كثيرًا من الأجهزة والآلات الأتوماتيكية التي تعمل بالنظم والقوى الهيدروليكية.
لا أدري أيستطيع حواريو النظام في المجتمع الذين يدعون الشباب دومًا إلى الانقياد والطاعة، أن يتريثوا لحظة ويلقوا نظرة إلى أنفسهم؟
لا تمضي دقائق عمرهم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم في وجل واضطراب مستديمين...
لا توجد في حياته لحظة ذعر واحدة، ففي اللحظات التي تفرق عنه أصحابه الذين كان كل واحد منهم أسدًا هصورًا ذات اليمين وذات الشمال، ثبت هو في مكانه فلم يتأخر خطوة واحدة..
لا توجد لحظة في حياة الإنسان لا يكون فيها في حاجة إلى الدعاء؛ لأنَّ الإنسان الذي لا يبعد في أي لحظة عن تجليات ربه ورحمته لا يمكن أن يكون بعيدًا عن الدعاء...
لا شك أننا عندما نقوم بمشروع بناء أو عمل ساعة، فإننا نبدأ أولاً بوضع تصميم وتخطيط بمواصفات معينة...
لا نستطيع جعل كرامتنا موضوع الساعة، بل لا نستطيع أن نجد الوقت حتى لمجرد التفكير في ذلك.
لا يُتصوَّر الإجماع في الأمور التي يتعلق فهمها ببيان الشارع كأحوال الآخرة، وعلامات الساعة، وأنواع النعم والعذاب في الأخرى.
لا يستطيع الذين يعيشون جنتهم المادية في الحياة الدنيا أن يعيشوا طوال حياتهم دقيقة واحدة من السعادة التي يشعر بها هؤلاء الذين يضمون الجنة بين جوانح قلوبهم...
لأنه نوّر كلَّ لحظة من لحظات حياته بالتوجه إلى ربه، فلن يجد أحد أي لحظة مظلمة في حياته...
لحظة اليأس -أي اللحظة التي لا يقبل فيها الإيمان- هي اللحظة التي لا يملك فيها الإنسان شعوره وهو على وشك مغادرة الدنيا ولا يُقبل فيها إيمانه.
لحظة اليأس هي اللحظة الأخيرة في حياة الإنسان الذي لم يُقبل إيمانه. ولكن من المهم تعيين بداية هذه اللحظة. هذه البداية تكون في الآونة التي ييأس فيها الشخص في لحظاته الأخيرة من العودة إلى الحياة الدنيا والعيش فيها بكامل شعوره. وفي نظرة أخرى هي اللحظة التي ييأس فيها الشخص المشرف على الوفاة والملتفون حواليه من عودته إلى الحياة الدنيا.
لعلَّ سبب قيام الساعة هو هذا، أي لا تبقى لوجود الدنيا حكمة...
لقد أرسل كلُّ نبي لفترة من الزمن ولمكان معين، بينما أرسل للناس كافة حتى قيام الساعة..
لم تخْل شفتاه ولا قلبه أبدًا في أي لحظة من الدعاء ومن الورد...
لم تقتصر رحمته -صلى الله عليه وسلم- على الإنسانية وحدها، بل ربما استفاد الكونُ كله من رحمته هذه، ولا يزال يستفيد وسيستفيد حتى قيام الساعة...
لم تكن هناك لحظة واحدة عنده دون عبادة، ولا نقصد بالعبادة الصلاة والصيام وغيرها، فكل عمل عمله كان يحمل فقه شعوره بالعبادة وإحساسه بها.
لم تمض سوى ساعات حتى قتل منهم من قتل، وفَرَّ الباقون إلى الطائف واحتموا بقلاعها...
لِمَ لا يوجد سلطان الرسل في الآخرة وفي الدنيا وأمام الملائكة وأمام الأنبياء في الوقت نفسه، وفي اللحظة نفسها؟ أجل، إنه يوجد وسيوجد.
لم يتخل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه حتى في أحلك الساعات وأصعبها وأثقلها... دع عنك التخلي عنه، بل كانوا يفدونه بأرواحهم ويعدُّون الموت في سبيله وفي سبيل دعوته أمنية حياتهم.
لم يتردَّد جندي واحد في جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحظة واحدة أبدًا.
لم يترك (النورسي) شعبنا وحيدًا لحظة واحدة، في تلك الأيام العصيبة الكأداء...
لم يتوقف أبدًا عن إيفاء حقِّ وظيفته في الدعوة، ولم يهمل لحظة واحدة مهمَّة التبليغ.
لم يخطر على بالك هذا مطلقًا، غير أن عدم خطور هذا ببالك ليس إلاَّ نتيجة تثبيتنا لك، فلم ندعك لحظة واحدة لنفسك، لذا لم تُظهر أي ميل لهم.
لم يخَفْ -صلى الله عليه وسلم- ولم يخشَ ولم يهلع ولم يجزع ولم يتردد طرفة عين...
لم يصدر من أحدهم اعتراض لحظة واحدة في حياتهم، ولم يتفوه قط بمثل هذه الأسئلة...
لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يملك كومبيوترًا ولا عقلاً ألكترونيًّا ولا هيئة تخطيط، ولكنه كان يعطي القرارات الصائبة في التو واللحظة ثم يخطو لتنفيذها...
لم يكن الغرب قد اكتشف حتى كيفية عمل الساعة، وكانوا يتساءلون عندما يرون الساعة أيوجد فيها جن؟
لم يكن يدور في خلده -صلى الله عليه وسلم- لحظةً الخوفُ وليس في قاموسه كلمة "الخوف"، إذ كان يحب الموت أكثر من الحياة.
لم يكن يشك -صلى الله عليه وسلم- لحظة واحدة أنَّ الدنيا كلَّها من شرقها إلى غربها ستدين بالمبادئ وبالحقائق التي جاء بها...
لم يكن ينسى -صلى الله عليه وسلم- لحظة واحدة مقاييسه الحساسة أبدًا، لذا يستحيل أن يجد أي إنسان أي انحراف عنده أو ميل عن الحق.
لمَّا قيل له اذبح ابنك، لم يتردد في ذلك لحظة واحدة...
لما كان الانشغال بالغنيمة وبأموال الدنيا في تلك الساعة التي كانوا في أقرب موقع من الآخرة يُعد غفلة بالنسبة للمقربين، فإنَّ الله تعالى أراد أن يعاقب هؤلاء المقربين -بل أقرب المقربين- عقابًا بدنيًّا.
الله تعالى لم يتخل عن رسوله حتى في أصعب اللحظات، ولم يتركه وحيدًا، بل أعطاه النصر الذي وعده.
لهذا فالشعور والحدس بالواردات التي ترد على القلب، وشقّ طريق صائب آخر كلَّ لحظة، إلى مَن عُرف في القلوب بـ«كنتُ كنزًا» يُعَدّ طورًا أكثر إكرامًا...
لو بقيتَ لحظة واحدة محرومًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذن لهلكتَ..
لو سحب ماء عيني، ولم يعط لها الماء، لأصبت بمرض جفاف العين، إذن فهو يرى عيني كلَّ دقيقة...
لو ضاعت هذه الدنيا منه في لحظة واحدة لما حزن عليها حزن من فقد حبة شعير واحدة..
لو فرضنا المستحيل، وقلنا بأنهم عرفوا أنَّ مصيرهم سيكون الاصطلاء بلهيب جهنم، لما ترددوا أبدًا عن أداء مهمتهم لحظة واحدة، ولما انحرفوا عن غايتهم قيد شعرة.
لو فرضنا للحظة صحة ما يدعيه التطوريون لما أهمل القرآن الإشارة إلى هذا الأمر مطلقًا، نظرًا لأهميته الكبيرة من زاوية الوجود، ولاسيما من زاوية الأحياء.
لو قطع الله تعالى هذه التجليات لحظة واحدة، لزالت الأشياء كلها وفنيت.
ليت شعري هل يمكن أن يرفع ستار الغيب ولو للحظة ليرى هؤلاء الناس من وعاظ ومفتين وكتّاب ومحررين ومفكرين وقرّاء ومستمعين ومعلمين مصير بُعدهم عن القرآن وهجرهم له..
لئن استطعنا أن نهيّئ لهم في الدورة الثانية والثالثة حياة مليئة بأشواق الإيمان نكون قد ضمنّا لهم قضاء لحظاتهم الأخيرة من حياتهم أيضًا تدفق بنشوة الحمد والشكر.
ما أرقّ دقائق الأذان وما أنورها عندما يتردد صدى هذا الأذان المحمدي في السماء ويتماوج!.. ولو استطاع الإنسان أن ينزل في تلك الدقائق إلى أعماق روحه ليستمع إلى وجدانه لأحسَّ بمعان لم تُكشف عنها، وهي تنساب إلى داخله، واستمع لتداعيات متماوجة في أعماقه.
ما السبب في مجيء هؤلاء الأنبياء والمرسلين -ولاسيما رسولنا -صلى الله عليه وسلم-- إلى الدنيا، وهم الذين عاشوا من لحظة مجيئهم إلى الدنيا حتى وداعهم وفراقهم لها هذا الطراز من العيش؟
ما إن يبدأ اللسان والشعور والقلب بذكر الله معًا، يجد الإنسان نفسه في لحظة واحدة أنَّه في مصعد ذي أسرار، يصل به إلى إقليم تُحلّق فيه الأرواح...
ما دمنا نريد العيش في دنيا الإيمان، علينا ألاَّ ننسى لحظة أننا سنتعرض إلى أذى الكفر وجبروته وتسلطه وخيانته وعدائه.
ما صانه في تلك اللحظة التي توافرت كل الشروط لجر الإنسان إلى هاوية الإثم، لم يكن سوى عفته وعصمته وإرادته المتوجهة -بفكره المخلص- نحو الإنسان الكامل.
مثل هذا الشخص قد يحصل في لحظة واحدة على فيوضات لا يحصل عليها شخص قضى سنوات من عمره في تكية، أو شخص يصلي كل ليلة مئات الركعات...
مثل هذا الشخص يشعر بجميع كيانه وعموم أحواله أنه مراقَب بعلمه تعالى ومشيئته، فيرتعش منه.. وإذا به في كلِّ طرفة عين يبحث عن مراده سبحانه ورضاه.
محاسبة النفس ومناقشتها؛ هي تفقّد المؤمن عمله كل يوم، كل ساعة، خيرًا كان أم شرًا، صحيحًا أم خطأً...
مشاعره (المحب) تتلقى كلَّ لحظة رسائل متنوعة منه (الحبيب)... وإرادته تحلّق بهذه الرسائل.. وفؤاده يسرح في متنزهات الوصال.
الملائكة التي تحمل صفات النور وخصائصه تستطيع التعامل في اللحظة نفسها مع آلاف الأرواح.
الملائكة... تملك قابلية الانعكاس في لحظة واحدة لدى أرواح عديدة، وقابلية المشاهدة من قبل أنظار عديدة في اللحظة نفسها، ويملك الملك الواحد قابلية التجلي المتعدد.
الملحد نيته في لحظاته الأخيرة متوجهة إلى دوام هذا الإلحاد والإنكار، حتى وإن استمر عمره ألف أو مائة عام...
من الغريب أن يتذكر -صلى الله عليه وسلم- وجهًا رآه لمدة خمس دقائق فقط، بعد كل هذه السنوات الثقيلة التي تنسي الشخص أقرب أصدقائه...
مِن ساعةِ تشريفِه -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، وَجَد نفسَه حيال جبهة واسعة وعنيدة من أقرب الأعداء إلى أبعد الخصوم، طافحةٍ بالحقد والكره والعداوة.
من نذر نفسه للحق تعالى... يلتجئ بتمام الإخلاص والصدق إلى حفظه تعالى ورعايته، ويترقب منه ما يمُنُّ عليه من لحظة الفرَج ونقطةِ الخروج.
من نذر نفسه للحقِّ تعالى...يعرفُ مالكَه الذي يعمل هو له، وهو مطمئن لصواب هدفه والطريقِ التي يسلكها، وأنه في رعايةِ مَن لم يتخل عنه -ولو لحظة واحدة- في هذه الطريق ولن يتخلى عنه.
مِنًى... تسلّم على عرفات، وترشد ضيوفها -الذين يلبثون عندها أربعا وعشرين ساعة- وتسلِّمهم إلى عرفات.
مهندس الفكر والروح، المنفتح على الوجود بقلبه.. المتتبع للنظام في كلِّ وقت، والمصلح لتخريب آخر في كلِّ لحظة...
موسى -عليه السلام- قال في لحظة اقتراب الخطر (إِنَّ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، أي عبّر بصيغة المستقبل.
المؤمن، تجده متحفزًا في هذه الأحوال، بل لا بدَّ أن يكون كذلك، وأن لا يتأخَّر طرفة عين حتى يحقِّق ما يريد.
نتيجة الإيمان بالله ومحبته سبحانه هي: رؤية جمال مقدّس وكمال منزّه للذات الجليلة سبحانه وتعالى.. هذه الرؤية التي تساوي ساعة منها ألف ألف سنة من نعيم الجنة... ذلك النعيم الذي ساعة منه تفوق ألف ألف سنة من حياة الدنيا الهنيئة، كما هو ثابت لدى أهل العلم والكشف بالاتفاق...
نرى أنَّ كلَّ دقيقة مستثارة بالبهجة في العيد تنزل كغيث من رحمة الله على قلوبنا الظامئة للعيد، منذ سنوات، ليغسل جوانب أرواحنا التي يبست ويرطبها.
النفس تجرف الإنسان إلى معضلات ومشكلات مختلفة كلَّ ساعة بأباطيلها وترهاتها. وضدُّها العقل، إذ هو قوة سماوية تبدد لعبة النفس.
نفهم من الاستفهام (آلآن)؟ إنه كان عاصيا حتى اللحظة السابقة لقوله هذا...
نؤمن أنه كما سيسعف الله تعالى دعاءنا وتضرعاتنا، فإنه عندما تأزف ساعة شفاعة رسولنا سيسعف طلبنا وسيشفع لنا؛ لذا فإننا ندق باب شفاعته مرة أخرى قائلين له: "الشفاعة يا رسول الله"!..
الهجرة التي عمَّقت إيمان الصحابة الكرام، والتي أعطت للمسلمين وللإسلام لونًا متميزا، أصبحت اليوم أيضًا من مواضيع الساعة.
هذا الكائن الحي يحتاج في كلِّ دقيقة وفي كلِّ ثانية إلى الطاقة، لا من أجل تناول الغذاء أو رمي الفضلات فقط، بل من أجل استمرار في حياته.
هذا موضوع الساعة، في هذه الأيام، وهو موضوع نقاش وحوار...
هذه الأقوال ليست إلاَّ أقوالاً قيلت في لحظات يشعر فيها قائلها أنه واقع تحت ضغوط هائلة، لم يعد قادرًا على تحملها.
هذه السياحة... بالنسبة للذين يعيشون مغمضي العيون، لا تكون سوى لحظة عابرة تأتي ثم تمضي بسرعة.
هذه الصلوات كانت طويلة، إلى درجة كانت ركعة واحدة من بعضها قد تستغرق ساعات وساعات...
هذه المشاعر التي تسكبها هذه الخواطر في قلبي أحسها في أعماق وجداني، فأعيش دقائق لا مثيل لها... في جو العيد..
هم ثملون بنشوة الوصال والغياب عن النفس كلَّ يوم، وربما كل ساعة، مرات ومرات، طالما عيونهم ترقب فرجات باب الحق سبحانه.
هناك شعلة إلهية تنير الطريق أمام العقل، وتفتح له آفاقًا جديدة، ففي ضوء هذه الشعلة يمكن قطع طريق سنة في ظرف ساعة واحدة... هذه الشعلة هي الفكر.
هناك فترات وأزمنة معينة يستجاب فيها للأدعية فيمكن أن يقول الله تعالى "سأستجيب لكلِّ دعاء في هذه الساعة". أي تكون تلك الساعة ساعة استجابة لكل دعاء يدعوه العبد آنذاك. ولا ينحصر هذا في الدعاء القولي فقط، بل يشمل أحيانا الدعاء الفعلي أيضا. أي تدخل الأفعال والأعمال المنفذة في ساعة الاستجابة هذه ضمن إطار الدعاء.
هو -صلى الله عليه وسلم-... لا يحيد طرفة عينٍ عن الهدف، بل يهرع أبدا إلى النقطة التي اختير لها.
هو -صلى الله عليه وسلم- يأتمر بالأمر الرباني، ولا يحيد عنه قط، وهكذا كان طوال حياته المباركة. فلم يغادر العبدية لحظة واحدة.
هي تتمثل -مثل روح الإنسان- في لحظة واحدة في أماكن عديدة في اللحظة نفسها، وتتعامل مع أشياء عديدة في تلك اللحظة نفسها.
وجود شخص في حضور شخص عظيم بضعة دقائق قد يفيده أكثر من قراءة مؤلفات ذلك الشخص العظيم لعدة ساعات.
الورع عرَّفه بعضهم بأنه "الكف عما سواه تعالى في كل لحظة من لحظات الحياة".
الورع... عرّفه أحد أرباب القلب بـ"عدم الغفلة عن الله ولو طرفة عين".
وسيدنا عمر -رضي الله عنه- الذي أركع دولتين عظيمتين، هما الفرس والروم، لم يتوقف لحظة عن مجاهدة نفسه...
وُضع طعام أمام أحد الأولياء، ولكن هذا الطعام كان قد شابه شيء من الحرام، وتناول الولي لقمة منه، ولكنه لم يستطع بلعها مع أنه مضغها لعدَّة دقائق، فعلم أنَّ الحرام شاب هذه اللقمة فترك أكلها.
ولم نجد له عزما، أي لم نجده عاقدًا عزمه على فعل تلك الزلة ولم يقصدها قصدًا، بل بدرت منه في ساعة نسيان.
ولنفرض أن سرعة القطار كانت 55 كم/ساعة عند بداية الرحلة، أيَّ أن الرحلة ستستغرق ساعة واحدة.
ومن ثم فقد كان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدَّث أن يقول كلامًا يفهمه البدوي ويفهمه من هو في الذروة من الفهم، وأن يأخذ كل واحد منهم نصيبه من الفهم على قدر علمه، وأن تستمر هذه الصفة الشمولية للدين حتى قيام الساعة.
ويثير السحَرُ قلوبنا ويجعلها تنبض بقوة وكأنه يحمل لطفا وفضلا، لأنَّ هذه الدقائق السحرية التي نتوجه فيها نحوه تبدو لنا -بفضل إيماننا وعشقنا وآمالنا- وكأنها عصارة الحقيقة الأبدية.
ويصور الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا بمسافر قضى ساعة من نهار، تحت ظل شجرة ثم تابع سفره.
يبحثون بحثًا دؤوبًا عن طرقٍ تقرّبُهم أكثر إلى ربهم الجليل، من دون أن يدعوا لحظة تفوتُهم..
يبلّغ ويبلّغ طوال عمره، وينتظر الفرصة السانحة لاكتمال الشروط ولحظة قبول المخاطب...
يجب ألا تبقى الذنوب دون توبة -كلما كان ذلك ممكنًا- ولو لمدة خمس دقائق.
يحيط (العشق) بالإنسان من كلِّ جانب؛ حتى ساعة الوصال...
يخلق في اللحظة نفسها مليارات الكائنات، أو يفني ويميت المليارات من الكائنات. فهذه هي القدرة اللانهائية التي تعلم وترى الأشياء كلها في كل لحظة...
يرتكب الكافر في كلِّ لحظة من لحظات حياته جريمة كبرى لا يسعها الكون.
يرى نفسه في سباق خير مع الآخرين، ولا ينسى لحظة واحدة أنه مشترك مع الآخرين في حمل كنز ثمين وأمانة غالية.
يستطيع الشَّيطان الأكبر التأثير في كثير من الناس في اللحظة نفسها على الرغم من أنه شيطان واحد. لأنه يستطيع إرسال وَسْوسته إلى العديد من الناس في اللحظة نفسها، أي يستطيع التأثير عليهم في نفس الوقت.
يستغل كلَّ لحظة من رأسمال عمره كبذرة أنبتت سبع سنابل.
يعدُّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأس المِسبحة بالنسبة لأصحابه...
يعيش أصحاب القلوب المؤمنة الذين أدركوا العيد دقائقه وثوانيه النورانية التي تعدل السنوات، ويشعرون في جوِّ الفرح والحبور المحيط بهم أينما ذهبوا...
يُقبل إيمان المرء حتى في لحظاته الأخيرة -ما دام مالكًا لقواه العقلية- إن استطاع الإيمان. وهذه هي اللحظة التي كرر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلبه الإيمان من عمه أبي طالب.
يقضي صاحبُها (المحاسبة) دقائق عمره في مجاهدة مع نفسه، حتى إنه يسأل الشفرة، أو كلمة السر، عن كل خاطر يمر على قلبه.
يمكن أن يوجد النور والأشياء النورانية في اللحظة نفسها في مليون مكان، وأن ينتقل في لحظة سيالة من هنا إلى هناك.
ينتهز الأطفال ساعات العيد ودقائقه المفتوحة على الجميع، والمتميزة بالمسامحة، ليشاركوا بعواطفهم الجياشة وبأصواتهم التي تشبه زقزقة العصافير...
 
زمرة اللانهاية..
(الأزل، الأبد، اللانهاية، دوما، أبدا، أبدية...)
ابحث دائمًا عن مناصب ومناقب جديدة لروحك التي ستدوم وتبقى إلى الأبد.
أبطال معركة "جناق قلعة" كتبوا بدمائهم ملحمة مثل ملحمة "بدر" باسمه، ووفّى ابن الأناضول دَيْن الوفاء الأخير له، وهو محاصر بألف قحط وقحط، فَزَأَرَ كرة أخرى زئير قلب التاريخ المجيد: "أبدية المدة!.."
الأبطال المجهولون، وصروح الروح المتحرِّكة على قدمين، يسبقون إلى الأمام أبدًا، ويظهرون في الخلف دائمًا.
أبطال المحبة يُقبلون على الموت بكلِّ وجد وعشق؛ لكي يحققوا الوصال مع الحبيب الأزلي.
أبطال طافحين بحب العلم، مُنْشَدّون إلى الإعمار والإنشاء، متدينين أخلص من الخُلَّص، محبين للشعب، ومرابطين أبدًا على أداء واجباتهم بشعور المسؤولية.
الأبطال... ماضون إلى الأبد، واثقون بقوة الدين القاهرة، وبعنايات الله تعالى المتجلية فجاءة.
أبواب التجدُّد ستبقى مفتوحة أبدا بفضل السماح للتفكير بالتوسُّع.
أتينا إلى بابك وطرقناه بذلة وخضوع، ندعوك أن تديم هذه الذلة لك إلى أبد الآبدين. اسمك على الدوام على شفاهنا عند دعائك، وننتظر بِرَهْبة وخشية جوابك.
الإحساس بالوحدة هو الإحساس الذي ينتاب أصحاب القلوب البائسة، ممن لم يعيروا قلوبهم للأبدية، ولم يملأوا أرواحهم بفكرة الخلود.
الإحسان أسلم طريق للتوجه إلى ربوع الإخلاص، وأصوب واسطة للوصول إلى روابي الرضوان، وهو شعور التمكين تجاه الشاهد الأزلي.
الإحسان... هو عمل كلِّ شيء متقنًا، ومِن دون قصور أو نقص، حيث إنه سيُعرض على أنظار "الشاهد الأزلي"، إيمانًا واستشعارًا بأبعاد الإرادة والحس والشعور واللطيفة الربانية.
أحيانًا عندما تبلغ آلامهم درجة الخفقان تتَّحد هذه الآلام بعناية ذي القدرة اللانهائية وبلطفه، وتكون كإصبع شهادة ترنو من بين المآذن التي تشير نحو الأبدية على الدوام.
أحيانًا نقتبس أدعيتنا من القرآن الكريم أو من أدعية سيد البلغاء والأنبياء، ونفتح يد الضراعة أمام باب الرحمن، الذي هو محرابنا الأبدي، لنشرح ونشكو أحوالنا وما يجول في أعماق أرواحنا.
الادعاء والظن سيبقى معلقًا ودون سند حتى نسند البيضة أو الدجاجة إلى الموجود الأزلي ذي القدرة اللانهائية.
آدم -عليه السلام- نبيٌّ، ولا يمكن أبدًا التحدث عن نبي وكأنه شخص عادي.
إذا استطاع الإنسان مشاهدتها (المعابد)، وهي مرتبطة مع المعاني التي تحملها، يخيل إليه أنه يتجول ويتنزه في ردهات سحرية لعالم كعالم الأحلام، ويخطو إلى الأمام وكأنه سيصل إلى الوصال الأبدي بعد خطوات.
إذا انقطع العقل عن الله تعالى وارتبط بالطبيعة أو النفس، فيكون حيَّة تلسع، وعقربا تلدغ في كيان الإنسان، وينقلب العقل إلى سم يميته موتا أبديا، بدلا عن أن يكون إكسير حياته الأبدية.
إذا ما استسهلنا الموت في سبيل ما نحن مكلَّفون بالحفاظ عليه من أمورنا المقدَّسة، أو إذا استعددنا للموت في سبيلها، سنذوق لذائذ الحياة الأبدية ولمّا نغادر هذه الحياة الدنيا.
الإرادة الإلهية قضت بوجود صراع أزلي بين الإيمان وبين الكفر، طوال الحياة في الدنيا.
الإرادة والشعور والذهن والقلب هي أدوات الإحساس للروح ووسائطه، وهي في الوقت نفسه أهمُّ أسس الضمير، والتي تقوم بإيصال الإنسان إلى الكمالات الإنسانية ثم إلى السعادة الأبدية، وسعادة النظر إلى الله تعالى، ومشاهدته في الدار الآخرة.
أرباب القلوب يستطيعون السياحة بين عالم الأزل والأبد، عدَّة مرات في اليوم الواحد، ويمررون الماضي والمستقبل معا من منشور الفكر بوتائر متعاقبة.
الأرواح الأسيرة التي كَبَّلت فكرَها بالأحكام المسبقة، لن تحيط علما بأسرار هذا الكتاب المعجز ببيانه، ولن تهتدي إلى أفقه الإعجازي أبدًا، في أي عصر من العصور عاشوا. إنه أبدًا كتابٌ ذروةٌ في العلاء يتعدى آفاق البشر...
الأرواح السامية التي ارتفعت وعرفت الحقَّ، وامتزجت به، لا تحتاج لمشاهدة العالم الآخر إلى الرؤى بل تستطيع رؤية ذلك العالم وهذا العالم معًا، وتعيش الجمال النابع من اللانهاية، فتثمل وتنتشي بسعادة لا توصف.
إسباغ صفة الأزلية والخلق إلى المادة -حاشا لله- يعني التزام الطرف المعارض والمخالف، وهذا لا يليق بالفكر العلمي والموضوعي.
أسعدُ الناس وأكثرهم حظًّا هو الإنسان المتعلق أبدًا بعشق ما وراء هذا العالم...
الإسلام حقيقة فوق مستوى الإنسان.. حقيقة وضعها الله تعالى وبلغها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووظيفة الإنسان هي الوصول إلى هذه الحقيقة، وإلا فإنَّ العقول المنفردة لا تستطيع الوصول إلى أفق هذه الحقيقة وحدها أبدًا.
الإسلام موجود وحركيٌّ في الحياة بكلِّ مساحاتها، من القضايا العقدية إلى الأنشطة الفنية والثقافية... وذلك هو أهم الأمارات والأسس لحيويته وعالميته الأبدية.
الإسلام يبدأ بالعمل في الوجدان الفردي، وإذ يستقر فيه، يطفح منه بفائقيته الخاصة الذاتية... ويُسمِع القلوبَ نداء الوجود الأبدي.
الإسلام يتحرَّك أبدًا وفاقًا لقاعدةِ "القوةُ في الحقِّ"، ولا يستسلم أبدا لتسلط القوة الظالمةِ أو الجامحة.
الإسلام، اسم الصراط المستقيم الممتدِّ من الأزل إلى الأبد، وعنوانُ النظام السماوي المنزَّلِ لتحقيق رغبة "الخلود" التي يكنّها كلُّ شخص.
أصبح الوجود كلُّه قصيدةً شعرية تُنشَد على كلِّ لسان، ونغما أبديا يُفَسِّر غاية الخلق ومقصده.
الإصرار على الحقِّ فضيلة، وهذا الإصرار من قبل المؤمن لا يعدُّ تعصبًا أبدًا.
اعتبارُ العلم والتقنية أصلاً ثابتا ومبادئِنا شيئًا تابعًا، يحتاج إلى تصديق العلم فأمر غير مقبول أبدًا.
أعمال الخير التي قام بها (الإنسان)، والأفكار المفيدة التي قدَّمها، تبقى حتى بعد وفاته وتستمر وتعيش إلى الأبد.
أغلب الناس يواجه إمَّا بالفوز بالحياة الأبدية أو خسرانها. ونحن نريد أن يفوزوا بحياتهم الأبدية.
أفق الصلاة الذي تصله روح الإنسان التي تتجاوز بمشاعرها وإلهاماتها وحدسها الجسد وعالم الشهود... كما تنطق في الوقت نفسه عن اطمئنان القلب، ورَوْحِ وريحان المشاعر الإنسانية، وعن المصير والقدر الأزلي للوجود...
أفكر أنا في الخلود، وتثور عندي الرغبة في الأبدي.
ألا يعدُّ تضرعُّ نوح -عليه السلام- إلى ربه لإنقاذ الحياة الأبدية لابنه تصرفًا طبيعيًّا، بل تصرفا فاضلاً، وهو الشخص الرحيم الذي مد جناحي رحمته ليظلل الناس جميعًا؟
أمَّا الشيوخ فتهتاج عندهم مشاعر التهيؤ للأبدية وللسعادة الأبدية التي تنتظرهم، وللعالم الذي تطير فيه الأرواح... (في المناسبات المباركة).
إمَّا الكفاح المصيري بهمة والذي سيؤدي بنا إلى "الانبعاث"... وإما الإخلاد إلى الراحة والاسترخاء الذي يعني "الاستسلام للموت الأبدي".
الأمور التي تتناولها هذه الأحاديث تتعلق بالسعادة الأزلية الخالدة، وما دامت هذه الأحاديث مفتاحًا للسعادة الأبدية، فكيف يمكن التهاون في شأنها أو نسيانها أو خلطها مع غيرها.
إن إبراهيم -عليه السلام- لم يكذب أبدًا.
إن أكبر دليل وبرهان على نبوّته هو هذا القرآن الكريم الذي يُعدّ معجزة خالدة أبد الدهر... فمن لم يستطع إنكار القرآن بأجمعه، لا يستطيع إنكار نبوته أبدًا.
إنَّ الأزل ليس نهاية الزمان الماضي، إنه لا زمان.
إنَّ التطوريين... يتوهمون مكانًا لانهائيًا. لأنَّ إسباغ صفة الأزلية على المادة، وسحب بداية التطور إلى زمن غير معلوم ضمن هذه الأزلية، يعني إسباغ صفة الأزلية على المكان، لأنه لا يمكن التحدُّث عن الزمان وعن المكان بشكل منفصل، لارتباط أحدهما بالآخر.
إنَّ الموجودات في سياحة وفي نزهة، ولا نستطيع القول أبدًا بأنها سائرة نحو العدم.
إنَّ ذلك يعني انشداد كل شيء بالأبد. وعندي أنَّ هذا هو سحر التجدد والحفاظ على الشباب. والواجب أن نجعل زوالنا غدًا فرادى، أساسًا وعصارة لوجودنا وبقائنا "ملةً"، فنستقبل في سعادة وفرحٍ أشد أنواع الموت رعبًا، حتى نضمن الأبد بأبعاده الدنيوية والأخروية.
إنَّ روح الأمة تحافظ على جدَّتها وشبابها وتبقى إلى "أبد المدة"، مهما هرمت أحوال الدنيا، وتبدَّل الزمان كلاً، وتغيرت العصور.
إن كان هذا التألم والسرور يتعلق بالعالم الأخروي الأبدي. فكيف يظل المؤمن غير مبال بذهاب أخيه إلى الجنة أو إلى النار؟ قد مدّ جسرًا يؤدي إلى اغتنام مليارات الناس حياتهم الأبدية.
إن كانت لك مزايا فدعها تُخرج سنابلها في العالم الآخر، ولتكن بطولات حياتك أناشيد أبدية تنشدها الملائكة.
إنَّ ما قلتُ هو صدى بؤسي، لكن رجائي هو الرجاء العام. عَرَفناك رحمةَ الرحمن للعالمين أبدًا، وعَرَفنا أنفسَنا سائلين متسولين في الباب...
أن يكون العمل لله، والابتداء لله، واللقاء لله، والتكلم لله... والتحرك أبدًا في دائرةِ "لله، ولوجه الله، ولأجل الله"، وتكونَ الثواني والدقائق والساعات والأيام في هذا العمر الفاني أجزاءً من زمانِ طريق البقاء، وتغدوَ وسائلَ لسعادته الأبدية، بتعبير بديع الزمان.
الأنبياء الذين هم موظَّفون إلهيون... لم يكونوا يرغبون في انتهاء دعوتهم بوفاتهم، بل كانوا يدعون أن تعيش هذه الدعوة إلى الأبد.
أنت (يا رسول الله) في نهايتها، وأنت في قرار قلوبنا أبدًا، تعزُّزا ودَلالاً وإن غبت عن العيون.
الانخداع في ساحة السياسة والخداع لن ينتهي أبدا، وسيبقى شعبنا مخدوعًا على الدوام.
اِنزل أيها الخطاب الأزلي الإلهي... انزل وكأنك نازل من العرش... انزل لكي تستفيق القلوب وتتفتح عيونها على العالم الأحمدي النوراني مرة أخرى.
الإنسان القادم من عالم الأرواح إلى الدنيا، والذي سيرحل منها إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى الأبدية، لهو بحاجة إلى معرفةٍ فوق المعرفة الإنسانية، بل فوق الزمان والمكان.
الإنسان عندما يستمع إلى صوت الوجدان الصادر من الأعماق، يشعر دومًا بوجود معبود أزليّ وأبدي.
الإنسان كائن مجهَّز بالأحاسيس العلوية ذو استعداد للفضيلة، وعاشق للأبدية وللخلود.
الإنسان وهو في رحلته النورانية هذه يتعرف على أقدم الحقائق التي لا تبلى أبدا، وعلى الحقائق الأزلية التي تبقى نضرة على الدوام، ويمتزج معها.
الانشغال بمظاهر الجيل الحاضر وبملابسه بدلاً من الانهماك بتعمير قلبه وضماد جروحه، دفَعه إلى النفور والهروب.. فمثل هذا الخطأ في فنِّ التبليغ مسألة جديرة بالاهتمام، حيث يؤدي إلى ضياع حياة الإنسان الأبدية.
الانفتاح على اللانهاية في محور التوحيد والتجريد، بالتصوُّرات الجمالية، والروح الفنية في طبيعيتهما الذاتية.
أنين "ناي" مولانا وصرير "دولاب" يُونس أَمْرَه، ما هما إلاّ صراخ لما يشعران به من شوق نحو الوصال والمعيّة التي عرفاها في الميثاق منذ الأزل...
آه من نسيم السحَر!.. إنه يهبّ كنفَس من اللانهاية.
أيَّ اعتراض على النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحبط عمل صاحبه، ويجرِّده من دينه وإيمانه، ويجعله من الخاسرين خسرانًا أبديا...
أيّ بذرة صالحة بذرت في رحم الأرض ولم تتحول إلى سنبلة؟ إنَّ الله تعالى شرَّف الإنسان عندما نفث فيه من روحه وجعله مخلوقا مرشَّحا للحياة الأبدية. ومع أنَّ الجسد سيفنى ويتحلل فالروح يبقى حيًّا إلى الأبد.
إياكم أن تنسوا أنَّ من يقترف مثل هذا الجرم لن يكون أهلاً لخطاب الله تعالى له أبدا.
إيماننا بتحقُّق رغبات الأبدية التي تحِنُّ إليها جوانحنا، وبالتالي توقِّينا الدائم من الانكسار والخذلان.
أيها الموجود الأزلي، الذي هو سبب وعلَّة وجودنا، وروح أرواحنا! يا من نوره ضياء أعيننا وأبصارنا! لو لم تنفخ الروح في أبداننا لبقينا حمأ مسنونا.
بتعبير القدماء "مُوتوا قبل أن تموتوا"، فمَن لم يمزج حياته بهذه الحقيقة السامية، لا يستطيع أن يتخلص من دسائس الشيطان وحيله أبدًا.
بدهي أنَّ الأرواح التي لم تكتسب خفَّة بالتصفية بالإيمان والمعرفة والمحبَّة لن تَقْدر أبدا على التحليق في سماواتِ ما بعد الأفق.
البذور التي زرعها الإخلاص ستنبت عاجلاً أم آجلاً... إن لم يكن اليوم فغدًا؛ فالنور الذي نشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن ينطفئ أبدًا.
بعد الموت يجب أن يبعث الناس ليحيوا حياة أبدية، وإلاَّ كانت غريزة حبِّ الخلود المعطاة لهم عبثًا ودون معنى.
بفضل استشعار "مركز الاستناد" و "مركز الاستمداد" في أعماق وجداننا... ومن ثم تنسلخ إراداتنا عما يُضيّق عليها، وتتوجه إلى متطلبات اللانهاية وأمانيها.
بفضل الحكمة المنبثقة عن روح الإسلام... بدأت المياه تبعث بخريرها نغمات العشق والْوَلَه والوصال إلى قلوبنا، وتُسمعنا أنغام اللانهاية.
البقاء أنانيًا ليس إلاّ تعبيرًا عن رؤية الحق دون إدراكه وفهمه، وعدم قطع أيِّ مسافة في طريق اللانهاية، بل البقاء في المكان نفسه معصوب العينين.
بَلَّغ الحق تعالى وجدانَ البشرية غايةَ الخلق، وحكمةَ الوجود... وسبلَ الجنة، التي تُوصِل الإنسانَ إلى الأبدية في ذلك العالم.
بما أنَّ الكون يتألف من أمثال هذه الشموس كلبنات أساسية له، فلا يمكن تصور أزلية هذه الشموس التي تتجه الطاقة فيها إلى النفاد. لأن الشيء الأزلي -كما ذكرنا سابقًا- لا يكون مركبًا.
بهذا اللسان نفسه يسبح الإنسان ربه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتلو القرآن الكريم الترجمان الأزلي لكتاب الكون ويفسره للآخرين.
بينما يكاد يقترب غيرهم من الجنون عند تعرُّضه لخسارة فادحة، أو لأزمة ومشكلة كبيرة، يحتمي هؤلاء بإيمانهم وآمالهم ويجنون ثمارها، ويحسون ببهجة وجودهم هنا وغدا في حياة أبدية في الآخرة.
تبتهج الأرواح -التي تعرَّفت على الإسلام، وأنست به- بنداء اللانهاية الذي تسمعه وهو صادر من كلِّ شيء حواليها.
تبدو القبَّة الخضراء والمعبد المبارك الذي يحيط بها... في تناغم تامّ مع السهول الواسعة والصحراء الممتدة والواحات التي تهبُّ فيها نسائم كأنها قادمة من الأبدية، حتى لتبدو وكأنها قد صُممت في السماء ثم رسمت على الأرض.
تتم في أوتار ضمائرنا عمليةُ تنظيمٍ لمشاعرنا الإنسانية النابضة في قلوبنا وتعييرها، وللأصوات والكلمات والتصرفات التي توجهنا نحو محرابنا الأبدي، إلى أن نجد النغمات الحقيقية العائدة لقلوبنا.
تذكير الله تعالى لرسوله بوظيفته ومهمته... فأنت صاحب الخلق العظيم، والسجية السامية، والفطرة النورانية، الذي يسعى نحو اللامحدود ونحو اللانهاية.
تزيين حياته بثوانيها وثوالثها بشعور العبودية تجاه ربوبيته الأزلية والأبدية سبحانه وتعالى، بإعطاء الإرادة والسعي حقَّهما دون تقصير في البداية، والتبرّي من حوله وقوته لدى تقييم النتيجة.
التسلط القهري والكفري والمزاجي، طوال هذه السنين... ولم يطفئ أبدًا شعلة أفكاره، ذات البُعد الأزلي والأبدي.
تصديق هؤلاء الأشخاص الممتازين والمتميزين يُرينا أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يتحدث أبدًا خلاف الحقيقة وخلاف الحقِّ، ذلك لأنَّ ما تَحدّث فيه لم يكن من عنده بل من الوحي الإلهي.
التصوُّف هو الحفاظ الدائم على طهارة القلب حيال دوافع الشيطان والنفس... ومواصلةُ السير في طرق الارتقاء نحو "الإنسانية" الحقيقية بالكد الدائم للبقاء في مستوى "الحياة القلبية والروحية"... والعزمُ على المسير أبدًا في ظلال المشكاة المحمدية -صلى الله عليه وسلم-، في مساعي العبودية للحقِّ تعالى...
التصوف... تكون بدايته بوضع خطوط فرضية لللانهاية، بعد اتخاذ نفس الإنسان مقياسًا لها. أمَّا نهايته فهو التخلِّي عن أسرار النفس، وفهْم وإدراك كلِّ شيء منه "هو".
تعال أيها النور!.. تعال!.. لقد آن أوان انتهاء أحزاننا وآلامنا، فتعال!.. فقد طال فراقك وطال غروبك عنا... نحن لم ننسك أبدًا...
تقوم العبادة بإفشاء ما يستتر في القلوب من الجمال الأزلي الذي كان كنزا مَخْفيًّا من قبل، والذي هو منبع جميع الإلهامات والهبات، بكلِّ أعماقها التي لا تسعها الأبعاد والمسافات.
تنقل كلَّ من تَمَسّك بأغصانها وأوراقها (شجرة طوبى) -مثل مصعد سرّي- إلى الطمأنينة والراحة والرضوان وإلى الأبدية وإلى الجنة، وترفعهم إلى الأفق الذي يشاهدون منه الجمال الإلهي.
التواضع وعدم التكبر جناحان يطيران بالإنسان إلى الأعالي. وبهذا التواضع الجم استطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكون هاديًا أبديًّا للإنسانية.
جاء القرآن المجيد برسائل نورانية أزلية وأبدية، وربَّى إلى جانب أبداننا وأجسامنا قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وضمائرنا، وهيأنا لنكون إنسان المستقبل، بعد أن أرانا الذرى الموجودة وراء الشواهق المادية والمعنوية.
جاء القرآن من الأزل وسيدوم إلى الأبد.
جاء دور هذا القائد الذي سيفتخر به المسلمون أبد الدهر.
الجماعة التي تهتزّ فيها الثقة بين أفرادها لن تستطيع أبدًا حمل أمانة الحق الثقيلة.
الجنة الخالدة الأبدية، نتيجة لنية العبودية الأبدية، والنار الأبدية نتيجة لنية الجحود والإنكار الأبدي.
جند الإدراك منشغلون... بتحويل كل مكان، مدرسةً أم معبدًا، شارعًا أم مسكنًا، إلى مراصد ترصد الحقيقة الكامنة خلف الوجود والحياة والإنسان... وتشغيل منافذ الرؤية المتأملة في اللانهاية، والتي يمتد زمان تعطلها إلى قرون، بل إلى ردح أبعد من قرون.
الحال أنَّ حقيقتنا موصولة اتصالاً وثيقًا بروح اللانهاية... ولاستشعار هذا الاتصال والإحساس بما تَعدِ به هذه العلائق، يجب علينا أن نبذل تضحيات كثيرة.
الحركية... هو احتضان الإنسان للوجود كله بأصدق وأخلص القرارات، والتدقيق فيه، والسير من خلال المعابر التي فيه إلى اللانهاية، ثم إحلال دنياه في فَلَك غاية الخلقة الحقيقية، مستخدمًا الطاقة الكلية لذكائه وإرادته بالسر والقوة التي اكتسبهما من اللامتناهي.
الحقيقة الأحمدية لم تتأخر عن حقيقة الكعبة أبدًا.. وهاتان الحقيقتان وجهان لوحدة واحد.
حقيقة الإيمان المتأصلة في عالمنا الداخلي، إنما تُديم وجودَها بقدْرِ تناميها وتوسعِها في الحياة المعيشة؛ فإذا بُذِرت بذور الإيمان وترعرعت واخضرّت في القلوب، ثم تحولت إلى استقامة ووثوق في التصرفات، وانقلبت إلى وقار وخشوع في الصلاة، ورَفدت وازعَ الحَقَّانية والعدل في علاقاتنا الاجتماعية، فذلك يعني أن الأفق منبسط أمامنا إلى اللانهاية للتطور والتوسع.
الحقيقة أنَّ كلَّ مناجاة شعرٌ، وكلَّ شعر مناجاةٌ. وذلك بشرط أن يعرف الشعر كيف يفتح أشرعته نحو اللانهاية.
الحياة لها خاتمة وهي الموت، أمَّا الروح فهو أبدي وخالد.
ختمت ختم الأبدية على صفحات المصحف المفتوح أمامه (سيدنا عثمان -رضي الله عنه-). حتى إنَّ الآية التي نزلت عليها القطرات ذات عبرة عظيمة وهي: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(البَقَرَة:137).
الدنيا تستطيع أن تفتح صفحة جديدة بإدراك أذواق البديعيات الحقيقية، من خلال نقش الروح والمعنى في كلِّ مكان، والفن المتحري عن اللانهاية في هذا النقش، المتصف بالأخروية، والمترقق، والمتحد مع الأبعاد.
الدولة تفقد موقعها المرموق بين الدول فضلاً عن البؤس والشقاء الأبدي الذي يلحق بالأمة مع المخاصمات والمشاحنات الداخلية التي لا نهاية لها.
الدين... يخاطب العقلاء وأصحاب الشعور، ويوجِّههم بإرادتهم واختيارهم إلى الخير الدنيوي والأخروي، ويَعِدُ المستجيبين له، بالسعادة الأبدية.
الدين هو روح الحياة، وإعلاء كلمة الله أقدس الوظائف، وصرف الحياة وإفناؤها في هذا السبيل، هو السبيل لطرق باب الحياة الأبدية والوجود الأبدي.
ذلك المنظر الجميل الخلاّب غذّى شعور طول الأمل عنده، وإلى توهُّم الأبدية والخلود.
ذلك النور لا يمكنك أن تشعله في نفسك ولا تستطيع أن تديمه إلى الأبد، فذلك النور ليس إلاّ الله يشعله إذا شاء، ويضيئه في قلبك إذا أراد.
ذهب الصحابة بمثل هذا الفهم إلى بدر بكلِّ شوق، ذلك لأنَّ الجنة كانت أمامهم وتنتظرهم. وكانت هناك حياة أبدية، والأهم كان هناك رضا الله تعالى.
الذهب عندما يذوب في بوتقة يبقى ذهبا، والفضة تبقى فضة، والنحاس يبقى نحاسًا، فلا ينقلب أي معدن إلى معدن آخر أبدا، فالذي كان معدنه ذهبًا في الجاهلية بقي معدنه ذهبًا عندما أسلم، ولكن بشرط واحد وهو «إِذَا فَقُهوا».
الذي على هذا الحال، يسمى مؤمنًا أو مسلمًا -وليس إسلاميًّا - ويعتبر مرشَّحا لنيل السعادة الأبدية.
الذي يتوجهون إليه (الحقِّ تعالى)، ويلجأون إليه، هو الموجود الحق، دائمٌ باقٍ من الأزل إلى الأبد.
الذين أنهوا مهمَّتهم أمام الشاهد الأزلي الحقِّ تعالى، أو الذين أنهوا خدمتهم في هذه الحياة الدنيا، مثل جندي تسرَّح من الخدمة...
الذين تعوَّدوا على أداء الصلاة، ويتغذَّون بها، لا يشبعون منها أبدا. ليس الشبع منها، بل يقول كل منهم عقب الانتهاء من كل صلاة: "هل من مزيد؟".
الذين تفتحت قلوبهم للحقائق فإنهم لا ينخدعون أبدًا بمظاهر المكاره المحيطة بالطرق الموصلة إلى الجنة.
الذين عثروا على الحقيقة بواسطته (القرآن) وبه، يتنفسون على الدوام معاني الأبدية والخلود.
الذين فضّلوا الموت على الحياة، قد كشفوا عن سرِّ الخلود، ووجدوا الطريق إلى العيش الأبدي.
الذين لم يعثروا على هذا الطريق، ولم يحصلوا على هذه الأداب، لا يمكنهم الوصول أبدًا إلى الحق تعالى.
الذين نالوا مثل هذه الحظوة بملاطفة الرب الكريم الخاصة، قد غنموا كنزًا لا ينفد أبدًا.
الذين يحاولون هدم السنّة بإنكار مثل هذه الأحاديث الصحيحة سيذهبون، أما السنة فستبقى إلى الأبد.
الذين يخرجون خارج نطاق الوحي، لا يصلون أبدًا إلى الهدف.
الذين يخرجون للطريق من غير زاد الاستقامة، سيبقون في منتصفه، ولن يصلوا إلى هدفهم أبدًا.
الذين يريدون تذوّق هذه النشاوى الروحية اللامتناهية إلى الأبد، يُنظّمون هجرات فائقة جادَّة في كلِّ حين.
الذين يسندون كلَّ شيء إلى العقل، لا يدركون أبدًا العالم المضيء للأحاسيس.
الذين يعدُّون الموت بداية لوجود أبدي كلَّما هبّ نسيم الموت عليهم، بَانَ وظهر ربيع الجنة أمام ناظرهم
الذين يعيشون حياتهم مفكِّرين... يسيحون -وهم في هذه الحياة الفانية الموقوتة- على سفوح ممتدة إلى اللانهاية، في عالم آخر ذي بُعْدٍ أبدي... يسيحون ويدفعون عربون اللانهاية بأفكارهم وأحاسيسهم وآمالهم، ويتعايشون مع مشاعر اللانهاية.
الذين يفكِّرون دائمًا وأبدًا في نطاق الأنانية، ويقومون ويجلسون بها، ويبحثون ما يبحثون عنه في إطارها لن يتقدَّموا خطوة واحدة إلى الأمام، وإن مشوا سنوات وسنوات وقطعوا الفيافي والقفار.
الذين يقفون في الدنيا كمن يقف فوق جمرات من النار، مثل هؤلاء لا يمكن أن يتطلعوا أبدًا إلى الوجه الفاني للدنيا.
الذين يناصرون نظرية التطور اليوم في عالمنا هم الملحدون من أصحاب الفلسفة المادية. فهؤلاء يؤمنون بأزلية المادة.
رجل الفكر... يفوز أبدًا في ميادين الظفر، ويجعل مواقع الهزيمة ساحات تدريب فني للفوز والنجاح.
الرحمة التي يمثلها -صلى الله عليه وسلم- غير مقتصرة على أناس معيَّنين، ولا على جماعات معينة، ولم يقم أبدًا باستغلال هذه الرحمة كما فعل البعض.
الرسالة التي أتى بها رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ستبقى خالدة إلى الأبد.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفكر أبدًا في جمع الناس خلفه بإثارة مشاعرهم وعواطفهم، ذلك لأنَّ هؤلاء الذين يتجمعون بمثل هذه العاطفة، يمكن أن ينفضوا عنه نتيجة عاطفة أخرى فيبقى وحيدا.
رسول الله لا يبارَى أبدًا في انتقاء الكلمات المناسبة وفي معرفة مستوى الشخص الذي يخاطبه.
الروضة الطاهرة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، كانت وستبقى إلى الأبد، صاحبة أعمق الآثار في قلبي.
الزمن يتقادم ويشيخ، وإنَّ بعض المبادئ والأفكار تتعفن وتتهاوى، أمَّا منزلة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فستبقى متفتحة في الصدور كأكمام الورود العبقة أبد الدهر، وستبقى نضرة في القلوب على الدوام.
ستبقى السنّة النبوية إلى الأبد هادية للبشرية.
ستشتغل الإنسانية جمعاء أيضًا بصبِّ أساطيرها القديمة، لملء فراغ القيم الأزلية الكونية التي تبحث عنها بوجدانها، فلا تعثر عليها بعقلها.
السعادة الأبدية في العالم الآخر متوقفة على مدى معايشة المسلمين لدينهم.
السعداء... كأنهم يحدسون بموجات من نسائم وعود -في بُعدٍ آخر غير هذا البعد الدنيوي- لبعض النعم التي لم يصلوا إليها، وبعض المكافآت التي لم يحصلوا عليها، فيحسون في عالم مشاعرهم وكأنهم يحتضنون الرحمة والشفقة العميقة والأزلية للرحمن الرحيم.
السعداء... يفسِّرون الوجود بفهم شموليٍّ ينتظم كلَّه وجزءَه، يعتنون بتوازنِ كلِّ الأشياء فيما بينها وتناسُبِها، وبروابطها بالخالق تعالى، فلا يقعون أبدًا في تناقض داخلي...
السنة روح حياتنا، والقرآن الكريم يقرر السنة ويؤكدها، لا بل يعدها أساسًا في الإسلام، لا يجوز الاستغناء عنه أبدًا.
سيجد المقتدى به -باسمه وباسم أمته- كلَّ ألوان وأنواع الرضا والسعادة، ويعيش كل مظاهر "النفس الراضية". أما جواب صاحب الأزل والأبد فهو إيصالهم إلى ذرى مراتب "النفس المرضية".
سيدوم صراع الأخيار والأشرار أبدا، وستستمر المفاصلةُ بين الشياطين والأرواح الشيطانية، وبين الأرواح المستعدة لقبول الحقِّ والحقيقة.
سيعلّم -صلى الله عليه وسلم- الناس الكتاب والحكمة، وفي نور الكتاب وضوء الحكمة ستجد الإنسانية نفسها، وتنتبه إلى الآخرة وتلتفت إليها، فتسلك الطريق إلى الحياة الأبدية، وقد سلكت هذا الطريق فعلا.
سينطلق هؤلاء إلى اللانهاية في صداقة موسى والخضر أينما حلُّوا.
الشيطان يعرف الله تعالى إلى درجة الخوف منه، ولكنه بطبيعته القابلة للعصيان انحرف عن الطريق، لذا خسر الخسران الأبدي.
صاحب أخلاق رفيعةٍ لم يطلها أحد، سماها القرآن الكريم بـ"الخُلق العظيم".. حتى إنَّ مَن يدخل رحابه -صلى الله عليه وسلم- لمرة واحدة من غير أحكام مسبقة، لا بد أن يدخل تحت تأثيره ويتعلقَ به إلى الأبد.
صحا على الحقيقة وفتح أشرعة قلبه نحو الحق، ولم يفتُر أبدًا عن ذكر الله... ذلك لأنه كان رجل إخلاص وتجرد.
الصحابة لم يغيروا سلوكهم أبدًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ بقوا ملتفّين حوله يبذلون له مهجهم.
الصوت والذكر في المعبد... أحيانًا يفتح لنا ممرات للوصول إلى الجمال الأزلي، ويؤسِّس لنا جسورا بين الدنيا والآخرة، ويربط بين هذين العالمين.
طالما لم يكتسب الإنسان الجدَّ ولم يترك اللامبالاة، فلا يمكنه البلوغ أبدًا إلى مرتبة الإحسان.
الطبائع الباردة تحرك فيها نبض الحرارة، أمَّا القلوب المتولهة بحب الأبدية والخلود فقد أنست به وأطمأنت إليه.
طوبى لنا إن كنَّا جنودًا له تعالى، بحيث نضع جباهنا وراء عتبة بابه ننتتظر هناك إلى الأبد.
الظالم لا يشبع أبدا من الظلم.
الظاهر هو أنَّ الذين يقولون بأزلية المادة لا يعرفون معنى الأزلية. فلو وضعت أصفارًا بعدد رمال جميع الصحارى في الأرض أمام الرقم واحد، لعدّ هذا الرقم الهائل صفرًا بالنسبة للأزل. وكذلك الأمر بالنسبة لأكبر عدد يمكن أن يتفتق عنه ذهن الإنسان أو يستطيع التفكير فيه أو تخيله فهو أيضًا يعد صفرًا بالنسبة لمفهوم الأزل.
الظن بأنَّ من المحتمل أن يستمر هذا التسلسل إلى اللاَّنِهَاية، وأن من المحتمل إيضاح ظهور الأشياء عن هذا الطريق مغالطة وانخداع.
عدم وجود بعض الفضائل الخاصة عند بعض الأنبياء لا تجرح نبوّتهم أبدًا.
عرفنا من تفسيره -صلى الله عليه وسلم- لهذه الآية أن الظلم المقصود هنا، هو الشرك وليس أي ظلم أو تجاوز أو تَعدٍّ آخر. ولو لم يقم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا التفسير لبقينا إلى الأبد تحت غموض وإبهام.
العشق الذي يشغل حيزا مهما في كل روح تقريبا منذ الولادة، بشكل نواة ومعنى، يجد نغمته ولونه الأصلي عندما ينقلب إلى عشق حقيقي. وعندما يجده يكتسب صفة الخلود والأبدية، وتكون لذّته عند الوصال لذة معنوية.
على الرغم من أنَّ الدعوة إلى القدر إلى هذا الحد أو بتعبير أصحّ الجبرية المفرطة معرضة للاعتراض والانتقاد دائمًا، إلاّ أنها ذات مغزى عميق من حيث الاعتراف بالنظام الحاكم على العالم أو بالخطة الأزلية المسبقة للعالم.
على القائد والزعيم ألا يخاف من الموت أبدًا.
على أنَّ نظام توزيع الثروات في هذه الأمم (الغربية) غير عادل، وغير متوازن أبدا.
العمل والنشاط حسب مفهوم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وضمن دائرته، يعدُّ من أفضل الأعمال وأقربها لنيل رضى الله تعالى، فهو لم يقل أبدًا كونوا كالرهبان واقضوا حياتكم في الصوامع وتجنّبوا الزواج...
عندما تعمى البصيرة فإنَّ البصر الذي يأتي بمعنى الإدراك لا ينفع أبدًا.
عندما قام بهذا التحكيم كان عمره يتراوح بين العشرين وخمس وعشرين، أي قبل أن يتشرف بالنبوة ويتأيد بها، وقبل اكتسابه أعماقًا أخرى وقبل انفتاح أبواب اللانهاية أمامه وقبل بدء تلقيه الدروس من ربه.
عندما كان القرآن يتنزل إلى الدنيا بموجات مختلفة من الأنوار لم يصرف أصحاب القلوب النيرة نظرهم عنه أبدا، ولم يلتفتوا عنه، بل ارتبطوا به بكلِّ جوارحهم وأرواحهم.
عندما نتمتم بهذه الأصوات المرتفعة من المعابد ونهمس بها، نحسُّ من جديد بماض طويل مجيد، بل أكثر من هذا بحقيقة عالمية شاملة، ونظرة تمتد من الأزل إلى الأبد، فنغرق في جو من السعادة.
عندما يأتي القادمون الجدد بنفس النعم المهداة إليهم "بعد ذهاب ما قبلهم من الزائلين"، فهو إشارة إلى أبديته وأزليته.
عندما يتحقق هذا العقد المتسم باللطف والكرم، يترك الأحياء الفانون أماكنهم ليصلوا إلى الوجود الأبدي. ويزول المتاع الدنيوي الفاني، لتحل محله النعم الخالدة في دار البقاء...
عندما يستمع الإنسان إلى وجدانه، وينزل إلى أعماقه، يرى ويحس هناك بوجود رغبة شديدة في الإيمان بمعبود أزلي وأبدي.
عندما يفارق الجسم تنطفئ الحياة. أمَّا الروح فيبقى بفضل الله وإبقائه له حيّا إلى أبد الآبدين.
عندما يكون الأمر متعلقًا بتنفيذ حدٍّ شرعيٍّ، فإنه لم يكن يتهاون فيه أبدًا، ومهما كان ذلك الشخص المطلوب إقامة الحدِّ عليه قريبًا إلى قلبه.
العهد النبوي يُعد عهد احترام إنسانية الإنسان، واحترام أفكاره ومشاعره. ولم تصل دعوة "الإنسانية" إلى هذا المستوى، وليس من المنتظر أن تصله أبدًا.
العيد... يرى فيه البعض مُثُلا سامية سبق وأن كانت لها آلاف الأمثلة، وتفسيرا موجزا لحقيقة أزلية خالدة، ظهرت بوادرها في أفقنا منذ زمن.
غاية خيالٍ ربانيٍّ كهذا: مواضيع رحيبة ومهمة مثل الانتقال بالأرواح كلها إلى التواجد الأبدي، وتقديم إكسير الخلود إلى الجميع.
فالمسيح -عليه السلام- روح الله وكلمته، الذي نفخ الحياة في الإنسانية وأحيا القلوب الميتة؛ وعُزير -عليه السلام- ذلك النبي العظيم، بعيدان عن جهنم بُعد الأزل عن الأبد.
الفضائل التي يكسبها الإنسان ليست أزلية، كما أنها ليست أبدية.
فعندما تتمُّ البرهنة على عدم أزلية المادة، يظهر أمامنا عدم أزلية المكان والزمان.
الفنُّ الإسلامي يحتوي آفاقا واسعةً خصوصيةً بتحرِّيه "التنوعَ في فَلَك التجريد"... وبحكمةِ "إبقاء باب التأويل مفتوحًا أبدا"، يريد أن يُرِيَ بحرًا في قطرة، ويصوِّرَ شمسًا في ذرة، ويشرحَ كتابًا في كلمة واحدة.
الفنَّان المؤمن يصل إلى الماهية المجرَّدة في منشور الوجود اللانهائي، ويرسم ألوان الأبدية، برقوشٍ وخطوط عديدة على اللوحة بضربةِ ريشة من غير تعب أو رهق.
فيَّ رغبة نحو الأبَد، أحمل في روحي التوْق إلى الجنة ورؤية جمال الله.
في عبادته الفردية -صلى الله عليه وسلم- كان صارمًا ودقيقًا ولا يتهاون مع نفسه أبدًا.
في مثل هذه الأحوال تنفث ساعات الإشراق هذه سحرها في أرواحنا، وتشعل في قلوبنا شرارة الخلود والأبدية.
في هذا العهد، هناك عدد قليل من الذين حاولوا نبش الوجود وماهية الأشياء، ولكنهم لم يستطيعوا أبدًا الوصول إلى حقائق الأشياء.
في هذه الأيام والليالي المباركة تبرق القلوب بشفافية غير عادية، وتتوجَّه الأرواح نحو اللانهاية، وتطير إليها بشوق آخر.
قال لي أحد الناس أثناء إيضاحي لهذه المسألة: إنني لم أشعر بهذا. قلت له: وأنا شعرتُ به، فإن لم تشعر به فأنت وشأنك. لأنني أتذكر جيّدًا استشعاري به وإذا ما سُئلت "بأي شيء شعرتَ به؟" أُجيب: "بالتوْق إلى الأبَد المغروز فيّ".
القبض أو الانقباض هو الانطواء والانكماش، وحالة انتزاع الروح، أو انقطاع الفيوض المعنوية للإنسان، ارتخاء علاقته الوثيقة مع منبع الفيض الأبدي.
قد تكون الثروة أساسًا للنبل وليس الشرف كذلك، فالفقر لا يعيب الشرف أبدًا.
قد لا يقدر بعض الواصلين منهم بعد أن حظي بالوصال على النجاة من أمواج بحر الجمع والحيرة. فيبقى هناك إلى الأبد، مستهلكًا مشاعره وأفكاره.
قد نستطيع أن نكون مثلهم، وقد نتقدَّم عليهم، ونحن نترقب فجرًا يتبع فجرًا في هذا الزمن... إذا نحن انشددنا بفكرة التواجد والحضور إلى الأبد.
قد يختلف الشكل، ولكنَّ المضمون ووجود العبادة كأصل ثابت لا يتغير أبدًا.
قد يكون الخير دون فائدة، بل مضرًّا على نحو ما، ولكنه لا يكون شرًّا أبدًا.
قد يلحق بعض الضرر الدنيوي بالناس بسبب جهادهم، ولكن ما يربحونه في حياتهم الأبدية كبير إلى درجة أن هذا الضرر يعد صفرًا بجانبه؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفتح بحد سيفه الطرق المؤدية إلى الجنة.
القدَر هو تقدير الله سبحانه لوجود الأشياء بعلمه الأزلي والأبدي، قبل وجودها وبعد وجودها...
القدرة الأزلية التي أخذت قوم لوط غير المؤمنين أخْذ عزيزٍ مقتدر، قد أجرت حكمها بقانون عام في الهلاك على أقوام آخرين، وعلى النمط نفسه.. وهذا واقع على مرّ الزمان في التاريخ.
القدرة الأزلية -التي لم تَدَعِ النمل بلا أمير، ولا النحلَ بلا يعسوب- لم تَدَعِ البشريةَ في أي زمان بلا نبي، من كلام بديع الزمان النورسي رحمه الله.
القرآنُ.. كتابٌ نقطةُ استنادِه الوحيُ السماوي والكلامُ الأزلي باليقين... وهدفه وغايته السعادة الأبدية بالمشاهدة.
القرآن أُفقُه كمرصد تُهرَع إليه الأرواح الصافية المتطلعة إلى اللانهاية.
القرآن الكريم الذي هو الترجمة الأزلية لتجلّيات الأسماء الحسنى.
القرآن هو الضوء اللاَّمع للكلمات والحروف في عالم الأزل والأبد.
القلب المتفتح على هذه المعاني... لا يتخلَّى عن أمله أبدا، ولا يلفه اليأس مطلقا.
القلوب اليقظة التي تستطيع سماع هذا الصوت في أعماق وجدانها تكون كمن تهرع على الدوام نحو ساعة حظها وسرورها، وكأنها تتوجه نحو شهر رمضان الذي يحمل معه بشرى الولادة الأبدية، وتنصت إليه.
قيل في الزهد أقوال جميلة قيمة، إلاّ أننا نختم هذا الفصل بكلام سيدنا علي -رضي الله عنه-، الذي يصفع به كذب توهُّم الأبدية، ويقطع دابر طول الأمل.
كان الإسلام أبدًا في شغاف قلوبنا، ولم يقف غريبًا عنا بتاتا.
كان الجوع ضجيعه الذي لم يتركه -صلى الله عليه وسلم- أبدًا.
كان الصحابة يتبرّكون بكل شيء منه -صلى الله عليه وسلم- ويجعلونه أعزّ ذكرى عندهم وكأنه شيء جاء من الغيب أو من اللانهاية.
كان بلدنا على الدوام مثل مراصد على سطح الأرض موجهة إلى اللانهاية، وهو بهذه البيوت المباركة يكتسب هيبة كهيبة البحر المتلاطم الأمواج، ثم تتماوج وتتسع سعة السماء بعقيدة الأبدية...
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدث أحيانًا في مناسبات حيوية وهامة بكلام لا يمكن إلاَّ استقراره في الأذهان، حيث لا يمكن نسيانه أبدًا.
كان -صلى الله عليه وسلم- يشرح لهم ويعلمهم دينهم، ويفسر لهم القرآن، ويبين لهم أسس السعادة في حياتهم الأبدية...
كأنّ مآل المستقبل إلى أن يكون سرادقًا أبديًّا لهؤلاء الأبطال، ما لم تهبَّ عاصفة مضادَّة لا تُبقي ولا تذر.
كأنَّ هذا المكان في الدنيا امتداد لمكان من وراء الفضاء، صُمِّم بيد القدرة منذ الأزل؛ لتهييج خيالات الأرواح الحساسة وتصعيدها.
كان هذا هو مبلغ ثقل أمر زواجه -صلى الله عليه وسلم- من زينب، ولكن من يستطيع ردّ زواجٍ كتبه الله تعالى في الأزل؟
كان هناك ستار بين الإنسان وبين شوقه إلى اللانهاية؛ حتى مجيء شهر رمضان، وكأن هذا الستار ينفرج بالصوم.
كان يعرف صحابته معرفة جيِّدة... بل كان يعرفهم أكثر مما يعرفون هم أنفسهم، فلم يخطئ أبدًا عند إسناد المهمّات إلى أيِّ فرد منهم.
كأننا نستطيع مشاهدة اللانهاية من المنافذ الصغيرة أو الكبيرة الموجودة في هذه القبة.
الكعبة هي محرابنا الأبدي، ومحراب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قبل أي أحد.
كلُّ شيء نعمة: أكلُنا وشربنا... انتظارنا للحياة الأبدية... وانتظارنا للنعم الأبدية نعمة... كل شيء... كل شيء في الحقيقة نعمة.
كلُّ شيء يولد وينمو ثم يموت سائرًا وفق خطة مرسومة معيّنة له ضمن دائرة قدر عامة واسعة جدًّا. فهذا نظام عام أزلي لا يتبدل ويمتد حتى للآباد.
كل ما كان معروفا آنذاك حول المخلّص الأبدي للإنسانية هو ما كانوا يسمعونه أحيانًا من اليهود.
كلُّ من قضى ساعات من عمره على عرفات يتفتح طوال حياته كزهرة، ولا يشحب ولا يبهت لونه أبدا.
كل وجه نراه في البيوت أو في المعابد أو في أماكن العمل يبدو لنا وكأنه يعيش رحلة وصال وعشق ممض، ويتماوج من حين لآخر مع الأماني والآمال، ثم يتحول إلى شلال من العواطف التي تجري لتصب في اللانهاية.
كلَّما سمع الإنسان الآهات المنبعثة من سهل عرفات، يشعر من الجو الأخروي لهذه الأصوات، ومن الرقة والشفقة والرجاء الذي يحدثه الأمل في السعادة الأبدية، بأنه قد أصبح شابا وخالدا...
كلَّما كان هذا القائد موفَّقًا في حلِّه لهذه المشاكل، كلَّما زاد قبوله من قبل أتباعه، وزادت محبّتهم وتقديرهم وتوقيرهم له، وأصبح لهم رمزًا أبديًّا.
كلمة (كُنْتُمْ) تعني "أصبحتم" ولا تعني "أنكم سابقًا كنتم".. فاختيار هذه الكلمة ذو مغزى دقيق. بمعنى أنَّ هناك "كينونة"؛ أي الوجود من بعدُ. بمعنى: أصبحتم هكذا. ولم تكونوا هكذا منذ الأزل. ومن المعلوم أن الكيفية الحاصلة في الأزل لا تزول.
كم من هؤلاء فتح بخطوة واحدة أشرعته لبحار الإثم، ولكنهم لم يستطيعوا الرجوع أو العودة من سفرهم هذا أبدا.
كما أنَّ العبد يسعد سعادة لا حدود لها عند رؤية سلطان الأزل والأبد، فهو يسعد عندما يشعر أنَّ الله يراه.
كونوا أعزَّاء النفوس، ولا تذلوا أنفسكم بالتسوُّل. ولا تهبطوا أبدًا أفرادا كنتم أو أمَّة إلى مستوى اليد الآخذة، بل كونوا دائما اليد المعطاء.
كيف يستطيع العقل فتح الطرق المسدودة أمامه، فيرشد الفكر إلى طريق الأبدية؟
كيف يستطيع إنسان محروم من رضا الله قيادة الآخرين إلى رضاه؟ هذا لا يكون أبدًا. إذن، فالأنبياء لا يمكن أن يقترفوا إثمًا.
كيف يميل إلى هذه الدنيا الفانية الفاسدة مَن شاهد الجميل السرمديَّ والجمال الأبدي؟.
لا أذكر أننا توجَّهنا في شهر رمضان آخر، وعشنا بمثل هذا العمق الذي أحسسناه في قلوبنا، وقد لا نعيش مثله أبدا.
لا تتصرف أبدًا كحواري الوحدة، ولا تقل لكلِّ من تقابله "تعال لنتّحد"، لأنها دعوة ليست في محلِّها.
لا تنسوا أبدًا أنَّ شرط الوصول إلى هذه النتيجة وإلى هذه الذروة، مرتبط بكونكم أمناء للأمانة الملقاة على عاتقكم.
لا حاجة... إلى تلقين المسلم فهما جديدًا للإسلام، ولا إلى إعادة تعليم الإسلام للمسلمين؛ وإنما المطلوب هو العمل على تفهيم المسلم الأهميةَ الحيوية لما يعرفه عن الإسلام فعلاً، وقوةَ تأثيره، وديمومتَه الأبدية.
لا شكَّ أنَّ قلبًا رحيمًا مثل قلبه -صلى الله عليه وسلم- لا يَردّ أبدًا مَن يُقبل عليه، بكلِّ هذا الشوق، وبكلِّ هذا الوجد والعشق.
لا شكَّ أن قلقه (نوح -عليه السلام-) لم يكن منحصرًا على دنيا ابنه وعلى بدَنه وجسمه بل على حياته الأبدية وحياته الخالدة، وهو الذي يعرف جيدًا السعادة الأبدية التي هيّأها مولاه.
لا شك أنَّ هذه العائلة (عائلة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-) كانت أفضل وأسعد وأبرك عائلة في تاريخ الدنيا كلها، فالسعادة كانت تفوح منها أبدًا.
لا عبرة للإجماع فيما ورد فيه من الشارع نصٌّ، وفيما هو معلوم من الدين بالضرورة. ولا في مواضيعَ مثلِ حدوث الكون وعدم أزليته.
لا مكان أبدًا في الإسلام للكلام الخشن أو اللوم العنيف للناس في الدعوة إلى الله.
لا يجوز أبدًا تناول الأنبياء بمقاييسنا الدنيوية، وإطلاق الأحكام بحقهم من هذه الزاوية.
لا يجوز مقارنة الدين الإسلامي مع الدين المسيحي، فالمسيحية لم تستطع أبدًا تجاوز الكنيسة...
لا يرضى أبدًا عن أيِّ اعتداء على حقوق الآخرين، مهما كان هذا الاعتداء قليلا، ومهما كان الشخص المعتدي.
لا يسدُّ -صلى الله عليه وسلم- أبدًا أبواب الصلح، ولا يزيف القيم الإنسانية ولا يهينها.
لا يعرف -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ النجاح في أعلى ذروته، فلا يمكن لأحد أن يصل إلى ما وصل إليه أبدا.
لا يمكن أبدًا إقامة أي أساس صحيح ومعقول لتفسير عالم الوجود ولا دوام هذا العالم إلاَّ به.
لا يمكن أبدا التهوين من مقدار الخيانات التي اقترفها هؤلاء الذين ختم الله على قلوبهم وعلى أبصارهم، ووضع عليها غشاوة فيما مضى من الزمن، وفي هذا الزمن.
لا يمكن أن يصل الجاحدون إلى الفلاح أبدًا.
لا يمكن أن يفكِّر ذلك القلب الطاهر المطهَّر غير هذا التفكير في سفرته الأبدية المتوجهة إلى اللامتناهي، وشعوره بالحاجة إلى النور الأبدي، والبراق الأبدي.
لا يوجد معبود سواه؛ لأنَّ جميع الموجودات من الأزل إلى الأبد ليست إلا ظلالاً من نور وجوده.
لعلَّ الثواني التي تمر في مثل هذا الجو، جو القربة وجو المعية -تلك الثواني المنورة المتفتحة على الواردات- أكثر بركة وتوجهًا للأبدية، من سنوات مظلمة ومقفلة عن الواردات.
لقد وضح للأصدقاء وللأعداء أنَّ هذه المشاكل لا يمكن حلّها أبدًا دون الرجوع إلى نبع بيان الرسول.
لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عندما يحبها (فاطمة) يعرف كيف يحفظ التوازن، ويعدُّها لكي يوصلها إلى العالم الذي يجب أن ترتفع الأرواح وتسمو إليه، ذلك لأن الرفْقة الأبدية لا تكون إلاَّ هناك.
لم تخل شفتاه ولا قلبه أبدًا في أيِّ لحظة من الدعاء ومن الورْد، فلم يستغن أبدًا عن شرب هذا الشراب الكوثري.. كان إنسان عملٍ ونشاط دائب، ولكنه كان في الوقت نفسه إنسان عبادة ودعاء.
لم تشاهد البشرية مثل هذه الأخلاق قطُّ، ولن تشاهد بعدهم (صحابة رسول الله) أبدًا.
لم تكن الإنسانية لتحصل على حياتها الأبدية إلاَّ بسلوك الطريق الذي أشار إليه. فقد كانت الأبدية ضمن منهاجه، وكان يخطط تصرُّفاته ضمن هذا المفهوم.
لم تكن معركة "أُحد" شيئًا هينًا أبدًا، فقد استشهد فيها سبعون صحابيًّا وعلى رأسهم سيدنا حمزة -رضي الله عنه-.
لم تنزل المدينة عن موقعها المعنوي أبدًا.
لم يتردد جنديٌّ واحد في جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لحظة واحدة أبدًا.
لم يتردد علي -رضي الله عنه- عليه -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الأمور أبدًا، لذا فقد كان هذا الشاب المملوء رجولة وشجاعة على رأس المهاجرين...
لم يتهاون -صلى الله عليه وسلم- أبدًا مع أي شرٍّ أو إثم تحت اسم المرونة أو الرحمة أو المسامحة.
لم يتوقف -صلى الله عليه وسلم- أبدًا عن إيفاء حقِّ وظيفته في الدعوة، ولم يهمل لحظة واحدة مهمة التبليغ.
لم يخْط أبدًا إلى الخلف... بل إنَّ كلَّ خطوة من خطواته تشهد أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
لم يخطُ في حياته خطوة إلى الوراء أبدًا، لأنه كان صاحب فطنة كبيرة يفهم ما يُلقى إليه من ربّه حق الفهم.
لم يخطر ببالهم أبدًا أن يعارضوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أي أمر من الأمور.
لم يدخل الأنبياء في المراء أبدا، أثناء قيامهم بمهمّتهم في التبليغ والدعوة، بل كانوا يقتربون من الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
لم يطرد -صلى الله عليه وسلم- من مجلسه فقيرًا واحدًا، ولم يخطر على باله مثل هذا التصرف أبدًا.
لم يكن الظلام في أي وقت أبديا، ولا يمكن أن يكون... ولا يمكن أن يستمرّ الفراغ إلى الأبد، ولا يمكن للصمت والتدهور أن يستمرا إلى ما لا نهاية...
لم يكن كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، يتكلّمون إلاَّ لمامًا، ذلك لأنهم كانوا يعلمون أنهم في مجلس نبي مؤيَّد بالوحي الإلهي، فالاستماع إليه استماع إلى المتكلم الأزلي.
لم يكن هذا واردًا بالنسبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلامه لم يكن مِن عنده، بل من عند المعلِّم الأزلي -جل جلاله-.
لم يكن ينسى لحظة واحدة مقاييسه الحساسة أبدًا، لذا يستحيل أن يجد أيَّ إنسان أي انحراف عنده أو ميل عن الحق.
لم ينْحن -صلى الله عليه وسلم- ولم يُدارِ أبدًا في تبليغه للرسالة إبان عهد الإرشاد الرائق في مكة...
لم ينْحن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- أبدًا أمام الباطل، لأنه كان شخصًا ربانيًّا لا يهمه سوى الدار الآخرة.
لم يهتز (سيدنا نوح -عليه السلام-) أبدًا ولم تفتر عزيمته أبدًا، مع أنَّ الذين آمنوا به كانوا قلة قليلة كما يخبرنا القرآن الكريم.
لن نجد بعد الآن الجوَّ الذي أحاط بسلطان الأنبياء -صلى الله عليه وسلم-، والذي فتح أشرعته هنا لرحلة نحو عالم اللانهاية.
لن يخسر الإنسان الذي جعل شيمته العفو والصفح أبدًا، في أي مرحلة من مراحل حياته.
الله تعالى الذي وهب للإسلام نورا متميزا هو كنور الشمس بالنسبة للأديان الأخرى، سيجعل هؤلاء المبتعدين عن هذا النور في تيه دائم، لا يهتدون إلى شيء أبدا...
الله تعالى بعلمه الأزلي يعرف هذا، ولكنه يريد إظهار من يخاف ومن لا يخاف منكم للوجود الخارجي؛ لأن القدرة والإرادة متعلقتان به.
الله سبحانه قد علم بعلمه الأزلي ما يصلون إليه في المستقبل وكافأهم مسبقًا بمنح إلهية.
الله لا يتغير ولا يتبدل، لا يأكل ولا يشرب، أزلي، ووجوده من ذاته وهو أبدي كذلك.
الله يحفظ عمل المؤمن ويجازيه خير الجزاء، كما لو خرَّ له ساجدًا -إن كان السجود واردًا في الجنة- لا يرفع منه رأسه إلى الأبد فأنه لا يوفي شكره لله على ألطافه العميمة وإنعامه السابغة عليه.
لو فرضنا المستحيل، وقلنا بأنهم عرفوا أنَّ مصيرهم سيكون الاصطلاء بلهيب جهنم، لما ترددوا أبدًا عن أداء مهمتهم لحظة واحدة، ولما انحرفوا عن غايتهم قيْد شعرة.
لو قمتم بالتفكر والتأمل باسم حياتكم الروحية والقلبية ولصالح حياتكم الأخروية وحياتكم الأبدية، بشكل صحيح ومشروع، فإنَّ مثل هذا التأمل والتفكير قد يكون خيرًا لك من عبادة سنة، وقد يكون ثوابه أكثر.
لو لم يكن نورك الأزلي الذي تنوَّرتْ به الكائنات لما استطعنا رؤية أيَّ شيء على حقيقته، ولما استطعنا إصدار أي حكم صائب.
لولا أنه كُتب في القدر ألا أعاتبكم فيما أخذتم لجاءكم عذاب عظيم، ولكن هذا الكتاب وهذا الحكم موجود منذ الأزل، لذا فلن يأتيكم مثل هذا العذاب. (لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(الأَنْفَال:68).
لولاه (نور الوجود -صلى الله عليه وسلم-) لما اكتشفنا هذا العمق الموجود في أرواحنا، ولا استبشرنا وفرحنا بالرحلة التي تمر من القبر نحو اللانهاية.
ليس الموت النهاية الطبيعية للأشياء ولا انقراضًا أو فناء ولا عدمًا أبديًّا.
ليس من السهل ولا من الميسور أبدًا الوصول إلى درجة وإلى مرتبة اللياقة لمصاحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وفي الآخرة.
ليس من الصحيح إعطاء أيِّ احتمال لظهور الأسباب عن طريق سلسلة الأسباب المستمرة منذ الأزل، والنظر إلى احتمال هذا الأمر انخداع.
ليس من المتصور رجوع أي إنسان متوجه إلى بابه -جل جلاله- بالخيبة أبدًا.
ليس من الممكن لنا أبدا في إطار قابليتنا في التحليل والتركيب أن نصل أو حتى أن نقترب من آفاق علوم الأنبياء، علومهم التي تكاد تشق الحدود الطبيعية.
ليس هناك فرد واحد عاش سعيدًا ووصل إلى السعادة الأبدية في ظل الكذب أبدًا.
ليس هناك فرد واحد مشى في طريق الصدق المنير، وباتجاه السعادة الأبدية، فأصابه نكد الحظ وشقي في الدنيا وفي الآخرة.
ليس هناك من استطاع هذا سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي احتضن الحياة كلَّها وبكل مفرداتها وجوانبها، ونقلها إلى الذروة وضمن بقاءها هناك إلى الأبد.
ليست هناك أمَّة بقيت في الذروة إلى الأبد.
لئن كان النورسي قد ولد في قرية قصية من أصقاع شرقي البلاد، فإنه أحسَّ في نفسه بمشاعر ابن الأناضول أبدًا... واحتضن الوطن جمعًا وكلاًّ في كل وقت وزمان، بشفقة رحيبة، وخلوص شاخص وطري.
لئن كانت المراقبة انغلاق القلب كليًّا تجاه ما لا يرضى به الله من خواطر غير لائقة، وأفكار تافهة تبعد عن حضوره سبحانه، ومن ملاحظات مكدّرة تتحكم في السلوك، وتنظيم جميع قنوات الروح المفتوحة إلى اللانهاية وفق الواردات الإلهية..
مَا أفجعها من نهاية للذين ضلوا طريقهم فلم يجدوا الطريق المُوصل إلى الحياة الأبدية.
ما بالك أنت أيها الإنسان!.. قل لي كم انتظرت في محرابك الأبدي دون تحويل نظرك وبصرك، ودون تغيير طورك؟
ما كان لأحد من أصحابه المخالفةُ في اتباعه والانقياد له -صلى الله عليه وسلم- أبدا، ذلك لأنهم أعطوه على ذلك عهدًا وميثاقًا.
ماذا يحدث إن التجأ إلى الجبهة المعادية؟ أما هو فيقع في خسران أبَدي، أمَّا نحن فنكسب عدوًّا يعرف جميع أسرارنا، وكِلا الأمرَين خسارة لنا.
مثل هذا الميثاق الممتد من الأزل ميثاق بشري وكوني عميق، إلى درجة أنه ورد في التوراة وفي الإنجيل وفي القرآن، وتكرر في هذه الكتب وتم التأكيد عليه وإن كان في أساليب مختلفة.
المحاسبة في مواضيع الإيمان والعبودية والتوفيق والقربية ونيل السعادة الأبدية، تدور بمحض العناية الإلهية والرحمة الإلهية.
المحبُّ الذي نال هذه الحظوة، يصل إلى حياة أبدية لا يمكن وصفها بالوجود والعدم.
المحظوظون الذين يصلون إلى سعادة تمريغ وجوههم هناك (الحج) سيتخلصون من وهم البحث عن مكان عبادة آخر، وحتى غروب عمرهم وانتهائه لن يستطيعوا نسيان السحر ذي البعد الأخروي لهذا المكان أبدا.
ضرر المرشد الجاهل أكثر من ضرر الطبيب الجاهل، لأنَّ جهل الطبيب وضرره محصور بالحياة القصيرة الأمد في الدنيا، بينما يقوم المرشد الجاهل بتخريب الحياة الأبدية الخالدة.
المستقبل لن نجد سوى نوره -صلى الله عليه وسلم-... فإذا انطفأ هذا النور فستصبح الحياة ظلمةً أبدية.
المسجد الأقصى الذي يريني مجدا تاريخيا، ويرجعني إلى ذكرياته، قد أصبح بجدرانه التي يفوح منها الحزن والأسى... تبدو وكأنَّ كل باب منها منفتح على بُعد آخر من أبعاد اللانهاية...
المشغول أبدًا بأخطاء الآخرين وعيوبهم، يبقى العمر كلَّه مقترفًا للعيوب.
مع أنه (القرآن) يبحث عن كلِّ علم من العلوم، بأسلوب مقتضب، فليس هو موسوعة علمية قط؛ لأن هدفه الوحيد هو الإنسان، ليأخذ بيده ويُصعده إلى السماء ومن هناك إلى سمو الأبدية ورفعتها.
مع كونه متسامحًا جدًّا عندما يتعرض لمعاملة سيئة فلا ينتقم لنفسه بل يصفح، إلا أن الأمر إن تعلق بانتهاك حرمة من حرمات الله فلا يسكت أبدًا.
المعابد -وكأنها منافذ ترصد اللانهاية وترنو إليها- ونمتلئ بدفء العبادة التي تفتح أمامنا عوالم سحرية وراء الآفاق تتماوج فيها الخيالات.
معاني الإيمان والمعرفة والمحبة توحِّد بين الإنسان والكون، وفي الوقت عينه تنجيه من عذاب "الكثرة" وآلامها، فتذيب وحدته ووحشته الجوانية في إكسيرِ "معية" الحق تعالى، فتحوِّل حياتَه إلى لذة أبدية ونشوة خالدة تجعله يرتشفها كأسًا بعد كأس..
المعقول واحد أبدًا؛ فكلَّما حصل انحراف عنه، حصل السقوط في "الكثرة" غير المعقولة بلا انتباه ولا وعي...
من استقر وتوطد شعوره وتفكيره على هذه الشاكلة تصبح الحياة بكل وحداتها بالنسبة إليه وكأنها شلال نحت مجراه، فانحدر مثجا غربا لا يلوي على شيء حتى يبلغ البحرَ المحيط، وهو في كلِّ ذلك يعيش أبدا نشوة العشق والوصال.
من الضروري أن نميز بين النسق الفلسفي والفكري لمترجمي نظام الفلسفة اليونانية... وبين نسقنا الفكري وفلسفتنا في الحياة، الموصولة الجذور بالسموات، القديمة كالأزل، لكن الجديدة، بل الأكثر جدة من الجدة ذاتها.
من الطبيعي أن تكون المبادئ التي أتى بها مثل هذا الشخص العظيم مبادئ أبدية.
من الواضح كم يقاسي الإنسان ويتألم من مثل هذه الفكرة، وهو المخلوق المرشح لحياة أبدية.
من لا يقم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يستفيد من بركة الوحي، ولا تصله نسمات الإلهام أبدًا.
من ناحية ماهيته ولبّه وجوهره، وبالألطاف الإلهية المنهمرة عليهم، يصبح هذا الزمن متصلا بأقدم القديم وبالعهد الذهبي المجيد من ماضينا من جهة، ومن جهة أخرى ممتدا نحو الأبدية.
من يستطع اليوم ادعاء أزلية المادة أو إنكار الألوهية؟! فمثل هذا الادعاء لم يعد غريبًا فحسب بل علامة على الجهل والتعصب.
من يعشْ لجسده، ولملذات بدنه، ولا يستمع لصوت روحه ووجدانه، سيقضي حياة فارغة لا معنى لها، ولن يجني أبدًا النتائج التي يجنيها مَن نظّم حياته في سبيل مرضاة الله تعالى.
منذ أن داعب نوره -صلى الله عليه وسلم- رؤوسَنا، زال عن أرواحنا رعب الفناء. ونستطيع تقييم القابليات الموجودة في ماهيتنا وجوهرنا، ونحدس بُعد اللانهاية الموجودة لدينا.
المنظر الحالي هو أن نظرية التطور ولدت منذ البداية ميتة، ولم تسر فيها الحياة أبدًا.
الموت ليس عدما أو انقراضا ولا تفتّتا وتحللا، ولا فناء، ولا نهاية.
الموت ما هو إلا تفتّح بُرعم على الوجود الأبدي.
المؤمن الحقُّ... نسْر يحلِّق إلى اللانهاية دومًا بأجنحة العشق العملاقة في هذا السُلّم، وحلاّجٌ يندف قطن الوجود ندفًا بفطْنته في هذا البرج.
نبض هذا الشعور في قلوبنا هو المرحلة الأولى للوصول إلى الأبدية في عالم مشاعرنا وأحاسيسنا وعواطفنا. وهكذا فالموت بمثابة "مِصعد" سرّيّ يرفع الإنسان ويسمو به إلى هذه المرحلة الأولى.
نتوجه دائما وأبدا بمشاعر عميقة تستهدف التوحيد من أفق إلى أفق، بروح مرتجف تكاد قبته تتفجر من حمل مشاعره وتتفتت.
نتوجه نحو مزدلفة التي تعد عنوان القرب من الله.. نتوجه إلى مزدلفة، وكأننا نتوجه إلى الأبدية، أو نسير إلى الله تعالى.
نحس في حريمه (المعبد) عندما يغشى الصوتُ الصمتَ، وعندما يغشى الصمتُ الصوتَ، وكأنَّ أعناقنا قد امتدت إلى السماء وإلى اللانهاية.
نحن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى مرشدين ذوي أدمغة متأهلة وأفكار رحيبة وآفاق واسعة... يطلقون أرواحنا المشتاقة إلى المعالي نحو اللانهاية.
نحن بحاجة إلى الدين. ولو تمكّن الإنسان من معرفة حاجاته الحقيقية ووعى أنه ما خلق إلاَّ مرشحًا للسعادة الأبدية...
نحن خرجنا إلى سياحة دائمة لا تنتهي، نحو ذلك الذات الأقدس الذي ستر ذاته عن العيون وتجلى بآثاره... هدفُنا أن نكون دائمًا في الطريق الموصل إليه، وندخل من الأبواب المتفتحة عليه... نحن في رحلة أبدية نحوه...
نحن نجلب عناصر حياة الغد من ماضينا. فإن استطعنا أن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية، بنور الدين وضوء العلم، نكون قد جهّزنا خميرة أبديتنا.
نحن نحس أنَّ هذه الأصوات المرتفعة من المعبد...وكأن النسائم الإلهية قد أحاطت بعالمنا الداخلي، فنشعر وكأننا وصلنا إلى الشوق الأزلي للسماء، مثل حزمة ضوء أو نفحة نسيم.
نحن نرى على الدوام أنَّ الأعياد بالنسبة لأصحاب القلوب المؤمنة تقوم بإشباع أذواقهم الأخروية، وأشواقهم القلبية، ووَلَعِهم الذي لا يعرف الفتور، وآمالهم في الحياة الأبدية الخالدة.
نريد أن نقول للذين عزموا على المضي في السياحة نحو الأبدية: إن كنتم عازمين على المضي نحو غاية تفوح من جوانبها كافةً رائحة الأبدية، فإن الوصول إلى مثل هذه الغاية يحتاج إلى سلوك طريق طويل وشاق.
نظرًا لاستخدام نظرية التطور في هذه السبيل ولهذا الغرض، رأينا في سبيل ردّ نظرية التطور ونقضها إثبات أنَّ المادة ليست أزلية، وليست خالقة.
نعم الجنة -مثلها في ذلك مثل الجنة- مخلوقة لكي تكون متلائمة ومتوافقة مع الحياة الأبدية والخالدة.
نقوم -بصفتنا مؤمنين- نحمل في وجداننا بذرة ونواة الإيمان بوجود الجنة، فنتخيل أننا نرفرف بأجنحتنا فوق تلال الجنة مع الأرواح، ونتوجه معها نحو اللانهاية.
النية التي تشوِّق إلى العمل تستطيع إنقاذ الإنسان. أمَّا النية التي لا تتحول إلى عزْم وجهد فلا تستطيع ذلك أبدًا.
النية هي كلُّ شيء بالنسبة للمؤمن، فهي التي تُكسب الحياة للسلوك الفردي، وهي التي تقلب حياة المؤمن إلى مزرعة تعطي مقابل الواحد ألفًا، وهي التي تفتح أبواب ونوافذ الخلود على حياة الدنيا المحدودة والقصيرة. كما أنها هي التي تهيّئ الشقاء الأبدي والخسران الأبدي.
ها هو -صلى الله عليه وسلم- آخذ بيده كتابًا معجزًا كريما، وبلسانه خطابًا موجزًا حكيمًا، يبلِّغ خطبة أزليةً، ويتلوها على جميع بني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات...
الهادي إلى الصراط المستقيم الموفي إلى الحق تعالى، ونبعُ شفاعة السعادة الأبدية -صلى الله عليه وسلم-.
هذا الـ"طائر" المعلق في "عنق" الإنسان، هو ضميره الذي لا يفارقه أبدا.
هذا العالم يحاول أن يسلِّي نفسه بالمنجَزات العلمية والتكنولوجية هنا وهناك، وأن يُسرِّي عن غمه بالثروة والراحة أحيانا. لكن من البدهي أنها لن تَمنح الإنسان سعادة مستمرة أبدا، ولن تلبّي رغبة البقاء والخلود، المكنونة في أعماقه.
هذا هو السرُّ في أنَّ المؤمن يستطيع في حياة مؤقتة الوصول إلى السعادة الأبدية وإلى الخلود. أما المنْكِر فيكون من نصيبه الشقاء والندَم الأبدي.
هذا يؤدي إلى تسلسل، أي إلى سلسلة متراجعة إلى الخلف على الدوام مما يقتضي أزلية الأحياء. وهذا أمر باطل ومستحيل.
هذه الحياة عنده -صلى الله عليه وسلم- جسرُ عبورٍ إلى العوالم الأبدية، وينبغي أن تقوَّم باعتبارها سبيلاً وممرّا إلى الأرباح.
هذه الدقائق السحرية التي نتوجه فيها نحوه تبدو لنا -بفضل إيماننا وعشقنا وآمالنا- وكأنها عصارة الحقيقة الأبدية، فتنسكب على قلوبنا...
هذه العبادة المباركة (الصلاة) ذات الأبعاد الشاملة، وذات الطابع المعراجي، تقوم بنقل الإنسان إلى سماء اللانهاية، لتصل به إلى عالم الملائكة.
هكذا تكتسب أجزاء الزمان المحدودة ضمن بضع ساعات -بدرجة سعة القلب وعلوّ الروح- صفة فوق الزمان، فكأنه اكتسب خلودا. ويتوضح لدى الإنسان كيف أنه وهو في الدنيا قد أسس علاقات عميقة مع الأبدية، وما وراء هذا العالم.
هكذا مرت الأعوام ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف الكلل ولا الملل، بل يستمر في دعوته وفي تبليغه، ولم يعره أقرباؤه أذنًا صاغية أبدًا.
هل هناك إنسان آخر يمكن أن يكون صاحب هذا التأثير وهذه الجاذبية القوية؟ كلاَّ! أبدًا، إنه -صلى الله عليه وسلم- هو الفرد الفريد في الكون وفي الزمان...
هل يقبل العقل أنَّ مثل هذا الشخص الذي زهد في الدنيا كلَّ هذا الزهد، يمكن أن يميل إلى شيء دنيوي؟ أجل، لم يمل إلى الدنيا أبدًا ولم ينحرف قيد شعرة نحوها.
هم أناس سلّموا أنفسهم لله، فلا يتحدَّثون من أنفسهم أبدًا، بل ينطقون فقط بما أراده الله منهم، وبالأسلوب والكيفية التي أرادها الله تعالى.
هنا انبثقت الشجرة (من أبينا إبراهيم -عليه السلام-) التي كانت هي الغاية من هذه الهجرة، وتفرع فرعان كبيران منها وهما متوجهان نحو الأبد.
هنا دلالة واضحة جدًّا على وجود عداوة أبدية بين الكفر والإيمان.
هناك حديث نبوي شريف يشير إلى حال نوع من إيمان الفرد يكون ذكر الله تعالى عنده في كل آن... يذكره أبدا... يحس به على الدوام بقلبه، ويراه على الدوام بروحه، ويشعر بقوته وقدرته، ويبحث عن رضاه تعالى على الدوام....
هناك محبَّة وعلاقة قلبية متوجهة نحو سلطان الأزل والأبد، الذي جمالُه في نقطة الكمال، وكمالُه في قطب الجمال، وأطلق عليها العشق الحقيقي.
هناك مسألة أخرى تعكّر صفو بعض العقول، وهي أن التفكير المحدود لبني الإنسان لا يستطيع هضم مفهوم الأزل وإدراكه، لذا نراه يضفي صفة الأزلية على المادة، ثم يرى احتمال وقوع أشياء غير معقولة في الماضي السحيق الذي لا تستطيع الأرقام إيضاحه.
هو -صلى الله عليه وسلم- الذي مزَّق الحجاب والستار عن وجه الفناء والموت، إذ أبان بأنَّ القبر ليس إلاَّ صالون انتظار لعالم السعادة الأبدية، فقدَّم لقلوب الجميع من مختلف الأعمار إكسير السعادة الخالدة.
هو -صلى الله عليه وسلم- فوق الوصف أبدًا من حيث جوهره وموقعه، لا نظير له باعتبار ذاته، فريد الكون والزمان بأعماقه الأخروية، وبرهانٌ ظاهر بالرسالة التي يحملها.
هو (فخرُ الكائنات -صلى الله عليه وسلم-) الذي أنار عيوننا بالنور... وهو الذي هيأنا للرحلة إلى بلد الأبد والخلود.
هو -صلى الله عليه وسلم- المرسَل برسالة عالمية وأبدية، ولم يُبعث إلى قوم معينين خاصة، أو لبلادٍ معينة حصرًا، كغيره من الأنبياء...
هو (النور الخالد -صلى الله عليه وسلم-) رجل يستطيع مجابهة ومقاومة كل الدواهي ببدنه وبأعصابه الفولاذية. أما فكره وعقله فقد مزج في بوتقة واحدة معارف ومفاهيم عصره بالحقيقة الأزلية وصهرهما معًا...
هؤلاء الأبطال أعدُّوا أنفسهم منذ البداية عبيدًا للحقيقة في رقّ يأبى الانعتاق... يقومون ويقعدون بملاحظة اللانهاية باستمرار.
هؤلاء الذين استنارت عقولهم بمعرفة الله كانوا في بحث دائم عن طرق أبواب الخير. وهذا يعني تحرّيهم عن وسائلَ تُيسّر لهم سلوك الطريق نحو الخلود والأبدية.
هؤلاء الشجعان الذين خميرة وجودهم هو الإيمان والعشق والحكمة والبصيرة، لم ينحنوا أبدًا أمام زخم الهجمات الداخلية والخارجية على مر القرون التسعة أو العشرة الأخيرة، ولم يتزعزعوا.
وأرى من المفيد تكرار التذكير بأن الوظائف الأصلية للأنبياء هي: تصفية الإنسان من الأخلاق الذميمة... ولفتُ أنظار قلوبهم إلى محاسن اللانهاية، لأنهم خُلقوا للأبد، ولن يُروِي غليلَهم شيءٌ إلا الأبدية.
وأسال من أودية البيان ينابيع وعيونًا حَوَّلت صحارى الجاهلية إلى رياض زاهرة، وشلالات هادرة، بحيث وجد كلُّ أصحاب القلوب المنفتحة على الإيمان أنفسهم في بحار هذه العيون المتدفقة نحو محيطات الأبدية والأزلية.
والشعْر -مثله في ذلك مثل أي فن آخر- إن لم يحتضن اللانهاية والخلود كان عقيمًا وشاحبًا.
(وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى): تتحقق بحدس في أعماق الشهود للحياة الروحية والقلبية، وتستمرُّ إلى الأبد، تحت جناح السير الروحاني في طريق الوصول إلى هدف.
الوجدان هو عنوان وعي الإنسان لنفسه ولكيانه. وهو آلية روحيةٌ تحدس وتدرك وتنشر أشرعتها على الدوام نحو اللانهاية.
وراء هذه المعارف هناك المعلِّم الأزلي، ومن ثم فإن المعارف التي استقاها لم تتعرض للقِدم والبِلى، بل اكتسبت شبابًا وحيوية ونضارة كلما تعاقبت عليها العصور، وستتجدد على الدوام ما دامت السماوات والأرض.
ورأينا هنا أيضًا آلاف الأدلة التي تملأ ما بين الأزل والأبد حول صدق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وطَنُنا الأصلي هو في دار الأرواح؛ فقد لبسنا من هناك لباس الجسد، وجئنا إلى الدنيا، حيث سنعطي فيها شكلا لحياتنا الأبدية، ثم نعود إلى وطننا الأصلي. لذا يجب تقييم الدنيا من هذه الزاوية.
وفاة كلِّ شيء وانتهاء وظيفته دليل على أبدية ذلك الموجد الذي وراء الستار، الذي لا أوَّل له ولا آخِر.
لم يضيعه الله ولم يذله، بل جعل حبه -صلى الله عليه وسلم- أبديًّا في قلوب الملايين من أتباعه.
وهنا أمْر لا بد ألاّ يُنسى أبدًا وهو: أن المسلم إذا اقتضى الأمر يكون مع قوى الجيش والأمن للدولة تجاه أي نوع من أنواع الاعتداءات الخارجية أو الداخلية. فهذا واجب عليه.
ويرسل الله سبحانه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- أيضًا، ولكن يقابله هذه المرَّة أبو جهل، فيخلق الله سبحانه بحقه الضلالة لعلمه الأزلي بأنه معدوم الأهلية للهداية.
يا أيها النبي المبارك المحلِّق في الأعالي أبدًا..! أنت روحُ الروحِ لنا، ورسالتُك دواء لأدوائنا المزمنة، نرجوك أن تأتينا كرة أخرى، فلا تدعْنا بلا روح.
يجب ألا ننسى أنَّ خلاص البشرية لا يتمُّ أبدًا إلا بدعْوته وبأنفاسه، ثم بأنفاس متبعيه والسائرين في دربه -صلى الله عليه وسلم-.
يجب ألاَّ يتمَّ التخلِّي عن الإنصاف أبدًا، إن أريدَ الوصول إلى أفكار سليمة.
يجب الانتباه عند ذلك إلى معنى الآية التي تقول بأن حكمًا صدر منذ الأزل وأنه تبعًا لذلك الحكم ستأخذون الغنيمة وتستفيدون منها.
يرشدنا القرآن الكريم في كثير من آياته البيِّنات إلى هذه الطريق، ويدلّنا على أنَّ المعقولية هي تعلق الفكر باللانهاية.
يرى أصحاب النظرة الصائبة أنَّ الكعبة تنظر من ناحية إلينا، ومن ناحية أخرى إلى ما وراء هذا العالم المادي... إلى عالم الأبد...
يشار في هذه الآية إلى أنَّ القلب يجب أن لا تطغى عليه الغفلة أبدًا، في الحياة العادية واليومية، ولاسيما عند الدخول في صراع مع الأعداء.
يشارك كل شيء في الشعر الأزلي لما وراء هذه الآفاق، ويغطي سحر جو العالم الآخر كل جانب؛ في المناسبات المباركة.
يشعر الإنسان في المعبد باليوم وبالأمس... بالأمس وبالأبد معًا وبشكل متداخل... فكأنه يسْبح في بحر واسع من فكر العبادة ومنبعها ومعناها.
يُصدر المعبد على الدوام أصواتا ونغمات مختلفة، ولا يلفُّه الصمت أبدا... ففي جوّه المضيء هناك على الدوام تمْتمة أو همس ما، قد يكون علَنيا أو سرّيا، ولكن لا يستطيع الجميع فهمه.
يُفلحون (السعداء) بإنجازِ أعمالٍ تُنبئ عن مدارجِ الأبدية في كلِّ آن ولمحةِ بصرٍ من حياتهم.
اليقين يفجّر القلب بآمال أبدية ورغبات أخروية، كما قال ذو النون المصري.
ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا للالتزام بمصادرنا الذاتية أبدًا، وأن نحصر الذهن في بلوغ المحيط بمجرانا الذاتي.
يولد الإنسان لكي يموت... ويموت لكي يحيا... ويحيا لكي يعيش الحياة الأبدية... نأتي إلى هذه الدنيا فرادى... ونقطع الطريق الطويل لهذه الحياة فرادى... ثمَّ يودع هذه الدنيا دون أن ينظر خلفه، ويرحل لكي يعيش حياته الأبدية.
اليوم يتبع ما يقارب المليار من الناس هذا القرآن الذي يعد الكتاب الوحيد الذي لا مثيل له ولا شبيه، والذي يستطيع بمبادئه الإلهية الأبدية الثابتة أن يوصل البشرية جمعاء إلى السعادة عن أقصر طريق وأقومه وأنوره.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.