القسم الأول : فصول حول العلاقة بين الفكر والفعل

فهرس المقال

ظلام يسيطر على الأرواح

ليس "النور الخالد" كتاب "رواية" وتحقيق علميٍّ محايد؛ بل هو جرٌّ للزمن الحاضر نحو زمن الأنوار، ودفع لهذا العصر وجهة خير الأعصار؛ فالمؤلِّف يسعى جاهدا أن يوظِّف جميع ملكاته ومقدَّراته، ليحمل الناس على "تجاوز الزمان والمكان"[25]، حتى يمكنهم أن ينتصروا على "ضغط الآن" وعلى "تفاصيل الحياة". ومن ثمَّ راح يصف عهدنا هذا بأنه "عهد اهتزَّت فيه عقيدة التوحيد"، وقال عن مثل هذا العصر: "إنه يعدُّ عهدًا مظلمًا؛ ذلك لأنَّ الإيمان بالله -عز وجل- الذي هو نور السموات والأرض، إن لم يحكم جميع القلوب، سيطر الظلام على الأرواح، واسودَّت القلوب؛ فمثل هذه القلوب المظلمة تبتلى بقصر النظر عند مراقبة الأحداث، وتكون رؤيتها متعكرة وغير صافية، ويعيش صاحب مثل هذا القلب كالخفافيش في دنيا الظلام"[26].

ولا يفوت فتحَ الله أن يمثِّل لهذا العهد بفتنة الشيوعية، مستشهدا بحديث للرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، وقد توجَّه يومًا نحو الشرق وقال: «ألا إنَّ الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قَرْنُ الشيطان»(متفق عليه).

فقال: "هناك احتمال قويٌّ أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يريد بهذا الحديث الإشارة إلى الفتنة التي ستظهر من جهة الشرق كبديل لأوروبا الظالمة. وكلمة "قرن" الواردة في الحديث تأتي بمعنى القرن الموجود في الحيوانات، أو تأتي بمعنى "العصر"، وأنا أرى أنَّ المعنى الأخير هو المعنى المقصود، أي أن القرن هنا يأتي بمعنى العصر أو العهد، أي أن "قرن الشيطان" معناه "عصر وعهد الشيطان" وهو نقيض "عهد النبوة". فهذا النظام الشيوعي قائم على الإلحاد وعلى الإباحية وعلى جميع المفاسد الشيطانية التي تحاول التسلل إلى القلب عن طريق النفس الأمّارة... ومع أنَّ هذا النظام الشيوعي الذي يُعَدّ الابن غير الشرعي للنظام الرأسمالي يحتضر في هذه الأيام إلاَّ أنه لا يزال يعدُّ ألد أعداء الدين والمقدسات والمواريث التاريخية، ولا يزال كابوسًا مخيفًا، وأنا أعتقد أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلق على هذا العهد الذي سيطر فيه هذا النظام الشيوعي على مساحات واسعة من العالم... يطلق عليه "العهد الشيطاني" أو "القرن الشيطاني" ويحذر أمته من هذا الوباء ومن هذا البلاء"[27].

لكن، هل سجن فتح الله قلبه وعقله في وصف هذه الفتن، وراح يسوق لها أدلَّة وشواهد من "أحاديث فتن آخر الزمان"؟ أم أنَّه أشغل نفسه وأجهدها بحثا وتنقيبا عن المخرج، وعن الملاذ الآمن، عالما عاملا، مبغضا للقنوط والتقنيط، كارها لليأس والتيئيس؟

الجواب مستساغ عند فتح الله كشربة ماء بارد في ظهيرة يوم حارٍّ، وهو ولا شكَّ متمثل في العودة إلى الحقِّ سبحانه، والمجاهدة والمكابدة لأجل "حياة القلب والروح".

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.