العيد في أدبيات الأستاذ فتح الله كولن

قرينةُ حُزْنٍ... أُختُ شجن...
سَكَّابَةُ دمع... حَمَّالة ألم...
نَزَّافة جرح... وحليفة وَجَع...

هذه هي حال أمّتنا اليوم... حتى إذا غشيها العيد، ذكرتْ واستذكرتْ، ثمَّ استعبرتْ... ذكرت غابرَ مجدها، وماضيَ عِزِّها، وأعيادًا كانت إذا حلَّتْ رفعت الأمة على جناح الفرَح حتّى لتكادُ تعانق السماء وتشركها فيما هي من سرور وحبور... جِلْبابها الطُّهرُ والنقاء... وسربالها الشوق والمحبَّة...

أمّا اليوم، فأعيادها قَفْرٌ يبابٌ... ربيع بلا زهر... غناؤها أنين... ورقصها رقص ذبيح في قلبه سكّين... تتصنَّع البهجة وعيونها دامعة... وتلبس الجديد على مُزَقِ نَفسٍ، وشَتَاتِ وجدان، وظلمات قلب... كيانها مُرَقَّعُ بألف رقعة ورقْعة، من ألف بلدٍ وبلد... وفكرها ملموم من سَقَطِ مَتاعِ أَلفِ عقلٍ وعقل...

غير أن أمَلها لم يَمُتْ بعدُ... فهو يعود إليها مع عودة كُلِّ عيدٍ جديد... وهي لا زالتْ تهفو إلى يومٍ آتٍ، يَشُعُّ فيه نور الحبور... وإلى معانقة العيد بقلبٍ طَرِبٍ، ونفسٍ راضية مرضية...

وعلى الرغم من أنَّ عيوننا غارقة بالدموع كمطر الربيع -كما يقول الأستاذ فتح الله- إلاَّ أننا قادرون على أن نشهد من خلال هذه الدموع سفوح الجنة الواعدة(1) وكأنَّ هذه الأعياد التي تعاودنا كلَّ عام تضعنا في "برزخ بين الفرَح والحزن"(2) وهي تنادينا لكي نتخطَّى حاجز الحزن إلى عالم الفرح الجديد.

وعلى الرغم من كل هذه الأحزان التي تعشش في قلوبنا، إلاَّ أننا نشهد اليوم على مُحَيَّا الأمة دلائل يقَظة روحية، ونرصد نورًا هاديًا يسري في مفاصلها ويدفعها للنهوض ثانيةً إلى علياء البهجة إذا ما عاودتْها الأعياد.

لقد جَفَّت اليوم -مع الأسف الشديد- ينابيع الجمال في نفوسنا، ويبست معها ينابيع المحبّة التي هي تاج كل جمال على هذه الأرض، ومع الزمن بدأنا نشعر بعجزنا عن أن نحبَّ إخواننا من أبناء جلدتنا، فضلاً عن أبناء بني الإنسان قاطبة... وهل العيد شيء آخر سوى الجمال والمحبَّة، وقلوبٍ وأرواحٍ تسري في قلوب الآخرين وأرواحهم حتَّى قبل أنْ تسكب أيادينا رحيق الودّ في أيدي الآخرين حين نشدُّ على أيديهم.

والأستاذ الشيخ فتح الله يأمل أن يتحقق ذلك في يوم ما فيقول: "فكَم تملأني النشوة عندما أشاهد بعين الخيال الأجيال السعيدة القادمة التي وصلت إلى مرتبة العرفان من الناحية المادية والمعنوية، ورهفتْ مشاعرها وتوحدت مع أرواحها، وعانق بعضها البعض الآخر... أتخيّل جيلاً ملأَ العلم عقله، وملأ الإيمان بالخالق العظيم قلبه... وامتلأ بحب الوجود، ووصل إلى ساحل الاطمئنان"(3). وما ذلك على الله تعالى بعزيز.

(1) ترانيم روح وأشجان قلب، فتح الله كولن، ص:116.
(2) ترانيم روح وأشجان قلب، فتح الله كولن، ص:117.
(3) ترانيم روح وأشجان قلب، فتح الله كولن، ص:154.