الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة

فهرس المقال

البنى الفاعلة في الحراك التاريخي

لا ريب أن في مقدمة تلك البنى الفاعلة في الحراك التاريخي، البيت العائلي، ثم المؤسسات التعليمية وأبرزها التكايا، ثم المساجد ودور العبادة.

البيت التقليدي التركي لم يُخترَق رغم انغمار المناخ الثقافي والإعلامي والتعاملي بقِيَم الآخر. فقد حافظت الأسرة المتدينة، بل والأسرة الشعبية بصورة عامة على ثقافتها الروحية المتوارثة. تلك الثقافة التي تأصلت للعثمانية عبر القرون، فتشبثت الجماهير المحافِظة بحصنها من القيم، وصمدت في وجه عوامل الاختراق الروحي والبيئي التي كانت جاريةً على قدم وساق بأيدي الاستيلابيين، للتحول بالمجتمع التركي نحو التغريب.

ولا يعني هذا أن البيت لم يُصَب بضرر التهجين الثقافي والقيمي بتاتًا، بل لقد لحقت الأسرة تشوهات في مقوماتها، لكن الفعل الروحي المقاوم للردة مكَّن البيت التقليدي التركي من الصمود، رغم ما أصابه من أذى اغترابي، وهو ما سجَّله الأستاذ كولن في معرض تقويمه لتجربة الضلال الارتكاسي التي خاضتها النخب المتغربة بالمجتمع التركي، بدعوى تحديثه.

".. نعرف من تاريخنا القريب أن الأسرة والشارع ومؤسسات التعليم وأوساط الفنون قد نفخت في أرواحنا الأفكار الشاذة والموازين الفاسدة، فقلبت كل شيء رأسًا على عقب، من المادة إلى الروح، ومن الفيزياء إلى الميتافيزيقا"[4].

ولذا كان من الطبيعي، بل من الحتمي، أن يتركز الجهد التوجيهي على هذا الجانب، جانب الأسرة، وأن تتكثف التحريضات على وجوب حماية مؤسسات التنشئة، وأن يكفل لها المادة والمحتوى الترشيدي الصحيح، "لقد آن الأوان، بل يكاد يفوت، لكي نحْمِل أعباء مؤسساتنا في كل مجال مثل الدين والعلم، والفن والأخلاق، والاقتصاد والعائلة، ونسمو بها إلى مواقعها الحقيقية في تاريخنا، فنحن أمة تنتظر وتترقب رجال عزم وإرادة وجهد يحملون هذه المسؤولية"[5].

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.