النور الخالد

اختار المفكر التركي محمد فتح الله كولن لكتابه عن الرسول اسم "النور الخالد‏:‏ محمد صلي الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية"، وصدر الكتاب في جزئين كبيرين‏،‏ وترجمه بعد ذلك إلي العربية الأديب أورخان محمد علي‏،‏ وكتب المترجم في مقدمة الكتاب يقول‏:‏

لم تكن البعثة المحمدية أمرا بسيطا أو عاديا مر عبر أبواب الزمن‏،‏ ثم اختفي بين هرج الحياة ولغطها‏،‏ وحوادث التاريخ وحروبه‏،‏ وزحام المبادئ وصراخها‏،‏ بل كانت أمرا جليلا أضاءت تحت قبة السماء‏،‏ وحدثا مدويا في سمع الزمان‏،‏ حتي بدا كأن الكون كله يولد من جديد‏،‏ ويظهر من ظلام العدم مرة أخري‏،‏ ويفتح عينيه من إغماءة الفناء‏.‏

كانت البعثة ميلادا معنويا رائعا شحنت فيه كل بسمة من بسمات الجمال‏،‏ وكل دفقة من دفقات الخير‏،‏ وكل نبضة من نبضات الحق‏.‏

لقد أصبحت الأرض بعد هذه البعثة زهرة الكون‏،‏ ولؤلؤة صدفته‏،‏ ونور جبينه وبسمة شفتيه‏.‏

كانت هذه البعثة هي اللحظة التي انتظرها الأزل ليناولها إلي الأبد‏،‏ وإذا كان الكون المنظور كله صورة واحدة فقط من صور الوجود‏،‏ وانعكاسا لجانب واحد من جوانب الحقيقة المطلقة‏،‏ وعالما واحدا من عوالم الخلق، فإن البعثة المحمدية التي حملت الحق المطلق لم تكن بهذا المقياس أمرا عالميا فقط‏،‏ أو أرضيا فحسب‏،‏ أو كونيا فقط‏،‏ بل طوت بين جناحيها الأرض والكون المنظور والعالم المشهود وغير المشهود‏.‏ ذلك لأننا إن أدركنا أن البعثة المحمدية كانت تعكس الحقيقة الإلهية الأزلية‏،‏ وتنطق بها وتحملها‏،‏ وقلنا إن شموليتها وسعتها تتجاوز الأرض والكون فإننا لا نقول شططا‏.‏

إن المرء يعجب من المسلم الغافل الذي يترك عوالم الشموس والخلود ليلهث وراء أفكار أرضية محدودة المحتوي وقصيرة العمر‏،‏ محرومة من العمق والأصالة‏،‏ تسقط كأوراق الخريف مع أول تحرك للريح، غافلة عن الحقيقة الإلهية العظمي، مقطوعة الصلة عن روح الإنسان وقلبه‏،‏ وعن أشواقه ووجده‏،‏ تنتهي مع الإنسان علي أبواب القبر‏،‏ ولا ترافقه في رحلته الأبدية‏،‏ ثم تثقل كاهله يوم القيامة‏..‏ ولكن البشائر تتري الآن‏،‏ لقد آذنت أيام الغفلة بالانتهاء وبدأ مخاض ميلاد جديد حافل بالألم‏..‏ مخاض ميلاد المسلم مرة أخري‏.‏

المصدر: جريدة الأهرام، 31 أكتوبر 2003.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.