فتح الله كولن.. جيلاني العصر

“محمد فتح الله كولن”؟ هو الداعية التركي المولود في “1941م” ينحدر من أسرة متدينة ملتزمة بقيم الإسلام وتعاليمه وسط إعصار العلمانية الحادة الملحدة الأتاتوركية، تعلم في المدارس الدينية التقليدية وشاهد عنفوان الصراع بين المدارس المدنية الحديثة والمدارس الصوفية التقليدية وحتى لا أطيل: أحيل القارئ على شبكة النت لمزيد من الاطلاع على حياة كولن وطريقته في الدعوة وحتى يشعر القارئ بالمكانة التي يحظى بها “كولن” عالمياً،

ذلك أن استفتاءً قامت به بعض الدوائر الغربية المتخصصة قبل سنتين تقريباً وخلاصة الاستفتاء عن شخصيات هي أكثر تأثيراً في العالم ـ الأتباع والمحبين ـ حيث طلعت النتيجة لـ«5» كلهم مسلمون: الأول: فتح الله كولن، والثاني القرضاوي والثالث عمرو خالد وعليه يمكننا القول: بأن كولن هو جيلاني العصر، مع الفارق، ذلك أن الإمام الداعية المجدد عبدالقادر الجيلاني ـ القرن السادس الهجري- قام بحركة تجديدية في بث روح الإيمان وفتح مدرسته ببغداد معتمداً فيها على الوقف الخيري ، تغذية وسكن لرواد المدرسة، ثم انطلق رواد المدرسة في سائر أقاليم العالم الإسلامي وعلى نفس المدرسة نهجاً وممارسة، فتحوا قرابة “400” مدرسة، وكان الشعار هو “لكلّ مذهبه الفقهي والفكري وهدفنا واحد هو تحرير القدس من نير الاحتلال الصليبي” الذي جثم عليها قرابة “90” عاماً لقد اعتمد الجيلاني منهجاً سلوكياً في التزكية ـ صناعة الإنسان على مائدة الإيمان ـ وفعلاً نجح الجيلاني في إعداد جيل “الرواد” الذين حملوا الفكرة ثم نشروها عبر مدارسهم في سائر الأقاليم فظهر جيل جديد من الجنسين حيث سجل التاريخ نساءً بدرجة الإفتاء في الشام “فقط في الفترة التي تولى فيها صلاح الدين الأيوبي” بلغ العدد “800” امرأة خريجات مدرسة الجيلاني الأصلية أو فروعها! ليأتي صلاح الدين على قمة جيل يفور حيوية وتضحية، منسجم الرؤية “في قواسم مشتركة” أبرزها تطهير القدس من رجس الاحتلال وكذا احترام الآخر أياً كان مذهبه الفكري أو الفقهي، وكذا الزهد في الدنيا ـ بأن يجعلوها في اليد لافي القلب وهذا أكد عليه الجيلاني في خطابه تكراراً أو مراراً ودعا للأخذ بالأسباب مخالفاً ومحارباً لما كان قد ترسخ في الخطاب الصوفي المنحرف، مؤكداً أن ترك الأسباب مخالف للشريعة، إذ لا فرق بين تارك الأخذ بالأسباب وتارك الصلاة التي تعد من أقوى الأسباب المانعة من الوقوع في الفحشاء والمنكر، وكذا سائر الشعائر التعبدية.

كما أن الجيلاني رحمه الله استفاد من إخفاقات المدارس الإصلاحية التي سبقته كمدرسة “أبي حامد الغزالي” التي أنشئت على أنقاض المدرسة الفكرية البويهية ـ الشيعية ـ حيث كان الداعم لمدرسة الغزالي هو السلطان “نظام الملك السلجوقي” ولكن بعد عشرين عاماً تم إلغاء المدرسة الغزالية بقرار وهنا استفاد الجيلاني من فكرة قيام المدرسة وبنفس المنهج التزكوي فقط”، أما الجانب الفكري فقد تركه الجيلاني لأن الغزالي كان قاسياً ضد البويهيين ـ الباطنية ـ وضد الفلاسفة إذ بلغ به القول في حق الباطنية: أن التقرب إلى الله بباطني واحد أفضل عند الله والتقرب بمائة شرك؟؟ لكن الجيلاني ترك هذا ورفع شعاره الآنف الذكر “لكل مذهبه....” وقد تحققت رؤيته وتم تنفيذ الهدف بعد وفاته رحمه الله.. واستمر عطاء هذه المدرسة طويلاً كونه قامت على الوقف الخيري.

فإذا لاحظنا موقف جيلاني العصر “فتح الله كولن” ومن خلال أطروحاته وكتاباته وسيرة حياته سنجد أن قد استفاد أولاً من مدرسة النورسي من ناحيتين: الأولى الطريقة الجديدة في بعث الإيمان بالطريقة الفردية والجماعية، الناحية الثانية: أن استفاد من النورسي رحمه الله نقطة هامة وهي: أن النورسي تحرك في الأوساط بمفرده وبمجرد وفاته انطفأت أو قل ماتت دعوته اللهم سوى سلوكيات فردية، ومن هنا استفاد “الداعية فتح الله” نظرة إيجابية ناجمة عن تأمل واعٍ حيث جعل دعوته تنطلق من عمل مؤسسي.. وهذا سر نجاح الرجل “فتح الله” تمثل هذا العمل المؤسسي في إقامة مدرسة فقط في الأناضول وهكذا شيئاً فشيئاً ليصبح الرقم “500” مدرسة في الأناضول فقط وما يزيد عن ألفي مدرسة في العالم، سبع جامعات، عدد من القنوات الفضائية والإذاعات المحلية والصحف والمؤسسات الخيرية وها هو يعيش حالياً في أمريكا يصارع عشرة من الأمراض ـ طبعاً لم يتزوج وممنوع طبياً من أي عمل ذهني أو عضلي ومع ذلك فها هو يطالعنا بحديثه الإيماني العذب في مطلع كل فصل عبر مجلة حراء الرائعة فعلاً، إلى جانب ماقدمه من كتابات ناهزت المائة كتاب ـ تم ترجمة أحد عشر كتاباً إلى العربية.

قراءة في فكر فتح الله كولن

الإنسان أولاً

  1. ركز عنايته بالإنسان وجعله هدفه في الماضي ومازال حتى اللحظة، منطلقاً من “رعد” التغيير الوارد في سورة الرعد “حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
  2. المزاوجة بين الإيمان والعلم الحديث ـ العلوم الطبيعية ـ وحول هذا الهدف نجد أنه قد تكلم حوله كثيراً وبعبارات مختلفة، خلاصتها: أن الغرب عموماً أقام الجانب المادي من الحضارة، ونجح الغرب بلاشك، ولكن هذا النجاح صاحبته أخفاقات عديدة في النفس والمجتمع، ذلك أن الحضارة الغربية ـ حد تعبير كولن ـ أقامت شطراً وأضاعت شطراً مهماً وحساساً وحيوياً، ذلكم هو الإيمان فهي حضارة لاشك في إيجابياتها لكنها لم تستطع تقديم حلولٍ في جانب النفس البشرية وتطلعاتها وتحليقها في عالم الطمأنينة والرضاء والقناعة، كما أنه أثناء حديثه عن الإيمان وضرورة المزاوجة بينه والعلوم الطبيعية في حياة الفرد المسلم والمجتمع تجده ينتقد سلوكيات الغرب تجاه الغير حيث أن الغرب يخالف كل مايدعيه من حماية الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، وإذا صدق الغرب في دعواه فهي محصورة في نطاق الدولة “الأورو أمريكية” فقط.. إنها حقوق الإنسان الأبيض؟!
  3. الأخذ بالأسباب.. هذا المفهوم الذي ران عليه ركام من تخلف القرون المنبثقة عن بعض الزوايا الصوفية التي تربع على قمتها “رؤوس جاهلة” بالوراثة عن الآباء فكرست التواكل وميعت مفهوم التوكل حتى دخل العقل المسلم في غيبوبة حضارية مطلقة ـ لكنها باسم الدين والزهد، وستبرز مفاهيم دينية غريبة ـ الدنيا رجس، والمرأة شيطان والجمع بين الدنيا والآخرة حرام ـ انطلاقاً من فهم باطني فج هو أقرب إلى اللغز في تفسير للآية: “وأن تجمعوا بين الأختين” قالوا أنهما الدنيا والآخرة وهو تأويل يأباه سياق الآيات وتأباه اللغة، ويأباه الرسول وصحابته، ويأباه العقل السليم والشرع القويم.. لذلك نجد “كولن” قد كرس دعوته قولاً وفي كتاباته قائلاً وداعياً إلى الأخذ بالأسباب رافضاً ذلك المفهوم ـ الإنسان مسير ـ وأن هذا المفهوم هو تورط في دوائر الفتور الفاسدة ذلك أننا إذا أردنا أن نكون أيةً عظمة يجب أن نؤمن بضرورة منهج ومشروع بعقلية محترفة ومتخصصة وأن قضيتنا الكبرى التي تفوق كل القضايا هي الهاب جمرة الرغبة في إحياء الآخرين مرة أخرى، وفرز الأفكار الغربية المندسة بين الأمة وأهدافها السامية وحث الأمة على السير نحو هدفها التاريخي من جديد، بتحضير جيد وتحفيز وبأنشطة وفعاليات منظمة ومنتظمة حتى تؤدي ثلاثة حقوق: حق الله ـ الشعائر ـ وحق الدولة ـ الحاضن لقيام الحضارة ـ وحق الدين ـ تنظيم اجتماعي يربط المجتمع بالقيم الإنسانية الخالدة حتى نحمي حرية الأمة ونردع الظلم لنصل إلى القمة.

الأساسية وهي السلم في الإسلام، مؤكداً أن الإستراتيجية متغيرة دائماً ـ الوسائل ـ

“رؤاه الفقهية”

فتح الله كولن.. جيلاني العصر
  1. الجدير ذكره أن فتح الله كولن داعية ناجح ومؤثر؛ ذلك أن أجمل تحليقاته الأدبية والتي يقدمها بصياغة متينة تأتي في مجال حديثه عن الإيمان وبصور متعددة وتعابير مختلفة لكنها تصب في معنى واحد .. بخلاف لغته الفقهية فإنها تقليدية!!

    ذلك أنه يرى أنها مازالت صالحة ونافعة، ومع ذلك نجد في لغته الدعوية والفقهية مفردات حضارية جدير بالخطباء،والمرشدين أن يتأسوا به،ذلك أن لغة الكثير من الخطباء والدعاة والفقهاء تعاني فقراً مدقعاً في هذا الصدد .. كالحرية وإنسانية الإنسان والحضارة والنهوض وحق الأمة ..إلخ.
  2. يطغى عليه الوجدان الصوفي الحي في حب النبي وتمجيده كمنقذ للإنسانية وصاحب منهج حضاري غير أن هذا الحب أحياناً لا يخلو من شطح وغلو يأباه الشرع، لكن التصوف الحاضر بقوة في مخيلة الرجل يأبى إلا أن يظهر متعلقاً بأحاديث واهية لا أصل لها مثل قوله:إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو علة الكون ـ خلق الله الكون لأجل محمد!

    ولأن “كولن” عايش العلمانية الحادة ـ المتنكرة لكل القيم ـ فإنه وجد نفسه مضطراً كردة فعل أن يقول بهذا الشطح الصوفي.
  3. لايخلو خطابه من نظرة مقاصدية أحياناً وإن كانت تشرعن للعرف مثل قوله باستحباب إطالة الشوارب عند المقاتلين ليكونوا أشد رهبة لعدوهم؟!
  4. ولأن خطابه إحيائي فلقد أعاد كثيراً من المفاهيم التقليدية، كونه يرى ذلك حفاظاً على الذات والهوية لاسيما لدى المعاق حيث لايصلح للعامة غير هذا.
  5. نظرته في أصول الفقه نجده أشار في كتابه النور الخالد إلى قضية أصولية ولكن في أسطر قليلة وذلك في سياق حديثه عن السنة وتدوينها ودور العلماء في تنقية السنة .. إلى القول« والقرآن والحديث المتواتر هما المحك والمقياس، الاحاد يعرض على القرآن ومتواتر السنة،فإن تماشت معهما قبلت وإلا عدت من الأحاديث التي فيها نظر وأصبحت موضع نقاش وحساب؟!

    قلت هذه النقطة، والنقطة ـ المقاصدية ـ تعطينا مدى إحاطة الرجل ولكنه يؤثر الخطاب المفيد في نظره لتحريك الإيمان لدى أكبر عدد تاركاً قضايا التأصيل الفقهي للنخبة.
  6. وفي معرض دفاعه عن السنة،نجده يتحدث حول حديث ولوغ الكلب من الإناء وغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب وكذا حديث الذباب، ولا يقدم شيئاً جديداً، مكتفياً بإجابات تقليدية.. والحقيقة أني لا أجد له مبرراً مع أنه يعيش في مجتمع له إسهام مبكر في العلوم والطب إلخ.

    حيث كنت متوقعاً تقديم إجابات علمية لكنه لم يفعل .. ولعله والله أعلم يريد من الأمة بعمومها التمسك الشديد بتراثها في ظل الزوبعة العلمانية التي جاءت لتجتث كل قديم وإن كان صالحاً.
  7. نظرته للجهاد إنه جاء لأهداف منها: الدفاع ـ ردع الظلم ـ وترسيخ حرية الدعوة، والتي تميز حرية اعتناق المعتقد، وهنا يتحقق المعنى الإنساني العظيم ـ حرية الاختيار ـ والذي يمثل ذروة التكريم الإنساني.

الخلاصة

فتح الله كولن داعية مؤثر وناجح، فكرته المؤسسية أوجدت زخماً عالمياً لدعوته،تركيزه على إصلاح الإنسان جاء بعد دراسة عميقة للواقع ، الإيمان هو المحك الأول وهو الأرضية الخصبة لأي إصلاح، منهجه الدعوي والفكري فيه نظرات تجديدية وأسلوب إجمالي لا يخلو من حكمة، يمتاز بالجمع بين التزكية والدعوة إلى عمران الأرض،أسلوبه أكثر حكمة وتورية خشية الاصطدام بأحد.

http://www.algomhoriah.net/atach.php?id=30323

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.