3-القضاء والقدر من حيث المشيئة الإلهية

القضاء والقدر من حيث المشيئة الإلهية يمكن أن يكون كالآتي:

أولاً: المشيئة الإلهية في الآيات الكريمة

إن كلمة شاء، يشاء، مشيئة، تعني الإرادة وهي من الكلمات الواردة في القرآن الكريم بكثرة. وعلاقة المشيئة الإلهية بالقدر تضفي على القدر بعداً آخر.

إن المشيئة الإلهية هي الأصل في وقوع الحوادث وظهور الأشياء، فالقرآن الكريم يذكّرنا بهذه الحقيقة في كثير من آياته الكريمة، سنذكر قسماً منها:

آ- ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً﴾(الكهف: 23-24) بمعنى عندما تعزم على شيء لتفعله، عليك أن تتخذ المشيئة الإلهية أساساً له وتربطه بإرادته سبحانه. وفي الحقيقة إنك لا يمكن أن تقوم بشيء ما لم يشأ هو سبحانه. وعلى الإنسان ألاّ يغيب هذا عن باله عندما ينوي الشروع بأي عمل من أعماله.

ولمناسبة هذه الآية الكريمة يعلّمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحادثة الآتية:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال سليمان بن داود عليهما السلام، لأطوفنّ الليلةَ بمائة امرأةٍ، تلد كلُّ امرأة غُلاما يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلمْ يقُل ونسي. فأطاف بهن، ولم تلد منهن إلا امرأةٌ نصفَ إنسانٍ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال إن شاء اللهُ لم يَحنَثْ، وكان أرْجَى لِحاجته».[1]

نعم، إن على الإنسان أن يعتقد جازماً أنه ليس بمقدور أحد فعل شيء ما لم يشأه سبحانه. فالإنسان الخبير بالبعد اللدنّيّ للأشياء والقادر على الإنصات إلى عالمه الداخلي، يعتقد بهذه الحقيقة، وعليه أن يعتقد بها، بما لا يمكن أن يرد خلافها إلى خلده ولو بمقدار ذرة.

إننا عندما ننظر إلى الأشياء والحوادث وعلاقتِنا بها، ندرك ونرى بيقين أننا لا نستطيع حمل قشة صغيرة ما لم يشأ الله سبحانه ذلك. بل يحدث بعض الأحيان أننا بعد أن نهيئ المقدمات جميعها ونفكر بالمسألة بأوجهها كافة، ونخطط وفق ذلك حتى نعتقد أننا استكملنا الشروط كافة، وإذا بنا نشاهد أن الأمر قد انقلب على عقبيه باحتمال لا يخطر على بال. بمعنى أن لو كانت الاحتمالات محسوباً حسابها جميعاً ولكن المشيئة الإلهية لم تتعلق بها، أي إن لم يشأ سبحانه تحقق ذلك الشيء بالشكل الذي نريده، لا يتحقق قطعاً حتى لو استكملت الشروط الظاهرة. وهكذا تذهب خططنا أدراج الرياح. فالآية الكريمة تعلّمنا ذلك: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾(الإنسان: 30). أي إن إرادته سبحانه نافذة حتى لو بذلتم كل البذل وأردتم بكل إرادتكم، فكلّ ذلك لا يعني شيئاً إن لم يرده هو سبحانه، فالجهود تذهب هباء، إن لم تتعلق الإرادة الإلهية بذلك الشيء. ولكن كثيراً ما يلطف بنا سبحانه فيقبل الأسباب –هكذا تجري العادة الإلهية- وإرادة الإنسان بمثابة دعاء. وهكذا المشيئة الإلهية تتعلق بكل شيء وبكل أجزاء الحوادث، فهي مندمجة معها اندماجاً كلياً.

فالمشيئة الإلهية تظهر نفسها في جميع جهات الحياة وفي كل صفحة من صفحات حياة الإنسان كما تعبّر عنها الآية الكريمة الآتية:

بـ- ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾(البقرة: 253).

فلولا مشيئة الله إذن لما قدرتم على القيام بعمل شيء مهما كان. فمثلاً لو شاء الله ما تقاتلتم. ولكن لأنكم تتقاتلون فإن أعمالكم الإيجابية أو السلبية -سواءً أكانت لكم أو عليكم- مرتبطة بمشيئته سبحانه كلياً. فما شاء الله كان ولا يُسأل سبحانه عمّا فعل ويفعل، ولا يستشير أحداً في ما فعل ويفعل. فالحديث الشريف الآتي قاعدة مقررة: «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن»[2]. فما شاء الله كان ويحظى بالوجود، وما لم يشأ (أي ما شاء ألاّ يكون) لا يكون.

وهنا أمر ملفت للنظر وهو: تعلق مشيئته سبحانه بالعدم. ولهذا فما شاء الله كان، وما يشأ ألاَّ يكون لا يكون. نعم إن المشيئة الإلهية تتعلق بالوجود والعدم. وإلاّ ليس الأمر كما يقوله البعض: إن المشيئة الإلهية إذا تعلقت بشيء يكون وإن لم تتعلق لا يكون، فهذا الأمر خطأ في الفهم. فليس هناك عدم تعلق المشيئة الإلهية بشيء إطلاقاً. لأن العدم كالوجود وفي قبضة مشيئته سبحانه.

فلو استوعب المعتزلة والجبرية فحوى الحديث المذكور وما فيه من معانٍ دقيقة لما وقعوا في الورطات التي وقعوا فيها. حيث إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوضح الأمرين معاً بـ"الكينونة".

والمشيئة أيضاً هي الفاصلة في مسألة الإيمان والهداية. فالذين ينظرون إلى هذه المسألة من هذه الزاوية يقولون: إن الإيمان نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده، بعد صرف الجزء الاختياري. بمعنى أنت تسعى وتبذل الجهد والله سبحانه يخلقه. نعم، إن ذلك النور لا يمكنك أن تشعله في نفسك ولا تستطيع أن تديمه إلى الأبد، فذلك النور ليس إلاّ الله يشعله إذا شاء ويضيئه في قلبك إذا أراد. والدليل على ذلك:

جـ. ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(يونس: 99). أي لو شاء الذي رباك وأبلغك الكمال وهو الحاكم على كل شيء، لهدى الناس كلهم. وهناك آية أخرى في هذا الباب:

د- ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَوَ﴾(الأنعام: 35). إن هذا التنبيه الإلهيّ لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو تنبيه تجاه جميع الانحرافات التي في مسألة القدر. نعم لو شاء ربك لهداهم جميعاً، ولسجد الناس كلهم. فكان الناس كلهم ذوي وجدان منور ويحظون بالعبودية الخالصة لله ويكونون مكرمين بالإيمان والإسلام. ولكن مشيئة الله غير هذا. فلم تتعلق بهذا النمط من الهداية ولهذا لم يحدث هذا.

هـ- ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾(المائدة: 48).

نعم لو شاء ربنا لجعل الناس كلهم أمة واحدة، ولكن المشيئة الإلهية أرادت أن تكون أمماً عديدة متميزة. ولهذا ظهرت الأمم هكذا متمايزة بعضها عن البعض، للابتلاء والامتحان.

أما حاكمية الدول ودوامها وتعاقب الحكام في هذه الدول ما هي إلاّ بمشيئة الله، والآية الكريمة التي توضح هذه هي:

و- ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾(آل عمران: 140). فالآية الكريمة تعبّر عن المشيئة الإلهية رغم أن الكلمة لا ترد فيها صراحة. لأن ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا﴾ تبيّن بوضوح أن تبدل أحوال الناس ومواقفهم وأطوارهم هي بأمرٍ إلهي وفي قبضته سبحانه. فالأيام تتداول وتتعاقب بيده بكل سهولة. ولكن يا ترى ونحن نذكر جميع هذه الأمور فهل يعني هذا نفيٌ للإرادة الإنسانية؟ الجواب: كلا. ولكن لا نتطرق حالياًَ إلى ذلك الموضوع. لأننا نبحث هنا في الآيات المتعلقة بالمشيئة الإلهية... وهناك آية أخرى:

ز- ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾(النساء: 133). نعم، إن الله سبحانه وتعالى لقادر على أن يُذهبكم ويأتي بآخرين بدلاً منكم؛ فكما أذهب الصحابة الكرام ثم الأمويين ثم العباسيين ثم السلاجقة ثم أتى بالعثمانيين، فأذهبهم أيضاً، فأصبحت الأمانة الكبرى، الميراث المقدّس، تنتظر المؤتمنين الجدد، ترى مَنْ من هؤلاء لهم اليد الطولى في هذا الأمر؟ وكم هي حصة العقل والدهاء في هذا الميدان؟ وكم مَن حاول منهم أن يحول دون السقوط والانعدام؟ فالقانون الإلهي الذي لايتبدل هو مدى رعايتهم للشروط العادية -الأسباب- التي وضعتها المشيئة الإلهية، إذ رعايتهم لها على جانب عظيم من الأهمية في البقاء والوجود وتحمّل أعباء الدين والذود عنه. ويمكن أن نورد أمثلة كثيرة من التاريخ حول صعود الأمم وسقوطها. ولكن لا نتطرق إليها هنا لئلا نخلّ بحدود مسألتنا التي نحن بصددها.

نعم، إن أعظم قضية على سطح الأرض هي الحفاظ على الدين، لأن الدين هو الذي بيّن غاية الحياة ونتيجتها، وهو أيضاً وضع أفضل الأسس وأعدل الموازين في العلاقات بين الناس. فالحفاظ على هذه العلاقات هي ضمان لأفضل وأكمل حياة للناس وليس فقط لوجودهم. بينما دفع الناس إلى تذويب ماهيتهم الحقيقية والفطرية وإبعادهم عن شخصيتهم الذاتية وصهرهم في أنظمة أجنبية وثقافات غريبة عليهم يجعلهم محرومين من طاقاتهم الذاتية ويسوقهم إلى الاستجداء على أبواب الآخرين. علماً أن منبع جميع الفضائل والحسنات هو الدين.

فمهما ابتعد الإنسان عن الدين فإنه يستشعر دوماً في باطنه بالفراغ الذي يتركه الدين. وأيّما أمة ابتعدت عن الدين وأعرضت عنه انقلب بنيانها المعنوي والمادي وأصبح عاليه سافله. إن الدولة الكافرة ربما تملك اقتصاداً قوياً، ولكن لا يمكن أن تجد الأمم المتدينة التي أعرضت عن الدين مثل ذلك الاقتصاد. ذلك لأنهم لم يراعوا قسماً من الأسباب التي وضعتها المشيئة الإلهية كشرط أول لحياتهم. فالآية الآتية توضح هذه النقطة:

حـ- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(المائدة: 54).

فكلمة " ارْتدّ، يرْتدّ" تعني الرجوع إلى الخلف، أي الرجوع عن الدين. فالقرآن يخاطب كل مؤمن بهذه الكلمة بما تتحمله من معاني: الارْتداد عن العقيدة، الارتداد عن العمل، حتى الارتداد عن التصور والارتداد عن التفكر... وهكذا هناك معان أخرى كثيرة.

فالفرد -أو الجماعة- الذي بلغ مستوى معيّناً في حياته الدينية وأصبح جزءاً لا يتجزأ من الدعوة إلى الله، عندما يجد نفسه أمام هذه الآية الكريمة يستشعر بأنها تهدده بالرجوع إلى الحالة السابقة، أي قبل الإيمان. لأن المراحل التي كسبها الفرد -أو الجماعة- هي لطف إلهي فحسب. فلو أرخى الفرد -أو الجماعة- عنان المثابرة على العمل ولم يتمكن من المحافظة على الحيلولة دون التقهقر المعنوي، فسوف يسلب الله سبحانه منه هذه الدعوة ويسلمها إلى شخص آخر أو جماعة أخرى.

وكذا الدولة إن كانَت قَد جعلت روح الحياة هو الدين وتمتثل هذا الأمر، فالأمة بكاملها تكون المعنية بالآية الكريمة. والتهديد موجّه إليهم جميعاً. إذ الأمة التي أعزّها الله باتخاذها الدين حياة لها، لو سحبت يدها عما أعزّها الله به ستتردّى رأساً على عقب بلا ريب ويعزّ الله أمة أخرى.

ويُلاحظ في كلمة ﴿بِقَوْمٍ﴾ تنوين التنكير. أي أيّ قوم كان، وربما هم مجهولون لدى الناس ولا يخطرون على بال أحد. ولا يُعلم متى يظهرون وبأي ظروف يأتون. إلاّ أن أوصافهم معيّنة. إذن فسيتسابق كل قوم ليكون هو القوم الذي أثنى عليه الله. فكما لا يمكن أن يدّعي قوم من الأقوام أننا المعنيون بالآية، لا ييأس أي قوم كان عن الاتصاف بتلك الأوصاف.

وأوصاف ذلك القوم هي الآتية:

الصفة الأولى: ﴿يُحِبُّهُمْ﴾ الله. حيث يضع سبحانه في قلوب الناس حسن الظن بهم. «عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبدَ نادى جبريلَ إن الله يحب فلانًا فأَحْبِبْه، فيحبه جبريل؛ فينادي جبريلُ في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأَحِبُّوهُ، فيحبه أهل السماء؛ ثم يُوضَع له القبولُ في الأرضِ».[3] وعندها يرقب الجميعُ ما تشير إليه عيونهم، ويؤثر فيهم كلامهم، بل كل ما يقترحونه يُتلقى أمراً، وحالما يأمرون ينفذ فوراً ويستقر في القلوب والوجدان.

الصفة الثانية: ﴿يُحِبُّونَهُ﴾ لا جرم أن قياس محبة الله لهم وعلامتها هي حبّهم الله. فمن كان يحب اللهَ، بأي نسبة كانت محبته فهو محبوب عند الله بنفس النسبة. أي إنهم عشاق الله.

الصفة الثالثة: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي يرون المؤمنين جميعاً أرقى منهم ولا يترددون أن يضعوا رؤوسهم تحت أقدام المؤمنين. وكلما تواضعوا لله هكذا، رفعهم الله.

الصفة الرابعة: ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ فلا يخضعون لهم ولا ينحنون أمامهم، بل هم في جهاد ونضال معهم دائماً. وبقدر تواضعهم للمؤمنين فهم أعزاء على الكافرين.

الصفة الخامسة: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَـبِيلِ اللهِ﴾ في كل زمان ومكان، وحسب ظروف ذلك الزمان والمكان. إذ الجملة فعلية تدل على التجدّد، أي أنهم يتحركون ببصيرة وفراسة.

الصفة السادسة: ﴿لاَ يَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ﴾ إذ لا يخافون إلاّ الله، فلا يحسبون لكلام الآخرين حساباً، ولا يبالون به. حيث لا يفكرون إلاّ بأمر الله ورضاه.

وهكذا فهذه الصفات هي التي تتصف بها الجماعة المثالية. فمن اتصف بها منحه الله سبحانه الأمانة المقدسة. وهذا قانون إلهي لم يتبدل ولن يتبدل.

فإن اتصف بها العرب فهم الذين يحملون الأمانة، وإن اتصف بها الترك تعطى لهم الأمانة وكذا الكرد والبوشناق والألبان.. فأيّمَا قوم اتصفوا بها فهم الحقيقون بالأمانة.

وهناك آية أخرى تضم قواعد وأسساً عامة وشاملة:

طـ- ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(آل عمران:26)

نعم، إن أيَّ أمة ليس لها من يمثلها محكوم عليها بالتشتت، وإن لم يربط الملوك قلوبهم بمالكهم الحق وهو الله سبحانه، فتلك الأمة لا تستوي على ساقها ولن تقف منتصبة على قدميها مدة طويلة.

وكأنما يبدو هنا ذل بعدم إظهار الإرادة من جهة، وكأن البقاء ليس إلاّ بالإرادة من جهة أخرى. فالإرادة التي تظهر وتبرز ستكون علامة حاكميتنا وشارتها، والمحافظة عليها يكون بالالتجاء إلى الله سبحانه في كل فعل. وهكذا وجدان هذه الموازنة مرتبط بالإدراك التام للقدر والإرادة "الجزئية" ولاسيما المشيئة الإلهية التي أسميناها "البعد الثالث للقدر".

لقد شاهدنا وأدركنا في الآيات الكريمة المذكورة: أن المشيئة الإلهية قد أحاطت بالحياة كلها دقّها وجلّها، فمشيئته سبحانه قد أحاطت بكل شيء. بل حتى العدم عبارة عن تجلّي المشيئة في تلك الجهة. فهو سبحانه ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُريِدُ﴾(هود: 107؛ البروج: 16). فلا يمكن أن يحصل شيء دون إرادته جل وعلا.

علماً بأن المشيئة الإلهية قد تتجلى رحمةً وأخرى عذاباً. كلٌّ في حينه. والآيات الكريمة الآتية تبين لنا هذا الأمر:

يـ- ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾(الإسراء: 54).

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾(ق: 16).

﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(البقرة: 284).

نعم، إن الأنبياء ما فتئوا يترنمون بالمشيئة الإلهية. والقرآن الكريم يشهد على هذا الترنم:

كـ- ﴿قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(الأعراف: 188).

بمعنى أن المشيئة الإلهية هي الأساس في كل شيء حتى أنني لا أملك نفعاً ولا ضراً لنفسي فكيف بالآخرينبـم ينفعوني، إلاّ ما شاء الله.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد استسلم إلى المشيئة الإلهية استسلاما تامًّا حتى أنه قال: «سَدِّدوا وقَاربوا وأبشروا، فإنه لا يُدخل أحَدًا الجنةَ عملُه. قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني اللهُ بمغفرةٍ ورحمة».[4]

فهذا هو ميزان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. أمام المشيئة الإلهية وهكذا يعلّمنا إياه. وكل شخص عليه أن يزن نفسه وعمله بهذا الميزان.

نعم، إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الوضع أمام المشيئة الإلهية، فكيف بالآخرين؟ بهذا الاستسلام وبهذا الإدراك يرتفع الإنسان إلى أعلى عليين، ويجول رأسه في آفاق السماء. ونحن نوصي الذين يرددون دوماً: "لقد عملنا من الصالحات الشيء الكثير فإن لم ندخل الجنة فمن سيدخلها غيرنا"... وأمثالها من العبارات الدالة على الغرور والكبر، نوصيهم أن يتخذوا الحديث الشريف المذكور وطور الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم -وهو النبي العظيم أمام المشيئة الإلهية- مثالاً ونموذجاً لهم. بمعنى أن الاستسلام للمشيئة الإلهية ينجي الإنسان من الكبر والغرور أيضاً. فالمؤمن إذن مضطر إلى قبول المشيئة أساساً في كل عمله. لأن المشيئة الإلهية قد أحاطت بكل شيء ظاهراً وباطناً، فلا شيء خارجها قط.

لا شك أن إدراك المشيئة الإلهية بمقاييسها المطلوبة يحتاج إلى مستوى معين من العلم. ومن الصعوبة بمكان لمن لم يبلغ هذا المستوى أن يفهم المشيئة الإلهية حق فهمها، بل حتى يكون ذلك محالاً. أليست هذه المسألة هي إحدى المسائل التي لم يدركها حق الإدراك المجتمعات التي أُرسل إليها الأنبياء جميعاً، فأعرضوا عنهم؟

والقرآن الكريم يوضح في مئات من الآيات الكريمة "المشيئة" بوجوهها المتنوعة مورداً الأمثلة من الأنبياء وأقوامهم. فهذه المسألة "المشيئة" ترد في القرآن الكريم بأبعاد كثيرة اعتقادية تصورية عملية وغيرها.

وسيدنا نوح عليه السلام مثال بيّن في هذه المسألة، إذ يبين القرآن الكريم الذين عارضوا سيدنا نوحًا عليه السلام وهوّنوا من تهديداته. فتقول الآية الكريمة:

لـ- ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(هود: 32) وأجابهم سيدنا نوح بالآتي:

﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(هود: 34، 33).

وهكذا يشير سيدنا نوح عليه السلام في جوابه هذا إلى حقيقة: أن الإرادة الإلهية هي فوق جميع الإرادات. فكأنه يريد أن يقول لقومه: إنني لست أنا المنـزل بذلك العذاب عليكم، فلو كنت أستطيع أن أعذّب أحداً لما كان أحدٌ يجرأ على الاعتراض عليّ ولذهب سر الامتحان أدراج الرياح. بينما أنتم باستخدامكم ما وهب لكم ربكم من إرادة جزئية فإما تستسلمون أو تعرضون عنه. ولكن لو أراد الله أن يغويكم بسر الامتحان فإن كلامي لا ينفعكم حتى لو كان من جواهر ثمينة -وفعلاً كلام الأنبياء أغلى من الجواهر-. لأن مشيئته أعلى وأسمى من أيّ تقدير وتكليف. فهو ربكم، يفعل ما يشاء وكيفما يشاء، وإليه مرجعكم حتى لو لم تشاءوه. وليس لديّ إلاّ الدعوة والإرشاد والنصح. فأنا وأنتم أمام المشيئة سواء. فهذه الآية الكريمة وأمثالها تبين أشكالاً متنوعة من مواقف الأنبياء أمام المشيئة الإلهية.

فسيدنا إبراهيم عليه السلام أيضاً يعلّم قومه المشيئة الإلهية في أثناء دعوة قومه إلى التوحيد:

مـ- ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ (الأنعام: 80).

فَسيّدنا إبراهيم يقول: إنني لا أخاف ما تشركون به، إلاّ أنني أخاف مما يشاء ربي. أي أخاف من حكمه عليّ. وإلاّ فلو انفلقت الكائنات كلها على رأسي لما أخافتني قط لأنني على يقين بأن أحداً لا يضرني بشيء إلاّ أن يشاء الله.

فهذا الدرس، درس التوحيد، الذي أورده سيدنا إبراهيم عليه السلام يؤكد على المشيئة الإلهية بوضوح.

نـ- ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾(الصافات: 102) هو جواب سيدنا إسماعيل تجاه ما اقترحه عليه والده عليه السلام. ويعقب ذلك مباشرة: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾(الصافات: 102) مشيراً إلى المشيئة الإلهية. أي أنه يربط صبره بالمشيئة الإلهية. فلا يكون صبره إلاّ بمشيئته سبحانه.

إن سيدنا موسى عليه السلام يقول: ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللهُ صَابِراً وَلاَ أعْصِي لَكَ أمْراً﴾(الكهف: 69) في جوابه لسيدنا الخضر في أثناء سياحتهما وتجاه قوله: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾(الكهف: 67).

وها نحن نشاهد مدى التشابه في تعابير الأنبياء وأقوالهم. فكلهم جميعاً ينطلقون من المشاعر والإدراك نفسه، ويقولون الشيء نفسه، ذلك لأن استسلامهم للمشيئة واحد.

س- يقول سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آِمِنِينَ﴾ (يوسف: 99). يقوله لأبويه عند دعوتهما إلى مصر، ولا ينسى المشيئة الإلهية.

فإذا نظرنا إلى أي نبي من الأنبياء عليهم السلام نجد أن المشيئة في سلسلة العقيدة عندهم واضحة بيّنة، وذلك من تعليم الله إياهم.

نعم، إن مشيئة الله هي كل شيء، وهي الأساس بالنسبة لإرادة الإنسان، وردُّها ليس إلاّ إشراك بربوبيته تعالى، إذ يعني ذلك إعطاء قسم من الإجراءات إلى غيره تعالى.

ثانياً: المشيئة الإلهية في الأحاديث الشريفة

آ- يروي أحمد بن حنبل «عن طفيل بن سَخْبَرَة أخي عائشة لأمّها، أنه رأى فيما يرى النائمُ، كأنه مرَّ برهط من اليهود فقال‏: "من أنتم؟" قالوا "نحن اليهودُ". قال "إنكم أنتم القومُ لولا إنكم تزعُمون أن عزيرا ابنُ الله!". فقالت اليهودُ: "وأنتم القومُ لولا أنكم تقولون ما شاء اللهُ وشاء محمدٌ". ثم مر برهط من النصارى فقال‏:‏ "من أنتم؟" قالوا "نحن النصارى". فقال‏:‏ "إنكم أنتم القومُ لولا أنكم تقولون المسيحُ ابنُ الله!". قالوا: "وإنكم أنتم القومُ لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمدٌ". فلما أصبح أخبر بها مَن أخبر، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ هل أخبرتَ بها أحدا؟ قال عفَّانُ قال‏:‏ نعم. فلما صَلَّوْا خَطَبَهم فحَمِد اللهَ وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إنّ طُفيْلاً رأى رؤيَا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يَمْنَعُنِي الحياءُ منكم أنْ أَنهاكم عنها، قال‏:‏ لا تقولوا ما شاء اللهُ وما شاء محمدٌ».[5]

نفهم من هذا الحديث الشريف أن المشيئة الإلهية هي الأساس، ولا دخل لأحد فيها غير الله سبحانه، بل إن نية الإنسان بكون غير الله سبحانه نافعًا وضارًّا يجرّ ذلك إلى الكفر والإشراك.

بـ- مثال آخر حول الموضوع نفسه

«عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئتَ. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجَعلْتَنِي واللهَ عَدْلاً؟! بل ما شاء اللهُ وَحْدَه»[6].

فالرسول صلى الله عليه وسلم يحمل توحيداً واضحاً في التصرف الإلهي بحيث لا يدع أحداً مهما كانت نيته إلاّ وينبهه على خطئه في عدم إدخال أحد في التصرف الإلهي قط.

جـ- عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّتْ قَلْبي على دينك. فقلتُ: يا رسول الله آمَنَّا بك وبما جئْتَ به، فهَلْ تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أُصْبُعَين من أصابع الله يقلِّبُها كيف يشاء».[7]

ونجد سبب إكثاره صلى الله عليه وسلم من هذا الدعاء في هذه الرواية:

«عن شَهْرُ بن حَوْشَبٍ قال قلتُ لأمّ سلَمة: يا أمَّ المؤمنين ما كان أكْثرُ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندكِ؟ قالتْ: كان أكثرُ دعائه "يا مُقلّب القلوب ثبّت قلْبي على دينك". قالتْ فقلتُ: يا رسولَ الله ما أكثرَ دعاءك "يا مُقلّب القلوب ثبّتْ قلبي على دينك"؟ قَالَ: يا أمَّ سلَمة إنه ليس آدميٌّ إلاّ وقلبُه بيْن أُصْبُعيْن مِنْ أصابع الله، فَمَنْ شاء أقامَ ومَن شاء أَزاغ».[8]

وفي رواية نواس بن سمعان «قال :سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِنْ قلْبٍ إلاّ بيْنَ إصبعيْن مِنْ أصابع الرّحمن، إن شاء أقامَه وإنْ شاءَ أزَاغَهُ».[9]

وفي الحقيقة أن الله سبحانه يعلّمنا دعاءً مثل هذا في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾(آل عمران: 8).

ولا شك أن جميع الأدعية تثبت المشيئة الإلهية، حيث إننا نعتقد مقدماً أن الله قادر على استجابة دعواتنا كما أننا نعتقد أنه هو الذي يلهمنا الدعاء إن شاء. وبهذا يكون كل دعاء بمعنى الاعتراف بالمشيئة الإلهية والتي تمثل أحد أبعاد القدر. ولقد وقفنا كثيراً عند هذه المسألة لعلاقتها القوية بالتوحيد.

ثالثاً: مسألة الأمر الجبري والأمر الشرعي

سنتطرق إلى مسألة أخرى تتعلق بالموضوع نفسه، جاعلين المسألة المعقدة سهلة كي يفهمها القاصي والداني. والآية الكريمة الآتية يمكن أن تكون مقدمة للموضوع الذي نبحثه، وهي: ﴿ألاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ العَالَمِينَ﴾(الأعراف: 54).

نعم، فكما أن الأمر والخلق يخصه تعالى فالحكم والخلق له وحده. وأمر الله سبحانه على قسمين:

الأول: الأمر الكوني، الأمر الجبري أو الأمر التقديري.

الثاني: الأمر الديني أو الأمر الشرعي.

والأمر الجبري هو الحاكم في الكون، فما يخلقه سبحانه يخلقه على الأمر الجبري. فلا دخل لأحد قط في هذا الأمر. فالكل مضطرون إلى الطاعة والخضوع والانقياد لهذا الأمر. فهو سبحانه مالك الملك، يتصرف في ملكه كيف يشاء، وتصرفه هذا يجعلنا خاضعين منقادين، لا حول لنا ولا قوة تجاهه.

أما الأمر الديني أو الشرعي، فهو أيضاً موجّه إلينا، ولكن إنفاذ هذه الأوامر وعدم إنفاذها منوط بالإرادة التي أُعطيت لها صلاحية نسبية مع أنها ليست لها وجود ذاتي.

وعندما نفهم هذين الأمرين نفهم معاني ومحتوى "الأوامر" الواردة في القرآن الكريم والتي يبدو فيها اختلاف ظاهري.

فكيفما تتعلق الإرادة والمشيئة الإلهية بالآيات التكوينية (أي القوانين الكونية) تظهر الأشياء والحوادث وفقها إلى الوجود. أما في الأمر الشرعي، فقد أمر سبحانه بما يريد عمله وبما يرضى عنه. ففي كِلا الأمرين هناك مشيئته ورضاه.

فعبادة الملائكة وأعمالهم هي بمشيئة الله سبحانه، وكذا الأنبياء. والأعمال الصالحة التي يقوم بها العباد والصالحون أيضاً مثل ذلك. فالله سبحانه وتعالى راضٍ عن كل ذلك. ولكن هناك أمور لا يرضى عنها رغم أن في أساسها مشيئته، كالكفر والآثام والسيئات بأنواعها. فالآيات الكريمة الآتية تشير إلى هذا النوع من الأمر: ﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾(الزمر: 7)، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾(القصص: 77)، ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الأنعام: 141)، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(البقرة: 190)، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾(النساء: 36).

نعم، إن الله سبحانه يخلق الفساد، وخلقه هذا إنما يكون بتعلق مشيئته به، ولكن لا يرضى عن الفساد. والأمر هكذا في جميع أنواع السيئات. فإذا ما نظرنا إلى المسألة من هذه الزاوية نفهم بعض الآيات الكريمة بصورة أوضح. ولنُلْق نظرة من هذه الزاوية إلى الآية الكريمة الآتية:

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾(الإسراء: 16). أي إذا أردنا أن ندمّر بلدة أو حَضارة نسلط عليهم سفهاءهم وأسافلهم بل أظلمهم يذيقونهم أشد العذاب بعد أن يغتصبوا منهم رزقهم، حتى اللقمة من فمهم. ولكن هؤلاء هم الذين يجعلون أولئك الظلمة على رؤوسهم أيضاً بعد أن تعوّدوا على كل نوع من أنواع المهانة والذل. وفي الظاهر أنهم انتخبوا هؤلاء بإرادتهم، وجعلوهم رؤساء عليهم. ولكن هل في الحقيقة هكذا؟

والمترفون هم السفلة والمنحطون روحاً ومعنىً، ولكنهم تولوا القوم فأصبح قدَر الأمة السفالة ولهم السفاهة. وذلك بتوليهم أمر الأمة وتمكنهم من زمام الحكم. فهؤلاء المترفون يستغفلون الناس ويضلونهم، فإذا ما بلغ الأمر إلى هذا الحد فإن تلك الأمة أو الحضارة قد آن إذن أوان انهيارها.

يبدو أن الأمر هنا هو أمر تكويني. فهو ليس أمراً شرعياً. لأن الله سبحانه لا يأمر قطعاً المترفين بأمر شرعي ليقترفوا ما يقترفون من الموبقات. والدليل على ذلك ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾(الأعراف: 28). أما التوفيق بين الأمرين في الآيتين الكريمتين فهو أن الأمر في الأولى أمر تكويني وفي الثانية أمر شرعي، كما هو في الأمر الوارد في الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(الرعد: 11).

فإذا ما دب الفساد في الكيان الباطن وتساقطت نجوم سماء الروح، ودار سعد الحياة الاجتماعية والحضارة عكس دورانه، انكفأت الأنوار التي كانت تبهر الأنظار وترجع القهقرى إلى مواضعها، وتنطفئ وتذهب.

ولهذا لا بد من إدراك كلٍّ من الأمرين إدراكاً جيداً.

ولقد ضلت الجبرية لعدم قدرتهم على التمييز بين هذين الأمرين التكويني والشرعي. حيث خلطوا بينهما فأنكروا الإرادة الإنسانية. والمعتزلة بدورهم اتخذوا الإرادة أساساً لهم وقالوا: العبد خالق لفعله. فزلّوا عن سواء السبيل. أما نحن فنأخذ الجوانب الحسنة من كلا الطرفين، ونجمعهما معاً على صراط مستقيم ونقول: إن المشيئة الإلهية هي الأساس في كل من الأمرين التكويني والشرعي، ولكن في الأمر الشرعي أعطيت لإرادة العبد مرتبة وهي عدُّها كشرط عادي. فإن لم تتعلق بها المشيئة فلا يوجد شيء قطعاً. ولكن الأشياء التي لها وجود خارجي ليست على هذا النمط. حيث تتعلق المشيئة الإلهية حتى بالأمور السيئة والقبيحة. إلاّ أنه سبحانه وتعالى لا يرضى بها. ولهذا يعاقب العبد على ما ارتكب من سيئات.

وترتبط الهداية والضلالة بالمشيئة الإلهية أيضاً. والقرآن الكريم يوضح هذا في كثير من آياته: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾(الأنعام: 125).

تهبّ نسائم الإيمان وتلامس برقتها وعذوبتها شغاف قلب الإنسان ويجد حلاوة السعادة، ويمنحه ذلك الإيمان نشوة ما بعدها نشوة، وكلما ازداد الإيمان ازداد انشراحاً وحبوراً حتى يحظى بذروة كمال الإنسانية ويصبح بكلّه مثالاً للحسنى والمروءة والفضيلة. فلا شك أن الإنسان ليس هو بذاته ارتقى هذا المرتقى بل الذي أوصله إليه هو الله القادر على كل شيء. فهو الذي هداه ورقّاه مرتبة مرتبة في سُلّم الهداية حتى أبلغه قمة الهداية. بينما الكثيرون ممن مُنحوا عقلاً وذكاءً لم يحظوا بالهداية ويعيشوا عيش البهائم، بمعنى أن سبب الهداية والضلال غير مربوط بالاستعداد والقابلية أو الإرادة الإنسانية، بل الهداية أمر متعلق بالمشيئة الإلهية.

وبهذا يتبين أننا لسنا في موضع يتيح لنا فرصة المداخلة في مواقع الأشياء والحوادث، ولهذا يمكننا القول: أننا لسنا إلاّ سبباً واحداً ووسيلة واحدة في الخلق. نعم إنه سبحانه لا يُوجِد شيئاً إلاّ وقد أراده، فلا شيء في الوجود إلاّ بإرادته. فلا قدرة لغيره بجعل غير الممكن ممكناً والممكن غير ممكن. فقوته سبحانه ذاتية، ولهذا نراه سبحانه هو ذو القوة المتين، القوي العزيز. فكما وهب لنا القوة على القيام بالعمل فقد منحنا أيضاً استعمال إرادتنا بتلك الوجهة التي نريد. إلاّ أن المشيئة والإرادة تخصه هو سبحانه رغم أنه منحنا الإرادة. والوضع لا يختلف شيئاً في الهداية والضلالة. فلا هادي ولا مضِلّ إلاّ هو سبحانه.

وهو الذي أدخل دافع قتل الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب عمر فسار إليه وهو عازم على قتله. هذا السير الذي ظاهره كأنه ضلالة وإذا به يدخله في أحضان الهداية. وهو الذي أبقى الشاعر الأعشى في الضلالة جاعلاً الخمر سبباً.. وأمثال هذه كثيرة تعد بالمئات بل بالألوف.. ترى هل يبقى أمام الإنسان بعد ذلك شيء غير الاعتراف بأن الهداية والضلالة بيده سبحانه وتعالى؟ نعم، إن الهداية والضلالة بيده سبحانه وتعالى.

بجنب الإقرار بجميع ما ذكر، فقد وضع سبحانه في ماهيتنا إرادة مجهولة الماهية حيث لا عبث في إجراءاته، وأنشأ/وينشيء على هذه الإرادة المجهولة الماهية جميع ما فعلناه/ونفعله في الماضي والمستقبل. فضلاً عن أنه قد وضع تصميم وتخطيط هذا البناء مسبقاً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الإنسان. فليس لنا إذاً إلاّ طلب الهداية منه سبحانه. لأنه كما ذكرنا آنفاً في الآية الكريمة، من يرد الله أن يهديه يشرح صدره ويرغّبه في الإسلام ويظهر له وجه الحقيقة المليح. والإنسان بدوره يجد دافعاً واشتياقاً لطلب الحقيقة. ومن أراد الله ضلاله يجعل صدره حرجاً وضيقاً. فلا يعد يرضى بأي أمر للإسلام ويعرض عن التذكير والنصيحة: ﴿كَأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ (المدثر: 49-50) حتى تكون كل خطوة يخطوها تبعده عن الإسلام.

وليس فيما ذكرناه إلاّ شرط عادي لا غير، وهو إرادة الإنسان وتردده بالقيام بعمل ما أو عدم القيام به. وحقّاً إنّ عدّ الإنسان نفسه حراً في وجدانه يبين هذا الأمر بوضوح وبذلك يعدّ نفسه مسؤلاً وجداناً. فالإرادة تؤدي وظيفة الحجر الأساس في الأفعال. والله سبحانه ينشيء كل ما يريد خلقه على هذا الحجر الأساس.

هب أنكم تريدون تعديل أوضاع هذه الدنيا، فاستعملتم إرادتكم التي تشعرون بوجودها في وجدانكم إلى مرحلة معينة في ذلك الجانب، وصرفتم ثروتكم ومساعيكم في تلك الجهة حتى بذلتم كل ما لديكم من طاقة ومال في ذلك السبيل واختبرتم جميع الطرق المؤدية إلى ذلك الهدف، ولم تدّخروا جهداً واستنفدتم طاقاتكم. أي أفرغتم كل ما يُنتظر منكم من إرادة في ذلك السبيل. وعند ذلك ستمدكم إرادة الله سبحانه بنصره وسيمنحكم ما تريدون من وسائل. نعم، سيتفضل سبحانه على إرادتكم -المجهولة- كثيراً جداً من الإنعام والأفضال. وهذا قانون إلهي لا يتبدل قط.

فعليكم أن تدركوا ما يترتب عليكم من أعمال وفق هذا الإدراك، وما تنتظرونه منه سبحانه تنتظرونه وفق هذا الإدراك. وإذا ما تفضل سبحانه عليكم ببعض إنعاماته وإكراماته من دون أن تكونوا أهلاً لها، فهذا لطف وكرَم منه سبحانه -فهو لا يُسأل عمّا يفعل- ولكن لا تُبنى الأعمال على الألطاف والإكرامات. نعم إن ما يترتب عليكم وعلى إرادتكم ضمن دائرة الأسباب، عليكم إنجازه، ثم سترفعون أيديكم وتطلبون منه تعالى. وإذا أخذنا المسألة من بدايتها، فإن الله سبحانه سيغيّر ما بكم من شقاء ويملأ الأرض عدلاً وتستقر الأمور على الصلاح، بعد أن تؤدوا ما يترتب عليكم من الوظائف والأعمال.

ألا يكون الأمر هكذا؟ إن الله سبحانه ينعم بالشهادة على مَن يجود بروحه في سبيله. ثم تتوالى النعم من جنة النعم ومشاهدة جمال الله جل جلاله ونعم أخرى لا تعد ولا تحصى. وكأنه يتفضل بمقاولة وعقْد بيْنه وبين الإنسان.

ولهذا لا تنتظروا نـزول المسيح ولا مجيء المهْديّ المنْتظَر من قبْل أن تؤدّوا ما عليكم من أعمال، فلا يغيّر سبحانه قوانينه وعاداته الإلهية من أجلكم والتي لم يبدّلها حتى لأنبيائه الكرام. نعم، الطريق هو هذا، منذ القدم.

فقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم طاوياً على الجوع والعطش، وانكسرت ثناياه في الحرب، وجرح خده، وأُدميت قدماه، ولاقى ما لاقى من العذاب والعنَت. والأمر نفسه وقع لمن كان حوله من الصحب الكرام. فلقد مستهم البأساء والضرّاء حتى قال الجميع معاً "متى نصر الله؟". وعندها نـزل النصر الإلهي وقيل لهم: إن نصر الله قريب. فالآية الكريمة الآتية توضّح لنا هذه الحقيقة:

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾(البقرة: 214).

أي لما نفد كلُّ شيء، فلا لقمة تسدّ الرمق ولا جرعة ماء تشفي الغليل ولا قطعة حصير ليضَع الإنسان عليها جنبه... في هذه الآونة يرد من الغيب بلسان الحوادث: إن نصر الله قريب. أنتم ستبذلون إرادتكم إلى أن تسمعوا هذا الصوت. كالشمعة تشتعل وتشتعل -وهي ما يترتب عليها- حتى إذا انتهت آخر ذبالة فيها إذا بنصر الله يأتي. وأنتم كذلك تبذلون قصارى إرادتكم الجزئية وإلى آخر نقطة فيها، عندها تعمل الإرادة الكلية عمَلها فيتبدل الذل إلى عزّ وسؤدد، ويتبدل الإدبار إلى إقبال مشرق.

والآن هل تعتقدون أنكم حقاً بذَلتم كل إرادتكم، وبكل ما أوتيتم من طاقة؟ فإن كان الجواب: نعم، فإني أُبشركم: ثقوا واطمئنّوا أن الله الذي بيده مقاليد السموات والقادر على كل شيء سيمدّكم بنصره ويحيق المكر السيّئ بأهله بإرادته المطلقة، ويحفظكم من كل مكروه وسوء. إن عادة الله هي هكذا. فثقوا بالبشارة مادمتم على ثقة من أنكم أدّيتم ما عليكم من واجبات ووظائف.

نختم ما قمنا به من تحليل حول القدر والمشيئة الإلهية بالجملة الآتية:

إن الله سبحانه يعلم بعلمه المحيط بكل شيء كل ما سنفعله في الآتي، ويعيّن ما يعْلمه ويقدّره ويسجله في اللوح المحفوظ على شكل خطة. ثم يسجل الملائكة الكرام أعمالنا في كتب. ويكون الكتابان مطابقين تماماً. ولا شك أن مشيئة الله هي النافذة في كل ذلك. فنحن أهل السنة والجماعة نعتقد بأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

الهوامش

[1] البخاري، النكاح 119، الجهاد 23؛ المسند للإمام أحمد، 2/506، 275، 229.

[2] أبو داود، الأدب 106.

[3] البخاري، بدء الخلق 6؛ مسلم، البر 156.

[4] مسلم، صفات المنافقين 76.

[5] المسند للإمام أحمد، 5/72.

[6] المسند للإمام أحمد، 1/214.

[7] الترمذي، القدر 7.

[8] الترمذي، الدعوات 89.

[9] ابن ماجة، المقدمة 13.