ثقافة البيعة
سؤال: ثمة أشخاص لا يعرفون ماهية حركة الخدمة، فراحوا يتهمون من أحب هذه الحركة وتعلق بها بـ”أن عقولهم أسيرة ومرهونة للآخرين” و”أنهم بايعوا الخدمة بلا شرط أو قيد”؛ فما نصيب هذه الادعاءات من الحقيقة؟
الجواب: جدير بالذكر أن البيعة أساسٌ مهمٌّ في الإسلام وإن لم تكن وُلدت معه، وكما وردت البيعة في آيات عديدة في القرآن الكريم وأحاديث كثيرة في السنة النبوية، فقد طُبقت أيضًا على أرض الواقع بأشكال وصور مختلفة في حياة رسول الله وخلفائه الراشدين أيضًا، والبيعةُ أن يتعهّد المرء بالولاء لدين أو نظام أو شخص يمثل ذلك النظام، وأن يفي بالتزامات هذا الولاء.
ومن خلال أوسع معانيها في الثقافة الإسلامية فالبيعةُ تعني العقد المُبرم بين الشعب والحاكم المنتخب رئيسًا للدولة، يُبايع المواطنون رئيسَ الدولة ويحافظون على الولاء له طالما التزم بصلاحيّاته وقام بما وُكل إليه من مهام.
البيعة في الإسلام
ترد في القرآن الكريم والسنة النبوية ممارسات مختلفة تتعلق بالبيعة؛ فيقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (سورة آلِ عِمْرَانَ: 3/81) في هذه الآية يتحدث الله عز وجل عن العهد الذي أخذه على النبيين السابقين، وذلك طلبٌ إلهي بالبيعة.
إن معظم الأنبياء الذين أُخذت منهم هذه البيعة لم يلتقوا بمن أُرسل بعدهم من الأنبياء الآخرين، ولم يُعاصِرْ أحدٌ منهم النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن الأنبياء وإن بدوا هم المخاطب والمعنيّ الأول بهذا العهد، فالحقيقة أن هذه رسالة بعثت من خلالهم إلى أممهم.
أجل، يتحدث الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن العقد الذي أبرمه مع أنبيائه ومع أممهم في شخصهم، ووفقًا لهذا العقد فإنه جلّ وعلا يطلب منهم أن “آمِنوا بأي نبي تدركونه يأتي من بعدكم، وصدقوا به، وصدِّقوا بموسى عليه السلام إن أدركتموه، وبعيسى عليه السلام أيضًا إن تدركوه، وإن أدركتم محمدًا المصطفى صلى الله عليه وسلم فصدّقوا وآمنوا به أيضًا”، واستجابة لهذا قَبِل وأقرَّ بذلك الأنبياء أجمعون، ولا ريب أن خُلفَ مثلِ هذا الوعد بعد أخذه والنكوص عن مثل هذه البيعة بعد تحقُّقها إثمٌ عظيمٌ أمام الله ووبالٌ على فاعله، فإذا وصلَ النكوصُ إلى درجة قبول بعض الجوانب الخاصة به صلى الله عليه وسلم على مضض فهو ضلالة؛ أما إن كان النكوصُ عن عقيدةٍ وقناعة فهو ارتدادٌ والعياذ بالله.
ولقد طبَّق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مختلف مراحل عمره حقيقة البيعة التي أخذها من الحق تعالى والراسخة الثابتة في سنن النبيين، فمثلًا أخذ صلى الله عليه وسلم البيعة من مسلمي المدينة الذين التقوا به عند العقبة في العام الحادي والثاني عشر من بدء الرسالة؛ إذ صافحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك واحدًا واحدًا، وأخذ منهم العهد على أن يحموه عندما يأتي إلى المدينة مما يحمون منه أنفسهم، وأن ينصروا الإسلام، وعندما سألوا ما جزاؤهم على بيعة كهذه؛ أجابهم رسول الله بأنّ جزاءهم “الجنة”؛ فَرَضوا بذلك وبدا عليهم السرور والحبور، وفي تلك الأثناء قال لهم سيدنا العباس رضي الله عنه الذي كان مرافقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم “هل تدرون علامَ بايعتم؟!”، (أي هل أنتم مدركون تمامًا إلى تبِعاتِ ما ستُلقيه تلك البيعةُ على كاهلكم) فلفت الانتباه إلى أهمية المسألة وعبئِها.
وبالشكل نفسه عندما شرَّف رسول الله المدينة المنورة جاءه أهلها، فبايعوه واحدًا تلو الآخر، وحتى بعد أن مرت سنوات على هجرة رسول الله إلى المدينة جاءه المسلمون الجدد وبايعوه، وأثبتوا صدقهم وإخلاصهم، بل إنه عندما وصل مفخرةَ الإنسانية، وهو بالحديبية، خبرٌ بأن سيدنا عثمان رضي الله عنه الذي أرسله إلى مكَّة رسولًا قُتل قام بجمع الصحابة الذين بايعوه في السابق وأخذ منهم البيعة مرة أخرى.
هذه البيعات التي أخذها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه تعني الالتزام إزاء النظام الذي جاء به الإسلام، وإزاء ممثّل هذا النظام، وواضعِ هذا النظام، وبالتالي فهو بمثابة العهد مع الله عز وجل.
ولقد ترسخت البيعة بين الصحابة بمرور الزمان، وصارت نظامًا، وأصبحت عرفًا وتقليدًا، ولذلك استمرت في عهد الخلفاء الراشدين أيضًا، فعندما انتُخب سيدنا أبو بكر فسيدنا عمر فسيدنا عثمان ثم سيدنا عليٌّ خلفاءَ بايعهم الصحابة، وإن حدث في التطبيق اختلافات، وأُخرجت المسألة من محورها الأساسي أحيانًا إلا أنها حافظت على وجودها بين المسلمين في العصور التالية أيضًا، أي إن المواطنين يعلنون من خلال البيعة أنهم قبلوا الإداريين الذين يرأسونهم، بل إن البيعة لم تقف عند حد اختيار رئيس الدولة من قِبل المواطنين فحسب، فأحيانًا ما أخذ شيوخ طرق مختلفة البيعة من مريديهم.
العقيدة والاشتراك في الغاية المثالية
وبعد هذا الشرح المختصر الذي قدمناه زيادة في فهم الموضوع يمكننا الآن الوقوفُ على جانب المسألة المتعلق بحركة الخدمة.. بداية يجب القول إن من يزعمون أن متطوعي الخدمة بايعوا “مديريهم وروادهم” دون شرط ولا قيد لا يدرون شيئًا عن ماهية المسألة، فمثل هذه المزاعم تكشف أن أصحابها لا يعرفون حركة الخدمة؛ لأن الرابطة التي تجمع متطوعي الخدمة وتوحّدهم ليست نظامًا هرميًّا، ولا سلسلة من الأوامر والتعليمات، ولا أيضًا مبايعة بين أفراد، بالعكس إن وحدة العقيدة والفكرة والغاية المثالية تجمعهم معًا، وتُوجِّههم إلى الأهداف المشتركة، ويمكننا أن نُشبِّه حالهم هذا بحال من يجتمعون في الجامع لصلاة الجمعة أو العيد، أو من يتحلقون حول الكعبة من أجل الطواف، أو من يقفون بعرفات أداءً لمناسك الحج، فكما أن المعتقدات والأهداف المشتركة تجمع هؤلاء الناس وتجعلهم يؤدّون نفس العبادات فإن مجموعة من المعتقدات والأفكار المثالية تجمع متطوعي الخدمة وتضمن تحرّكهم معًا.
فما هي تلك الأهداف المشتركة؟ على سبيل المثال: مكافحة الجهل والفرقة والفقر، هذه الأمراض الثلاثة الخطيرة التي تحدث عنها الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي هدفٌ مهمّ بالنسبة لمتطوعي الخدمة، ذلك أن متطوعي الخدمة بدؤوا استنفارًا علميًّا جادًّا للقضاء على الجهل حتى اليوم، وبحسب إمكاناتهم المتاحة أنشؤوا المدن الطلابية ومراكز التدريس والدراسة والمدارس والجامعات؛ ونادوا بالمحبة دائمًا من أجل القضاء على الخلافات والنزاعات التي بين الناس، ومن خلال أنشطتهم حول التسامح والحوار استطاعوا احتضان الجميع؛ وعبر مجموعة من الفعاليات التنظيمية بذلوا الجهد لمساعدة رجال الأعمال، ومدِّ يد العون للمحتاجين.
ولو توسعنا قليلًا في شرح المسألة، فسنجد أن المحرك الأساس الذي يجعل الناس تجتمع تحت اسم حركة أو جمعية ما؛ هو معقولية الأفكار والتصورات والفعاليات والمشاريع التي تضعها تلك الحركة، وتوافق أفكارها مع القواعد الدينية وتماشيها مع مقتضيات الزمان، وتلبيتها في الوقت ذاته احتياجات الناس، ولذلك فاستمرارية الخدمات لا يقتضي تقديم البيعة لفلان أو لعلان، ولا الدخول تحت لواء هذا أو ذاك، وكما يسارع الناس لصلاة الجمعة إذا سمعوا النداء، ويتجمعون في صباح صلاة العيد أفواجًا، أو يتوافد الحجيج على عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، فكذلك يسارع إلى الخدمة هؤلاء الذين يجدون أفكار الخدمة وفعالياتها مثالية وتتناسب مع أهدافهم.
وبمعنى أخر، فالناس إذا رأوا أن ما تقدمه الخدمة في حدود المعقولية القرآنية، وإذا تيقنوا أن الطريق الذي تسلكه الخدمة هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أدركوا أن الهدف من تقديم هذه الخدمات والفعاليات هو العمل المشترك وإحلال الصلح والسلام، فحينها سيدعمون هذا العمل، ولذلك فكما شرحنا آنفًا لا وجود للبيعة داخل حركة الخدمة، فها هو الأستاذ النورسي لم يطلب أخذ البيعة من أحد على الإطلاق، وعلاقته مع طلبته لم تكن علاقةَ الشيخ بالمريد، بالعكس كانت علاقةَ أخوة كما عبّر بنفسِه عن ذلك، وبناءً عليه فلا محلّ للبيعة لأي شخص في حركة الخدمة مهما حاز ذلك الشخص من مكانة فائقة على غيره بسبب عمره أو قدمه أو علمه.
البيعة الضمنية (المعنوية): التضحية والتفاني
ولكن على كل حال يمكن للأشخاص الذين حرّكهم شعور التضحية والتفاني فنذروا أنفسهم للخدمة أن يعقدوا هذه البيعة لأنفسهم، فمثلًا من الممكن أن يقولوا لأنفسهم “سأظل بإذن الله وعنايته طوال عمري منطلقًا في هذا السبيل القويم، وسأسعى جاهدًا لنشر اسم الله الجليل واسم حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كل البقاع، ولن تكون لي أية تطلعات خارج الخدمة، وسأضحي بكل الفيوضات الدنيوية والأخروية في سبيل الخدمة، وإلى أن أموت لن أترك هذا الطريق حتى ألقى الله سبحانه وتعالى هكذا”.
إن الإرشاد والتبليغ من الأمور المهمة التي كلَّفَنا بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ومن ثم يتوجب على الفرد أن يفيَ بما قطعه على نفسه من عهود، لأنه إذا نذر القيام بأعمال مشروعة في الدين وجب عليه الإيفاء بنذره.
فإذا ذُكرت البيعة في الخدمة، فهي تعني إيفاء الشخص بالعهد الذي قطعه بينه وبين نفسه بعدم ترك طريق الخدمة، فهذه البيعة يمكن أن نطلق عليها بيعة ضمنية وليست صريحة، وإذا كانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تُعقد على مستوى الأصلية فإن هذه البيعة ستجري على مستوى الظلية.
إن الخدمات الجليلة التي تتحقق في بقاع مختلفة من العالم، وهذا التبادل الثقافي والمعرفي الذي يجري مع أهالي البلاد التي يهاجر إليها رجالُ الخدمة، والخطوات المهمة التي تُتّخذ من أجل إحلال السلام في العالم؛ كل هذا وأكثر قد تمّ بفضل هؤلاء الذين عاهدوا أنفسهم على التضحية في ذلك السبيل، فهم يواصلون أعمالهم وخدماتهم الإنسانية دون أن ينتظروا أي مقابل مادي أو معنوي، وإذا لزم الأمر يتقاضون مرتبات يسيرة تعادل المنح المقدمة للطلاب، وهم ببذلهم تلك التضحيات والإيثار يُكِنّ لهم كثيرٌ من الناس من أقاصي إفريقيا إلى قلب الشرق الأقصى كل مشاعر الامتنان والشكر والعرفان.
وكما نظهر كل التقدير للبيعة التي عقدت على مستوى الأصلية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، فلا يسعنا إلا تقدير تلك البيعة التي تجري على مستوى الظلية والتي تعني التفاني والتضحية، وعندما أفكر في الإخوة الذين أوقفوا أعمارهم من أجل الخدمة وانطلقوا متفرقين في ربوع الأرض لتحقيق غايتهم العليا يختلج صدري المشاعر الآتية: إنني لا أدري هل ننجو في الآخرة أم لا، وهل سنُمنح فرصة الشهادة لهؤلاء الإخوة أم لا، ومع ذلك لا أيأس من رحمة الله تعالى ولو للحظة، فإن مُنحتُ الفرصة هناك للشهادة لهؤلاء فسأقول: “إلهي إنني أشهد أن هؤلاء تفرقوا في شعاب الأرض مضحين بحياتهم من أجل إبلاغ العالم القيم التي ورثناها عن نبينا صلى الله عليه وسلم”، وكما ذكرت، أنا لا أدري هل سيسمح لي في ذلك الموقف بالشهادة أم لا، فهذا أمرٌ لا يعلمه إلا الله، ولكن تلك هي مشاعري.
الارتباط بالعقل الجمعي
من جانب آخر فإن كل ما يجري من أعمالٍ داخل الخدمة يخضع للعقل الجمعي وللاستشارة، وعلى ذلك فلا وجود لما يسمى “تقييد العقل وأَسْره”.. فكما التزمنا الأخذ بالاستشارة حتى يومنا الحاضر، فلن يتغير الأمر بالنسبة لنا في المستقبل، ولقد ذكرت مرارًا وتكرارًا: إن كان هناك إنسان يفوق “يوليوس قيصر” أو “الإسكندر الأكبر” أو “نابليون” في عقله ودهائه بعشرة أضعاف وتحرك وفقًا لرأيه الشخصي، فلن يتفوق على عقل شخصٍ استشار ثلاثة أشخاص في الأمر، فالاستشارة مهمة لوضع ملاحظات مختلفة لأي مسألة، وإعمال الفكر لإيجاد حل ومخرج للمشكلة، وللوصول إلى القرار الصائب، ولهذا السبب قال فخر الإنسانية صلى الله عليه وسلم: “مَا خَابَ مَنِ اسْتَشَارَ“.
وكذلك فرسولنا صلى الله عليه وسلم ومع كونه رسولًا يوحى إليه من قبل الله سبحانه وتعالى، إلا أنه في الأمور التي لم يرد في شأنها أمر من المولى سبحانه وتعالى كان يستشير الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وفي الاستشارة كان يعرض رأيه ويستمع لآراء الصحابة الكرام، ويتم اتخاذ القرار وفقًا للقناعة العامة، بل إنه صلى الله عليه وسلم وفي بعض الأحيان كان يخالف الصحابة رضوان الله عليهم في رأيه، ومع ذلك كان يأخذ برأيهم؛ حتى يعطي الاستشارة حقها ويُرسي قواعدها، وكما حدث في غزوة أحد فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن موافقًا على أن تكون المعركة في ساحة مفتوحة، وكان يرجّح البقاء في المدينة للدفاع عنها، إلا أنه نزل على رأي الصحابة، وانطلق المسلمون يقاتلون المشركين في ساحة المعركة وكانت النتيجة استشهاد سبعين صحابيًّا، وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى بنفسه ونقله من حيز النظرية إلى ساحة التطبيق رغم توقعه لمثل هذه النتيجة لكي يُرسي قواعد الشورى عملًا وتطبيقًا، ولا تظل حبيسة النظرية والقول.
وبهذا الاعتبار فعلى كل إنسان أن يسلّم بالقرار الذي يتمخض عن الشورى حتى وإن كان يعتقد اعتقادًا جازمًا أن رأيه أصح وأولى، وذلك لأن الاجتهاد في طلب الصواب يكسب الإنسان الثواب تمامًا كما هو الحال في الصلاة والصيام، وكذلك من يتراجع عن رأيه احترامًا لمبدإ الشورى فهو كَمَنْ يُبعِد نفسَه وينأى بها عن الملذات المحرّمة، فهذا نوعٌ من أنواع الصبر الذي يُثابُ صاحبهُ عليه، أما الذي يثق في رأيه فقط ويظن أنه على علم بكل شيء، ويسير وفقًا لعقله فهذا طريقه الخسران والخيبة.
بل إن الإنسان لو كان في مكانة عالية بسبب سنِّه أو بسبب ما لديه من تجربة وعلم يفوق بها من حوله فيحترمونه ويقدرونه، ولا يعترضون على ما يفعل، فهذا الشخص ليس لديه أدنى حق في إجبار الآخرين على الاقتناع بأفكاره، وعليه ألا يحوّل الاحترام الذي يشعر به الناس تجاهه إلى وسيلة من وسائل القهر والاستبداد، عليه أن يعرض أفكاره بصورة صريحة وواضحة، وعليه أن يُبدي اهتمامًا لتقييم الأشخاص الذين يشاركونه الدرب نفسه، فالرؤى والقرارات لا تكون بحسب ما يدلي به أحدهم بسبب موقعه ومكانته، بل يتم تقييمها واتخاذها وفقًا لصوابها ومعقوليتها، ولا شك أن تطبيق هذا على وجهه الأتم مرهون باستيعاب عميق للتربية الإسلامية.
وفي النهاية فكل عمل يخضع لتفعيل مبدإ الشورى لا مجال فيه لتقييد العقول من قِبل الآخرين، فالمكان الذي تصدر فيه القرارات بعد مراجعة أفكار الجميع لا محلّ فيه لفكرة “الطاعة العمياء”، بل على العكس تمامًا، إنه مكانٌ تسوده حرية التفكير والآراء.
- تم الإنشاء في