انْهَضْ يا فارسي..!

-1-

في غيهب النَّوم سقطتَ، وفي جُبِّ النسيان وقعتَ...

ما صحوتَ.. ومن الْجُبِّ ما خرجتَ...

وفي نَومك غَطَطْتَ.. وكأنّك غيرَ النوم لا تريد، وعن أحلامه لا تحيد..!

في صور القيام، ألف نافخ نفَخ.. والسَّاعةُ دَقَّتْ، وأصوات الأبواق ضَجَّتْ وعَلَتْ...

وأنت عن كل ذلك سَاهٍ، وعنه لاهٍ.. كأنه لا يعنيك، وعن نومك لا يغنيك..!

قم..! ففَرَسك على باب الْجُبِّ يصهل ويُحَمْحِم... يناديك:

"قم يا نَوَّام..! يا فارسي المقدام... انهضْ، واعْتلِ صهْوتي.. وأَطْفئْ غلَّتي، وسابِقْ نشوتي..!

قُمْ..! فأنت منذ أخذك النوم عنّي، إلى الماضي مضيتُ،

أتسلَّى عنك، أتَشَمَّمُ العَبَق، وأجتلي الألق...

في جبين فوارس الغَسَق.. عشَّاق الهمم.. وروَّاد القِمَم..!"

-2-

هذه ليلته... إنه عائد لا محالة...

فدعوا الأبواب مشرعة... لا تغلقوا بابًا... ولا تسدُّوا منفذًا... لعلَّ بطلي هذه الليلة يعود...!

قم يا فارسي..! فالمضمار من الفرسان خالٍ.. لا صدَى صهيل ولا وقع حافر..!

من شرفات المنازل... ومن أعالي التلال والجبال... نطل على السهول والآكام...

علَّنا نبصر ظلَّ فارس... أو نسمع حمحمة فرَس...!

إنه زمن رديء... خاوٍ كسيح... لقد أسرجوا البغال... وامتطوا ظهور الحمر..!

لقد انتظرنا، حتى مِنَّا ملَّ الانتظار... وصبرنا، حتى مِنَّا ملَّ الصبر..!

انهضْ..! فقد بلغتِ القلوب الحناجر... وضاقت الصدور... وكاد اليأس يصهرنا... وشظايا يفتّتنا...

قُمْ يا عملاق الأمة..! فقد أزفت ساعتك، وحان وقت مَقْدَمِك..!

-3-

مَصَّنَا البؤس.. أهزلنا القهر.. سحقنا الذُّلُّ..!

أيْتامًا على مائدة اللئام تركونا... طردونا... أبعدونا... شرَّدونا... وشذَرَ مَذَرَ مزّقونا..!

بتْنا إخوانَ أَسًى... ورفقاء كمد... وضجيعي هَمٍّ وغَمٍّ...

لا سبيل للفرَح إلى قلوبنا، ولا طريق للابتسام إلى شفاهنا...

فقمْ أيها الفارس المغوار..! علّمْنا كيف نطوي أسانا، ونخلص من هَوَانا..!

-4-

يا جَوَّال... يا صَوَّال... يا بطل أحلامنا... يا فارس أمانينا..!

نحاورك.. والحديثَ نبادلك...

معك نجول.. وببطولاتك ألسنتنا تدور.. وعنك نقصُّ القَصَص.. والحديثُ عنك يطيب...

بك نهتف، ولك ندعو...

هيَّا.. تَعَالَ..! لتوسلاتنا اصْغِ، ولتذللنا استمع...

خذ بأيدينا، فإننا على الركَبِ جاثون...

فأَنْهضْ أصلابنا.. وأقمْ أعوادَنا... لنكونَ في استقبال فارسنا مستعدون..!

المصدر: مجلة "سِزِنْتِي" التركية، أبريل 1985؛ تعريب: أديب إبراهيم الدباغ.