الدنيا

-1-

كما إليها أتينا،
هكذا عنها سنمضي...
مقفرةً من الإنسان،
أبوابها تصفق،
والريح فيها تصفر،
والبوم فيها ينعب...
فاعتبر يا إنسان،
وأنْتُمُ يا عُمْيانُ..!
هذه الحقيقة فأدركوا،
وتعلموا، واجتهدوا...
من القبح لا تقربوا، وعن الحسن هيَّا نقّبوا..!

-2-

نسومها الأثمان،
ونبيعها البستان،
والزَّهرَ والثمارَ،
بأرخص الأسعار...
وكأننا ما كابدنا، ولا عانينا،
وما أَمَضَّنا انتظار،
أو أرَّقنا اصطبار...
حتى إذا أخذ مِنَّا التعب،
ونال مِنَّا الأرب،
وانحنى الظهر واحدودب،
دُفعنا، وقُذِفنا،
وفوق جسر الشقاء،
أنفسنا وجدنا،
وكأننا لهذا أتينا، وله خُلقنا..!

-3-

نصارع الأيام،
ونكابد الأزمان،
ونقاتل الإنسان،
فَنَقْتُلُ ونُقْتَل...
لعبة الموت في يدينا،
بيننا نتقاذفها،
في ظلمة الليل، وضحو النهار...
أَتُرَانَا، لهذا العبث المجنون أتينا..؟!
أحقًّا هذا الذي نريد..؟!
وزينة الدنيا نقصد..؟!
نحن بني الحياة،
نبعَ الحياة نريد،
منه نريد الارتواء...
لهذا أتينا، وإليه جئنا..!

-4-

مثلكم -يا فتيان الكهف- نأتي الكهوف،
ونسكن المغارات...
عندما الدنيا تجافينا،
والنَّاس بقلامهم يرمونا،
ومن "حراء" -يا رسول الله- أُسوةً ومثالاً نتخذ...
فكم من إيمان في الكهف ينبت،
وكم من إيمان في المغارات يورق،
وثماره تنضج..؟!
فقبورنا كهوف إيماننا،
إذا حُمَّ القضاء وحان الأجل...
لهذا قد قدِمنا،
ولازدهار استعدادنا للآخرة أتينا..!

-5-

يا لَشِبَاك الدُّنيا،
كم من البشر، فيكِ وقَع...
حدائقك للعين نزهة،
وبساتينك للقلب بهجة...
ولكن:
أليست إلى زوال هي ماضية..؟!
وأليست إلى اندثار هي ساعية..؟!
عجبًا لبني آدم،
عن هذا كيف يغفلون..؟!
ثم إذا هم على حافَّات الموت يقفون،
يتذكرون، -ولاتَ مناص تذكر-،
أنهم فيها غير ماكثين،
إلاَّ بِقَدْر ما يزرعون،
ومن ثمارها يجنون، ثم يمضون...
وكُلَّ شيءٍ من ورائهم يتركون،
وهم محطتهم الأخيرة على الأرض يودعون..!

المصدر: مجلة "سِزِنْتِي" التركية، يونيو 1984؛ تعريب: أديب إبراهيم الدباغ.