الفصل الثاني: الأمانة
الصفة الثانية من صفات الأنبياء هي الأمانة. وكلمة الأمانة مشتقة من "الإيمان". فالمؤمن هو الشخص الذي يحمل صفة الإيمان ويعطي انطباعاً بالأمن. فكما أن الأنبياء أشخاص في ذروة الإيمان، فكذلك هم في ذروة الأمانة، وهذه الصفة بارزة وواضحة أمام الجميع. والقرآن الكريم يشير إلى صفتهم هذه في آيات عدة منها:
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشعراء: 105-108). أي كان نوح عليه السلاميقول لقومه: ألا تتقون؟ إني لكم رسول أمين لا يتنـزل إلى الخيانة. وهكذا ترد هنا من فم رسول كريم صفة الأمانة التي هي من صفات النبوة.
وكذلك: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشعراء: 123-125).
والآية: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشعراء: 160-162).
ومن الممكن إيراد آيات أخرى في هذا الصدد. ولكننا نكتفي هنا بهذا القدر.
إن اسم "المؤمن" هو من أسماء الله الحسنى، لذا فهو من الأسماء المهمة للمعتقدين بالله. ولكن لماذا كان "المؤمن" اسماً من الأسماء الحسنى لله تعالى؟ ذلك لأنه مصدر للثقة والاطمئنان، فهو الذي يمنحنا الثقة... أحياناً قطرة قطرة... وأحياناً مثل الشلال المنهمر. وهو الذي زين الأنبياء بصفة الأمن والأمان. فإن صفة الأمن والأمان والإيمان تربطنا بالأنبياء، وتربط الأنبياء بالله تعالى. وهذه الرابطة تقودنا إلى العلاقة بين الخالق والمخلوق. فجميع هذه المعاني موجودة في الاشتقاق الجذري لكلمة "الأمانة". علماً بأن أهم ناحية في هذا الموضوع هو فهم هذه العلاقة.
وكما أن الأمانة من أهم صفات الأنبياء والمرسلين، ومن أهم صفات نبينا صلى الله عليه وسلم، فهي أيضا من أهم صفات جبريل عليه السلام، فالقرآن يصفه لنا بأنه ﴿مُطَاعٍ ثَمّ أَمِين﴾ (التكوير: 21). أجل، فجبريل عليه السلاممطيع لله تعالى، ونظراً لطبيعة وظيفته فهو أمين، ومن ثم فإن هذا الكلام الذي يبعث الأمن والطمأنينة أنـزله الله تعالى المؤمنُ بوساطة رسوله الأمين على قلب نبيه سيد الأمناء وأصفى المخلصين ليهب لأمته الخيرة الأمن ويجعلهم آمن الآمنين.
لقد عمت الجميعَ بركةُ القرآن الكريم، كل حسب درجته ومنـزلته، وكان جبريل عليه السلامضمن هؤلاء المستفيدين، فقد قال يوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت أخشى العاقبة، فأمنتُ لثناء الله عز وجلعليّ بقوله ﴿ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين﴾ (التكوير: 20-21)".[1]
الهوامش
[1] «الشفاء» للقاضي عياض 1/17
- تم الإنشاء في