نعم، إن لم نبدأ من فورنا بشحن أجيالنا الناشئة بشعائر ثقافتنا الذاتية، ولم نبادر بإحياء ما شحنّاه في النفوس، فسوف نَحْكم على الآتين من بعدنا بأن يكابدوا حظنا العاثر في الحياة. فينبغي أن يُستنفَر كل من له قول في الموضوع، ومهندسو عالمنا الفكري خاصة، بروحية النفير العام إزاء خطب داهم، وتحويل البلاد من أدناها إلى أقصاها إلى مشاغل لثقافتنا الذاتية، ومدارس لفلسفة حياتنا الذاتية، ومختبرات تركيب وتحليل لمنطقنا ومحاكمتنا العقلية الذاتيتين. فإن بقاءنا بذاتيتنا يمر عبر انبعاثنا بذاتيتنا. فإذا تحركنا بهذا الاتجاه، فسوف تكون ثقافتنا الرصينة، وجذورنا المعنوية والروحية، وشخصيتنا ومحتوانا، جزءاً لا يُستغنىَ عنه من الثقافة العالمية، في وقت آت. أما إذا بقينا على تخبطنا الذي عرفناه أمس واليوم في التزود والتغذي من مصادر ثقافة الآخرين، وانغرزنا في التقليد كلما فكرنا في الإنشاء، فلن تنجو الأمة من ذلة التبعية، ولن نتحرر من الوصاية في الشعر والموسيقى والرسم وفروع البديعيات الأخرى... ولن نتمكن من إدامة وجودنا بذاتيتنا الخاصة، ولن نفلح في الوصول إلى درجة الإنتاج والعطاء.