الفصل الخامس: المثقف العربي وفكر الأستاذ فتح الله كولن - الأسئلة وأفق الانتظار

 المثقف العربي وفكر الأستاذ فتح الله كولن [1]

أولاً: تركيا والمثقف العربي

كيف ينظر المثقف العربي إلى تركيا؟ سؤال مهم جدا، لعوامل عدة، أهمها عامل الموقع الذي شغلته تركيا من خلال الدولة العثمانية في العالم العربي. وبغض النظر عن موقف العرب من الدولة العثمانية وموقف الأتراك أنفسهم من العرب، فإن الدولة العثمانية كانت عنصر توحيد. فقد استطاع الأتراك العثمانيون حماية استقلال العديد من الدول العربية لمدة ليست بالقصيرة. ولم تكن الدولة العثمانية تميز بين رعاياها، لكن القطيعة بين العالم العربي وتركيا بعد سقوط الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية، وسّع الهوة بين العالم العربي وتركيا إلى درجة العداء.

ظلت تركيا بعد الثورة مجهولة للعالم العربي لعدة عقود، بسبب مواقف الموقف الرسمي التركي من العرب، فقد أقام سياج القطيعة السياسية والثقافية بين تركيا والعالم العربي، وساهمت القطيعة مع الماضي وما يذكِّر به في تعميق بقاء العالم العربي معزولا عن تركيا.

لم تكن الإشكالات الحضارية في تركيا مختلفة عن إشكالات العالم العربي، لكن أسئلة التطور والعلاقة مع الغرب، وأسئلة الأخذ بأسباب النهضة والانبعاث أثيرت في تركيا سنوات كثيرة قبل أن تثار في العالم العربي، في حين أن المفكر الإصلاحي العربي لم يكن يعرف الكثير عمّا كان يجري في تركيا، ولم يكن يعرف الكثير عن الحركات الفكرية التي كانت مراميها الإصلاحية تتجاوز الخلافة والدولة العثمانية. كانت الدولة العثمانية رأسا والعالم العربي جزء من الجسد، فعمل أعداء الدولة العثمانية على الفصل بينهما، فكانت دعوات التحديث في تركيا متقدمة عن دعوات العالم العربي.

الأحداث الجسام التي عرفتها تركيا في القرن الماضي أكسبتها مناعة وقوة، واستطاعت بفضل ذلك أن تشقّ لنفسها طريقا متوازنا وواضحا. فتركيا اليوم تستطيع أن تؤثر حضاريا وثقافيا في محيطها، وهي اليوم من أهم ديمقراطيات العالم. لقد أصبحت تركيا محط اهتمام المثقف العربي ومتابعته منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد التحولات التي عرفتها في مسيرة ترسيخ التقاليد الديمقراطية.

هذه الخصوصيات وغيرها تمثل للمثقف العربي مجالا جديرا بالاهتمام. فهل بمقدور تركيا المساهمةُ في الإجابة عن أسئلة العالم العربي المتعلقة بالنهضة والانبعاث؟

يَعتبر الإنسانُ العربي تركيا دولة متقدمة تسترعي الانتباه، ويتابع أحداثها، وتحفز فيه مشاعر خاصة، وتساؤلات دقيقة عن أسباب نهضتها وانبعاثها، وتدفعه إلى إعادة طرح الأسئلة الوجودية القديمة الحاضرة، التي أثيرت قبل مائتي سنة أو أكثر، ولسان حاله يقول "لا شك أن لهذه النهضة أسبابا لا أسرارا.

تدرك النخبة المثقفة أن خلف هذا النشاط حركة فكرية ناضجة وثقافة قوية تديرها حركة مجتمعية ناضجة، تتجلى بعض مظاهرها في المشاركة المكثفة في انتخابات تعديل بعض بنود الدستور الأخيرة. وداخل هذا الزخم من الأسئلة يبرز عنوان كبير هو "حركة فتح الله كولن" أو "الخدمة" كما يصطلح عليها اجتماعيا، ويبرز من خلال هذا العنوان الكبير عنصران مهمّان هما "فتح الله كولن" و"الخدمة".

ثانيًا: المثقف العربي يتعرف على فكر الأستاذ فتح الله كولن

أول ما يلفت انتباه المثقف العربي هو اكتشاف مفكر وعالم ومثقف ومصلح مختلف عن طينة دعاة الإصلاح في العالم العربي. وأهم ما يقف عليه في شخصية الأستاذ فتح الله كولن هو البعد الحركي في مشروعٍ إصلاحي اجتماعي متكاملٍ انخرط فيه جزء مهم من المجتمع.

انتبه المثقف العربي إلى تلك المؤسسات التربوية والثقافية والفكرية والإعلامية والاقتصادية ذات الوجه الحضاري المشرق، وانتبه إلى كون الأستاذ مجرد مفكر اقتنع الناس بمعقولية أفكاره فآمنوا بها وبمعقوليتها، وانطلقوا يحوّلون الأفكار إلى مؤسسات أبعادها حضارية وإشعاعها عالمي. ومرد ذلك هو ربط الأستاذ في مشروعه الإصلاحي بين الفكر والحركية بالحرص على إقناع مكونات المجتمع بأن الفكر في حد ذاته ليس له قيمة إن ظل حبيس الأذهان والكتب والرفوف دون أن يتحول إلى حركية مبدعة تشهد عليه مؤسسات تعود بالنفع على جميع مكونات المجتمع وعلى مؤسساته.

اشتغل الأستاذ فتح الله طيلة حياته على غرس قيمة حب الوطن في قلوب أفراد المجتمع التركي، وحب الإنسان باعتباره أحد مخلوقاته تعالى، دون أن يكون لهذا الأمر أي ارتباط بالسياسة، لأن الأستاذ مقاطع عمليا للسياسية، ويؤمن بأن الأسلوب الذي تُدَبَّر به السياسة يفرِّق الناس شيعا وفرقا متناحرة، في الوقت الذي يؤمن هو بما يوحد ويجمع. ودليل ذلك هو حملة الحوار التي دعا إليها في بداية السبعينات من القرن الماضي مختلفَ الفرقاء والتيارات الفكرية والسياسية لفتح مجال للحوار والنقاش والالتقاء حول الحيز المشترك الذي يوحد في العمق بين مختلف مكونات المجتمع وهو حب تركيا.

ثالثًا: صدمة الاكتشاف

رَسَخ في "لاشعور" الإنسان العربي إحساس عميق باليأس من قدرة الذات على تحقيق ما تصبو إليه من بعث ونهضة، ووصْل الماضي بالحاضر، والانطلاق إلى المستقبل. وظلّت الكثير من أدبيات الإصلاح لا تتجاوز إطار النظرية على مدى مائة وخمسين سنة أو أكثر، ولم تستطع أغلب المشاريع تنزيل أفكارها إلى الواقع، ولم تربط الفكر بالحركية، بل لقد ظل المثقف الإصلاحي حبيس سلوك سَلْخِ ذاتِه وتحميلها مسؤولية أزمة حضارية مستمرة، فأفقد الإنسانَ العربي الأملَ في المستقبل. ولذلك فإن أفقا مختلفا فُتح أمام المثقف العربي بتعرفه على فكر الأستاذ فتح الله كولن وعلى "الخدمة" التي جعلته يلامس فكرا متقدما يراعي خصوصية الذات وهويتها الفكرية والثقافية، ويأخذ كينونتها بعين الاعتبار في مجالات مدنية مختلفة تساهم بفعالية في الحياة الثقافية والاجتماعية، والاقتصادية لتركيا. ولم تستأثر بنجاحاتها فخرجت إلى العالم ترفع شعار محبة الإنسانية بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، شعارها في ذلك من أجل عالم يسوده التسامح والسلام.

المجتمعات العربية لم تقدم للإنسانية شيئا يذكر منذ ما يزيد عن ثلاثة قرون خلت، هذا هو شعور المثقف العربي. لكن معرفة الخدمة ومؤسساتها المدنية بدّد بعضا من هذا الإحساس، بعد أن أصيب بصدمة معرفية يمكن أن نطلق عليها "صدمة الاكتشاف" التي تلخص إحساس اكتشاف الخدمة، هذا ما توحي به أغلب -إن لم نقل كل- المقالات والأعمدة التي حررها هؤلاء المثقفون الذين رغم انتمائهم إلى اتجاهات فكرية وثقافية كثيرة، يتّفقون على الحكم نفسه، وهو اكتشاف صورة حضارية هي في الحقيقة منجز سلطة معرفية إصلاحية للأستاذ فتح الله كولن.

إن النتيجة المباشرة لهذه الصدمة هي خلخلة العديد من الأفكار النمطية التي قيدت ذهنية المثقف العربي وفكره لقرنين أو أكثر. لقد استطاع التحرر من نمطية فكرية يائسة، واستعاد الثقة في كون عقل الذات الإبداعي يستطيع الانبعاث من جديد إذا ارتبط بالسنن الكونية. فتبديد اليأس وبناء الثقة في المستقبل وزرع الأمل أهم ما يخرج به المثقف العربي من تجربة الاكتشاف، لأن الثقة في الذات وفي قدرتها على الفعل والحركة عناصر أساسية في منهج الأستاذ فتح الله كولن الإصلاحي وفي رؤيته للوجود. فهو يؤمن بأن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإنسانية المؤمنة، لأنها ستحمل الدواء للإنسانية كلها، ويعتقد كذلك أن إنسان المجتمعات المسلمة -وخاصة الفتيّة منها- سيكون في القابل القريب صاحب القول الفصل في الألفية الثالثة.[2]

رابعًا: معايير تفاعل المثقف مع شخصية الأستاذ

ما الذي استرعى انتباه المثقف العربي في فكر الأستاذ فتح الله كولن وفي "الخدمة"؟ وبعبارة أخرى ما المعايير التي تجعل من شخصيةٍ ما شخصية جديرة بالاهتمام؟

هناك معايير كثيرة لكن أهمها:

أولا: معيار الحضور الفكري لزمن طويل دون انقطاع. وهي حال تنطبق على الأستاذ فتح الله كولن الذي ظل حضوره الفكري والحركي مستمرا منذ ستينيات القرن الماضي دون انقطاع، وهو اليوم في سن السبعين لكنه ما يزال نشيطا قادرا على الإبداعي الفكري وعلى صناعة الأفكار.

لقد أثر هذا العامل في المثقف العربي، ولفت انتباهه ما في هذا الحضور من العمق والمنهجية والأصالة مع المرونة والمعقولية المتوازنة التي تراعي خصوصية العصر.

ثانيا: معيار مدى انتشار رؤى الشخصية الفكرية ومدى تأثيرها، والأستاذ فتح الله كولن بطل في هذا المجال، إذ اختير أول شخصية مؤثرة في القرن الماضي. الأمر الذي زاد من اهتمام المهتمين به. فالخدمة وفكر الأستاذ هما اليوم موضوعان للدرس عند عدد واسع من الباحثين والدارسين والمفكرين من علماء الاجتماع والفكر والفلسفة والأدب. ومن النادر أن تجد مفكرا مسلما يحظى باهتمام المثقف الغربي وخاصة المثقف الأمريكي كما هو الحال مع الأستاذ. لقد ساهم هذا العامل في تعميق اهتمام المثقف العربي بشخصية الأستاذ فتح الله كولن.

ثالثا: معيار انتشار أفكار الشخصية على نطاق واسع أثناء حياته. إذ الغالب أن ينتشر فكر المفكرين بعد وفاتهم، لكن في حال شخصية الأستاذ فتح الله كولن نلاحظ أن قلمه سيال، مع قدرة كبيرة على إنتاج الأفكار، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

رابعا: معيار "العالمية"، ويستمد مشروعيته من اقتناعات الأستاذ فتح الله كولن الفكرية التي ترى ضرورة احترام الإنسانية في كل مكان بغض النظر عن هويتها وثقافتها ودينها وجنسها، كما تستمد هذه "العالمية" أبعادها من روح الإسلام وقيمه التي غيرت وجه العالم في محطات تاريخية كثيرة. فعالمية فكر الأستاذ هي من عالمية الإسلام ومن القيم التي يمثلها. يبدو المثقف العربي في ظل هذه المعايير حريصًا على دخول العالم الفكري والحركي للأستاذ فتح الله كولن وتفكيك منهج اشتغاله وصولاً إلى مخطط تفسيري يفسر المشروع برمته ويفسر الخدمة.

هذه العوامل مجتمعة جعلت هذا المثقف مذهولا مما يختزنه عالم الأستاذ؛ على أن أهم ما يستفزه هو أسباب نجاح المشروع في الوقت الذي فشلت فيه مشاريع أخرى، وخاصة الإسلام السياسي.

تتنوع رؤى وتحليلات المثقفين العرب للخدمة، وتختلف حسب منطلقهم الفكري والاقتناع الثقافي.. لكنهم يلحّون جميعا على الجوانب الحركية والمدنية والاجتماعية في الخدمة وفي فكر الأستاذ فتح الله، وعلى ذلك الاختيار الإستراتيجي الذي يفضل وقوف "الخدمة" بعيدا عن السياسة باعتبارها شيئا ينحرف بالعمل الاصلاحي عن أهدافه السامية المنتصبة عاليا فوق السياسة والأشخاص.

إن المصطلحات التي يوظفها المثقف العربي لوصف "الخدمة"، تلتقي جميعها عند أسباب النجاح؛ فـ"الخدمة" عند بعضهم "تجربة"، وعند البعض الآخر "حركة مدنية اجتماعية"، ويراها آخرون "جماعة إسلامية" أو "طريقة صوفية"... لكن يبقى النجاح هو العنصر المهم في "صدمة الاكتشاف" هذه. بعبارة أخرى إن أهم ما يثير المثقف العربي في "الخدمة" هو نجاحها.

إن المثقف العربي مصدوم أمام موضوع مركب. فإذا اعتبرنا شخصية فتح الله كولن وما يمثله نصا فهو النص متعدد المستويات. الأمر الذي يفرض تساؤلات عديدة لتجلية مستويات هذا النص، وتحديد أنسب مناهج مقاربته. ويتفق الجميع تقريبا على أن تحليل عالم الأستاذ فتح الله كولن ومؤسسة "الخدمة" لن يتجاوز حدود المقاربة في البداية، لأن هذا النص المتعدد عسير على النظر السطحي، ولأن الأستاذ فتح الله كولن مفكر نشيط لا يتوقف عن صناعة الأفكار وعن الكتابة. إذن فما مستويات هذا النص، وما طبيعته، وما أنسب مناهج مقاربته..؟ هذه أهم الأسئلة التي يطرحها المثقف العربي. ويمكن تقسيم هذا النص المتعدد إلى:

القسم الأول ويتكون من النصوص التي كتبها الأستاذ وما يزال على مدى حياته الفكرية والحركية، وهي عبارة عن مقالات نشرها الأستاذ منذ ستينيات القرن الماضي، ثم جمعت في كتب يتجاوز عددها 25 كتابا حتى الآن، إضافة إلى أكثر من 50 كتاب تم تفريغها من محاضرات الأستاذ وعرضت على تصحيحه ثم طبعت بعد أن صححها ووافق على طباعتها.

القسم الثاني وهو كثير جدا، تمثله مواعظه وخطبه المنبرية التي ألقاها في المساجد السلطانية في مختلف المدن التي أقام فيها كـ"إِزْمِير" و"إسطنبول".. ويتكون هذا القسم من دروس ألقاها على امتداد عقود على تلامذته في حلقات خاصة. وما تزال مستمرة إلى اليوم في مقامه في "بينسلفانيا" في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتميز المرحلة الأمريكية في حياة الأستاذ فتح الله كولن بطابع خاص يسمح لنا بأن نطلق عليها "المرحلة الأمريكية"، وهي مرحلة تثير انتباه المثقف العربي على اعتبار أن الأستاذ فتح كولن يكاد يكون العالم والمفكر المسلم والمثقف الشرقي الوحيد الذي يخاطب العالم من الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأولى في العالم.

تجدر الإشارة إلى أن المترجَم من كتب الأستاذ فتح الله كولن إلى العربية قليل بالنسبة لما ألّف، فهي لا تلبي سوى جزء يسير من أفق انتظار المثقف العربي كما توحي بذلك مقالاته.. لأن المترجم من فكر الأستاذ فتح الله كولن يجيب على جزء مهم من أسئلة المثقف العربي. ولذلك فإن ترجمة كل تراث الأستاذ سيفتح آفاقا أوسع.

وهناك مستوى الآخر لا يقل أهمية عن المستوى الأول ويتركز حول شخصية فتح الله كولن، لأن حياته المفعمة بالأحداث الكبرى تبرز معالم شخصية لها أثر كبير في فهم جوانب مهمة من الحياة المعاصرة في تركيا على الخصوص.. فالتتبع الكرونولوجي لتفاصيل حياته منذ الطفولة حتى صار أكثر شخصيات القرن العشرين تأثيرا، زيادة على الجانب العرفاني والمعنوي في شخصيته، عناصر مهمة جدا في تفسير عالم الأستاذ فتح الله كولن. وأغلب المقالات والدراسات -إن لم نقلْ كل- تقف قليلا أو كثيرا عند هذا الجانب، ويمكن اعتبار "عودة الفرسان" للمرحوم الأستاذ الدكتور فريد الأنصاري أهم تجسيد لهذه الرؤية وأهم تعبير عن نظرة المثقف العربي الذي تتغير العديد من اقتناعاته الفكرية بمجرد تعرّفه على فكر الأستاذ فتح الله كولن.

تعتبر "الخدمة" مكونا مركزيا بما تمثله من قيمة اجتماعية وحركية في مجالات كثيرة كالتربية والتعليم والعمل الاجتماعي المتمثل في كونها -أي "الخدمة"- معينا للأسرة التركية في العناية بالأبناء ومرافقة مسارهم التربوي والدراسي، بل إن هذا العامل هو المنطلق الأساس الذي نبتت عليه الخدمة في مراحلها الأولى قبل أن تنطلق. وأما المجالات الأخرى فتقدم المساندة المخلصة للمجتمع من خلال مؤسسات ثقافية إعلامية تجعل من القيم والأخلاق السامية المعيار الوحيد المحرك لها.

تقوم مؤسسات الحوار والتقريب بين الأفكار بدورٍ كبير في امتصاص خلافات المجتمع وإعادة توجيهها في الاتجاه السليم الذي يعود بالنفع على المجتمع كله. ويبرز في هذا الإطار "وقف الصحفيين والكتاب" الذي تثير فلسفتُه المثقفَ العربي الذي يتوقف عنده محللا لفكرته ومشيدا بنتائجه.

خامسًا: القراءة الانطباعية

المتأمل فيما كتبه المثقف العربي عن الأستاذ فتح الله كولن وعن الخدمة، يلمس ميله إلى القراءة الانطباعية، وهي تلك القراءة التي تأتي بعد "صدمة الاكتشاف"، في شكل مقالات صحفية وتعليقات شفوية موثقة.

فما حقيقة هذه القراءة الانطباعية، وما المتحكم فيها؟

تعبر هذه القراءة في الغالب عن "صدمة الاكتشاف" في صورة انطباعات أولية تطرح أسئلة وتخمن أجوبة سريعة، لكنها في الوقت نفسه تمني الذات بإجابة أعمق، وبكتابات عارفة في المستقبل. والغالب عليها هو وصف مؤسسات "الخدمة"، ومختلف المنجزات المدنية التي تؤثث فضاء "الخدمة"، وخاصة المؤسسات التربوية والتعليمية، والمؤسسات الإعلامية. ولا تكاد مقالة من المقالات ولا نص من النصوص يخلو من وقوف على البعد الإصلاحي لفكر الأستاذ فتح الله كولن الذي يكشف عن الوجه الحقيقي للإسلام القائم على التسامح والحوار وإرادة مصلحة الإنسانية كلها، وتجسده "الخدمة" في شخصه قبل غيره.

ومن القضايا المثيرة لانتباه المثقف العربي قضية العالمية وانطلاق الخدمة إلى مناطق مختلفة من العالم وهجرة الأستاذ نفسه إلى أمريكا.. لأن هذه القضية تنفتح على مشروع لا يقف عند حدود الوطن القطري كما هو حال أغلب مشاريع الإصلاح في العالم العربي التي حصرت نظرها في نطاق ضيق لا يتجاور الوطن القومي. فمفهوم الوطن عند الأستاذ مفهمو متقدم يحتاج إلى دراسة وتحليل، ليس هذا مقامه.

العنوان بالنسبة للنص محطة مهمة، وله وظائف إستراتيجة كثيرة، منها تكثيف دلالة النص والإعلان عنه وتبئير أهم قضاياه. إن العنوان من مقترب آخر هو هوية النص وبطاقته التعريفية التي يطلع بها على المتلقي.. فالنص مهما كان طوله أو تركيبه لا يعرف بداية إلا من خلال جملة قصيرة هي عنوانه. فالعنوان يسهل الجانب التداولي في النص، فوظيفة التداول أهم الوظائف التي يقوم بها العنوان، كما يرى الليساني "ليو هوك" في كتابه "علامة العنوان"، والناقد "شارل كريفل" في كتابه "إنتاج الإثارة الروائية". ومن هنا فإن عنوان ما يكتبه المثقف العربي عن الأستاذ وعن "الخدمة" تبرز فيه عناصر الإعجاب ويعبّر عن "صدمة الاكتشاف". فعنوان في المقالة الانطباعية يستجيب لأغلب المعايير المذكورة سلفا، إذ يحرص كاتب المقالة على تضمين عنوانه رسالة كاملة، تبئِّر الأستاذ فتح الله كولن وشخصيته، أو تبئِّر الخدمة ودورها في النهضة والانبعاث، أو تبئِّر بعض مؤسسات الخدمة ودورها.

كان النقد الصحفي في فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي لا يُعتَبر معرفةً في نظر النقد الأكاديمي. لكن تيار النقد الصحفي الذي شق طريقة بقوة انتقد بشدة النقد الأكاديمي باعتباره نقدا متجاوزا لا يطرح قضايا النص والإبداع بمقاييسه الفعلية التي يصل بها إليها إلى المتلقّي. كان النقد الصحفي تعبيرا عن الآفاق الجديدة التي تَحوّل إليها النص متجاوزا معايير النقد الكلاسيكي والنقد الأكاديمي في ظل فلسفة الحداثة. فهل المقالة الصحفية المكتوبة بروح الانطباع مقالة تقف عند حدود الانطباع ولا تتجاوزه؟ وهل للمقالة امتداد معرفي؟

سادسًا: خصوصيات المقالة الانطباعية

تتميز المقالة الانطباعية بالعديد من الخصوصيات نذكر منها:

أ-التركيز على الوصف، وذلك أن المثقف العربي المصدوم بما عاينه واكتشفه يصف بدقة كل شيء، يصف دون أن يحلل وكأنه يريد إلغاء ذلك الاقتناع الدفين في داخله الذي يقول من المستحيل تحقق أي نوع من الإصلاح وتحقق نتائجه على الواقع. فالوصف محوٌ لهذه الصورة الدفينة وإقناعٌ للذات بأن شروطا قد تحققت فأنتجت الموصوف.

ب-التركز على الخصوصيات الحركية، مع بعض التفاوت من مثقف وآخر. فما يراه هذا لا يثير انتباه الآخر، تبعا لأفكار كل مثقف على حسب اهتمامه وثقافته، فهذا يركز على العمل الاجتماعي الحركي، والآخر يركز على التربية والتعليم، بينما يركز آخر على الحوار، وآخر على صيت الخدمة في الخارج وفي الداخل، في حين يركز البعض على الإجماع الحاصل حول شخصية فتح الله في تركيا باعتباره مفكرا ومثقفا وعالما.

ت-غالبا ما تُكتَب المقالة على مراحل، وسبب ذلك هو طول أغلب المقالات، وكون كتّابها أصحاب أعمدة على الجرائد والمجلات، وغالبا ما يكون العمود محصورا في عدد الكلمات، ولذلك يضطر إلى تقسيم المقالة إلى حلقات.

ث-يغلب على بعض المقالات الطابع المذكراتي، أو نوعا من التوثيق للرحلة. الشيءُ الذي يسمح بإدراجها في باب "أدب الرحلة"، وهو جنس أدبي توثيقي أصيل في الثقافة الإسلامية، يقوم فيه صاحب الرحلة بتوثيق مشاهداته ولقاءاته. ولذلك فإن هذه المقالات تتيح لمن يريد دراسة نظرة الغير للخدمة، مادة مهمة للدراسة.

ج-التركيز على إسلامية التجربة. لا شك في أن الذين تعرفوا على الخدمة لم يكونوا كلهم من الاتجاه الإسلامي، إذ بينهم من يحسب على الاتجاه الليبرالي، واتجاهات فكرية مختلفة.. لكن الجميع يركز في كتاباته وتعليقاته على الطابع الإسلامي للتجربة، وعلى الجانب الوسطي المعتدل فيها.. ومنهم من استوقفه موقف الحركة من الإرهاب والعنف، وخاصة تنديد الأستاذ فتح الله كولن بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، مباشرة بعد وقوعها.

ح-بعض المقالات تشير -دون أن تعبر عن ذلك صراحة- إلى وجوب الاهتمام العلمي والمعرفي بمؤسسة "الخدمة" وفكر الأستاذ فتح الله كولن.. فأغلب الذين كتبوا هذه المقالات يتفقون على أن مقالاتهم مجرد رؤوس أقلام، ومجرد ملاحظات ممهدة لقراءة عارفة لمؤسسات الخدمة وللشخصية الفكرية التي أوحت بالخدمة.

خ-بعض المقالات تنظر للهموم المحلية من زاوية الخدمة، وفكر الأستاذ فتح الله كولن. لأن المثقف عندما يتعرف على الخدمة وعلى شخصية الأستاذ يستحضر واقعه العربي والمحلي. وعندما يكتب، يكتب من خلال مقارنة الفكر الإصلاحي عند الأستاذ فتح الله كولن بطرف ضمني مغيب هو الفكر الإصلاحي العربي؛ وعندما يصف الخدمة يستحضر ضمنيا العمل المدني وقضية تحويل الفكر إلى فعل في العالم العربي. ولا يهم هنا ماذا يكتب المثقف العربي، بل الذي يهم هو تخلصه من عقدة استحالة تحقق شيء يغير وجه الوقع.

د-الميل إلى المقارنة الأولية بين الواقع المحلي والعربي والواقع التركي، فبعض المقالات تقارن بين الواقع التركي بمستوياته المختلفة السياسية والفكرية والاجتماعية، مع استحضار الواقع العلماني الذي نجحت فيه التجربة.

ذ-تتضمن هذه المقارنات أسئلة ضمنية، بل يمكن القول بأن كل مقال هو مجموعة أسئلة ضمنية تطرح في ضوء التجربة الإصلاحية التركية وفي ضوء ما تساهم به الخدمة.. والسؤال الضمني دائما هو "لماذا نجحت الخدمة حيث تعثر الفكر الإصلاحي العربي؟ وكيف السبيل إلى الاستفادة من الخبرة التركية في تحقيق انبعاث العالم العربي؟".

ر-بعض المقالات يغلب عليها الرغبة في تحقيق المعرفة، لأن كتّابها باحثون في مجالات معرفية مختلفة، ويُعتبر فكر الأستاذ فتح الله كولن و"الخدمة" موضوعا يسعف في تطبيق منهجية محددة، ولذلك فإن المسحة المعرفية تلمس بعض ملامحها في بعض المقالات، لكن بالتأكيد المقالة هي مجرد ممهد لقراءة أعمق.

ز-وعلى العموم فإن هذه المقالات رغم طابعها الانطباعي تفتح مجالا للبحث، وهي كثيرة تلامس مجالات متعددة في فكر الأستاذ وفي "الخدمة".

سابعًا: فكر الأستاذ فتح الله كولن في البحث الأكاديمي

وأما بخصوص البحوث الأكاديمية، ذات الهدف المعرفي المحدد فهي قليلة، بالنظر إلى عدد المقالات المنشورة على أعمدة الجرائد والمجلات العربية، وعلى مواقع الانترنيت. ويرد ذلك إلى قصر المدة التي تعرف فيها المثقف العربي على فكر الاستاذ فتح الله، وعلى "الخدمة"، وهي مدة لا تتجاوز عقدا من الزمن. ويمكن تصنيف هذه الكتابات الأكاديمية إلى:

1-كتب ودراسات علمية

1.  مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي.. خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية، مؤتمر، دار النيل، القاهرة 2010م.

2.  البراديم كولن، فتح الله كولن ومشروع الخدمة، على ضوء نموذج الرشد، د. محمد باباعمي، دار النيل، القاهرة 2011م.

3.  أرباب المستوى.. حضور معرفي في فكر الأستاذ فتح الله كولن، د. محمد باباعمي، دار النيل، القاهرة 2012م.

4.  ذي قربتي.. مقالات وخواطر وقصص من واقع الخدمة، د. محمد باباعمي، دار النيل، القاهرة 2013م.

5.  الزمن والوقت.. نصوص ومفاهيم مؤسسة على الرؤية الكونية لفكر الأستاذ فتح الله كولن، د. محمد باباعمي، دار النيل، القاهرة 2013م.

6.  الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، أ.د. سليمان عشراتي، دار النيل، القاهرة 2012م.

7.  هندسة الحضارة.. تجليات العمران في فكر فتح الله كولن، أ.د. سليمان عشراتي، دار النيل، القاهرة 2012م.

8.  عبقرية فتح الله كولن بين قوارب الحكمة وشواطئ الخدمة، أ.د. فؤاد البنّا، دار النيل، القاهرة 2012م.

9.  العروج الحضاري.. بين "مالك بن نبي" و"فتح الله كولن"، أ.د. فؤاد البنّا، كتاب الأمة، قطر 2013م.

10.  الضاربون في الأرض، أديب إبراهيم الدبّاغ، دار النيل، القاهرة 2012م.

11.  فتح الله كولن في شؤون وشجون، أديب إبراهيم الدباغ، دار النيل، القاهرة 2013م.

12.  نداء الروح.. رحلة في عالم الفرسان، د. مريم آيت أحمد، دار النيل، القاهرة 2013م.

13.  فتح الله كولن.. رائد النهضة في تركيا المعاصرة، أ.د. عبد الحليم عويس، دار النيل، القاهرة 2013م.

14.  آفاق اليقينيات العلمية، من تجليات رؤى فتح الله كولن الاستشرافية، د. عبد الإله بن مصباح، دار النيل، القاهرة 2013م.

15.  محاورات حضارية، حوارات نصّية بين فتح الله كولن وفلاسفة الفكر الإنساني، أ.د.  جيل كارول، دار النيل، القاهرة 2011م.

16.  فتح الله كولن.. جذوره الفكرية واستشرافاته الحضارية، محمد أنس أركنه، دار النيل، القاهرة 2010م.

17.  فتح الله كولن.. قصة حياة ومسيرة فكر، أرطغرول حِكمة، دار النيل، القاهرة 2012م.

18.  عودة الفرسان.. سيرة محمد فتح الله كولن.. رائد الفرسان القادمين من وراء الغيب، أ.د. فريد الأنصاري، دار النيل، القاهرة 2010م.[3]

2-رسائل جامعية

هناك مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أُنجزت والتي ما تزال قيد الإنجاز في جامعات مختلفة من العالم العربي. وهي تكشف بأن الاهتمام بفكر الأستاذ فتح الله كولن قد وصل إلى مستوى التعليم العالي وأصبح هما ملحا على البحث العلمي الجامعي.

وفيما يلي سرد لمجموعة من الرسائل العلمية التي أنجزت والتي ما تزال قيد الإنجاز في جامعات عربية مختلفة:

1.  "محمد فتح الله كولن، ومنهجه في التجديد والإصلاح"، جمال جمعة السفرتي، كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسالمية، رسالة دكتوراه، 2013م، بيروت.

2.  "تربية الإنسان عند فتح الله كولن"، محمد أحمد عواد الزعبي، جامعة اليرموك، رسالة دكتوراه، 2013م، الأردن.

3.  البرادايم كولن؛ باعتباره باردايما حضاريا بديلا، طه كوزي، جامعة أريس الأمريكية بالتنسيق مع معهد المناهج في الجزائر، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، الجزائر.

4.  "أصول إدارة التنوّع في المجتمع في العهدين النبوي والراشدي، دراسة مقارنة مع فكر الأستاذ محمد فتح الله كولن"، أمير عبد الكريم سُوبرَ، الجامعة القديس يوسف، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، لبنان.

5.  "منهج الأستاذ فتح الله كولن في الإصلاح والتغيير الاجتماعي"، عبد الحميد داودي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، المغرب.

6.  "الفكر التربوي عند الأستاذ فتح الله كولن، المدارس نموذجًا (دراسة تحليلية)"، مولود بوزتاش، جامعة الزيتونة، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، تونس.

7.  "محمد فتح الله كولن وجهوده في العقيدة والأخلاق"، أمل نعيمات، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، الأردن.

8.  "الدور التربوي لمدارس الخدمة بتركيا"، جمال حوشبي، الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، السعودية.

9.  "الفكر الإصلاحي عند الأستاذ فتح الله كولن"، إبراهيم أكتاش، جامعة محمد الخامس، رسالة دكتوراه، قيد الإنجاز، المغرب.

10.  "حركة كولن التركية جهودها وأثرها في الدعوة إلى الله"، علاء علي محمود شكر، جامعة الأزهر، كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية، رسالة الدكتورة، قيد الإنجاز، مصر.

11.  "الخطاب الإسلامي بين مقتضيات العصر ومشروع الحداثة والتواصل، نموذج تجربة فتح الله كولن"، هشام الراس، جامعة عبد المالك السعدي، رسالة ماجستير، 2010م، المغرب.

12.  "محمد فتح الله كولن وجهوده في الفكر الإسلامي المعاصر"، أحمد هزاع قايد العلواني، جامعة إب، رسالة ماجستير، 2013م، اليمن.

13.  الفعالية في فكر الأستاذ فتح الله، خديجة فوديح، جامعة الخروبة للعلوم الإسلامية، رسالة ماجستير، 2013م، الجزائر.

14.  "فاعلية الإنسان" من خلال فكر: جودت سعيد وفتح الله كولن، سعاد دوفاني،  جامعة الأمير عبد القادر، رسالة  ماجستير، 2013م، الجزائر.

15.  "الفكر العقدي عند الأستاذ فتح الله كولن وأثره على الدراسات المغربية"، إبراهيم أكتاش، جامعة القرويين، رسالة ماجستير، 2011م، المغرب.

16.  "التجديد في الفكر الديني المعاصر في تركيا، نموذج دعوة محمد فتح الله كولن"، أبو زيد عبد الرحيم عبد العاطي، جامعة الزقازيق، رسالة ماجستير، 2010م، مصر.

17.  "أسس منهجية لبناء شخصية إنسانية متوازنة عند فتح الله كولن"، إبراهيم الخمليش، جامعة عبد الملك السعدي، رسالة ماجستير، قيد الإنجاز، المغرب.

18.  "ترجمة المصطلح والمفهوم في فكر الأستاذ "فتح الله"، جابر ناصر بوحجام، جامعة أريس الأمريكية بالتنسيق مع معهد المناهج في الجزائر، رسالة ماجستير، قيد الإنجاز، الجزئر.

19.  "الاستشراف الحضاري عند فتح الله كولن.. البعد الثقافي أنموذجًا"، أيوب ياشار، جامعة الزيتونة، رسالة ماجستر، قيد الإنجاز، تونس.

3-مؤتمرات وندوات دولية

أما المؤتمرات والندوات التي عقدت حول فكر الأستاذ كولن فهي كثيرة، لاسيما في السنوات الأخيرة حيث شهدت هذه التظاهرات العلمية تنوعا في الموضوعات والبلدان، وفيما يلي إشارة إلى بعض تلك المؤتمرات والندوات:

1.  "دور القرآن الكريم في بناء الإنسان والعمران"، جامعة ابن طفيل، 12 ماي 2013م، القنيطرة / المغرب.

2.  "الانبعاث الحضاري في فكر الأستاذ فتح الله كولن"، جامعة شعيب الدكالي، 22 ماي 2013م، الجديدة / المغرب.

3.  "ملامح التميز المنهجي في التعامل مع السيرة النبوية من شفا القاضي عياض إلى النور الخالد لمحمد فتح الله كولن"، جامعة القاضي العياض، 20 ماي 2013م، مراكش / المغرب.

4.  "الثقافة والفكر والإصلاحي.. الجذور التاريخية والأسئلة الراهنة، الشيخ الطاهر بن عاشور والأستاذ فتح الله كولن نموذجًا"، مركز الفاضل بن عاشور للثقافة والفنون، 10 ماي 2013م، تونس العاصمة / تونس.

5.  "المنهاج النبوي: من الإنسان القدوة إلى المجتمع المثالي"، 7 فبراير 2013م، سيدني وملبورن / أستراليا.

6.  "من الإنسان الغاية إلى المجتمع الراشد.. قراءات في الانبعاث الجديد من خلال السيرة النبوية"، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة سراييفو، 13-14 أبريل2013م، البوسنة والهرسك.

7.  "مساءلات في بناء ذاتنا الحضارية"، مركز التنوير المعرفي، 8 يناير 2013م، الخرطوم / السودان.

8.  "فلسفة البناء الحضاري عند مالك بن نبي وفتح الله كولن"، جامعة الجزائر، 18 نوفمبر 2013م، الجزائر العاصمة / الجزائر.

9.  "القضية الكبرى لأمّتنا.. من الإنسان الأفق إلى المجتمع المثالي"، مكتبة الإسكندرية، 11 نوفمبر 2013م، الإسكندرية / مصر.

10.  "إنسان العقل والفعل في فكر فتح الله كولن"، جامعة الجزيرة، 9 يناير 2013م، ولاية مدني / السودان.

11.  قراءات في كتاب "ونحن نبني حضارتنا" للمفكر محمد فتح الله كولن، جامعة محمد الخامس، 19 يناير 2012م، الرباط / المغرب.

12.  "رؤي معاصرة للإصلاح الإسلامي ودورها في تعزيز السلام العالمي.. تجربة فتح الله كولن التركية نموذجًا"، 16 يناير2010، عمان / الأردن.

13.  "النور الخالد: قيم كونية من مشكاة النبوة"، جامعة محمد الخامس، 26 ديسمبر 2011م، الرباط / المغرب

14.  "قراءات في كتاب "ونحن نبني حضارتنا" للأستاذ فتح الله كولن، جامعة الجزائر، 26 سبتمبر 2012م، جزائر العاصمة / الجزائر.

15.  "مشروع النهضة عند الأستاذ فتح الله كولن"، معهد المناهج، 26 سبتمبر 2012 العاصمة الجزائر.

16.  "مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي.. خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية"، جامعة القاهرة، 19-21 أكتوبر 2009م، القاهرة / مصر.

لقد كان مؤتمر القاهرة[4] أول مؤتمر انعقد في العالم العربي، وقد أسس المؤتمر لواقع معرفي جديد يتجلى في طبيعة القضايا التي طرحت والموضوعات التي نوقشت، والأهم من كل ذلك هو الأسئلة التي جرى تناولها في البحوث والأوراق المقدمة للمؤتمر، ومن خلال التعليقات والمناقشات الذي حفل بها. ومن أهم الأسئلة التي طرحت في المؤتمر نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر:

•   كيف نحقق الإصلاح وما أهم المداخل إلى ذلك؟

•   ما مداخل التغيير المتنافسة في سبيل الإصلاح والنهضة في مجتمعات العالم الإسلامي المعاصر؟ وأين تقع حركة فتح الله كولن منها؟

كان المؤتمر مناسبة لإعادة طرح أسئلة الإصلاح قديمة وحديثة، والتي تبدو كثيرة الإلحاح في ظل الربيع العربي. ولذلك فإن التعرف على فكر الأستاذ وعلى الحركة التي دشنها يعتبر ضرورة. ومؤتمر القاهرة في حد ذاته يعتبر فرصة بالنسبة للمثقف ليعيد طرح أسئلة الإصلاح التي طرحت منذ ما يزيد عن مائتي سنة، على أن الأكثر إلحاحا -كما سبقت الإشارة إليه- هو "ما السبيل إلى تحقيق الإصلاح؟".. لكن سؤال اليوم يطرح في ضوء رؤية فكرية ناضجة هي رؤية الأستاذ فتح الله كولن، وفي ضوء حركة إصلاحية متزايدة الانتشار باعتبارها حركة تبتعد بنفسها عن الخوض في المجال السياسي والأيديولوجي، وتعتبر العمل المجتمعي وتحصين الفرد بالتربية والتعليم ضد القيم الفاسدة التي تستهدف كيانيه الروحي والمادي أهمّ مرتكز لديها.

تقول مقدّمة المؤتمر: "موضوع الإصلاح في العالم الإسلامي هو واحد من أهم الموضوعات التي تشغل النخب الإسلامية، بل هو أهم ما شغلها على الإطلاق منذ قرنين -على الأقل- وما زال يشغلها إلى اليوم. وفي نظرنا أن كل جهد فكري في مسائل الإصلاح يكتسب مشروعية علمية وعملية في الوقت نفسه، خاصة إن جاء هذا الجهد بمنهجية مقارنة بين خبرات متنوعة على امتداد العالم الإسلامي. فالمقارنة تتيح فرصة كبيرة لاكتشاف القواسم المشتركة، والدروس المستفادة من هذه التجربة أو تلك تكشف عن مواضع التشابه والاختلاف ودرجات النجاح والفشل وأسبابها في كل حالة".

ثامنًا: أفق الانتظار المثقف العربي

وبناء على ما تقدم "ما أفق انتظار المثقف العربي في إطار العلاقة التي تكونت لديه مع فكر الأستاذ فتح الله كولن، هل استجاب فكره لأفق انتظار المثقف العربي؟".

أفق الانتظار مفهوم أساسي في نظرية التلقي الألمانية، وهي تحاول من خلاله الوقوف على مدى استجابة الرسالة لتطلعات المتلقي. فالمتلقي الذي يُعتبر عنصرا مساهما في بناء النص في إطار نظرية التلقي، يختزن مجموعة من العناصر التي يمني نفسه بالعثور عليها في الرسالة، فتشعره بالاطمئنان النفسي.

إن أفق انتظار المثقف العربي متعدد الطبقات؛ أولها الاقتراب من الخبرة التركية من خلال نموذج فكري معروف، ومن خلال منجز فكري في صورة مؤسسات مدنية ذات حضور قوي وفعال. ونكاد نلمس في أغلب المقالات والكتب والدراسات والمؤتمرات أن ما وقف عليه المثقف العربي يتجاوز أفق انتظاره، وهو ما أطلقنا عليها "صدمة الاكتشاف".

إن أفق الانتظار مرتبط شديد الارتباط، بالرؤية الإسلامية، لكنها رؤية متجددة تراعي عمق الدين وتأخذ بكل الأسباب المعاصرة، وفي مقدمتها المعرفة العلمية والعقل في ارتباطه بالروحي. ولعل العنصر الأبرز الذي يتجاوز أفق انتظار المثقف العربي -وهو يكتشف الخدمة والأستاذ فتح الله- هو ذلك التوفيق بين روح الإسلام و"الحداثة". ومرد ذلك هو أن المثقف العربي الإسلامي على الخصوص كان ينظر للحداثة نظرة سلبية، لأنها تفهم على أنها رؤية مادية تعتبر العلم سلطة مطلقة.

إن أفق انتظار المثقف العربي بعد صدمة الاكتشاف متصل بطرح أسئلة عميقة حول الخبرة التركية، وأين يبدأ مجال تأثير فكر الأستاذ والخدمة في هذه الخبرة، وكيف يتم التأثير، وما أدوات ذلك ومناهجه؟ ثم ما طبيعة هذا النموذج الذي يبدو وكأنه ينطلق من رؤية إسلامية، ولكن في الوقت نفسه يبدو مختلفا عن باقي الحركات والجماعات التي تنطلق من الرؤية نفسها وهي الإسلام؟ هل الأمر يتعلق بفهم خاص للإسلام؟ هل هي الخصوصية التركية من الناحية الجغرافية باعتبار قربها من أوربا؟ وهل للعلمانية من دور في هذه الخبرة..؟

لكن الأسئلة الكبرى متصلة بحدود الاستفادة من هذه الخبرة في تحقيق النهضة في العالم العربي والإسلامي.. ومن هنا فإن المثقف العربي يجد نفسه في ضوء المعطيات التي يجود بها فكر الاستاذ فتح الله والخدمة، مدفوعا بقوة إلى استحضار تراث الفكر الإصلاحي وإعادة قراءته في أفق سؤال كبير "لماذا لم يستطع الفكر الإصلاحي على مدى قرنين أن يحقق النهضة والانبعاث؟".

فالمثقف العربي عندما يقرأ مشروع فتح الله كولن يقرأه وعينُه على تاريخ الفكر الإصلاحي العربي.

المثقف العربي قرأ من قبل جميع أفكار الإصلاح، وكوّن عنها أحكاما مختلفة، لكن القراءة في ضوء التجربة التركية التي يشكل محرِّكَها الأساسّ مشروع الأستاذ كولن، ستفتح الباب من أجل إعادة القراءة وإعادة النظر في الأحكام المقدمة سالفا.

تاسعًا: مأْسسة الفكر

تعتبر قضية مأسسة الفكر والتفكير قضية مهمة بالنسبة للمثقف العربي، إذ يثار عنده السؤال "كيف يتحول الفكر إلى مؤسسة ذات شخصية معنويةمستقلة عن باقي المؤسسات؟

فهذا المثقف الذي زار الخدمة وزار مؤسساتها يصدمه استقلالية مؤسسات الخدمة التي استطاعت بناء شخصيتها المعنوية بعيدا عن الأشخاص وخاصة شخص الأستاذ فتح الله كولن.. إذ لا توجد رابطة عضوية بين مختلف هذه المؤسسات من جهة، وبين هذه المؤسسات والأستاذ فتح الله كولن الذي يؤكد بأن لا علاقة هرَمية ولا عضوية تربطه بمختلف مؤسسات الخدمة سوى أن الفاعلين في هذه المؤسسات والمؤسسين لها آمنوا بمعقولية الفكرة فانطلقوا باقتناع يطبقونها.. وهنا تبرز نقطة مهمة جدا وهي "معقولية الفكرة". لأن هذه المعقولية في حد ذاتها هي نوع من المأسسة للفكر، بمعنى أن الفكرة في ذاتها تصير مؤسسة قابلة للتفعيل والتطبيق والتنزيل، لكن شريطة عدم قطعها عن الأصول التي أوجدتها، لأنها إذا قطعت عن جذورها ماتت ولم تؤْتِ أُكُلها. ولا شك أن المثقف العربي عندما تثير انتباهه هذه المأسسة يستحضر الصور السلبية لمفهوم "الشيخ" في الوطن العربي الذي يؤسس علاقة مباشرة بكل شيء، بعبارة أخرى هناك دائما ارتباط عضوي بين المؤسسة على قلّتها ورمزية الشيخ. هذا في الوقت الذي نجد فيه أن الأستاذ فتح الله كولن يؤكد على القيم الروحية التي تلغي الأنانية الذاتية، كإلغاء الـ"أنا الفردي" والـ"أنا الجماعي"، وإرجاع كل توفيق إلى الله تبارك وتعالى إذ يقول: "لا تقولوا "أنا فعلت" ولا تقولوا "نحن فعلنا" بل قولوا "هو فعل"، أي رُدّوا كل توفيق إليه هو تعالى".

خاتمة القول

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى الدور الذي تقوم به مجلة "حراء" التركية، الناطقة باللغة العربية، باعتبارها أول مجلة تصدر من تركيا باللغة العربية بعد إلغاء الخلافة وقيام النظام العلماني. فهي اليوم تمثل جسرا ممدودا بين تركيا والعالم العربي، بل هي تمثل النافذة التي يطل الأستاذ فتح الله منها على العالم العربي، ويطل منها العرب على الخدمة.

فعلى صفحات هذه المجلة يلتقي عدد واسع من المثقفين العرب يحدوهم هدف واحد وهو همّ الإصلاح، وهمّ إعادة الثقة في مكونات الهوية الذاتية. إن المجلة وما تمثله خيط رابط يصل المثقف العربي بالخدمة، من خلال مساعدته على لمس حقيقة الثروة التي تحتضنه، ومساعدته على إيجاد السبيل لتنزيل فكره ورؤيته على الواقع.

 



[1]     لقد كتب هذا المقال بعد قراءة لمجموعة من المقالات الصحفية التي كتبت في الصحافة العربية عن مشروع الأستاذ فتح الله كولن، إضافة إلى كتُب ودراسات ألفت من قبل مفكرين وأكاديميين من العالم العربي، ومؤتمرات وندوات وأنشطة علمية أخرى أُقيمت في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي.

 [2]     انظر: ونحن نبني حضارتنا، فتح الله كولن، ص:4.

 [3]     كتاب الأستاذ فريد الأنصاري "عودة الفرسان" الذي مزج بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية وأجناس أخرى، وخاصة جنس الرواية. تعتبر هذه السيرة كما يطلق كاتبها حقل تجريب بالنسبة للمؤلف. فحياة الأستاذ فتح الله كولن ونظرة الكاتب الخاصة إليه أسعفته في تجريب ما يريد تجريبه من أساليب الكتابة..

 [4]     مؤتمر "مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي.. خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية"، دار النيل، القاهرة 2010م.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.