ج- أقواله علامة صدقه

لقد كان منذ مولده الصادقَ الأمين المختار، لذا أسرع الناس إلى الإيمان بكل ما قاله بعد نبوته، فكأن العالم كله يهتف به: "لقد صدقت يا رسول الله..." لا البشر فحسب، بل كل كائن يقول بلسان حاله وبلسان المعجزة هذا القول له ويبايعه.

ولأقف هنا لحظة لأستطرد ولأوضح موضوعاً مهمّاً فأقول: إن الآيات القرآنية وأقوال نبينا صلى الله عليه وسلم النورانية لهما مقام رفيع جدّاً لا يستطيع الفلاسفة بعقولهم ولا الأولياء بقلوبهم ولا الأصفياء بأرواحهم أن يفهموها حق الفهم ولا أن يبلغوا ذلك المستوى أو يسموا إليه. فالوصول متعذر بل مستحيل؛ وذلك من ناحية الدقة في التعبير عن العلاقات الموجودة بين ذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى.

غير أن الأرواح السامية والواصلة رأت من تجاربها أنها كلما غذت السير نحو الأعالي كلما تبيّن لها مدى صدق بيان القرآن وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم ومدى مطابقتهما للحق وللحقيقة، ويصلون إلى هذا عن طريق الكشف والذوق.

أجل، فما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حول الألوهية يتم التصديق عليه من قِبَل أهل الاختصاص ويُتّخذ أساساً وقاعدة، حتى أنه تناول مواضيع حساسة جدّاً حول مسائل الألوهية والحشر والنشر والقدر مع احتفاظه بالتوازن الدقيق بين هذه المواضيع بحيث إنه لو لم يعلن عن هذه المسائل ويشرحها لما استطاع أحد أن يقول كلمة واحدة حولها.

يروى عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه أنه قال: "صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبَنا حتى حضرت الظهر فنـزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبَنا حتى حضرت العصر. ثم نـزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأَخبَرَنا بما كان وبما هو كائن فأعلمُنا أحفظُنا."[1]

أجل، فقد فَتح أبواب الماضي واستعرض أقوال الأنبياء منذ آدم عليه السلام، وشرح أوصافهم وشمائلهم؛ ثم حوّل بصرَه إلى المستقبل فشرح كل شيء حول المحشر والجنة والجحيم، وهو الذي لم يقرأ كتاباً ولم يدرس على أحد؛ فكيف تسنّى له معرفة كل هذا..؟ لا شك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي علّمه ما لم يكن يعلمه من قبلُ من شؤون الدنيا وشؤون الآخرة. وما كان هناك غير هذا السبيل لِمعرفة كل هذه الأمور، وهذا هو ما يَقبله ويصدّق به كل العقلاء حاليّاً. وهو دليل آخر على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم عن الأنبياء ويصفهم ويصف ملامح وجوههم حتى كأنه رسام يرسم اللوحات. وكان أهل الكتاب في زمانه يصدقون كلامه ووصفه ولا يعترضون عليه ويقولون: "أجل، هذه هي أوصافهم كما جاءت في كتبنا."[2] أوليس هذا دليلاً قاطعاً على صدق نبوة رجل يصف جميع الأنبياء والرسل السابقين وصفاً دقيقاً يوافق عليه أهل العلم آنذاك وأهل الاختصاص دون أن يقرأ كتاباً واحداً من الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل وغيرهما؟

إن هذا الموضوع الذي قدّمنا لمحة منه موضوع لا أستطيع إيفاءه حقه، فهو خارج طاقتي وقدرتي... والحال نفسها واردة مع القرّاء، إذ ليس من السهل فهم هذا الموضوع وشرحه بالشكل المطلوب، غير أننا استناداً إلى أقوال وشهادة مَن بلَغوا هذا المستوى من آلاف الأولياء والأصفياء الذين سلكوا طريق الولاية وصعدوا مراتب الولاية مرتبة مرتبة؛ والعلماء والفلاسفة الذين ملأوا رؤوسهم بالعلم وبالمعرفة نعلم أن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الذروة في كل أمر من الأمور، وهذا يشكل بعداً آخر حول صدقه واستقامته. فتصديق هؤلاء الأشخاص الممتازين والمتميزين يُرينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتحدث أبداً خلاف الحقيقة وخلاف الحق، ذلك لأن ما تَحدّث فيه لم يكن من عنده بل من الوحي الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. [3] وهذا هو السبب في أنه أصبح سلطان الكلام الحق على مر العصور.

وما نريد أن نقف عليه هنا هو بعض أقواله المتعلقة بالغيب والتي ظهر صدقها بعد مرور أربعة عشر قرناً، وهذا دليل آخر على صدقه وصدق نبوته. غير أننا نود قبل الدخول إلى هذا الموضوع إيضاح بعض المسائل حول معاني الغيب لإيقاننا بضرورة هذه الشروح وبفائدتها.

جاءت كلمة "الغيب" في القرآن الكريم في مواضع متعددة وبمعانٍ مختلفة. ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (الأنعام: 59). فالغيب هنا غيب موجود في مقام الألوهية لا يعلمه أحد سواه سبحانه وتعالى... غيب لا يعلمه حتى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم ألا يذكر الله سبحانه وتعالى لنبيه بأن عليه أن يقول: ﴿قُل لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اْلأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأنعام: 50)، ﴿قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 188).

وفي سورة الجن نرى الآية: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ (الجن: 26-28).

في ضوء هذه الآيات نستطيع أن نقدم التحليل الآتي: إن من يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الغيب علماً مطلقاً يميل إلى الإفراط والمبالغة. ومن يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف الغيب مطلقاً يميل إلى التفريط. فهو لم يكن يعرف الغيب، إلا أن الله تعالى كان يطلعه على الغيب. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرح الأمور الأساسية للحوادث حتى يوم القيامة وكأنه جالس أمام شاشة تليفزيونية. وهذا هو ما نريد الوقوف عنده بكل عناية. فما قاله لم يكن من عنده بل مما أخبره الله تعالى به عن طريق الوحي. وبما أن الله تعالى هو مصدر هذا الغيب، لذا لم يكن الرسل وحدهم ولا رسولنا صلى الله عليه وسلم فقط من يعلم الغيب عن هذا الطريق، بل كان بعض الواصلين من الأولياء مطّلعين على قسم من الغيب عن طريق الكرامة إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم» قال ابن وهب: تفسير "محدَّثون" مُلْهَمون.[4] لذا، نرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقطع خطبته ويهتف: "يا سارية! الجبل.. الجبل.. الجبل!" يحذّر جيشَ المسلمين من الكمين المعدّ له من الأعداء. ويسمع قائد المسلمين نداء عمر فينجو بجيشه من كمين الأعداء.[5]

وهناك أولياء مثل محيي الدين بن عربي ومولانا جلال الدين الرومي والإمام الرباني ومشتاق أفندي ومئات غيرهم أخبروا عن الغيب ثم صدّقت الأيام كلامهم. وكلهم كانت قلوبهم مرتبطة برسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، مستمدين إلهاماتهم من مشكاة نوره. فإذا كان هذا هو حال بعض طلابه ودرجة قربهم من النسائم الرحمانية واللطف والإلهام الإلهي، والاطّلاع على الغيب فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي لو وُضع في كفة ووُضعت أمته في كفة لرجَحَها؟ وكيف يُستبعد اطّلاعه على الغيب كجزء من معجزاته؟[6]

هناك ما يقارب ثلاثمائة معجزة نبوية مذكورة في كتب الأحاديث المعتمدة، وقد تحقق القسم الأعظم من الأخبار الغيبية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم. ولسنا هنا في معرض استعراض هذه الأخبار، بل سنتناول أمثلة منها لكي تعطينا فكرة عن الموضوع.

وسنقسم هذه الأمثلة إلى مجموعات ثلاث:

الأولى: الأخبار الغيبية المتعلقة بعهده صلى الله عليه وسلم.

الثانية: الأخبار المتعلقة بالمستقبل القريب أو البعيد.

الثالثة: الحقائق التي أوضحها ببيانه السهل الممتنع والتي لم يعرف معناها إلا بعد تقدم العلوم.

أولاً: أخبار الغيب المتعلقة بزمانه

1. تورد كتب الأحاديث وفي مقدمتها صحيح البخاري ومسلم الرواية التالية:

عن أنس رضي الله عنه قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: «لا تسألوني عن شيء إلا بيّنتُ لكم» فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً، فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يُدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: «أبوك حُذافة» ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباًّ وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صُوّرت لي الجنة والنار، حتى رأيتهما دون الحائط.»[7]

2. يورد مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول: «هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله» فوالذى بعثه بالحق ما أخطأوا الحدود التي حدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.[8]

أجل، فهؤلاء الكفار الذين لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم كانت أجسادهم الآن وجثثهم تنطق بشهادة صدقه عليه الصلاة والسلام... ذلك لأنه كان يخبر، ثم يتحقق ذلك الخبر بحذافيره.

3. ينقل الإمام أحمد بن حنبل في مسنده الحادثة التالية:

قال جرير: لمّا دنوتُ من المدينة أنختُ راحلتي ثم حلَلْتُ عيبتي ثم لبست حُلّتي ثم دخلت، فإذا رسول الله يخطب فرماني الناس بالحَدَق فقلت لجليسي: يا عبد الله، ذَكَرني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم ذكرك آنفاً بأحسن ذكر، فبينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته، وقال: «يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفَجّ من خير ذي يمن، ألا وإن على وجهه مسحة ملَك.»[9]

4. ينقل ابن كثير في "البداية والنهاية" والبيهقي في "دلائل النبوة" الحادثة التالية:

رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطئون عقبه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال؟ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب بيده على صدره فقال: «إذن، يُخزيك الله» فقال: أتوب إلى الله وأستغفر الله مما تفوّهتُ به.

وفي رواية: إن أبا سفيان بن حرب بعد فتح مكة كان جالساً فقال في نفسه: لو جمعت لمحمد جَمْعاً؟ فإنه لَيحدّث نفسه بذلك إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال: «إذن، يُخزيك الله» قال فرفع رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه فقال: ما أيقنت أنك نبيّ حتى الساعة.[10]

5. وهناك حادثة أخرى جاءت حول عُمَيْر بن وهْب الذي كان لقبه "الشيطان" في الجاهلية فأصبح لقبه "راهب الإسلام" بعد هدايته. وخلاصة هذه الحادثة أنه جلس يوماً في مكة مع صفوان بن أمية واتفقا على أن يذهب عمير بن وهب إلى المدينة ويتظاهر بأنه أسلم ويقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك مقابل أن يعطيه صفوان عدداً من الإبل.

حدّ عمير سيفه وتوجه إلى المدينة وعندما وصلها قال بأنه قد أسلم ويريد مبايعة رسول الله. فذهبوا به إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن الصحابة لم يكونوا يأمنون جانبه ولا يأمنون اختلاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم فذهبوا به إلى المسجد وأحاطوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي سأل عميراً عما جاء به وعندما أجابه بأنه جاء ليسلم لم يصدّقه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: «أنا أخبرك لم جئت.» وأخبره ما كان من أمره مع صفوان في مكة واتفاقه معه على قتله صلى الله عليه وسلم. فذهل عمير مما سمع وأكبّ على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه ويشهد أنه رسول لله.[11] ثم أصبح من أصحاب العبادات ومجاهدة النفس حتى أطلق عليه اسم "راهب الإسلام".

فمن الذي أخبر رسول لله صلى الله عليه وسلم بما جرى بين عمير وصفوان في مكة؟

ثانياً: الأخبار المتعلقة بالمستقبل

أ - المستقبل القريب

يروي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد بن حارثة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيُقعدني على فخِذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ثم يقول: «اللّهم ارحمهما فإني أرحمهما.»[12] وبعد أن أصبح شابّاً عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو في أواخر أيامه- قائداً على الجيش الذي هيأه لقتال الروم... أي كان يريد إرساله إلى الأرض التي استشهد فيها أبوه قبل سنوات. غير أن أسامة عندما رأى اعتلال صحة الرسول صلى الله عليه وسلم فضّل الانتظار في المدينة ولم يغادرها حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.[13] يقول أسامة: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أُطُمٍ من آطام المدينة. فقال: «هل ترون ما أرى، إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القَطْر.»[14]

وبعد أن فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياة وأصحابه امتلأت شوارع المدينة وأزقتها بالفتن. وكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم من ضحايا هذه الفتن. فكأن هذه الفتن كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان حالها ”لقد صدقت.“

1) الفتـن

كان عمر بن الخطاب يخشى هذه الفتن طوال حياته، وفي رواية عن الأعمش عن شقيق عن حُذيفة رضي الله عنهم أنه في أحد الأيام بينما كان عمر جالساً في جمع من الصحابة في المسجد سألهم:

أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة كما قال؟ قال فقلت: أنا. قال: إنك لجريء. وكيف قال؟ قال قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفّرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.» فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال فقلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين! إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال: أفيُكسر الباب أم يُفتح؟ قال قلت: لا. بل يُكسر قال: ذلك أحرى أن لا يغلَق أبداً.

قال: فقلنا لحُذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة. إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال فهبنا أن نسأل حُذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله. فسأله فقال: عمر.[15]

كان عمر رضي الله عنه يعلم ذلك. فقد طرق سمعَه سابقاً حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة. وعندما جاء ميعادها ظهرت كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل مجوسي فارسي، فتلقَّت الوحدة الإسلامية ذلك اليوم طعنةً عميقة في صدرها... أجل، لقد اختار أعداء الإسلام هدفهم اختياراً جيداً، وضربوا هذا الهدف في الصميم. فبوفاته سالت الفتن كالسيل الجارف على أرض الإسلام... صحيح أن هذا كان خَطْباً عظيماً ورزءاً كبيراً، ولكنه كان من جهة أخرى تصديقاً وبرهاناً ناصعاً على صدق النبوة.

2) النصر

جاء في البخاري وفي سنن أبي داود عن خَبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه قال:

شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يُحفَر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضَع على رأسه فيُشَقّ باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، واللهِ ليتمنّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون.»[16] وتحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم بحذافيرها.

3) «أنتِ أول من يلحق بي»

جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها وهي تروي ذكرياتها عن الأيام الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم قالت: كُنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده. لم يغادر منهن واحدة. فأقبلت فاطمة تمشي ما تُخطئ مِشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً. فلما رآها رحّب بها فقال: «مرحباً بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه.[17] قالت عائشة رضي الله عنها: فسارّها بشيء فبكتْ، ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت، فسألناها عن ذلك فقالت: سارّني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُقبَض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت ثم سارّني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت".[18]

فكأنها في بكائها كانت تصف حالها بعد وفاة والدها:

ماذا علي مَنْ شَمّ تـربة أحمدا      ألاَّ يَشُمّ مـدى الزمـان غَواليا

صُـبّت عليّ مصائبُ لو أنها        صُبَّت على الأيـام عُدْنَ لياليا [19]

وبعد ستة أشهر فقط من وفاته صلى الله عليه وسلم لحقت به فاطمة رضي الله عنها. وكانت وفاتها تصديقاً لنبوة أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.[20]

4) الصلح

ذكر معظم رجال الحديث في كتب الأحاديث الستة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار يوماً وهو على المنبر إلى الحسن رضي الله عنه قائلاً: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يُصْلِح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.»[21]

أجل، إنه كريم بن كريم وحفيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما أصبح خليفة ذات يوم تخلّى عنها وعن السلطة حتى لا يكون سبباً في التفرقة بين أمة الإسلام، وأثبت بذلك كيف أنه سيد وابن سيد. فلم يمر سوى خمس وعشرين أو ثلاثين سنة على نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تحقق ما قاله حرفيّاً. فالأمويون رأوا الحسن أمامهم بعد وفاة علي بن أبي طالب، ولكن الحسن كان رجل صلح وسلام، لذا فقد تنازل عن جميع حقوقه لكي يصلح بين جيشي المسلمين ويمنع -ولو بشكل مؤقت- وقوع فتنة كبرى بين المسلمين.[22] وما أصدق ما قال الشاعر في حقه:

كريم بن كريم بن كريم      وجده خير الأنام

عندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الحادثة كان الحسن رضي الله عنه طفلاً صغيراً، وربما لم يَفهم مرادَ الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ما أشار إليه، أي أنه لم يفعل ما فعله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول لكونه عالـماً بما سيفعله، وكان الحسن رضي الله عنه بعمله هذا يصدِّق جده، ويقول له بلسان الحال: ”صدقت!“

5) سيعيش قرناً

عن عبد الله بن بُسْر: قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي فقال: «يعيش هذا الغلام قرناً.» فعاش مائة سنة وكان في وجهه ثؤلول، فقال: «لا يموت حتى يذهب الثؤلول.» ويقول الصحابة إنه عاش مائة سنة وذهب الثؤلول عن وجهه.[23]

وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب سر الآية ﴿وَلَلاٰخِرَةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ اْلأُولَى﴾ (الضحى: 4) يتقدم كل يوم ويقطع الدرجات نحو العُلى ونحو الأفضل ويكون يومه دائماً أفضل من أمسه، فإنه كان يستغفر كل يوم مائة مرة.[24] وكانت أمته تعرفه أكثر فأكثر كل يوم، وكان إيمانها يزداد به وبصدقه كلما أظهرت الأيامُ صِدقَ الأخبار التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم عن المستقبل فتُرَدّد وتقول: "صدقت يا رسول الله!"

والآن لنعط بعض الأمثلة المتعلقة بالعهود البعيدة عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والقريبة من زماننا الحالي. والأمثلة عن الأخبار المستقبلية التي ننتظر تحققها أيضاً.

6) الأخبار التي أخبر بها في وقعة "الخندق"

تكاد جميع كتب الأحاديث تجمع على إيراد الحادثة التالية التي جرت أثناء حفر الخندق حول المدينة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشارك صحابته في الحفر، وينشد:

«اللّهم لا عيش إلا عيش الآخرة      فاغفر للأنصار والمهاجرة»[25]

فينشدون:

«واللهِ لولا أنت ما اهتدينا      ولا تَصدّقـنا ولا صلّيْنا

 فأَنـزِلنْ سـكينة علينـا     وثبّت الأقدام إن لاقينا»[26]

يقول البراء بن عازب الأنصاري:

لما كان حين أَمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها أخذ المعول وقال: «بسم الله» وضرب ضربة فكَسَر ثلثها وقال: «الله أكبر! أُعطيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأُبصِر قصورها الحمر إن شاء الله» ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر فقال: «الله أكبر! أُعطيتُ مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض» ثم ضرب الثالثة فقال: «بسم الله» فقطع بقية الحجر فقال: «الله أكبر! أُعطيتُ مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صَنْعاء من مكاني الساعة.»[27]

ولم تمض إلا بضع سنين حتى فتح الله تعالى بسيوف سعد بن أبي وقّاص وخالد بن الوليد وغيرهما من كبار القوّاد كل هذه البلدان والممالك. وتم تسليم مفاتيحها إلى الشخصية المعنوية لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكان هذا دليلاً آخر على صدقه. ولم يكن في الإمكان أصلاً إلا أن يكون هكذا، فلو فرضنا المستحيل ولم يحصل ما وعده رسولنا صلى الله عليه وسلم، لحقق الله تعالى هذا الوعد لكي لا يكذِّب رسوله... كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الصحابي البراء بن مالك رضي الله عنه بأنه «لو أَقْسم على الله لأَبرّه.»[28] أي لو أقسم البراء حول أمر صعب التحقق لحقق الله تعالى قَسَمه هذا. وكان الصحابة يقدمونه في الحرب لكي يضمنوا انتصارهم.[29] فهل يعطي الله أحد الصحابة مثل هذه المِيزة ولا يعطيها لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ فالله سبحانه تعالى أراه فتـح هذه البلدان رأي العين، وكان الرسـول صلى الله عليه وسلم يخبر عما رآه.

7) بشرى الأمن والغنى

روى عَدِيّ بن حاتِم رضي الله عنه قال:

بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال: «يا عديّ! هل رأيت الحِيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أُنبئتُ عنها. قال: «فإن طالت بك حياة، لتَرَيَنّ الظعينة[30] تَرتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله» -قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار[31] طَيِّئ الذين قد سَعّروا[32] البلاد- «ولئن طالت بك حياة لتُفتحَنّ كنوزُ كسرى.» قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لَتريَنّ الرجلَ يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يَقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه.»

قال: فرأيت الظعينة ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوزَ كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ، لتروُنّ ما قـال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «يُخرج مـلء كفه.»[33]

لم ير عديّ تحقق النبوءة الثالثة، ولكن جاء اليوم الذي تحققت فيه أيضاً. ففي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز تحقق الشق الثالث من النبوءة، وأصبح واقعاً مُعاشاً. ففي تلك الدولة الواسعة المترامية الأطراف كان توزيع الثروة عادلاً ومنظماً إلى درجة أنه لم يبق فيها فقير واحد. ولا نبالغ إن قلنا بأن مستوى الحياة الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول الغرب أقل بكثير من مستوى الحياة آنذاك في تلك الدولة. هذا علاوة على أن نظام توزيع الثروات في هذه الأمم غير عادل وغير متوازن أبداً؛ فإلى جانب فئة غنية وموسرة ومرفهة جداًّ نجد الطبقات الفقيرة التي تعيش ظروف حياة قاسية. وما كان مثل هذا التوزيع الجائر غير المتوازن موجوداً في ذلك العهد... عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز.[34]

8) شهادة عمّار

كان المسلمون منهمكين ببناء المسجد النبوي... الكل يعمل... فمنهم من يصنع اللبِن ومنهم من ينقلها ومنهم من يبني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم. فمر به عمّار بن ياسر رضي الله عنه وهو يحمل لبنتين -بينما كان الباقون يحملون لبنة واحدة- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما دأبك إلى هذا؟» قال: يا رسول الله أريد الأجر. فجعل يمسح التراب عن منكبيه وظهره وهو يقول: «ويحك يا عمّار! تقتلك الفئة الباغية.»[35] أو: «أبشر! تقتلك الفئة الباغية.»[36] فأخبر النبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك ونبهه إلى أن عمّاراً سيستشهد وستقتله الفئة الباغية.

في معركة صِفّين كان عمّار في صف علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستشهد فيها. وعَدّ أصحاب علي رضي الله عنه هذه الشهادة دليلاً على أن الطرف الآخر فئة باغية.[37] صحيح أن صحابياًّ جليلاً قُتل في هذه المعركة، ولكن كل قطرة من دمائه سقطت على أرض المعركة كانت تقول: "صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم!"

أجل، أيها القراء الأعزاء! فلو لم يُخبِر الله تعالى فكيف يستطيع الإنسان أن يعلم هذا..؟ هناك حالياًّ أفلام خيالية تقوم ببعض التنبؤات حول المستقبل؛ وهذا ليس بالأمر الصعب، ذلك لأن لديهم المقدمات والبدايات، ويمكن القيام ببعض التخمينات في هذه المسائل وربط الحوادث وتركيبها بعضها مع البعض الآخر.

بينما الأمور الغيبية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لها مقدمات ولا بدايات، وما كان بمقدور أي بشر مهما كان عبقرياًّ أن يخبر عن عُشر معشار ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور المستقبل وأمور الغيب؛ ذلك لأن العقول لها حدود لا تستطيع تجاوزها. إذ يستحيل معرفة هذه المسائل دون الاستعانة بالوحي أو الإلهام الغيبي. ومن ثم فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف هذه المسائل من نفسه، بل لأن الله تعالى كان يخبره بها، وهذا هو سبب تصديق الأيام لكل ما قاله.

9) قوم مارقون من الدين

في أحد الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم فأقبل شخص غائر العينين ناتئ الجبين كَثّ اللحية مُشرِف الوجنتين محلوق الرأس، ولعله كان يمثل ظهور أمة في المستقبل، فخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل صفاقة قائلاً: يا محمد اِعْدِلْ. قال: «ويلك! ومن يَعدِل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل.»[38]

والرواية إما "خبتَ وخسرتَ" بفتح التاء الأخيرة، أي بضمير المخاطب، أو "خبتُ وخسرتُ" بضم التاء الأخيرة أي بضمير المتكلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول حسب الرواية الأولى: إن لم يكن نبي أمة شخصاً عادلاً فكيف تتعلم تلك الأمة العدالة؟ والناس الذين يعيشون في جو بعيد عن العدالة لا شك يعيشون في خيبة وخسران. ويريد أن يقول حسب الرواية الثانية: لو لم أعدل أُعَدّ من الخاسرين بينما بعثت نبياًّ ورسولاً ورحمة للعالمين.. إذن، فلا يمكن ألاّ أعدل.

وأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يؤدب هذا الشخص الذي لا يعرف أدب الحديث، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائْذَنْ لي فَأَضْرِبَ عُنُقَه. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دعه فإنّ له أصحاباً يَحقِر أحدُكم صَلاتَه مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يَقرأون القرآن لا يجاوز تَراقيَهم، يَمرُقون من الدين كما يَمْرُق السَهْم من الرَّميَّة، يُنظَر إلى نَصْله فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظَر إلى رِصافه[39] فلا يوجد فيه شيء ثم يُنظَر إلى نَضِيِّه[40] وهو قِدْحُه[41] فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظَر إلى قُذَذه[42] فلا يوجد فيه شيء، قد سَبَق الفَرْثَ والدَّمَ،[43] آيتُهم رَجُلٌ أسودُ إحدى عَضُديْه مثل ثَدْيِ المرأة. أو مثل البَضْعة[44] تَدَرْدَرُ ويَخرجون على حينِ فُرْقَةٍ من الناس.[45]

قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأَمَر بذلك الرجل فالتُمس فأُتي به حتى نظرتُ إليه على نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي نَعَتَه.[46]

إذن، فالذين مرقوا من الدين مروق السهم هم الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.[47] وهناك رواية في حديث صحيح: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال قاصداً علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنـزيله.»[48]

أي إن الناس حاربوني ووقفوا ضدي عند نـزول القرآن، وقاتلتهم على ذلك، وسيأتي يوم يفسَّر فيه القرآن تفسيراً خاطئاً ويؤَوَّل تأويلاً خاطئا، وستحارب أنت هؤلاء الناس... وقد حدث هذا كما ذكرت كتب السير.

فكأن ذلك الشخص الغائر العينين، الناتئ الجبين قد خُلق وعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المعاملة السلبية لكي يظهر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن لا يرد على خاطر أحدكم بأنه سيؤجر على هذا... كلا! فكما لا يؤجر الشيطان لتسببه في اكتساب المؤمن ثواباً من الله بسبب مقاومته لوسوسته، كذلك لا يؤجر ذلك الشخص بسبب أنه كان وسيلة لظهور صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأنها كانت وسيلة بطريقة غير محببة وغير مؤدبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

10) أُمّ حرام وركوب البحر

كانت أم حرام بنت مِلحان خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرضاعة في رواية، وفي رواية أخرى قريبة أمه صلى الله عليه وسلم وبمثابة خالته. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها من حين لآخر، وقد يستريح عندها. وفي إحدى المرات استراح عندها ثم استيقظ يتبسم. فقالت له أم حرام:

ما أضحكك؟ قال: «أناس من أمتي عُرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأَسِرّة» قالت: فادْعُ الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت مثل قولها فأجابها مثلها. فقالت: اُدْعُ الله أن يجعلني منهم فقال: «أنتِ من الأولى.»[49] فخرجتْ مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول من ركب المسلمون البحر مع معاوية إلى جزيرة قبرص، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنـزلوا الشام، فقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتْها فماتت.[50] والمسلمون يزورون قبرهما في قبرص من ذلك الوقت حتى الآن ويذرفون الدموع ويدعون لهما؛ ولكن كل قطرة دمع تقع هي بمثابة تصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبر خبراً غيبيا، وصدَّقت الأيام والحوادث قوله بكل دقة. وجزيرة قبرص وقبرهما هناك شاهدان لا يمكن لأحد أن يكذبهما.

أجل، إن الأيام تظهر على الدوام صدق كل ما قاله وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يحين الوقت المناسب لذلك. لذا، فإننا نجدد على الدوام شهادتنا بأنه رسول الله الصادق الأمين، ونقول بعدد ذرات أجسادنا: "صدقت يا رسول الله!"

أجل، قد تقصر تعابيرنا عن إيفاء هذه المعاني حقها، ولكن كل مؤمن يسمع هذا الصوت في ضميره. وهذا الصوت قوي وهادر إلى درجة أن عدم سماعه أو عدم الالتفات إليه يعد إنكاراً له، وهذا شيء مستحيل.

بـ - المستقبل البعيد

1) بنو قنطوراء

أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قوماً سيظهرون وسيتسلطون على العالم الإسلامي فقال: «فإذا كان آخر الزمان جاء بنو قَنْطُوراء عِراض الوجوه صِغار الأعين ذُلْف الأُنوف[51][52]

وتقول كتب التاريخ بأن هؤلاء القوم هم الـمُغول، والحقيقة أن هناك مصيبتين فادحتين ألـمّتا بالعالم الإسلامي وقعت إحداهما في الأندلس من قبل "فردينان (Ferdinand)" وكانت أنموذجاً للوحشية الغربية حيث قتل فيها الناس وأحرقت الكتب والمكتبات. والثانية كانت غزو الـمُغول الذي امتد إلى الأناضول وسورية ومصر، وتم فيه هدم كل معالم الحضارة والتمدن في هذه البلدان وحوّلت إلى خرائب قبل أن يتم انسحابهم.

ولكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بأمر أمته وقَدَرها فإنه كان يقوم بتنبيهها بمثل هذه الأخبار، وكأنه يقول لها: عندما تستحق هذه الأمة العقاب فإن الله تعالى يرسل لها الظالمين لتأديبها. فالظالمون هم سيف الله الذي يتم بهم الانتقام أول الأمر، ثم ينتقم الله منهم. أي إن الظالمين لن يهنأوا بظلمهم ولكن الله يسلط الظالمين على المسلمين أول الأمر، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وهو يحذر أمته من مثل هذه العواقب الوخيمة ومن التصرف بما يغضب الله تعالى ويجلب سخطه؛ ويصور لهم هذه المصائب والعواقب الوخيمة؛ كل ذلك لكي يتجنبوها، لأنه كان أنموذجاً للرحمة وللشفقة.

وعندما صدقت الأيام وبعد مضي (6-7) من القرون على ما تَنبّأ به وما أخبر عنه كانت هذه الأيام والتواريخ تشهد على صدقه وعلى صدق نبوته.

2) فتح إسطنبول

ينقل الحاكم في "المستدرك" بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أمته ستفتح إسطنبول التي كانت تدعى آنذاك بـ"القسطنطينية". والرواية هي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَتُفتحَنّ القسطنطينية، فلَنِعْمَ الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش.»[53]

وقد حاول كثير من الحكام العظام والقواد الكبار فتح إسطنبول في كل عهد، لكي يكونوا هم المعنيين بهذه البشارة. ولكنهم أتوا إلى إسطنبول ثم رجعوا عنها. فها هو الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري -الذي يعد ضريحه في إسطنبول جوهرة ثمينة في صدرها- شاهد من الشهود حول مجيء الكثيرين إلى أسوار إسطنبول ثم رجوعهم عنها. وأنا في الحقيقة أشعر بالحرج لأنني أضطر إلى تكرار معلومات يعلمها الجميع؛ وأعُدّ هذا مضيعة للوقت ولكني مع هذا أضطر إلى الوقوف حول مسألة أو مسألتين:

إن "اولوباطلي حسن" الذي تسلق أسوار إسطنبول في يوم فتحها لم يكن جندياًّ عادياًّ بل خِرّيج مدرسة "أندرون" التي كانت أفضل المدارس آنذاك وصديق دراسة لـ"محمد الفاتح" . كان هؤلاء آنذاك بضعة أشخاص منهم "خضر جلبي" القاضي الأول لإسطنبول و"اولوباطلي حسن" ثم الفاتح الكبير محمد الثاني... فهؤلاء الثلاثة درسوا معاً ونشأوا معاً وكانوا طلاباً في حلقة الدراسة نفسها.

تسلق "اولوباطلي حسن" أسوار إسطنبول واستطاع أن يثبت العَلَم العثماني على أسوارها على الرغم من أن جسمه قد أثخن من كثرة الطعنات والجروح. وبعد قليل كان محمد الفاتح بجانبه، فرأى ابتسامة عريضة ترتسم على وجه هذا البطل المسجّى على الأرض، سأله بِحَيْرة: "ما هذه الابتسامة على شفتيك يا حسن؟" أجابه: "لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجول هنا... لقد شاهدت وجهه الجميل... هذا سبب سروري".

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بنبأ هذا الفتح قبل تسعة قرون... وها هو في يوم الفتح يتجول بين أبطال هذا الجيش الفاتح. وأنا أقول دائماً استناداً إلى هذا وسأقول بأنه لو اجتمع ثلاثة أنفار معاً بإخلاص قلب وصفاء نية لخدمة الدين فلا بد أن روحانية رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون معهم وتباركهم.

وهكذا كان فتح إسطنبول ومن قبله استشهاد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري دليلاً آخر وشاهداً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأنه كان من أوائل من سمع بشرى فتح هذه المدينة. فتَحمّل مشقة الخروج للجهاد من المدينة المنورة حتى الوصول إلى هذه المدينة البعيدة، وأوصى بدفنه عند أعتاب أسوارها.[54]

3) الوهن

أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحوادث القريبة من عصرنا وزماننا، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تَداعَى عليكم كما تَداعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتها.» فقال قائل: ومِن قِلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولَينـزعَنّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم وليقذِفَنّ الله في قلوبكم الوَهَن.» فقال قائل: يا رسول الله وما الوَهَن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت.»[55]

عند إلقاء نظرة واحدة إلى هذا الحديث نفهم منه أنه سيأتي يوم تتداعى علينا الأمم وتتجمع ضدنا؛ وأنها ستقوم بنهب ثرواتنا الظاهرة منها والمخفية تحت الأرض؛ وتتقاسم هذه الثروات فيما بينها بعد أن تضع يدها عليها بكل وقاحة؛ وأننا سنقوم بوضع مائدتنا أمامهم وتهيئة اللقم لأفواههم؛ وأنهم سيبتلعون ما وضع أمامهم بشهية لا تَعرف الشبع... ولماذا يكون كل هذا؟ لأننا آنذاك لسنا أمة أصيلة مثل شجرة باسقة، بل نشبه الزبد والأوساخ التي تجرفها السيول... أجل، فمقابل خلافاتنا الفكرية والمزاجية التي مزّقتْنا شيعاً وأحزاباً، وحّدت المنافع والمصالح الدنيوية أعداءنا، وجعلتهم جبهة واحدة ضدنا فغلبونا وأذلونا.

كان الأعداء يخشوننا سابقا، لأننا كنا لا نخشى الموت مثلهم، بل نُقبل على الموت فرحين مستصغرين الدنيا ونراها لا تساوي شيئاً بالنسبة للآخرة؛ أما الآن فقد أصبحنا نخشى الموت ونحب الحياة الدنيا ونتعلق بها أكثر منهم، وهم يعرفون ضعفنا هذا ويستغلونه أبشع استغلال فيضربوننا في الصميم.

قد يبدو هذا الحديث لأوّل وهلة وكأنه يتحدث عن الحروب الصليبية ويخبر عنها، ولكن إن تمعّنّا قليلاً لرأينا أنه ينطبق وبوضوح تامّ على الحوادث القريبة أيضاً.

كتب السيد "رائف قَرَه داغ" كتاباً أسماه "عاصفة البترول"، وقد اغتيل بسبب كتابه هذا، لأنه شرح في هذا الكتاب ما تَعرّض له الأتراك في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين من غدر وخيانة، كما شرح المؤامرات التي حاكها الأعداء.

كلنا يعرف كيف تكالب الأعداء على الدولة العلية العثمانية، فقد كان كل همهم الاستيلاء على ثرواتها ما ظهر منها وما بطن؛ وكان هذا التكالب والافتراس وحشياًّ بدرجة أفظع من أشد الحروب الصليبية شراسة... أجل، فقد دعا بعضهم بعضاً إلى هذه المائدة واقتسموا ثروات البلاد فيما بينهم ونهبوها.

كانوا كما وصفهم الشاعر محمد عاكف:

"بلايا مختلفة...

بعضهم من الهنود،

وبعضهم من آكلي لحوم البشر...

وبلايا أخرى لا أعرفها."

هذه البلايا اجتمعت ونهشت جسد الدولة العثمانية ومزقته إرباً إرباً ونهبت ثروتها وسرقتها. هجم علينا الصليبيون في الماضي تحت تأثير فكرة معينة، وكانت هذه هجمة الشخص الأوروبي الساذج الأحمق. فالجموع الأوروبية الساذجة المخدوعة كانت تتصور أنها آتية لإنقاذ قبر مريم العذراء.

وما كانوا يعرفون بأننا نبجل ونحترم مريم العذراء أكثر منهم، ذلك لأننا نعتقد أن مريم العذراء ستكون زوجة لرسولنا صلى الله عليه وسلم في الجنة، أي إننا ننظر لها كأم للمؤمنين،[56] ولو كانت سيدتنا مريم العذراء حية لكنا نحن المدافعين عنها ضد أي شخص يريد مسها بأذى من قريب أو بعيد.

ما أريد أن أقوله هنا هو أن الإشارات الواردة في أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم ليست في حق الحروب الصليبية التي كانت نتيجة لمثل هذا التفكير الباطل والاعتقاد الخاطئ، بل هي تومئ إلى الحوادث المرعبة التي جرت في تاريخنا القريب والتي تجري الآن بكل ضراوتها وقسوتها؛ فالغرب لا يزال متفقاً ضدنَا ولا يزال العالم الإسلامي مائدة مفتوحة أمامه، ولم يتخلص بعد من هذا الوضع. إذن، فما قيل قبل أربعة عشر قرناً لايزال يتحقق بحذافيره، ونحن نعيش هذا الواقع الآن.

4) فتنة الشيوعية

يروي عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه يوماً نحو الشرق وقال: «ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قَرْنُ الشيطان.»[57]

فهناك احتمال قوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد بهذا الحديث الإشارة إلى الفتنة التي ستظهر من جهة الشرق كبديل لأوروبا الظالمة. وكلمة "قرن" الواردة في الحديث تأتي بمعنى القرن الموجود في الحيوانات، أو تأتي بمعنى "العصر"، وأنا أرى أن المعنى الأخير هو المعنى المقصود، أي أن القرن هنا يأتي بمعنى العصر أو العهد، أي أن "قرن الشيطان" معناه "عصر وعهد الشيطان" وهو نقيض "عهد النبوة". فهذا النظام الشيوعي قائم على الإلحاد وعلى الإباحية وعلى جميع المفاسد الشيطانية التي تحاول التسلل إلى القلب عن طريق النفس الأمّارة... ومع أن هذا النظام الشيوعي الذي يُعَدّ الابن غير الشرعي للنظام الرأسمالي يحتضر في هذه الأيام إلا أنه لا يزال يعد ألد أعداء الدين والمقدسات والمواريث التاريخية، ولا يزال كابوساً مخيفاً،[58] وأنا أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق على هذا العهد الذي سيطر فيه هذا النظام الشيوعي على مساحات واسعة من العالم... يطلق عليه "العهد الشيطاني" أو "القرن الشيطاني" ويحذر أمته من هذا الوباء ومن هذا البلاء.

5) كنـز نهر الفرات

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يوشك الفُراتُ أن يَحسِر عن كنـز من ذهب -أو جبل من ذهب- فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً.»[59]

لقد جرت مقاتل كبيرة بالقرب من نهر الفرات حتى الآن. وإذا تناولنا التاريخ القريب نرى قتالاً كبيراً جرى بين العراق وإيران قرب نهر الفرات. وفي سنة 1958 وقعت قرب نهر الفرات مجزرة قتل فيها أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم.

إن هاتين الحادثتين لا يصح إيرادهما كتفسير للحديث الشريف أعلاه، غير أنه حتما يشير إلى حادثة مستقبلية ستجري هناك. مثلا قد تصبح مياه الفرات ثمينة مثل الذهب في عهد من العهود في المستقبل، والحديث يشير إلى هذا بشكل مجازي، أو أن الواردات التي سيتم الحصول عليها بعد إنشاء الخزانات والسدود عليه ستكون ثمينة وقيمة مثل الذهب. أو قد يكون معناه بأن مياه الفرات ستنحسر تماماً وتكتشف تحتها منابع نفط غنية أو مناجم ذهب. ولكن مهما يكن فلا شك أن هذه المنطقة منطقة نهر الفرات ستكون مثل قنبلة موقتة وخطرة للعالم الإسلامي.

هذه الأمور والحوادث لم تظهر حتى الآن، فهي من الحوادث المستقبلية، وسيهتف الأقوام الذين سيدركون ويشاهدون تحقق هذه النبوءة "صدقت يا رسول الله!" وسيجددون إيمانهم.

6) رجوع المسيحية إلى نقائها القديم

ينبئنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المسيحية ستنقرض وتزول وستتحد مع الدين الإسلامي.[60]

أجل، فعندما يقوم الملحدون بإلقاء القبض على المؤمنين، يقوم الذين بيدهم القوة الجوية بنصرة المؤمنين بعون من الله تعالى رغم أنوف الملحدين حيث سيكسرون شوكة الملحدين.

في هذه الحرب العالمية ستملأ الجثث كل مكان... وستقوم النسور بنقل هذه الجثث المنتشرة في كل مكان على سطح الأرض، والنسور هنا رمز لمؤسسة معينة وتحمل معنى خاصاًّ وإيماءة خاصة.

7) الإصلاحات في الزراعة

ستكون هناك تطورات وقفزات في الزراعة، ونتيجة هذه التطويرات ستكون ثمرة الرمان ثمرة ضخمة تكفى الواحدة منها عشرين شخصاً. ويستطيع الشخص أن يستظل في ظل قِحْفها.[61] كذلك ستكون حبات القمح حبات ضخمة. هذه الأمور غير موجودة حالياً ولا نراها ولكنها ستكون موجودة في المستقبل بكل تأكيد، ستكون مصداقاً لنبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم ووسيلة لزيادة الإيمان به، لأن العصور والقرون ستكون شاهدة ودليلاً على صدقه.[62]

إننا مفتونون بالمستقبل الذي سيولد من رحم الغيب، ولكننا في هذا المستقبل لن نجد سوى نوره صلى الله عليه وسلم... فإذا انطفأ هذا النور فستصبح الحياة ظلمة أبدية.

8) عدم التوازن في أيامنا الحالية

لنرجع إلى الأخبار والإشارات المتعلقة بزماننا الحالي. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إن بين يدي الساعة تسليم الخاصَّة وفُشُوُّ التجارة حتى تُعِين المرأة زوجها على التجارة، وقَطْعَ الأرحَام وشهَادة الزُّور وكتمَان شهَادة الحق وظهُور القَلم.»[63]

يصف هذا الحديث أيامنا الحالية وصفاً لا يحتاج إلى أي تأويل أو تفسير.

ستروج التجارة إلى درجة أن مقادير هائلة من رؤوس الأموال بالملايين وبمئات الملايين بل المليارات من الدولارات تستخدم فيها، إذ أن الملايين تصرف في الإعلانات وحدها، وكثيراً ما تستخدم المرأة في هذه الإعلانات وأحياناً تكون المرأة شريكة مباشرة في التجارة فتنـزل إلى الأسواق وإلى المعارض، ولا يذهبن الظن بأحدكم بأنني ضد التجارة، وإنما أريد فقط الإشارة إلى صحة ما ورد في كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وستنقطع صلة الأرحام، فحقوق الأم والأب وحقوق الأقارب سوف تهمل ولا يرعاها أحد، ولا يلتفت إليها بل تداس تحت الأقدام. وعندما يشيخ الأب والأم ويتقدم بهما العمر ويصبحان في حاجة إلى الرعاية والاهتمام والحنان يرسلان إلى دار العجزة وإلى دور المسنين لعلهما يجدان العناية التي لا يجدانها في بيتهما. هذا على الرغم من أن الله تعالى ذكر بأن حقوق الوالدين تأتي مباشرة بعد حقوقه سبحانه وتعالى.[64] ولكن وصايا الله تعالى ستهمل ولا يلتفت إليها أحد، وسيتعرض الآباء والأمهات إلى معاملات وحشية ومهينة وإلى عقوق كبير. أتنطبق هذه الشروح على أيامنا الحالية أم لا؟ سأترك هذا لفطنة القراء.

سيزداد تقدير القلم أي التأليف والكتابة وستعمل المطابع ليل نهار لتخرج مئات وآلاف الجرائد والمجلات والكتب، وستقوم دور النشر والطبع بطبع ونشر الكتب ودوائر المعارف، وستمتلئ رفوف المكتبات بآلاف من مختلف الكتب، وستنقلب الكتابة إلى مهنة رائجة ويحترم الكتاب والمؤلفون. وسيروج الكذب وشهادة الزور حتى تندر الشهادة الصادقة، إذ ينقلب المجتمع إلى مصنع لإنتاج وترويج الأكاذيب، وستستند الحياة الاجتماعية إلى الكذب والتلفيق والخيانة.

والموضوع يكتسب وضوحاً شديداً إلى درجة أن بعضهم قد يتساءل: "أصحيح أن هذا الكلام يعود لرسولنا صلى الله عليه وسلم؟"

والإجابة على هذا السؤال بسيط جدا، فهذا الحديث مدون قبل ثلاثة عشر قرناً وهو موجود في كتب الحديث منذ ذلك الوقت. فإن لم تكن هذه الأقوال عائدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإلى من تعود؟ ومن يستطيع شرح وبيان الأحداث التي ستأتي بعده بعدة قرون وعصور وكأنه يراها رأي العين..؟ من يستطيع ذلك غيره؟ ثم لو كانت هذه الأقوال لشخص آخر غيره فإن معنى هذا أن صاحبها يملك رؤية نورانية نحو المستقبل كرؤية الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن هل وجد في التاريخ رجل آخر يمكن أن يكون نداًّ أو شبيها له لكي تسند هذه الأقوال إليه؟ كلا... فهذه الأنباء عن الغيب تعود لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد علمه ربه وقام هو بإخبارنا وإعلامنا. أجل، فهذه الحوادث التي ظهرت في أيامنا دليل قاطع على مدى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9) انتشار العلم

جاء في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: «أبُثّ العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة والعبد والحر والصغير والكبير.»[65]

فالناس على اختلاف طبقاتهم اليوم يدرسون في مختلف المدارس ذات المستويات المختلفة، وأصبحوا يتنافسون في الحصول على العلم. فكثرة الجامعات والمدارس وانتشار أجهزة الاتصال والمخابرة واستعمالها في مجال نشر العلم يدلنا على أن ما نقله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه هو إشارة إلى عصر العلم والمعرفة، وأن التطورات الحاصلة في هذا المجال تؤيد هذه النبوءة وتصدقها. فكأن هذه المؤسسات العلمية تقول بلسان حالها لرسولنا "أنت صادق في كل كلامك" بل إن العلوم نفسها ستقول هذا بعد أن تحول إلى مجراها الأصلي والحقيقي.

10) الفرار من القرآن

هناك حديث آخر ينطبق أيضاً على أيامنا حيث يقول: «لا تقوم الساعة حتى يُجعل كتابُ الله عاراً ويكون الإسلام غريباً.»[66]

فبينما يظهر الكافر كفره بكل صراحة وبكل علانية، فسيخجل المسلم من إسلامه، ولا يصرح به إلا وهو محرج. وبينما يعلن الكفار عن أفكارهم وعن مطبوعاتهم وكتبهم في كل مكان، لا يستطيع المسلم فتح المصحف وقراءته علنا، وستكون الضغوط النفسية قاسية وثقيلة إلى درجة أنه ما من شخص يستطيع إعلان أنه من أنصار القرآن دون أن يشعر بالخجل حتى ولو لم يكن هناك قانون يمنع هذا. أيستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة الآن؟ أوليست هذه إحدى المآسي التي يعيشها المسلم الآن؟ ألم يرجع الإسلام غريباً؟

والآن دعونا نختم تصوير هذه الأحوال المؤلمة لنقول إن رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا ومنذ عدة قرون بما سيحدث مستقبلا، وكلما جاء زمن ذلك الخبر ظهر بشكل يوافق كلامه في كل شيء ويصدقه حتى في تفاصيله الدقيقة. ليت شعري! ألا يكفي هذا لكي نرجع ونجدد البيعة له؟

11) مفهوم الزمن

وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون القرآن عاراً ويتقارب الزمان وتنتقض عراه.»[67]

وكلمة "التقارب" الواردة في الحديث تعني اقتراب شيئين من بعضهما، وهذا يشير من جهة إلى نسبية الزمان، ومن جهة أخرى إلى أن الأمور التى كانت تأخذ وقتاً طويلاً لإنجازها في العهود السابقة ستنجز في وقت قصير. فمن المعلومات البديهية التي يعلمها الآن حتى الأطفال أن التقدم الصناعي والتكنولوجي جعلنا ندخل إلى عالم من السرعة المذهلة في كل ناحية من نواحي حياتنا. وكما يشير الحديث الشريف إلى هذا الأمر فإنه يشير من ناحية أخرى إلى وسائط النقل السريعة التي قربت المسافات. كما أود الإشارة إلى مسألة يعرفها من يعمل في مجال علم الفلك والفيزياء الفلكية. وهي أن الأرض تأخذ تدريجيّاً وبمرور الزمن شكلاً بيضوياً، وهذا التغير يؤثر على الزمن وعلى ساعاتنا دون أن نشعر. وهناك معنى آخر أفهمه من هذا الحديث وهو: أن للزمن ماهية نسبية، ولكن مع هذا فأينما كان فالزمن هو زمن، فلو ذهبت مثلاً إلى برج الثور ونظرت من هناك إلى سحابة تبعد عنك أربعين مليون سنة ضوئية وتتحرك بسرعة 150 ألف كيلومتر في الثانية فستشاهد أزماناً مختلفة.

ولو استطاع الإنسان يوماً الخروج خارج المجموعة الشمسية فلا شك أن المفهوم الحالي للزمن سينقلب عنده رأساً على عقب. وهكذا فبوساطة كلمتين سحريتين وهما "تقارب الزمان" يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما سيحدث من تغير في مفهوم الزمن عندنا.

ولنا أن نتساءل الآن: أمثل هذا القول قول بشر؟ من غير صاحب الزمان والمكان الذي يغيرهما بيد القدرة... من غيره كان يعلم مثل هذه الحقائق..؟ أكان هـذا العلم ضمن قـدرة شخص أمي عاش في بيئة أمية..؟ كلا طبعاً. فالله هـو الذي علمه هـذا من علمه وقام صلى الله عليه وسلم بتبليغنا بذلك.

الأيام والشهور والأعوام والعصور تمضي والعلم والتقنية تتقدمان بخطوات جبارة، وعندما يتم الوصول إلى الهدف نرى هناك الحقائق التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عدة قرون، فلا يستطيع رجل العلم أن يخفي إعجابه فيقول من كل قلبه "أنت هو الصدق بعينه يا رسول الله!"

12) انتشار الربا

سيأتي يوم ينتشر فيه الربا ويفشو حتى لا يستطيع أن يتخلص منه من لا يتعامل به إذ سيصيبه غباره. وهناك حديث حول هذه العلة التي تعد من أكبر العلل الموجودة في يومنا هذا، والتي تنتشر انتشار السرطان كل يوم وتتوسع.

«ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا آكل الربا فمن لم يأكل أصابه من غباره.»[68]

هناك نقطتان تجذبان الانتباه في هذا الحديث:

الأولى: بما أن جميع مبالغ الدولة ونقودها تنطبخ في قدور الربا، وبما أن جميع المصارف -الربوية منها وغير الربوبة- وجميع المؤسسات المالية حتى غير الربوية منها يتعامل بعضها مع البعض الآخر، فإن الإنسان مهما أراد الحيطة في هذا الموضوع فلا بد أن يصيبه شيء من هذه العلة التي أحاطت بكل مظاهر الحياة واحتوتها، أي سيطفر إليه أيضاً شيء منها. ولا يستطيع الإنسان أن ينجو منها إلا بنيته، أي إن نيته هي حصنه وملاذه الوحيد.

الثانية: هناك معنى آخر في اللغة العربية لتعبير "أصابه من غباره" الوارد في الحديث: إذ يقوم قسم من الناس بأكل الربا، أما الذين لا يأكلونه فسيصيبهم غباره. فالرأسماليون سينمون ثرواتهم بالربا ويضاعفونها به؛ وفي الوقت نفسه ستزداد الطبقة العاملة بؤساً وفقراً بنفس النسبة؛ مما سيؤدي في النهاية إلى صراع بين هاتين الفئتين وإلى تصاعد غبار المعركة المحتدمة بينهما؛ مما يغرق المجتمع في اضطرابات وفتن لا أول لها ولا آخر. ولا ينجو أحد من مشاكل ومصائب هذا الصراع وهذه الفتنة. وأنا أعتقد بأن كل هذا قد حصل وهو يحصل الآن. والإنسان المعاصر يشاهد ما أشار إليه الحديث لكلا هذين الأمرين ويقاسي منهما؛ فلم تعد هناك اليوم مؤسسة لم تتلوّث بالربا من قريب أو بعيد،؛ فالتجارة العالمية كلها تدور اليوم حول محور الربا؛ والمعاملة الربوية في العالم كله تَلقى قبولاً عاماًّ وتُعدّ بمثابة تبادل نقدي.

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحذير أمته قبل عدة قرون من هذه الأزمة التي يتعرض لها الإنسان المعاصر، وطلب منها أن تكون منتبهة ويقظة وإلا وقعت في مستنقع الربا؛ ولكنه لا يبدي أي محاولة جدية للخروج منه؛ هذا مع العلم أن الإسلام دين أعلن الحرب على الربا. [69]

لو أن المسلمين فهِموا جزءاً من هذا التهديد القرآني؛ لَما كانوا من آكلي الربا، ولما كانت أمتهم من أكثر أمم الأرض بؤساً وفقراً.

13) زمان استخفاء المؤمن

حديث آخر يصور عهدنا وهو: «يأتي على الناس زمان يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فيكم اليوم.»[70]

سيقوم المؤمن باستعمال الأساليب والوسائل نفسها التي كان يستعملها المنافق في عهد الرسول لكي لا يكشف نفسه؛ سيخفي نفسه وسيخفي عبادته وصلاته، وإلا تعرض لمضايقات وآلام كثيرة. ذلك لأن الطغمة الفاسدة والشريرة لا ترضى أبداً بإعطاء فرصة لأمثال هؤلاء للعيش فيما بينهم. فأبواب العمل وكذلك بعض أقسام الوظائف الحكومية تكون مسدودة أمامهم، ويكونون مهانين ومبعدين عن المجتمع.

وهناك حديث آخر يقوي هذا المعنى: «ستكون فتنة يفارِق الرجل فيها أخاه وأباه؛ تطير الفتنة في قلوب الرجال منهم إلى يوم القيامة حتى يعيَّر الرجل فيها بصلاته كما تُعيّر الزانية بزناها.»[71] ومن الطبيعي أن تعيير المرأة بالزنى هو تشبيه لدرجة عيب الزنا آنذاك؛ غير أن الزنى أصبح الآن أمره هينا، بل يعد مهنة في بعض الأوساط.

أجل، فإذا قمنا بوضع بعض العهود التي أهين فيها الإنسان بسبب صلاته.. إذا وضعنا هذه العهود جانبا.. فإن هناك عهوداً قادمة سيُحتقر فيها المؤمن وستُعد الصلاة أمراً معيباً من قبل الفئات الحاكمة والظالمة التي سيئنّ المؤمنون تحت قبضتها القاسية، ولا يجدون أمامهم حلاً سوى إخفاء صلاتهم وعباداتهم.

14) النفط في الطالَقان

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحاً للطالَقان! فإن لله فيه كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة.»[72]

وكلمة "ويح" تستعمل في العربية لبعض البشارات التي تشبه الابتسامة المُرّة. فعندما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم عمّار بن ياسر أنه سيستشهد استعمل التعبير نفسه فقال: «ويحك يا عمّار!»[73] أما الطالَقان[74] فهي اسم لمنطقة غنية بالبترول في قزوين، أي أن مآل الحديث هو ما يلي: «ويحاً للطالَقان! فإن لله فيها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة.»

وقد تكتشف في هذه المنطقة معادن أخرى كاليورانيوم أو الألماس؛ ولكن هذا لن يغير النتيجة؛ فرسولنا تَحدّث عن كنوز ليست من ذهب ولا فضة وقد ظهرت هذه الكنوز في أيامنا هذه.

إذن، فحتى البترول الذي تم اكتشافه في طالَقان يصدّق رسول الله ويعترف بنبوته.

15) اتباع أهل الكتاب

أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن العالم الإسلامي سيقوم بتقليد الأمم السابقة، أي بتقليد اليهود والنصارى خطوة فخطوة حتى لو أن واحداً منهم أدخل رأسه في جحر ضَبّ لَقلّده المسلمون وأدخلوا رؤوسهم في الجحر. ويشرح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بكلماته البليغة الوجيزة: «لتتّبعُنّ سَنَن الذين من قبلكم شِبْراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جُحْر ضَبّ لاتبعتموهم.» قلنا: يا رسول الله! اليهودَ والنصارى؟ قال: «فمن؟»[75]

وموقفنا اليوم وموقف العالم الإسلامي اليوم معلوم للجميع. لقد فقدنا شخصيتنا وبدأنا نئنّ تحت أزمات فقدان الهويّة؛ وأصبحنا أشبه بالغنم الحائر بين قطيعين. لقد أصبحت العوامل التي كانت في وقت من الأوقات كافية لهدم الدول الأخرى والقضاء عليها تحيط بنا من كل جانب كالأخطبوط. وبدلاً من الانتباه والحذر فإننا لِغفلتنا حسبنا شباك الموت هذا من علامات المدنية وشروطها. أجل، فما من أمة في العالم قلدت الغرب في أي عهد من العهود مثل تقليدنا له والذي أصبح يحمل صفة الإدمان المزمن؛ فما من شيء جديد يظهر في الغرب حتى نقبله هنا دون أي تدقيق أو تمحيص؛ وأحياناً تفوق سرعة قبولنا له الكثير من الأمم الغربية. هذا بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفهم حتى في الكثير من المسائل الثانوية والفرعية.[76]

وليست هذه المسألة مناط بحثنا، لذا لا نريد تفصيلها. ولكن الأمر الذي نريد الوقوف عنده والتأكيد عليه هو قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخبارنا بحدوث هذه المسائل والحوادث قبل عصور وقرون عديدة؛ ولقد وقعت وتحققت هذه الحوادث في حينها وساعتها. فكل حادثة تتجلّى عند كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل بشارة أو إنذار، تقوم بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان فصيح عندما يأتي وقتها.

ثالثاً: الأخبار المتعلقة بالعلوم المختلفة

سنتناول في هذا الفصل بشكل مجمل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المسائل المتعلقة بالعديد من العلوم وذلك كدليل وشاهد على صدقه.

يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيراد قول مّا، ثم ينقضي أربعة عشر قرناً وتقطع العلوم والمعارف الإنسانية أشواطاً بعيدة وتتقدم بسرعة مذهلة؛ فإذا بالعلماء الكبار -كل في ساحته- يصدق على قوله صلى الله عليه وسلم ويعترف به باسم العلم وبلسانه. فما من حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعرّض لتكذيب أو لتخطئة.

إن العلوم والتكنولوجيا التي بدأت تخطو للأمام خطوات جبارة وسريعة أدارت ظهرها للعلماء ووقفت بأدب وخشوع أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي تقول له وهي تنحني أمامه: "صدقت." وما كان يمكن أن يحدث إلا هذا، ذلك لأنه رسول من عند الله.

وهنا سنقوم بإيراد بعض الأمثلة فقط، وندع التحليل العلمي لهذه المسائل للكتب والمجلات المتخصصة في هذه المواضيع.

أ . الدواء لكل داء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري وابن ماجة رحمهما الله: «ما أنـزل الله داء إلا أنـزل به شفاء.»[77]

أي ليس هناك من مرض إلا وقد خلق الله تعالى له دواء وشفاء. وليس هناك أي قول آخر يشجِّع على استحصال العلم ولاسيما في ميدان الطب والسعي فيه مثل هذا القول الوجيز الجامع والشامل؛ فقوله هذا يعني أنه ما من داء إلا وله دواء، أي يمكن العثور على أدوية لكل الأمراض الموجودة وذلك بعد توفيق الله وعنايته.

وفي رواية أخرى: «لكل داء دواء.»[78] وفي حديث شريف آخر: «تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم.»[79]

ولو وجدوا طريقة لإطالة العمر ولتأخير الموت بشكل مؤقت فإنهم لن يستطيعوا الحيلولة دون المصير المقدر والطريق المرسوم للموكب الإنساني.. هذا الطريق الذي يبدأ من عالم الروح ويمر من مرحلة الطفولة فالشباب فالشيخوخة وينتهي إلى القبر ومنه إلى الحشر.. ثم ينتهي إمّا إلى الجنة أو إلى الجحيم. وليس في الإمكان سد هذا الطريق أبدا. فلابد للإنسان أن يولد ويكبر ثم يشيخ ويموت. ولكن خارج هذا الأمر فهناك أدوية لكل داء، وعلاج لكل مرض. المهم أن يتم البحث عنه واكتشافه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأحاديث وبأحاديث أخرى مشابهة يدعو أهل العلم جميعاً وجميع من آتاهم الله موهبة وفضلا، وجميع الباحثين إلى تكثيف جهودهم وبذل مساعيهم لاكتشاف الأدوية ووسائل العلاج؛ ومن ثم فلتخصِّصوا من مبالغكم ومن ثرواتكم ما يكفي لإنشاء معاهد البحوث؛ ولتدققوا وتسيطروا على الطريق الواسع الممتد من مرحلة الطفولة حتى شاطئ الموت. فالقرآن الكريم دعا إلى هذا وحثّ على العلم وجعل معجزات الأنبياء مَثلاً أعلى في هذا. أجل، فكما كان الأنبياء قدوة حسنة في عالم الروح والمعاني السامية لإنقاذ البشرية من الطرق الملتوية إلى الصراط المستقيم، كذلك كانوا هداة ومرشدين في ساحة العلوم الصرفة؛ أي في الساحة التي يجول فيها العقل الإنساني ويصول. وأصبح كل نبيّ أسـتاذاً في سـاحة من هذه السـاحات ومرشـداً وهادياً.

ومن ثم يمكن القول بأن البشرية استلمت مفاتيح الهداية المادية والمعنوية من أيدي الأنبياء. أجل، فإن شرح معجزات الأنبياء في القرآن الكريم تشويق للبشرية وحث لها لكي يبلغوا ويصلوا إلى تلك الحدود النهائية التى خطها الأنبياء بمعجزاتهم.

فمثلاً قام المسيح عليه السلام بإحياء الموتى بإذن الله. كما نقل لنا ذلك القرآن الكريم. إلا أن هذه هي الحدود النهائية للطاقة الإنسانية. لماذا؟ لأن القوانين تنتهي هناك، ومن بعدها تبدأ الأمور الخارقة. فالقدرة الإنسانية والطاقة الإنسانية والإرادة الإنسانية لا تستطيع تجاوز إطار القوانين الفطرية. أجل، فمهما ترقّى العلم الإنساني وتقدمت التكنولوجيا الإنسانية فلا يمكنهما تجاوز حدود المعجزات. لأن هذه الحدود هي الساحات التي يجول فيها الأنبياء العظام. بمعنى أن العلم الإنساني يستطيع الوصول إلى الحدود التي تبدأ بعدها المعجزات. ويتم حث الإنسان وتشجيعه للوصول إلى هذه الحدود.

فالقرآن الكريم يحدثنا عن معجزات السيد المسيح عليه السلام ليقول لنا: انظروا فإن طرق العلاج والتداوي مفتوحة أمامكم حتى الوصول إلى حدود الموت. والأمراض التي لم تجدوا لها علاجاً مثل السرطان والأيدز وغيرها من الأمراض، لها أدويتها وعلاجها.. ابحثوا عنها وجِدوها.. فكم من مرض كان يُعتقد من قبل أنه لا علاج له اكتُشف علاجه وطرُق الشفاء منه الآن. فلتحاولوا وعندها ستجدون العلاج لهذه الأمراض.

ولنأخذ مثالا آخر. إن معجزة النبي موسى عليه السلام تعطي درساً للإنسان حول إمكانية تسخير الجماد في إنجاز وظيفة ومهمة معيَّنة. ولقد انفتح باب هذا الأمر قليلاً في أيامنا الحالية، ولكن لا يمكن اليوم ولا غداً إلقاء عصا وقلبُها إلى حيّة تسعى.. لأن هذه حادثة وقعت في ساحة المعجزات والخوارق؛ أما نحن فنستطيع أن نبذل جهودنا ضمن إطار القوانين العادية الجارية على الأرض.

وأرى من المناسب هنا أن أفتح الحديث عن القرآن الكريم الذي يعَدّ معجزة لا تصل إليها الطاقة البشرية. أجل، إن القرآن معجزة أدبية وبيانية لا يمكن الوصول إلى أفقها. فكل الأشعار والقطع الأدبية البليغة التي سحرت الإنسان بجمالها لا تستطيع إلا الاقتراب فقط من عتبة القرآن الذي يعَدّ الأفق النهائي للبلاغة حيث يقف قِبله الأدباء من أمثال "لبيد" وغيره عاجزين؛ لأن في بيانه معجزة، بينما الكلام البشري لا يستطيع تجاوز ساحته العاديّة. ولن نطيل في هذا البحث، لأن له موضعه الخاص به في هذا الكتاب.

وجملة القول: إن معجزات الأنبياء تشكل حدوداً معيَّنة وتخُطّ أفقاً محددا للعلم الإنساني. ويعد ذكر القرآن لها حثاً ودفعاً للإنسان ليبلغ حدود هذه المعجزات.[80]

ومن ثم فعلى الإنسان أن يسعى حتى يصل إلى تلك النقطة ويقترب من حدود تلك المعجزات الخارقة. ولو فرضنا أنه خطا خطوة واحدة وراء ذلك الحد لجال في الآفاق التي تتدلى منها ثمرات هذه المعجزات.

قد يستطيع الإنسان أن يتقدم في علم الطب حتى يقترب من حدود إحياء الموتى. ولكنه سيقف عاجزاً أمام الموت نفسه. ذلك لأن الموت -مثله في ذلك مثل الحياة- مخلوق من قبل الله سبحانه وتعالى، والآية الكريمة: ﴿اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ (الملك: 2) تشير إلى هذا.

أجل، إن الموت ليس انقراضاً أو تفسخاً وتحللاً... بل هو استرداد بمشيئة الله وإرادته للأمانة التي سبق وأن استودعها الإنسان. فهذا هو آخر ما يمكن أن يقال في تشجيع أهل الهمّة والعلم لكي يقدّموا كل ما يستطيعونه لخدمة الإنسانية.

إن هناك أحاديث كثيرة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في علم الصحة، ولاسيما فيما يتعلق بـ"الطب الوقائي" الذي يشكل جزءاً مهمّاً من علم الطب. وهذا شيء طبيعي، ذلك لأن علاج المرض ليس هو المهم، بل الأهم منه هو حفظ صحة الإنسان، وحمايته من الوقوع في المرض. وهذا أسهل بكثير من القيام بعلاجه بعد إصابته بالمرض. لأن العلاج صعب ومكلف وشاق. لذا، فقد اهتم رسولنا صلى الله عليه وسلم أول الأمر بهذا وجعل أكثر وصاياه الطبية مركزة حول الطب الوقائي.

ولا عجب ألا يجد الأطباء النصارى الذين أتوا إلى المدينة المنورة في العهد النبوي عملا؛ وذلك بفضل رعاية المسلمين لوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع رعاية تامة. فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بإصلاح أمراض القلوب والنفوس فإنه كان يقوم أيضا بشفاء الأمراض الجسدية، أي إنه كان يقوم بحفظ وصيانة أتباعه من الأمراض النفسية والقلبية والجسدية.

كان مرض الطاعون منتشراً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن باستطاعة أحد أن يقف أمام هذا المرض القاتل. إذ كان بخطورة مرض الأيدز حاليّاً. إلا أن الصحابة كانوا على حذر من هذا المرض لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينبههم إليه ويحذِّرهم منه. فكانت هذه الجماعة الطاهرة تعيش في بلدها وتحفظ نفسها منه بحياتها النظيفة الطاهرة. غير أنهم عندما كانوا يشتركون في الحركات العسكرية في الشام وسورية وحلب وأنطاكيا كانوا يتعرضون لهذا المرض لاتصال هذه المناطق آنذاك مع أمراض عالم البيزنطيين... كذلك كان وباء عَمْواس الذي توفي بسببه في ذلك المكان المشؤوم خمسة وعشرون ألف مسلم.[81]

وكان أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الأمة ضمن الموجودين في عَمْواس آنذاك. هذا الصحابي الذي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حقه بعد سنوات عندما طُعن في صدره: "لو كان أبو عبيدة حياًّ لولّيتُه."[82] وعندما أتى وفد نَجْران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرسل معهم شخصاً موثوقاً وأمينا، بعث أبا عبيدة بن الجرّاح.[83]

أجل، كان هذا الصحابي الجليل أحد العشرة المبشّرة بالجنة وأمين هذه الأمة، وكان موجوداً في موضع يجتاحه هذا المرض الوبيل ويحصد الأرواح فيه.

كان ذلك في أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان الخليفة يزور البلدان المفتوحة ويراقب تطوّر الأمور عن كثب. وكان من المفروض أن يذهب إلى عمواس أيضاً. إلا أنه عندما سمع بانتشار وباء الطاعون فيها قرر الرجوع، فقال له أبو عبيدة الجرّاح في رواية عن ابن عباس: "أفِراراً من قدر الله؟" فقال عمر: "لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة!" -وكان عمر يكره خلافه- "نعم، نفِرّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت وادياً له عُدْوتان. إحداهما خِصْبة والأخرى جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخصبة رعيتَها بقدر الله وإن رعيتَ الجَدبة رعيتَها بقدر الله؟"[84]

كان هذا حدساً وفراسة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولكن أكان مصيباً في هذا؟ أكان عليه أن يرجع أم يبقى؟ كان الخبر اليقين عند الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

لنقرأ بقية الرواية: قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيّباً في بعض حاجته، فقال: إنّ عندي من هذا عِلماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدَموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه.» قال: فحمد اللهَ عمرُ بن الخطاب ثم انصرف.[85]

وأنا أسأل القارئ: أليس هذا هو الحَجْر الصحي الذي يوصي به علم الطب الحديث؟ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي به قبل قرون عديدة، إذن، فإن علم الطب اليوم لا يملك إلا أن يقول له: ”صدقت يا رسول الله!“

بـ . مرض الجذام والحَجْر الصحيّ

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه الإمام أحمد بن حنبل والإمام البخاري: «فِرّ من المجذوم كما تَفِرّ من الأسد.»[86]

وهذا التمثيل الوارد في هذا الحديث الشريف لا علاقة له بجرثومة الجذام ولا بكون المجذوم يشبه الأسد. فهذا من خيالات وأوهام البعض، إذ لا يوجد مثل هذا المعنى ولا هذا القصد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. والفرار الوارد هنا ليس فراراً بالمعنى الحرفي. فلعل الرسول صلى الله عليه وسلم يريد توصيتنا بمكافحة هذا المرض الوبيل والبحث عن طرق الوقاية منه. أي القيام بالحَجْر الصحي وباتخاذ التدابير اللازمة لمنع سرَيانه وانتشاره. فكما يخاف الإنسان من ملاقاة أسد فعليه أن يخشى التلوث بهذا المرض بنفس القدر. إن هناك معاني عميقة في جميع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا يجب بذل مجهود كبير لفهم أبعادها.

ﺟ . ولوغ الكلب

ينقل الإمام مسلم وغيره من أئمة الحديث الحديثَ التالي:

«طهور إناء أحدكم إذا وَلَغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أُولاهن بالتراب.»[87]

أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم باستعمال التراب في عملية التعقيم إذ لم تكن المواد والأدوية المعقِّمة موجودة في تلك الأيام. ثم تبيَّن فيما بعد أن التراب يقوم بعملية التطهير مثل الماء. وبعد أن تقدم العلم أكثر تبين أن التراب يحتوي على مادة "التتراليت" و"تتراسكلين". وهاتان المادتان تستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم، فعندما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء بالتراب أولاً كان يريد تعقيم الإناء قبل غسله.

وشيء آخر تجدر ملاحظته في هذا الحديث، وهو أن بعض الأمراض التي تصيب الكلاب يمكن أن تصيب الإنسان أيضاً وتعيش جراثيمه في جسده، وهذا يعد من المواضيع الحديثة نسبيّاً في علم الطب.

ثانياً: إن براز الكلب ولعابه يمكن أن يكونا ضارين لصحة الإنسان. وإذا لم تؤخذ التدابير الضرورية في حينه فإن الأمراض السارية والمتنقلة بواسطتها لا يمكن علاجها بسهولة، لذا فإن عملية التعقيم مهمة جداًّ.

ثالثاً: والشيء الآخر الذي يجلب الانتباه هو أن الإناء بعد أن يتعقم من الجراثيم عند الغسل الأول بالتراب يجب غسل الإناء ست مرات -وفي رواية: سبع مرات-. وقد تناولت بعض المجلات في إنكلترة وفي ألمانيا هذا الموضوع وأقرت بصحة توصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدي حساسية شديدة في موضوع الكلاب، حتى أنه أمر مرة -اجتهاداً منه- بقتلها.[88] ولكنه عاد وأوقف هذا الأمر قائلاً: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرتُ بقتلها.»[89]

وهذا معناه أن الكلاب لو لم تكن أمة بين سائر الأمم المختلفة مثل الإنسان والنباتات والجماد والتي لها علاقة بحفظ التوازن البيئي، ولو لم تكن هناك ضرورة فطرية لوجودها لأمرت بقتلها. وذلك لكونها مباءة للجراثيم، وهذا الأمر الأخير أي تناوُل الرسول صلى الله عليه وسلم المسألة من هذه الوجهة معجزة أخرى. ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتناول موضوع التوازن البيئي -الذي يعد من المواضيع الجديدة في أيامنا- من ذلك التاريخ ويحرم انطلاقاً من وجهة النظر هذه قتل الحيوانات حتى الكلاب. واليوم وبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة بدأنا ننتبه إلى ضرورة منع انقراض أنواع عديدة من الحيوانات والمحافظة عليها كالحيتان والأفيال ووحيدي القرن...الخ. وذلك للحفاظ على التوازن البيئي في الطبيعة. ومن ثم إن تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر قبل أكثر من ألف سنة بقوله إنه «لولا أن الكلاب أمة من الأمم» يعد تناولاً مبكراً جداًّ لموضوع في غاية الأهمية.

أجل، إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ووضع موازين دقيقة بين مخلوقات هذا الكون وعناصره. والآية الكريمة: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان * أَلاَّ تَطغَوا فِي الْمِيزَانِ﴾ (الرحمن: 7-8) تشير إلى هذا المبدأ العام. فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل توازن، لذا فمن الطبيعي أنه كان يحافظ على التوازن ويمنع حتى قتل الكلاب. وقد تُستخرج معان أخرى في المستقبل من كلامه الوجيز البليغ. ولو أن شخصا غيره لم يتلفظ طوال حياته إلا بهذه الجملة -إن أخذنا تاريخ هذا الكلام بنظر الاعتبار- لكان ذلك كافياً لأن يأخذ مكانه بين المشهورين في التاريخ، مع أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم آلافاً من هذه الأحاديث وأمثالها. إذن، لندع العبقرية تتسوّل على بابه ولنختم هذا الموضوع.

إنه يحق لنا أن نقول دون أيّ تردد، ونؤكد دون أدنى مبالغة بأن الحوادث والوقائع تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان حالها: "أنت رسول الله الصادق الأمين." وكلما تقدمت العلوم وزادت دقتها وضح هذا الأمر أكثر. وأنا على يقين بأنه سـيأتي اليوم الذي سـيؤمن بهذا جميع الناس وعامة البشر.

إن العلوم اليوم خاضت في محيط الوجود تحلِّل وتدرُس وتمحّص كل الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي كل يوم  تظهر حقائق حول صدق الرسول صلى الله عليه وسلم يعلنها كل من يملك شفافية قلب من العلماء من فوق آلاف المنابر على الناس أجمعين.

د . غسل اليدين قبل الأكل وبعده

في حديث يورده الترمذي وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده.»[90] أي إن كنتم ترغبون في بركة الطعام وطهارته ونظافته فاغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده وكأنكم تتوضؤون.

والرسول صلى الله عليه وسلم يضع بحديثه هذا مبدأ عاماًّ في النظافة، وإلا فإننا لم نكن لندرك هذا بعقولنا، ولاسيما إنسان ذلك اليوم ما كان ليعرف أبداً أن الملايين من الجراثيم قد توجد بين أظافره. دع أهل ذلك الزمان وقل لي كم من شخص يعرف اليوم الماهية العلمية لهذه المسألة؟

كذلك فمن قواعد النظافة التي علَّمَنا إياها رسولنا صلى الله عليه وسلم هو القيام بغسل اليد جيداً بعد الاستيقاظ من النوم وقبل غمسها في أي إناء. ذلك لأن الإنسان لا يعلم في أثناء نومه أين باتت يده.[91] فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهتم بنظافة الأيدي اهتماماً كبيرا، لذا ركز اهتمامه فيها وأوصى بها في مواضع عديدة.

ولقد بدأ الأطباء يفهمون اليوم حكمة هذه الوصية، فالإنسان لا يدري ماذا مسّت يده وهو يتقلب في فراشه أثناء نومه. فقد تتسخ يده، فكيف إذن، يمدها إلى إنائه أو إلى فمه؟ فهل كانت هناك مجاهر وميكروسكوبات أو أشعة اكس أو مختبرات التحليل لكي يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أن اليد ستتلوث بالجراثيم ثم يقوم بتنبيه أمته إلى هذا الأمر؟ كلا. لم يكن أي من هذه الأمور موجودة. ولكن كان هناك فوق كل هذه الأمور من يوصل إليه هذه الحقائق عن طريق الوحي ويعلمه بالوحي المتلو أو غير المتلو، فيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل هذه الحقائق إلى أمته، لذا لا يمكن العثور في كلامه على أي خطأ أو على أي خلاف للحقيقة وللواقع.

ﻫ . السواك: نظافة الفم والأسنان

ورد في كتب الأحاديث الستة وغيره حديث رواه ما يقارب أربعين صحابياًّ. فهذا الحديث من هذه الجهة يعد حديثاً متواتراً: «لولا أن أَشُقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.»[92]

وحتى لا يشق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فإنه لم يقم بهذا الأمر، وإلا كان السواك حينئذ من فروض الصلاة كالوضوء مثلاً. ولكن هذا لا يتفق مع روح الدين القائم على اليسر، ذلك لصعوبة أن يجد كل شخص سواكاً في كل مكان.

السواك ليس فرضاً، ولكنه سنّة ثابتة. وقد كتب القدماء مجلدات حول هذا الموضوع، وقام اليوم كثير من الباحثين بتناول موضوع السواك من مختلف الجوانب العلمية، وستطلعون على هذه البحوث في المستقبل إن شاء الله.

السواك يعني تنظيف الأسنان، ولا يتم هذا بالسواك فقط، بل يمكن أن يتم باليد أو بالملح أو بالمعجون أو بوسائل أخرى. أجل، يستطيع كل شخص تنظيف أسنانه بالطريقة التي يرغب فيها. ولا يستطيع أحد أن ينكر عليه شيئاً، ولكن يجب ألا ننسى أن للسواك خصائص خاصة به.

والآن تأملوا ديناً يقوم مبلِّغه -وليس واضعه، ذلك لأن واضعه هو الله سبحانه تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ للدين- باستعمال السواك ما بين خمس أو عشر مرات في اليوم الواحد، ويقوم بجعل السواك سنة في أمته.. لذا، نستطيع القول بأن مثل هذا الدين سبق المفهومَ الحالي لنظافة الأسنان والمفهوم العلمي لوقاية الأسنان أو ما يطلق عليه الفرنسيون (hygieniqui) وأنا لا أعتقد أن هناك طبيب أسنان دع عنك عوام الناس يقوم بتنظيف أسنانه خمس أو عشر مرات في اليوم. علماً بأن عدد المرات التي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم بالسواك يومياًّ هو هذا العدد في الأقل. إذ كان يقوم عدة مرات في الليل للصلاة وفي كل مرة ينظف أسنانه بالسواك.[93] إذ كان يستعمل السواك عند وضوئه وقبل الصلوات في الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وكذلك بعد تناول أي طعام. فإذا عددنا هذه المرات نرى أنه يفوق العدد الذي سبق وأن ذكرناه في تنظيف أسنانه.

و . التوازن في الأكل

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الطب الوقائي: «ما ملأ ابن آدم وِعاءً شرّاً من بطن. بحسْبِ ابـن آدم أُكُلات يُقمن بـه صلبه، فإن كان لا محالة فثُلُثٌ لطعامه وثُلُثٌ لشـرابه وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ.»[94]

وهناك أحاديث أخرى تقوي وتسند هذا الحديث منها: «أخشى ما خشيت على أمتي كِبَر البطن ومداومة النوم والكسل وضعف اليقين.»[95]

والأمور المذكورة في هذا الحديث تلتقي عند نقطة واحدة. فمن عاش حياته في غفلة دون أن يراقب نفسه فسيقضي معظم وقته في النوم والكسل وسيسمن ويكثر شحمه. وكلما زاد سمنة زاد إقبالاً على الطعام، وكلما زاد نهمه زادت غفلته. أو نستطيع البدء من السبب الأول فنقول إن من يأكل كثيراً سينم كثيراً، ومن ينم كثيراً يكن شخصاً ضعيف اليقين.

فمن أين نظرت علمت أن هذه أمور تسوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القلق على أمته منها. وهنا أترك الكلام للمختصين في عالم الطب وتحليلاتهم العلمية في هذا الخصوص. وعندما تقرأون أو تستمعون إلى تحليلاتهم سترون مدى مصداقية ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قبل عدة قرون، ولن تجدوا فيه انحرافاً ولو قيد شعرة عن الحق وعن الحقيقة.

ز . الكحل

والآن لننتقل إلى حديث آخر. إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر ويُنبت الشعر.»[96] أي يطيل أهدابكم.

يقول أطباؤنا -ممن نور الله أبصارهم وبصائرهم- إن الكحل من أفضل الأدوية المستعملة في تغذية العيون والأهداب، ونحن نعتقد بأن السنين القادمة لعالم الزينة ستكون سنين الكحل. وهناك مادة أخرى في مستوى الكحل من ناحية قيامها بوقاية الجلد وامتلاكها لخصائص المضادات الحيوية هي مادة "الحِنّاء" [97] إذ تبين علمياً أن قوة التعقيم الموجودة فيها أكبر من قوة التعقيم الموجودة في "اليود" أو مادة "مورفسيلون" المستعملتين حالياً.

ﺣ . الحبة السوداء

في حديث ورد في صحيح البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السامَ.»[98] أي إلا الموت.

وتعبير "كل داء" يرد في اللغة العربية إشارة إلى الكثرة وكناية عنها، ومع ذلك فلو تم تحليل هذه الحبة تحليلاً علمياً دقيقاً وأجريت عليها البحوث العلمية فسيظهر كيف أنها علاج ودواء للكثير من الأمراض. يشير الحديث الشريف إلى نقطتين:

الأولى: حول الناحية العلاجية للحبة السوداء.

الثانية: حول عدم كونها علاجاً للموت.

وكعادتنا فسنترك الناحية العلمية لأهل الاختصاص، ونكتفي هنا بذكر بعض الأمور الواردة على خاطرنا:

إن لتوفر مادة البروتين أهمية خاصة عند الإصابة بالمرض، ولاسيما في دور النقاهة. ولكن يجب أن يتوفر إلى جانب هذا غذاء غني بالفيتامينات وفيه سعرات حرارية عالية وسهل الهضم أيضاً. فهذا هو ما يوصي به الأطباء على الدوام في أثناء فترة المرض لكي يكتسب المريض طاقة وقوة ولكي لا يواجه مشكلة في عملية الهضم.

ولقد أثبتت البحوث العلمية بأن جميع هذه الخصائص موجودة في الحبة السوداء، وهناك أمثلة واقعية لا تعد ولا تحصى في هذا الموضوع. وهذا يدل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرسل الكلام على عواهنه، فما تحدث عنه يتحقق واقعياً والنتائج دائماً تصدقه وتقف في صفه.

ط . الذباب

لنستمر في موضوعنا هذا بحديث وارد في صحيح البخاري حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء.»[99]

أولاً وقبل كل شيء لم يكن أحد يعرف في ذلك التاريخ أن الذباب يحمل الجراثيم. والذباب عندما يقع في سائل يرفع أحد جناحيه إلى أعلى على سبيل الاحتياط، أي لا يغمس جناحيه معاً في السائل، لكي يؤمن لنفسه فرصة الطيران إن خلص نفسه من الإناء، ولكن طعامنا أو شرابنا يكون قد تلوث بالجراثيم.

ما يوصى به في مثل هذا الموقف هو القيام بغمس الذباب كله ثم إخراجه وطرحه خارجاً، ذلك لأن في أحد جناحيه داء وهو الجراثيم، وفي الجناح الآخر ما يزيل الأثر السيء للجناح الأول. فعندما تلمس ظهر الذباب وهو يحاول الخلاص بنفسه ينفجر الكيس المخزون فيه المادة المضادة للجراثيم، وهكذا يكون الذباب قد عقم ما لوثه الجناح الآخر بالجراثيم.[100]

يقول العلماء الذين قاموا بمراقبة هذه العملية وتحليلها علمياً بأنهم عندما ضغطوا على ظهر الذباب رأوا بالمجهر بأن قسماً من الجراثيم بدأت تتفرق يميناً وشمالا، وفي بحوث لاحقة علموا بأن هذه الجراثيم عناصر معقّمة، أي جراثيم للفتك بالجراثيم الأخرى.

يـ . النـزيف الداخلي

في رواية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أُستحاض فلا أَطهر. أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، إنما ذلك عِرْقٌ وليس بحيض فإذا أقبلتْ حيضتكِ فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.»[101]

لقد علمنا بعد قرون عديدة من هذا الحديث الشريف أن مصدر دم الحيض هو من نـزف داخلي. فكيف عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العلمية التي لم تعرف إلا مؤخرا؟ عرفه طبعاً من ربه الذي علّمه مالم يكن يعلم وقام هو بتبليغنا. لذا فمرور كل هذه السنوات لم يزده إلا سمواً وعلواً في نظرنا. ورجال العلم يقولون اليوم بأن من يقول هذا الكلام لا يمكن أن يكون شخصاً عاديّاً؛ بل لابد أن يكون نبيّاً.

ﻛ . لا دواء في الخمر

في رواية: أن طارق بن سُويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء.»[102]

لقد عقدت عدة مؤتمرات في مختلف أنحاء العالم ومنها تركيا حول الخمر والمسكرات تكلم فيها العلماء وأجمعوا على أن الخمر -وإن كان قطرة واحدة- ضار لجسم الإنسان ولعقله ولروحه وأنه يؤدي إلى تشوهات فيها، والرسول صلى الله عليه وسلم يشخص هذا الأمر في هذا الموضوع ويقول بأن الخمر داء بنفسه وبذاته.

لـ . الختان

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن خمسة أمور هي من الفطرة أحدها الختان.[103]

فماذا يقول العلماء المعاصرون؟ ألم يتوصلوا إلى الشيء نفسه؟ ألا يقولون بأن غلاف القضيب محل لتجمع الجراثيم وسبب لإصابة القضيب بالسرطان، وأن السبيل الوحيد للتخلص من هذا هو إجراء الختان؟ وهكذا يظهر بأن الغرب يتصرف في هذه المسألة أفضل بكثير من بعض الحمقى عندنا. فعدد المختونين الآن في إنكلترة وفي الولايات المتحدة الأمريكية يجاوز عدة ملايين.

وهنا يتداعى إلى خاطري ما قاله شاهد هذا القرن: "إن أوروبا حاملة بالإسلام فستلد يوماً ما، وإن الدولة العثمانية حاملة بأوروبا فستلد يوماً ما."[104]

لقد قيل هذا القول في أوائل هذا القرن، وقد تحقق شق واحد منه، والآن نحن ننتظر بفارغ الصبر تحقق الشق الآخر، فقد بدأ المخاض وزادت آلام الوضع... وفي القريب سنسمع إن شاء الله تعالى صرخات الوليد المملوءة بشراً وأملاً.

لقد توقفنا حتى الآن عند صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخلاصه، وصدق وإخلاص الأنبياء الآخرين. فكل نبي يمثل ذروة الصدق والإخلاص، لذا لم يجد الكذب مكاناً له قط في حياتهم، ولو كان عندهم أي انحراف -ولو كان قليلاً- لما استطاعوا دعوة الناس إلى الاستقامة وإلى الطريق القويم. هذا علماً بأنهم ما أتوا وما أرسلوا إلا لكي يوصلوا البشرية إلى الصراط المستقيم المؤدي إلى الجنة، ووصف هذا الطريق وتعريفه لها.

أجل، فلو تجسدت الفضيلة والصدق لما ظهرت في غير الشمائل المنيرة والعطرة للأنبياء. ورأينا هنا أيضاً آلاف الأدلة التي تملأ ما بين الأزل والأبد حول صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد حاولنا جمع هذه الأدلة والشواهد ضمن مجموعات ثلاث. وهذا اجتهاد خاص بنا وإلا فإنه يمكن تصنيف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آلاف المجموعات ويسند إلى آلاف الأدلة والشواهد، ويعرض بأشكال أخرى مختلفة. وليس هناك من يستطيع الادّعاء بأنه يمكنه أن يوفي هذا الموضوع حقه بحيث لا تبقى هناك زيادة لمستزيد.

إن ما نؤمن به هو أن الأيام ستظهر صدقه على الدوام، وأن الناس في كل عهد سيكتشفون في كلامه صلى الله عليه وسلم بُعداً آخر وبُعداً جديداً حول دلائل صدقه. وفي دار الآخرة سيعلم الجميع صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرى الجميع صدق ما قاله حول ذاته عز وجل وحول أسمائه الحسنى وصفاته الجليلة، كل حسب قابليته الروحية، وستظهر أمامنا الجنة والحور العين والغلمان والجحيم وسائر الأمور الغيبية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم تماماً مثلما وصفها. وسيقول له الجميع: "صدقت يا رسول الله".

الهوامش

[1] مسلم، الفتن، 25؛ «المسند» للإمام أحمد 5/341

[2] مسلم، الإيمان، 271

[3] انظر الآية: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3-4).

[4] البخاري، الأنبياء، 54؛ مسلم، فضائل الصحابة، 23؛ الترمذي، المناقب، 17

[5] «كنـز العمال» للهندي 12/571

[6] انظر: أبو داود، السنة، 8؛ «المسند» للإمام أحمد 2/76

[7] البخاري، الدعوات، 35، الفتن، 15؛ مسلم، الفضائل، 134

[8] مسلم، الجنة، 76، 77؛ النسائي، الجنائز، 117

[9] «المسند» للإمام أحمد 4/360-364

[10] «دلائل النبوة» للبيهقي 5/102؛ «البداية والنهاية» لابن كثير 4/348

[11] «الإصابة» لابن حجر 3/36؛ «رجال حول الرسول» لخالد محمد خالد  ص304-312

[12] البخاري، الأدب، 22؛ «المسند» للإمام أحمد 5/205

[13] «البداية والنهاية» لابن كثير 2/335؛ «مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» لابن المنظور 4/250

[14] البخاري، فضائل المدينة، 8؛ مسلم، الفتن، 9

[15] مسلم، الفتن، 26؛ البخاري، الصوم، 3

[16] البخاري، المناقب، 25؛ أبو داود، الجهاد، 97

[17] البخاري، الاستئذان، 43؛ مسلم، فضائل الصحابة، 98، 99؛ ابن ماجه، الجنائز، 64

[18] البخاري، المغازي، 83؛ مسلم، فضائل الصحابة، 98

[19] «سير أعلام النبلاء» للذهبي 2/134؛ ابن ماجه، الجنائز، 65؛ «المسند» للإمام أحمد 3/197

[20] البخاري، المغازي، 38؛ مسلم، الجهاد، 52؛ «المسند» للإمام أحمد 1/6

[21] البخاري، الصلح، 9؛ الترمذي، المناقب، 30؛ النسائي، الجمعة، 27؛ أبو داود، السنة، 12؛ «المسند» للإمام أحمد 5/49

[22] «البداية والنهاية» لابن كثير 8/45

[23] «مجمع الزوائد» للهيثمي 9/404-405

[24] مسلم، الذكر، 42؛ أبو داود، الوتر، 26

[25] البخاري، مناقب الأنصار، 9؛ مسلم، الجهاد، 127

[26] البخاري، المغازي، 29؛ مسلم، الجهاد، 123-125

[27] «البداية والنهاية» لابن كثير 4/116؛ «السيرة النبوية» لابن هشام 3/230؛ «المسند» للإمام أحمد 4/303

[28] الترمذي، المناقب، 54 (والصحابي المذكور هو البراء بن مالك أخ أنس بن مالك).

[29] «الإصابة» لابن حجر 1/143-144

[30] الظعينة: هو في الأصل اسم الهودج ثم قيل للمرأة في الهودج. (المترجم)

[31] دُعّار: جميع داعر وهو الخبيث المفسد الفاسق. (المترجم)

[32] سعّروا البلاد: أشعلوا فيها نار الفتنة وأفسدوها. (المترجم)

[33] البخاري، المناقب، 25

[34] «البداية والنهاية» لابن كثير 9/225

[35] البخاري، الصلاة، 63؛ مسلم، الفتن، 70-73

[36] الترمذي، المناقب، 34

[37] «كنـز العمال» للهندي 13/539؛ «البداية والنهاية» لابن كثير 7/296

[38] مسلم، الزكاة، 142؛ البخاري، الأدب، 95، المناقب، 25

[39] إلى رِصافه: الرصاف مدخل النصل من السهم. والنصل هو حديدة السهم.

[40] إلى نَضِيِّه: السهم بلا نصل ولا ريش.

[41] القدح: هو السهم الذي كانوا يستقسمون به.

[42] قُذَذه: القذذ ريش السهم واحدتها قُذّة.

[43] سبق الفرث والدم: أي إن السهم قد جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء. والفرث اسم ما في الكرش.

[44] مثل البضغة تَدردر: البضعة: القطعة من اللحم. تدردر: تضطرب وتذهب وتجيء.

[45] البخاري، المناقب، 25، الأدب، 95؛ «المسند» للإمام أحمد 3/56

[46] البخاري، المناقب، 25، الأدب، 95؛ «المسند» للإمام أحمد 3/56

[47] «البداية والنهاية» لابن كثير 7/320-321

[48] «المسند» للإمام أحمد 3/82؛ «مجمع الزوائد» للهيثمي 5/186؛  9/133

[49] البخاري، الجهاد، 3، 8؛ مسلم، الإمارة، 160-161

[50] «الإصابة» لابن حجر 4/441؛ البخاري، الجهاد، 8

[51] ذلف الأنوف: في أنوفهم فطس وقصر، مع استواء الأرنبة وغلظها. (المترجم).

[52] البخاري، الجهاد، 95، 96؛ أبو داود، الملاحم، 10؛ ابن ماجه، الفتن، 36؛ «المسند» للإمام أحمد 5/40، 45

[53] «المستدرك» للحاكم 4/422؛ «المسند» للإمام أحمد 4/335

[54] «الإصابة» لابن حجر 1/405

[55] أبو داود، الملاحم، 5؛ «المسند» للإمام أحمد 5/278

[56] «كنـز العمال» للهندي 11/424

[57] البخاري، الفتن، 16؛ مسلم، الفتن، 45؛ «المسند» للإمام أحمد 2/50، 72

[58] أطلقت هذه الكلمات سنة 1989

[59] البخاري، الفتن، 24؛ مسلم، الفتن، 30؛ أبو داود، الملاحم، 13

[60] انظر: مسلم، الإيمان، 244-247

[61] قِحْفُ الرُّمّانة: قِشْرها. (المترجم)

[62] مسلم، الفتن، 110؛ الترمذي، الفتن، 59؛ «المسند» للإمام أحمد 3/182

[63] «المسند» للإمام أحمد 1/407-408؛ «المستدرك» للحاكم 4/98

[64] انظر هذه الآيات: ﴿وَإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسرَائِيلَ لاَ تَعبُدونَ إلاَّ اللهَ وَبالوَالِدَينِ إحسَاناً﴾ (البقرة: 83)، ﴿وَاعبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبالوَالِدَينِ إحسَاناً﴾ (النساء: 36)، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبدُوا إِلاَّ إيَّاهُ وَبالوَالِدَينِ إحسَاناً...﴾ (الإسراء: 23).

[65] الدارمي، المقدمة، 27

[66] «كنـز العمال» للهندي 14/244

[67] «مجمع الزوائد» للهيثمي 7/324

[68] ابن ماجه، التجارة، 58؛ «المسند» للإمام أحمد 2/494؛ النسائي، البيوع، 2

[69] انظر الآية: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إنْ كُنتُم مُؤمِنِينَ * فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولهِ وَإنْ تُبتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أموَالِكُمْ لاَ تَظلِمُونَ وَلاَ تُظلَمونَ﴾ (البقرة: 278-279).

[70] «كنـز العمال» للهندي 11/176

[71] «مجمع الزوائد» للهيثمي 7/307

[72] «كنـز العمال» للهندي 14/591

[73] البخاري، الصلاة، 63؛ مسلم، الفتن،70-73؛ «المسند» للإمام أحمد 2/161، 164

[74] الطالَقان: بلدتان إحداهما بخراسان بين مَرْوْ الروذ وبَلْخْ. (المترجم)

[75] مسلم، العلم، 6؛ البخاري، الأنبياء، 50

[76] أبو داود، الصلاة، 88؛ «المسند» للإمام أحمد 5/264-265

[77] البخاري، الطب، 1؛  ابن ماجه، الطب، 1

[78] أبو داود، الطب، 11؛ مسلم، السلام، 69؛ «المسند» للإمام أحمد 3/335

[79] الترمذي، الطب، 2؛ ابن ماجه، الطب، 1؛ «المسند» للإمام أحمد 4/278؛ أبو داود، الطب، 1

[80] «الكلمات» لبديع الزمان سعيد النورسي  ص279

[81] «البداية والنهاية» لابن كثير 7/90-91؛ «الكامل في التاريخ» لابن الأثير 2/560

[82] «كتاب فضائل الصحابة» للإمام أحمد بن حنبل 2/742

[83] البخاري، فضائل أصحاب النبي، 21؛ مسلم، فضائل الصحابة، 54-55

[84] البخاري، الطب، 30؛ مسلم، السلام، 98

[85] البخاري، الطب، 30؛ مسلم، السلام، 98

[86] البخاري، الطب، 19؛ «المسند» للإمام أحمد 2/443

[87] مسلم، الطهارة، 91؛ أبو داود، الطهارة، 37؛ الترمذي، الطهارة، 68؛ النسائي، الطهارة، 51، المياه، 7

[88] البخاري، بدء الخلق، 17؛ مسلم، الطهارة، 93

[89] أبو داود، الأضاحي، 21؛ الترمذي، الصيد، 16؛ النسائي، الصيد، 10؛ ابن ماجه، الصيد، 2؛ «المسند» للإمام أحمد 4/85

[90] أبو داود، الأطعمة، 11؛ الترمذي، الأطعمة، 39؛ «المسند» للإمام أحمد 5/441

[91] البخاري، الوضوء، 26؛ مسلم، الطهارة، 87؛ النسائي، الطهارة، 1، 116؛ أبو داود، الطهارة، 49؛  الترمذي، الطهارة، 19

[92] البخاري، الجمعة، 8؛ مسلم، الطهارة، 42؛ أبو داود، الطهارة، 25؛ الترمذي، الطهارة، 18؛ النسائي، الطهارة، 6؛ ابن ماجه، الطهارة، 7؛ «المسند» للإمام أحمد 1/80

[93] البخاري، الوضوء، 73؛ مسلم، الطهارة، 46، 47

[94] الترمذي، الزهد، 47؛ ابن ماجه، الأطعمة، 50؛ «المسند» للإمام أحمد 4/132

[95] «كنـز العمال» للهندي 3/460

[96] مسلم، السلام، 88؛ أبو داود، الطب، 14؛ الترمذي، الطب، 5، 9؛ النسائي، الزينة، 28؛ ابن ماجه، الطب، 6، 25

[97] ابن ماجه، الطب، 29؛ الترمذي، الطب، 13

[98] البخاري، الطب، 7؛  مسلم، السلام، 88

[99] البخاري، الطب، 58، بدء الخلق، 17؛  أبو داود، الأطعمة، 48

[100] قد يقول أحدهم: لماذا لا نرمي بالسائل أو الطعام ولا نستعمله بدلا من هذه العملية؟ ونقول لهؤلاء: وما يدريك فلعل الحساء الذي وقع فيه الذباب هو حساء عائلة فقيرة لا تجد من الطعام غيره؟ أنقول لهذه العائلة أن تستغني عن طعامها أم نقدم لهم هذا الحل؟ (المترجم)

[101] البخاري، الوضوء، 63؛  مسلم، الحيض، 62؛  أبو داود، الطهارة، 109، الطب، 11

[102] البخاري، اللباس، 63، الاستئذان، 51؛ مسلم، الأشربة، 12؛ النسائي، 9، 11؛ الترمذي، الأدب، 14؛ ابن ماجه، الطب، 27

[103] مسلم، الطهارة، 49، 56؛ أبو داود، الطهارة، 29

[104] «صيقل الإسلام أو آثار سعيد القديم» لبديع الزمان سعيد النورسي  ص386

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.