د. الدعجاني يواصل الرد على افتراءات لطيف أردوغان
إسطنبول (الزمان التركية) – د. عبدالله الدعجاني يواصل الرد على افتراءات لطيف أردوغان عن الأستاذ فتح الله كولن في برنامج “بلا حدود” بقناة الجزيرة، في حسابه الشخصي فيس بوك، ونقدم لكم الحلقة الثانية ما نشره على حسابه:
بسم الله الرحمن الرحيم
“أدرَّها و إن أبت”
الحلقة الثانية
وتتهاوى مضامين تلكم الحلقة من “برنامج بلا حدود” في قاع الإفلاس، كما تساقطت فيه مهنيّتها الصحفية، فقد كان مأربُها ـ على مستوى مضامينها ـ تعزيز وتركيب الصورة النمطية لـ “الخدمة” وأستاذها، ولطالما سعى “الرئيس التركي” جاهدًا إلى نشرها، بل وزرعها في عمق “الوعي الإسلامي المعاصر”، ولكن بعد إخفاقات وخيبات جاءت بارقة أمله، ولحظة الحدث من السماء ـ على حد تعبيره ـ لتجد لها في “الوعي الجمعي” مُبَوَّأ صدق، وليس بصدق، بل صورة ظن وتهمة وريب وشك.
وتتوثب “شبكة الجزيرة” ـ على غير عادتها ـ مهرولة في مضمار ذلك السباق، بعد قفزها حواجز “البراهين” و “الأدلة” و “الوثائق” و “السياقات” و “التاريخ” و “الموضوعية” و “الحيادية” و “الرأي الآخر”، لتشارك في نحت الصورة التالية: “تنظيم سري، أسَّسه و أمدَّه النظام العلماني في تركيا، ومن ورائه الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، وحول أستاذ ذلك التنظيم دلائل كفر وزندقة” !!.
تلك هي مضامين هذه الحلقة الخاطئة، فقد دارت حول محاور ثلاثة:
الأول: ربط “الخدمة” بالنّظام العلماني الذي أسَّس الجمهورية التركية، لاسيَّما بعد انقلاب 1980م.
الثاني: تصنيف “الخدمة” في التنظيمات السرّية، ولكن ليس لها هيكل واضح.
الثالث: شطحات أستاذها الفكرية، ولكن لا وجود لها إلا في الحكايات !.
“مشروع الخدمة والصناعة العلمانية”
سأوجز وقفتي عند المحور الأول: ألا وهو “تفسير تأسيس مشروع “الخدمة” ونجاحاته الهائلة بالتواطؤ ـ في أدنى حده ـ مع النظام العلماني العسكري القاسي الذي كان يحكم تركيا آنذاك”.
ولَّد هذا التفسير الأسئلة التالية:
كيف سمح النّظام العلماني المستبد لحركة إسلامية إصلاحية بالتوسع والنجاح؟، ولماذا انتشر نشاطها بعد انقلاب 1980م ؟، وما تعليل تأييد الأستاذ “فتح الله” ذلك الانقلاب؟ّ!.
إنها أسئلة موضوعية تتطلَّب إجابات مقنعة، لو أنها تحرَّرت من “منطق الخداع النفسي”، فالتفسير التخويني نفسُه هو الذي ولَّد تلك الأسئلة، ولم يكن نتيجة بحث جاد عن إجابة تلك الأسئلة، وما دور تلك الأسئلة ـ في تلك الرُّؤية ـ إلا تعزيز مقدمة تفسيرية وضعت موضع النتيجة !.
فهي بهذه الصورة ـ كما يتداولها الإعلام ـ أسئلة وظيفية، وليست بالأسئلة الجادة التي تبحث عن إجابات، بها يفحص تاريخ “الخدمة”، وتحلّل سياقاتها الاجتماعية والسياسية !
لكن هل اشتملت تلك الأسئلة على وقائع تاريخية صادقة ؟.
يستند واقع تلك الأسئلة على مجريات تاريخية موثوقة، ما عدا حادثة واحدة هي إلى الاختلاق أقرب منها إلى الحقيقة، وهي: كون الأستاذ أيَّد انقلاب 1980م، إذ كيف يمكن لـ “مؤيّد النظام الانقلابي” أن يكون مطلوبًا مطاردًا من سنة 1980 إلى عام 1986م، وبعدها يعتقل، وبعد انقلاب 1996م يلفَّق له الادَّعاء العام قضايا كبرى!!.
نعم. لقد تأسست “الخدمة” وانتشرت إبّان الحكم العسكري العلماني، لكنها تأذَّت من غلظته مرارًا، واعتُقل أستاذها عدة مرات باعتراف خصمه ضيف حلقة بلا حدود “لطيف أردوغان”، تلك وقائع لا ريب في صدقها، ولكن الإشكال لا يكمن فيها، وإنما يتوارى خلف تفسيرها !.
وهذا ملحظ منهجي غاية في الأهمية، تساقطت فيه كثير من العقول القارئة للوقائع والأحداث التاريخية والمعاصرة، إنه يتحتم علينا ـ باعتبارنا باحثين عن الحقيقة ـ التمييز بين “الوقائع” و “تفسيرها”، والخلط بينهما “طريق مهيع” للقراءات المغلوطة، فكما أن هناك فرقًا بين “حوادث التاريخ” و “الذاكرة التاريخية”، فهناك تمايز بين “الوقائع” و “تفسيرها”، وما تقديم التفسير السطحي الاختزالي بصورة الواقعة التاريخية اليقينية ـ كما يمارسه بعض المحلّلين والكتَّاب ـ إلا نمط ساذج في الطرح، أو فجور في الخصومة!.
وإذا أردنا الظفر بتلك الإجابات فلا بد لنا من بسط صفحات تاريخ “الخدمة”، وتتبُّع سياقات نشأتها، والوقوف على نضالاتها في التربية والتعليم، وتأمل رؤاها الفلسفية في الحياة والمجتمع، بمعنى آخر أن نتعرف عليها دون واسطة، عندها سنتحقق من إجابات تلكم الأسئلة!.
“أروغانًا يا ثُعَال وقد علقت بالحبال”
لكن ومع ذلك لو صحَّ تفسير نشأة ونجاح مشروع خدمي اجتماعي إسلامي في ظل “نظام علماني عسكري صارم” بالتواطؤ بينهما، فهل يصح تفسير نشأة ونجاح مشروع سياسي ذي رؤية إسلامية في قبضة ذلك النظام العلماني بالتواطؤ بينهما؟!.
لعمر الله ! إن صح هذا التفسير، فإن تفسير تأسيس “حزب العدالة والتنمية” وانتصاراته السياسية أولى به من تفسير نشأة “الخدمة” وترعرعها، فيا ليت شعري! أيهما أولى بسماح “النّظام العسكري العلماني” والتواطؤ معه؟ أهو المشروع الخدمي الاجتماعي الإسلامي الذي لا أرب له في السياسة؟! أم هو المشروع السياسي ذو الرؤية الإسلامية، الذي غايته ومرامه تقلُّد مقاليد الحكم و إدارة الدولة؟ مع تحقُّق ذلك له منذ أكثر من عقد من الزمان، وما زال؟!!.
ولا ننسى أن نتساءل: أين تقف ـ اليوم ـ كبريات الأحزاب العلمانية العريقة قومية كانت أم يسارية؟!!، أهي مع “الخدمة” ـ التي يراد أن تكون صنيعتهم ـ أم مع “الرئيس التركي” في معركته مع “الخدمة” ؟!!.
إن تلك القراءة المتهافتة لا يمكنها الانفكاك من ورطة وحبال تلك الأسئلة الجدلية، لأنها قراءة متعجلة لاهثة وراء الثأر السياسي، تلهبها سياط “الحقد” و “نار الضغينة”، فلا تلوي على شيء !.
وفي لظى تلك القراءة طفق ضيف البرنامج يدحرج معلومة تجاوز بها ربط “الخدمة” بالنّظام العلماني التركي، ومن تهاويلها غصَّ بها “مقدم البرنامج”، فطفَت على وجهه مخايل الدَّهشة، فأمرَّها ولم يقف عندها لسماجتها، وهي: أن النظام العسكري العلماني لم يكن الوحيد في تأسيس “الخدمة” ورعايتها، وإنما من ورائه الاستخبارات الأمريكية (C.I.A) و “الموساد” الإسرائيلي، فهما اللذان يديران البلد بواسطتها !!.
و أمام تلك المعلومة ـ التي لا خطام لها ولا زمام كغيرها من الدعاوى ـ سؤال بسيط، لم يكن هذا التنظيم المخابراتي الضخم في إحدى جمهوريات الموز، إنه في “الدولة التركية” ذات المؤسَّسات العريقة وجهاز مخابراتها الفعال، فلماذا خفي عليها ذلك التنظيم المخابراتي العملاق منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي إلى الساعات الأولى من خلافه مع “رئيس وزراء الدولة” حينذاك سنة 2013م ؟ ثم ألم يكن حزب “العدالة والتنمية” متورطًا معه بتحالفهما الشهير قبل انقداح شرارة الخلاف بينهما ؟!.
صور متكررة من صنيع “المكارثية” السياسية، بالأمس القريب كان “الإخوان” في سدة الحكم باختيار الناس، واليوم عصابة ارهابية وخائنة وعميلة، وفي الماضي القريب كانت “الخدمة” مشروعًا إسلاميًا تربويًا وطنيًا، يتهافت الساسة لطلب وده، واليوم صنيعة استخبارية !!
وقديما قالت العرب: “إياكم والبغي فإنه عقال النصر” !!.
- تم الإنشاء في