ملتقى فلسفة البناء الحضاري عند "بن نبي" و"كولن" في يومه الثاني والأخير
انطلقت أشغال اليوم الثاني والأخير من الملتقى الدولي الرابع عشر حول فلسفة البناء الحضاري عند مالك بن نبي وفتح الله كولن؛ بعرض فيديو تابع من خلاله الحضور درس: "تجاوز المسافات"، الذي ألقاه الأستاذ كولن في "إزمير" بتركيا سنة 1990.
الأستاذ الدكتور فؤاد البنّا / اليمن
أحيلت الكلمة بعدها للدكتور فؤاد البنا من الجمهورية اليمنية ليستعرض من خلال مداخلته: "موازنات العروج الحضاري عند مالك بن نبي وفتح الله كولن" أهم محطّات بحثه الذي هو عبارة عن مشروع كتاب في المستقبل بحول الله، وقد أشار أنه افتتحه بمقدمة بيّنت وضع الأمة التعيس، كما أوضحت جهود عَلمين متميّزين، قضيّتهما الإقلاع الحضاري في عزّ التخلف.
هذا وقد قسّم الموضوع إلى ثلاثة مباحث قدّمها كالآتي:
- معادلات الإقلاع الحضاري عند مالك بن نبي وفيه تناول: معادلة عوامل السقوط والنهوض..
- ومعادلة رؤية النهوض بين الأصالة والمعاصرة،
- ثم معادلة وقود النهضة بين المنهج والمفردات،
- فضلا عن معادلة طاقة النهوض بين الواجبات والحقوق،
- ومعادلة جنود النهوض بين الفكر والروح،
- بالإضافة لمعادلة طائرة النهوض بين جناحي الفرد والمجتمع،
- ومعادلة حركة النهوض بين الأفكار والأشخاص،
- وأيضا معادلة جسم النهوض بين المضامين والأشكال.
وعنون المبحث الثاني بـ:
- موازنات النهوض الحضاري عند فتح الله كولن حيث ضم الموازنة في صياغة رؤية التغيير بين الشريعتين القرآنية والفطرية،
- والموازنة في رسم خارطة التغيير بين الثوابت والمتغيرات، الموازنة في تحديد عوامل التغيير بين العوامل الداخلية والخارجية،
- الموازنة في تفعيل طاقة التغيير بين الانفعال والفعالية،
- وكذا الموازنة في رسم استراتيجية التغيير بين العيش في الأرض واستشراف السماء،
- ثم الموازنة في ارتياد شعب التغيير بين الدنيوية والأخروية،
- الموازنة في تحريك عجلة التغيير بين الذات والخارج،
- والموازنة في توزيع ضرائب التغيير وثماره بين الأقوياء والضعفاء.
أخيرا تناول الدكتور في المبحث الثالث: الإقلاع الحضاري عند مالك وكولن -مقاربات ومقارنات- وذلك من خلال:
- الرؤى المتشابهة إلى حد التطابق،
- الرؤى المتقاربة إلى حد التشابه،
- والرؤى المتنوعة إلى حدّ التمايز.
الأستاذ الدكتور أيهان تكينيش / تركيا
وكانت المداخلة الثانية تحت عنوان: "مفهوم الحضارة عند فتح الله ومالك" وفيها أوضح البروفيسور أيهان تكينيش (Ayhan Tekineş) من تركيا أن مالك بن نبي يرى أن الحضارة الإسلامية بدأت من التخلية للعادات الجاهلية، لتنتقل إلى إقامة حضارة يحل فيها محلّ تلك السلبيات أمور إيجابية، ذلك أن حضارة الإسلام هي حضارة روح ومعنى.
وفي حديثه عن الثقافة اعتبر المتدخّل أنه لتحقيقها عند بن نبي وجب توفر العناصر: الأخلاق، الجماليات، المنطق العملي، التكنولوجيا والتقنية. فالمفكّر يرى أن هناك قيمًا بدأ تأثيرها على المجتمع يضعف.. أما كولن فيربط الموضوع بضعفنا وعدم مقاومتنا لثقافات الآخر، وهو يستعمل في السياق ذاته كلمة: "المصفاة"، التي من الضروري أن نستخدمها ونحن نأخذ من هذه الحضارات. فالثقافة كما يشير كولن ليست متاعا يُباع، وليست شريطا تأخذه للاستماع إليه، بل إن لها بُعدا زمانيا ومكانيا، وتنشأ في بيئة وتؤثر. كما يعتبرها واقعة معرفية أبستمولوجية لها جانب نفسي وبُعد اجتماعي، وكذلك الأمر عند بن نبي لما يربطها بالوعي الجمعي.
وهي أي -الثقافة- بالنسبة لكُولن تُغذَّى من الكتاب والسنة؛ فأصول الفقه وأصول الحديث هي أصول حضارتنا. وهذا ما نلمحه عند بن نبي في المنطق العملي، ونحن نجد -يضيف المحاضر- أن العلماء العثمانيون في علاقتهم بالفكر الغربي عالجوا أيضا تلك القضايا بالمنطق العملي، كما أننا نرى له دورا كبيرا في تحديد العلاقة بين الفكر والحركة.
ويختم بالقول أنه حين النظر لقضيتي الثقافة والحضارة نجد الأستاذان قد تناولاها بمفاهيم متقاربة.
الدكتور سمير بودينار / المغرب
أما المداخلة الثالثة فكانت للدكتور سمير بودينار من المغرب حول: "البناء الحضاري النموذج والمتجاوز لأزمات عصرنا"، حيث ابتدأ الأستاذ كلمته بنفحة أمل استقاها من قول بن نبي: "سأعود بعد ثلاثين عاما"، ومن كتاب "ونحن نبني حضارتنا" وما تمتلئ به من عبارات الأمل لفتح الله كولن. والحضارة ليست نموذجا منتهيًا إنما هي صيرورة مادتها سعي الإنسان المستمر في الاستخلاف.
وقد ذكر الأستاذ اشتراك المفكريْن في فكرة استحقاق الحكمة، فلا يمكن أن يكون هناك نموذج حضاري راشد بدون مساحة الحكمة المستفيدة من التجارب المختلفة.
ثم ذكر المحاضر د. بودينار كيف بدأت لحظة العمران عند الرجلين، ليكون المنطلق الأول هو الوحي، باعتباره اللحظة الفارقة في المنجز البشري الحضاري، والذي يحمل معالم الهداية والرشد.
وكمنطلق آخر يتحدث بودينار عن الصدمة بالغرب كعامل مشترك للتحدّي عند المفكريْن، من خلال الاستعمار المباشر لدى مالك بن نبي، والذي ولّد الحاجة إلى نماذج بديلة، ثم بسبب قيم العولمة التي حولت الإنسان إلى مادة استهلاكية. ثم ذكر المحاضر عناصر بناء الحضارة المتفق عليها لدى الرجلين وهي: الإيمان والزمن والغاية، لينتقل المتحدث إلى قضية إعادة إكساب المعنى للإنسان التي يسميها كولن "الشحذ الروحي".
وقد اهتمّ كلا المفكرين بالعلاقة بين الفكر وحركية العمل، وبالعلاقة بين السابق واللاحق في بناء الحضارة لأنها بناء تراكمي، وكلاهما يدعو أيضا إلى النظر الذي يعني التأمل والاعتبار بدل البحث المجرد في النظريات.
الدكتور سليمان الدقور / الأردن
وتطرّق الدكتور سليمان الدقور في محاضرته التي كانت بعنوان: "الحضارات صلات وعلاقات، قراءة في فكر بن نبي وفتح الله كولن" إلى أهم المشكلات الحضارية التي اهتمّ بها كلا المفكريْن وهي مشكلات الفقر، الفرقة والجهل، وبيّن الصورة التي قدّمها كل من المفكّرين الكبيرين في رسم العلاقة بين الحضارات عموما، وبين حضارة الإسلام وغيره من الحضارات الأخرى، مؤكّدًا موقع الحوار في تلك العلاقة بين أشكال أخرى من الصدام أو الصراع.
وقد اتفق كلّ منهما على أن إعادة صناعة الحضارة ينبغي أن يكون بعيدا عن "الصراع، الصدام، الإقصاء، والإلغاء".
الدكتور الطاهر عباس / الولايات المتحدة
وكان حديث د. الطاهر عباس من تركيا عن مشروع الخدمة وتطبيقاته في المجتمع التركي من خلال النقاط الآتية:
- تحمل الخدمة أبعادا إيمانية وتربوية واجتماعية.
- مشروع الخدمة يقدم نفسه لا على أنه سياسي، ولكن له آثار على الساحة السياسية.
- نموذج الخدمة مفتوح على الآخرين بمبدأ الحوار والانفتاح عليهم، فأصبح عالميا وليس قطريا، فهو مشروع يبحث في البديل عن آثار العلمنة ومخلّفاتها، بأن ترتبط الحياة بمعان عميقة سامية.
- المفكر فتح الله كولن يغرف من معين الصوفية، فهو نسيج عثماني، والمتتبع للمشهد التركي يجد أن هناك برجوازيات ليس علمانية وتكتلات أصبحت عنصر قوة في الواقع التركي الحالي، وهذا أفرز تدافعا داخليا بين الحركات الإسلامية تحمل الروح العثمانية داخله.
الدكتور رشيد هَايْلَمَاز / تركيا
وبين الدكتور رشيد هايلَماز (Dr. Reşit Haylamaz) في محاضرته: "فلسفة السيْر وقراءة كولن للسيرة النبوية" النقاط الآتية:
- حياة النبي صلى الله عليه وسلم فيها نوافذ إلى قواعد كلية في الحياة، ولذلك إذا استطاع أهل العصر أن يقرؤوا عصرهم باكتشاف الخيوط المنبعثة من سيرته صلى الله عليه وسلم، سيَحلُّوا الكثير من الإشكالات.
- الذي يتابع السيرة يستطيع أن يخرج منها النفائس، فلا بد من قراءة السيرة قراءة صحيحة وقراءة العصر قراءة صحيحة أيضًا.
- لا يفسر السيرة النبوية إلا الزمان وابن الزمان الذي يساير عصره، فالأستاذ فتح الله يرى أن الزمان ليس خطا يجري ولكن هناك تكرار مثلي، ففي النور الخالد تناول بعض القضايا الرئيسية واستخرج منها حلولا يستطيع الإنسان تطبيقها في هذا الزمان.
- كولن في دراسته للسيرة ركّز على قضية قدرة الرسول على الولوج إلى قلوب كل أفراد المجتمع، بدءًا من الأفراد الذين يصنعون المشاكل إلى الذين يصنعون الحلول.
- كما ركّز كولن في دراسته للسيرة على نقطة هامة وهي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتبر المعمورة كلها قرية صغيرة، ولهذا مدّ جسور المحبة والسلام مع كافة الناس، وهي فلسفة رئيسية في حياته صلى الله عليه وسلم.
مسك الختام
في ختام فعاليات هذا الملتقى المبارك تم التوصل إلى توصيات علمية وعملية هامة أهمها:
- دعوة النخب العلمية للموازنة بين الشريعة الفطرية والشريعة القرآنية، أو بين فقه الواقع والناس وبين فقه الواجب، واستثمار القرآن في عبادة الحق وخدمة الخلق.
- دعوة الباحثين والعلماء إلى الاهتمام بنشر فكر بن نبي مسموعا ومرئيا ومكتوبا، وترجمته من الفرنسية كاملا.
- نشر بحوث الملتقى بكل وسائل النشر المطبوعة والإلكترونية.
- واختتمت أشغال الملتقى بكلمات شكر وتقدير لكل الحاضرين والأساتذة المشاركين في إنجاح هذه التظاهرة العلمية بفضل من الله، ألقى هذه الكلمات المنظمون من الجانبين؛ من الجانب التركي د. نوزاد صواش المشرف العام على مجلة حراء، والأستاذ مصطفى أوزجان؛ ومن الجانب الجزائري د. طاهر حجار رئيس جامعة الجزائر، ود. عمار مساعدي عميد كلية العلوم الإسلامية بالخروبة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المصدر: عيسى عيسى، صالح حمدي، حياة بومزبر، مونية الديغوسي، موقع فيكوس الجزائري، 22 نوفمبر 2012.
- تم الإنشاء في