مصطفى يشيل: الخدمة لسيت طرفا سياسيا ولا تعادي أحدا
تزداد يوماً بعد يوم حدة لهجة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في استهدافها للخدمة التي حظيت بتقدير الجميع وإشادته لنشاطاتها التعليمية التي تزاولها في جميع أنحاء العالم متحفّزة بأفكار العلامة والداعية المعروف "محمد فتح الله كولن" ومقتدية بتوصياته.
لقد أجرينا حواراً مع مصطفى يشيل؛ رئيس جمعية الكتاب والصحفيين في تركيا، التي يرأسها الأستاذ كولن فخرياً، حول أسباب هذا التوتّر الذي يثير فضول الجميع. وندرج أدناه البيانات التي أدلى بها لوكالة جيهان للأنباء، والتي تمثّل أجوبة وردوداً على العديد من الانتقادات الموجّهة ضد مجتمع الخدمة.
"الخدمة جزء من المجتمع المدني"
كيف تنظر الخدمة إلى السياسة والأحزاب السياسية بصفة عامة؟
الخدمة مشروع مدني، تضع الإنسان في محور نشاطها، وتستهدف خدمة الإنسان، ولا تبتغي من وراء ذلك إلا مرضاة الله تعالى. وهي تؤمن بالتنوع والتعدد الثقافي ولا تنظر إلى الاختلاف الثقافي والديني على أنه مثار صراع وصدام، كما تعتمد على الروح التطوعية في كل فعالياتها، فهي أحد أركان المجتمع المدني في تركيا والعالم أجمع. وأود أن أؤكد أن الخدمة لم يكن لها أي هدف سياسي أبدا، ولم تضع في برنامجها حتى اليوم خطة لتأسيس حزب سياسي والصعود إلى السلطة، وهي تقف على مسافة واحدة من كافة الأحزاب السياسية دون تفضيل أحد على آخر.
وكما أن الخدمة لا تنحاز إلى أي حزب من الأحزاب السياسية بصورة جماعية، كذلك لا توجه أي فرد من أفرادها إلى حزب بعينه، ولا يقدم لأحد أي اقتراح أو توجيه في هذا الصدد. ذلك أن الذين ملؤوا قلوبهم بحب هذه الخدمة، قد تكون لديهم ميول ونزوع إلى أحزاب مختلفة. ولبّ القول إن الخدمة تركت موضوع التصويت في الانتخابات لإرادة المنتخبين الحرة.
"تغير مسار حزب العدالة والتنمية لما صار صاحب السلطة المطلقة عقب الاستفتاء العام"
كيف كانت العلاقات بين الخدمة والعدالة والتنمية في السابق؟ ولماذا تعرضت لنكسة فيما بعد؟
في الواقع إن علاقات الخدمة مع العدالة والتنمية كانت مختلفة إلى حد ما، من تلك التي دأبت عليها مع الأحزاب الأخرى في العهود الماضية. فلما وصل العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002 كانت البلاد تئن تحت وطئة نظام وصاية شاملة ووصاية عسكرية تامة.
وقد تسلم العدالة والتنمية زمام الحكم بعد أن تعهّد بإجراء تغييرات جذرية وتنفيذ حملات إصلاحية في مجالات تطوير الديمقراطية إلى مستوى أعلى وتوسيع نطاق الحقوق والحريات الإنسانية، وانتهاج أسلوب أكثر استيعابا وتعددية في إدارة البلاد، وكذلك وعد بتبديل الدستور الانقلابي بدستور جديد. في الحقيقة أن تركيا كانت في أمس الحاجة إلى مثل هذه العناصر الأساسية للحكم. واذا نظرنا النتائج الحاصلة في البلاد اعتبارا من عام 2002 حتى عام 2010 نرى أن حزب العدالة والتنمية قد ألقت خطوات جادة في سبيل توسيع دائرة الحريات والحقوق، يأتي على رأسها تغيير 26 مادة أساسية من الدستور في الاستفتاء العام من جانب، وتحقيق نجاح ملحوظ ضد نظام الوصاية من جانب آخر، وذلك بفضل اتخاذه موقفا حاسماً من قضيتي "المطرقة" الانقلابية ومنظمة "أرجنيكون" الإجرامية في تلك الفترة.
ولكن بعد عام 2010، أي بعد أن استطاع حزب العدالة والتنمية إنقاذ نفسه من قبضة نظام الوصاية والتغلب عليه تماما، والتمكن من الاعتماد على أقدامه وعناصر قوته الذاتية بحيث بدأ يشعر بسلطته وهيمنتها، لاحظنا تراجعاً ملموسا في العملية الديمقراطية، وأخذت البلاد تعاني من مشاكل عديدة في مجال حقوق الإنسان وحرياته، الأمر الذي تمخّض عنه تضاؤل الدعم الذي كانت الخدمة تقدمه أمس لتعزيز المرحلة الديمقراطية.
"لدى القاعدة الشعبية العريضة قلق ومخاوف جادة"
ما هي التطورات التي من الممكن أن تشهد الساحة السياسية في الأيام القادمة وما هي توقعاتكم؟
كان حزب العدالة والتنمية يزعم بأنه يواصل الحفاظ على ضخامة كتلته التصويتية إلى درجة كبيرة وفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها. غير أننا صرنا نشاهد، خاصة في الآونة الأخيرة، ابتعاده رويدا رويدا عن ذلك الأسلوب المتسم بالتعددية، والخطابات المحتضنة للجميع، مما سيسبب حتما تراجع اهتمام وتعاطف القاعدة الشعبية العريضة والمتلونة بالحزب.
لقد أحدثت بعض الخطوات التي أقدم عليها الحزب، فيما يتعلق بالمعاهد التحضيرية الخاصة على وجه الخصوص، صدمة كبيرة جدا لدى القاعدة الشعبية، وأن الإصرار والتصميم على إغلاقها، دون تقديم أي حل مقنع بطريقة عقلانية أثار لديها قلقا بالغا إزاء احتمالية تنفيذ إجراءات غير ديمقراطية من هذا القبيل.
ولا بد أن نقول إن حزب العدالة والتنمية إذا لم يتجنب إغلاق تلك المعاهد فإنه من المحتمل أن يخلق ذلك العديد من المشاكل له. فضلا عن ذلك، فإنه إن ترك موقف الحزب الصارم موقعه لحالة من الذعر والهلع بالتزامن مع ظهور فضيحة الفساد، وعزل زهاء 135 مسؤلا أمنيا من مهامهم في أعقابها دون وجه حق ولمشاركتهم في الحملات التي شنت ضد المتهمين فيها، والعديد من المبادرات الرامية إلى التدخل في السلطة القضائية.. كل ذلك أثار لدى القاعدة الشعبية مخاوف كبيرة جدا.
صحيح أن ثلاثة من الوزراء الذين وردت بحقهم مختلف الادعاءات قد أعلنوا عن استقالتهم من مناصبهم. إلا أنه من الصحيح أيضا أن استقالتهم بعد مضي أسبوع من ظهور فضيحة الفساد قد ترك في أذهان الرأي العام العديد من التساؤلات. وسوف نرى جميعا كيف سينعكس ذلك على الانتخابات.
ما معنى وسبب الإصرار على إغلاق المعاهد التحضيرية الخاصة الممهدة لولوج الجامعات دون إيجاد حل معقول؟
ما هو أساس الاختلاف بين الخدمة وحزب العدالة والتنمية في قضية المعاهد التحضيرية؟ وهل كان أصل القضية عبارة عن تلك المعاهد؟
يقول السيد رئيس الوزراء إن إغلاق المعاهد التحضيرية كان مدرجا ضمن أجندة أعمال الحزب في إطار المؤسسات الواجب إغلاقها عندما وصل إلى سدة الحكم. ويبين السيد أردوغان أنهم صرحوا في الفترة ما بين عامي 2002 – 2003 بأنهم مصممون على إغلاقها. ولا شك أن السلطة السياسية التي تحكم البلاد منذ عشر سنوات تتمتع بصلاحية تنفيذ مشاريع في مجال التعليم، أي من الممكن أن يعيد تشكيل النظام التعليمي. ومن اللافت أن خمسة وزراء مختلفين تسلموا حقيبة وزارة التعليم خلال فترة حكم العدالة والتنمية. ولكن لم ينفذ أحد منهم مشروعا حاسما بخصوص هذه المعاهد. ولما تمّ التصميم على قرار الإغلاق أخيرا في عهد وزير التعليم الحالي السيد نابي أفحي، على الرغم من أن الحكومة لم تضع أي خطة لإعداد البنية التحتية، ولم تقدّم أي حل ناجع طيلة عشر سنوات.. دفع ذلك القاعدةَ الشعبية إلى إظهار ردود فعل سلبية في غاية الخطورة.
يبدو في الوهلة الأولى أن القضية عبارة عن إغلاق المعاهد، غير أن الإصرار عليه في غياب بدائل وحلول معقولة أثار في أذهان الناس العديد من التساؤلات، منها "هل هناك غاية مقصودة من وراء حملة إغلاق المعاهد كتلقين درسٍ لحركة الخدمة حتى تلتزم بحدودها؟ ومنها أيضاً" هل هذا الاعتزام على الإغلاق، وهذه المقاربة المناهضة للديمقراطية كان من نوع الخطوات التي تؤذن ببدء مرحلة جديدة تفقد فيها البلاد مكتسباتها السابقة؟ بناء على ذلك ليس من الصحيح النظر إلى القضية على أنها عبارة عن إغلاق تلك المعاهد أو الإبقاء عليها.
"حاولوا خلق أجواء حرب عبر حادثة "ماوي مرمرة"، والأستاذ كولن اعترض على ذلك"
ما نوع الاختلاف بين الخدمة وحزب العدالة والتنمية بشأن حادثة "ماوي مرمرة" بصفة خاصة، والسياسة الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط بصفة عامة؟ وما هو رأيكم حول المزاعم الواردة بوقوف الخدمة في "صفّ قوى أجنبية"؟
إن الأسلوب أو المبدأ الذي تتبناه الخدمة وتتبعه في تعاملها مع المجموعات البشرية والقضايا، طوال حوالي 60 عاماً من ظهورها إلى العلن، هو التزام العملِ الإيجابي البناء بعيدا كل البعد عن جميع أنواع العنف والشدة، والتحركِ في إطار الحقوق والقوانين. ولم تقف الخدمة في يوم من الأيام إلى جانب الصراع، بل آمنت بإمكانية حل كافة القضايا والمشاكل، في أي مجال أو بقعة كانت، عن طريق الحوار والتصالح والاتفاق. فذلك هو المنظور والفكرة والأسلوب الذي بنت عليه الخدمة مسيرته وكل حركاته وسكناته.
أما حادثة ماوي مرمرة فهي جديرة بالتقدير والمدح عليها من حيث إنها مبادرة ومساعدة إنسانية. مع ذلك، فإن الأجواء المتوترة والخطيرة في الأيام التي انطلق فيها أسطول الحرية نحو قطاع غزة أثارت المخاوف، حتى أن بعض النواب من حزب العدالة والتنمية أقلعوا في اللحظة الأخيرة عن فكرة الانضمام إلى من كانوا على متن السفينة من الناشطين. ولكم بطبيعة الحال أن توجهوا انتقادات ضد التصرفات والإجراءات اامعادية وغير الإنسانية هناك، وكذلك لكم أن تتحدثوا بشتى القنوات والوسائل والأساليب التي تمتلكونها عما يعانيه الفلسطينيون على أيدي الاحتلال.
ولا ريب أن ما وقع في حادثة ماوي مرمرة كان مؤلماً جداً. إذ أسفر الاقتحام الجائر للسفينة في المياه البحرية الدولية عن استشهاد 9 مواطنين أتراك. وقد أطلق الأستاذ كولن على من قتلوا في السفينة وصف “الشهداء” معرباً عن تعازيه لذويهم، عبر البيان الذي نشرته الصحف. على الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية قد توتّرت جراء هذه الحادثة الأليمة، إلا أن الاتصالات بين الحكومتين استمرت بغية تسوية الأزمة الناشبة، والعلاقات التجارية بين الطرفين تواصلت، إلى أن اعتذرت إسرائيل أخيراً من تركيا عقب توسّط الرئيس الأمريكي "باراك أوباما". ولا تزال المحادثات بين البلدين جارية للتوصّل إلى اتفاق نهائي حول مبلغ التعويضات المفترض منحها لأسر الشهداء.
ولقد أكّد الأستاذ كولن حينها على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بصورة أو أخرى، دون حدوث صراع بين الأطراف. وكذلك شدّد على لزوم تجنّب اللجوء إلى أسلوب لا يعتدّ ولا يبالي بسلطة الاحتلال الإسرائيلي، ولفت إلى وجوب حلّ القضية عبر الوسائل والقنوات الدبلوماسية دون خوض غمار الصراع والحرب.
هذه هي البيانات التي أدلى بها الأستاذ كولن حول حادثة ماوي مرمرة. ولكن البعض عمدوا إلى تقديمها وتصويرها وتفسيرها للرأي العام وكأنها دعوة إلى الاعتراف بالسلطة الإسرائيلية. والواقع أن غاية ما أراده من وراء تلك البيانات هي : ينبغي دعم المساعدات الإنسانية، إلا أنه في الوقت ذاته يجب تفادي التسبّب بحدوث صراع واشتباك.
في الحقيقة، إن المساعدات الإنسانية في ذاتها من الضروري أن لا تفرز سبباً جديداً للصراع. وإذا عدنا إلى الوراء، سوف يتضح أكثر وضوحاً كيف أن هذا الأسلوب المنتقد والمعترض عليه تسبّب في استشهاد تسعة من مواطنينا.
ولا يخفى على أحد أن بعض القوى والمراكز المتغلغلة في أعماق الدولة تبذل منذ القديم جهوداً جبارة لتصوير الخدمة في أعين الناس وكأنها غير شرعية وغير قانونية. ومما لا شكّ فيه أن سعي بعض المجموعات الدينية، انطلاقاً من العقلية المذكورة، لاستغلال انتقاد الأستاذ الأسلوب المتبع في حادثة ماوي مرمرة، كي يجعلوها ذريعة ومطية لإثارة الشبه حول أصلية حركة الخدمة واستقلاليتها وهويتها الإسلامية. ليس هذا ظلماً كبيراً وحسب، وإنما مع ذلك فهو بهتان عظيم وكذب مشين.
"أهمّ ميزة للخدمة هو استقلاليتها في الداخل والخارج على حد سواء"
كما تلاحظون أن الخدمة باعتبارها حركة مدنية، تعقد علاقات مع كافة البلدان على طول العالم وعرضه على الصعيد المدني، وتنظم مختلف البرامج مع المجتمعات الفكرية والمؤسسات المعنية بالنشاطات التعليمية، وكذلك تقوم بتطوير العديد من المشاريع الثقافية مع شتى المنظمات المدنية. ومن الطبيعي أن تكون أمريكا من بين هذه البلدان شأن البلدان الأخرى في شرق العالم وغربه.
مع ذلك، فكما أن الخدمة لم تكن في يوم من الأيام تابعة لإرادة أي بلد في الخارج، كذلك هي لا تتبع لإرادة أي مؤسسة أو منظمة في الداخل. فهي حركة مستقلة لا تخضع لإرادة وسيطرة أي دولة أخرى في العالم. هي تتميز باستقلاليتها التامة من كل النواحي، من حيث مواردها ومنهجها في الفكر والعمل ومسيرتها في هذا الدرب، ومن حيث برامجها ومشاريعها المختلفة. وتلك الاستقلالية الشاملة هي أهم ميزة تتميز بها الخدمة.
"الأزمة الخاصة بجهاز المخابرات استهدفت اختلاق حجة وذريعة لعمليات التصفية"
ما هي آراؤكم حول المزاعم الذاهبة إلى أن "الجماعة دبرت انقلاباً ضد حزب العدالة والتنمية عندما استدعت النيابة العامة رئيس المخابرات للتحقيق معه" في 7 شباط من عام 2012؟
في الحقيقة أن الرأي العام ليس لديه اطلاع تام على ماهية المزاعم المتعلقة بهذه الأزمة. وكما تعلمون أن بعض المصادر ووسائل الإعلام، خاصة من كانت محسوبة على الحكومة، حاولت تقديم الأزمة على أنها حملة تستهدف السيد رئيس الوزراء. ولكن حقيقة الأمر ليست كما يزعمون، بل هذه المحاولة ليست إلا تشويشا وتقليبا للحقائق. ذلك أن أصل المسألة وأساسها كان متعلقاً بالعمليات والحملات التي شنتها القوات الأمنية ضد اتحاد الجماعات الكردية (KCK)؛ الهيكل الإداري الأعلى لحزب العمال الكردستاني، العمليات التي كان السيد أردوغان هو من أصدر تعليمات لإجراءها ومن ساندها.
واقع الأمر هكذا: يتسلم النائب العام في تلك الفترة ملفاً يتضمن معلومات تشير إلى أن بعض العناصر التابعة لجهاز المخابرات قد شاركت في عمليات إرهابية نفّذها اتحاد الجماعات الكردية الإرهابي (KCK)، أو هجمات إرهابية منسوبة إليه، مما دفعه إلى استدعاء رئيس المخابرات "خاقان فيدان" لطرح أسئلة محددة. ولكن لما رفض فيدان الاستجابة لدعوة النائب العام، عمد هذا الأخير إلى تطبيق الإجراءات الرسمية، ومن هنا اندلعت الأزمة المذكورة.
وكما هو معلوم، من المستحيل أن يعتقل أي نائب عام رئيس الوزراء بإعداد لائحة اتهام بحقه، وليس بإمكانه، في أي حال من الأحوال، عزله من منصبه ومهمته. وهذا لسبب بسيط، لأن رؤساء الوزراء، وكذلك النواب، لا يمكن عزلهم من مناصبهم ومحاكمتهم ما لم تكن موافقة برلمانية والإحالة إلى محكمة أمن الدولة العليا.
على الرغم من هذه الحقيقة البسيطة، فما الذي حدث وإلى أي اتجاه سارت الأمور ولماذا حصل ما حصل؟ أعتقد أن البعض استغل هذه الأزمة كأداة وحجة للقيام بعملية تعيينات وتصفيات في الأجهزة البيروقراطية للدولة.
"تهمة الدولة الموازية داخل الدولة لا أصل لها من الصحة ولا سند لها من القانون"
وما هي وجهة نظركم حول الاتهامات الموجهة ضد الخدمة بـ"الدولة الموازية" داخل الدولة؟
قبل كل شيء لا تنطبق تهمة الدولة الموازية، وحتى مفهوم العصابة إلا على الحركات التنظيمة التي تغلغلت في أعماق دوائر الحكومة المختلفة لتحقيق أهداف محددة وجني مصالح شخصية أو فئوية. أما الخدمة فهي حركة مدنية يسعى أفرادها بروح تطوعية جاهدين لخدمة الإنسانية عامة، وعلى وجه الخصوص يبذلون جهوداً جبارة، وينهضون بفعاليات مهمة لتعريف الإنسان التركي وقيمه السامية للجميع على الساحة الدولية. ومن الطبيعي جداً أن يتوظّف من يكنّون حباً لهذه الخدمة في مختلف أجهزة الدولة. وإبداء هؤلاء الموظفين اهتماماً بالخدمة شيء، وتشكيلهم حركة تنظيمية مختلفة داخل الدولة بغية تحقيق أغراضهم وأهدافهم والسعي لخدمة جهات مختلفة شيء آخر. ولقد حاكمت السلطات التركية الأستاذ كولن، بتهمة تأسيس دولة موازية، اعتباراً من عام 1999 حتى عام 2008؛ الفترة التي كان يحكم البلاد فيها أقسى نوع من نظام الوصاية العسكرية. مع ذلك لم تصدر السلطات القضائية أي حكم يدين السيد كولن بهذه التهمة، بل انتهت كافة المحاكمات بصدور قرار البراءة. ولو كان القضاة عثروا على دليل قضائي واحد طيلة فترة محاكمته التي استغرقت تسع سنوات، وجرت فيها كل أنواع التحقيقات والتحريات لما حكموا إطلاقاً ببراءة السيد كولن.
وإذا كانت السلطات قد عجزت عن إثبات المزاعم الواردة بشأن تشكيل دولة موازية حتى عام 2008، فهل تمكّنت من العثور على أدلتها بعد هذا العام؟! فضلاً عن ذلك، فإن رئيس الوزراء لم يبدأ العمل والتعامل مع الموظفين العموميين حديثاً، أي أن المرحلة الزمنية التي أخذ السيد أردوغان يردّد فيها مقولة الدولة الموازية لا تتجاوز سنة واحدة. وإذا كانت الحال هذه، وكانت الدولة أو الحكومة تعمل مع هؤلاء الموظفين العموميين، وهم يزاولون مهامهم الرسمية في إطار القوانين والدستور وأوامر السلطة التشريعية طوال تسع أو عشر سنوات، فهل وجدوا دلائل وجود مثل هذه الحركة المزعومة بعد هذه المدة المديدة ومن ثم شرعوا يرددونها اليوم على ألسنتهم؟!
"هناك مساع لربط تحقيقات الفساد بالخدمة لتشويه صورتها والإساءة إلى سمعتها"
كيف ترون التحقيقات في قضية الفساد الأخيرة؟ هل يمكننا الاستماع إلى وجهة نظركم حول الادّعاءات التي تشير إلى أن "حركة الخدمة لها دور في هذه التحقيقات" وأن "هناك أيادٍ خارجية تقف وراء القضية"؟
يمكننا تناول فضيحة الفساد الأخيرة في تركيا وما تلاها من أحداث بعقد مقارنة بينها وبين قضايا الفساد الشبيهة بها التي حدثت في الماضي. ذلك لأن هذه القضية ظهرت على السطح بعد تحقيقات استمرت لمدة تراوحت بين عام أو عامين. وكما أن البعض سارعوا إلى إلصاق الجرائم بحركة الخدمة في السابق، مع أنه ليس لها أدنى علاقة بهذه القضايا، كذلك وبالتزامن مع بدء قضية الفساد الحالية أقبل البعض يكرّرون تلك المزاعم ذاتها بالظهور على شاشات القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام المختلفة.
وكما تتذكرون أن بعض الأوساط أرادت الربط بين المسؤولين في جهازي القضاء والشرطة وحركة الخدمة من أجل تشويش التحقيقات في إطار قضيتي "أرجنيكون" الإجرامية و"المطرقة" الانقلابية فيما مضى، ونرى الآن أيضاً من يحاولون فعل الأمر ذاته فيما يخص تحقيقات الفساد والرشوة الجارية حالياً، وهذا ليس إلا محاولة تهدف في الأساس إلى عرقلة التحقيقات التي تجري في إطار القانون.
تعلمون جيداً أن حركة الخدمة ذات بنية مدنية، وليس لديها جهاز شرطة أو قضاء. فجهاز الشرطة تابع في صلاحياته للحكومة عبر الوزارات المعنية. هذا إلى جانب أن القضاء والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين يعتبرون مؤسسات الخدمة خاضعة لسلطة الحكومة ورقابتها بالطريقة ذاتها. ويسعني القول إن الربط بين هذه المؤسسات الرسمية من جهة وحركة مدنية من جهة أخرى، ونشر ادعاءات حول هذا الصدد يعتبر ضرباً من ضروب الخيال؛ إذ لم يستطع أحد إثبات صحة هذه الفرضية إلى يومنا هذا. ولم تنظر المحاكم أي دعوى قضائية تتعلق بهذا الأمر. حتى أن أحداً لم يرفع ولو قضية صغيرة في هذا الشأن ليبدأ القضاء بالتحقيق فيها.
"الحكومة تضع نفسها في مرمى الشبهات والتساؤلات بتصرفاتها إزاء التحقيقات في قضية الفساد"
مسألة وجود الفساد من عدمه تمر الآن بمرحلة من البحث والتمحيص. وأرى أن الموقف الذي من المفترض أن تتخذه الحكومة إزاء هذه القضية هو إتمام التحقيقات إلى نهايتها بشكل مطلق مهما امتدت تهم الفساد لتشمل أسماءً بارزة في المجتمع. فالسلطات السياسية هي عبارة عن الأحزاب التي حصلت على صلاحية حماية الحق العام واستخدامه، وهي مسؤولة أيضاً عن تحقيق ذلك أمام الدولة والرأي العام. وفي الوقت الذي انتظر فيه الجميع من الحكومة الحالية اتخاذ كافة التدابير اللازمة والكفيلة بحماية الحق العام، نرى أنها على العكس تماماً أقدمت على سلسلة من الخطوات المثيرة للشبه، مثل تعيين 135 مسؤولاً أمنياً جديداً خلال يومين أو ثلاثة أيام، وتعيين قضاة جدد، وإدخال تعديلات على بعض القوانين واللوائح القضائية، وفرض رقابة على حرية الإعلام والصحافة. وهي إجراءات من شأنها أن تثير المخاوف حول وجود مساعٍ تهدف للتغطية والتستر على الفساد والتشويش على التحقيقات الجارية حوله.
لذلك فإن إعلان الوزراء الذين اقترنت أسماؤهم بقضية الفساد عن استقالتهم من مناصبهم بعد أسبوع من فتح التحقيق، وموقف الحكومة المتردد في الوقوف بشكل جاد خلف هذه القضية، وإقدامها على الإجراءات التي ذكرتها أعلاه، بدلاً من انتهاج طريقة وأسلوب ييسر عمل السلطات الأمنية والقضائية دون التدخل.. كل ذلك أثار تساؤلات وشبهات حول موقف الحكومة من محاكمة المتهمين بممارسة أعمال الفساد.
إلى أي مسار يمكن أن تتجه القضية بعد ذلك؟ نأمل في أن يخرج السيد أردوغان ويصرح بأنه لن يتوانى في إكمال التحقيقات الخاصة باتهامات الفساد في ظل استقالة الوزراء الثلاثة. ونتطلع إلى أن يؤكد أن التحقيقات في هذه القضية ستجرى بشفافية وحيادية تامة حتى الانتهاء منها، ثم إن ثبت تورط أحد من المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية في هذه القضية، فعليه أن ينقي الحزب من هؤلاء كي يكمل طريقه إلى المستقبل بنزاهة وأمان تامين.
"تحقيقات قضية الفساد ليس لها بعد سياسي… ولا يمكن أن تكون مؤامرة تقوم بها حركة الخدمة ضد حزب العدالة والتنمية"
هل لتحقيقات الفساد أبعادٌ سياسية كما يزعم حزب العدالة والتنمية؟
إن ردة الفعل التي أظهرها الحزب عند بدء التحقيقات فُهمت وكأنها محاولة منه لتحويل قضية قانونية بحتة إلى قضية سياسية. وقد عمدت بعض وسائل الإعلام المقربة من الحزب إلى الربط بين هذه القضية وحركة الخدمة، وتوصلت إلى استنتاجات واستنباطات مختلفة حول هذا الموضوع لا أساس لها من الصحة، ولا تعتمد على أي قرينة أو دليل مادي ملموس.
وعندما نأتي للحديث عن حركة الخدمة، فليس هناك أي محاولات تقوم بها الخدمة – كما يزعمون – لتقسيم حزب العدالة والتنمية، أو إسقاطه من الحكم، أو حتى إقصاء أردوغان من زعامته. كما أنها لا تتبنّى أي فكر أو اتجاه يسعى إلى السلطة أو دخول المعترك السياسي. ولم تتبنَّ الحركة أي مشروع كهذه في الماضي ولا في الحاضر، ولن تسعى حتى لتحقيقه في المستقبل.
"مصداقية حزب العدالة والتنمية صارت موضع تساؤل"
ماذا تقولون بشأن الإجراءات التي اتخذها حزب العدالة والتنمية لعرقلة التحقيقات في قضية الفساد والرشوة؟
في الواقع، أن هذه الإجراءات تزيد مخاوف الرأي العام، وتضر كثيراً بالشعبية والمصداقية التي اكتسبها الحزب على مدار العقد الأخير، وتزلزل رصيد التعاطف الذي حظي به الحزب في الداخل والخارج. وبالطبع فإننا لا نستطيع أن نفهم لماذا أصيب الحزب بهذا الذعر بخصوص هذه القضية؟ ولماذا سارع لتغيير أماكن نحو 130 مسؤولاً أمنياً وقضائياً؟ ولماذا لم يثق بالقضاء والشرطة بعدما قال في حقهما سابقاً إبان التحقيق في قضيتي "أرجينيكون" و"المطرقة" "إن الشرطة كتبت اسمها بأحرف من ذهب، والقضاء قام بمهام تاريخية."
بيد أن جهاز الشرطة هو ذاته لم يتغير في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، والقضاء هو نفسه لم يتبدّل. ويمكننا القول إن هذه الهجمات الشرسة وهذه الإجراءات التعسفية ضد هذين الجهازين المنوط بهما التحقيق في هذه القضية التي صارت واقعاً في الوقت الراهن، ربما تتسبب في إيقاظ المخاوف لدى البعض بشأن ثقة الحزب بنفسه وثقة الناس به.
"حزب العدالة والتنمية يخشى من أن تطال الحملات ضد الفساد أشخاصاً آخرين"
ماذا يمكن أن تكون أسباب ونتائج مبادرة حزب العدالة والتنمية إلى إعاقة التحقيق في قضية الفساد؟
يمكن أن يكون لانضمام بعض الشخصيات المقرّبة من الحكومة إلى زمرة المتهمين في القضية دورٌ في إحداث حالة من الخوف الشديد لدى الحزب. وربما يكون هناك مخاوف من أن تنتقل هذه القضية وتنتشر في مجالات أخرى بحسب ما ستكشف عنه نتائج التحقيقات. وهذه الأشياء هي التي أفضت إلى حدوث المخاوف لدى الحزب على أي حال.
وربما تكون هناك نقطة أخرى في هذا الإطار وهي هل هناك بالفعل قوى خارجية معارضة للحزب تقف وراء هذه القضية؟ ولهذا السبب يمكن أن يكون لبعض التطورات والتقاربات الحادثة بعد ظهور الفضيحة إسهام في زيادة المخاوف والقلق، وحدوث هذه الحالة من الذعر والهلع لدى الحكومة.
ولكن إن حدث وأُعيقت التحقيقات في هذه القضية، فإن ذلك من الممكن أن يضر بشكل جاد بثقة الناس في الحزب، وهو ما سيضعه في موقف لا يُحسد عليه في الانتخابات الثلاثة التي تنتظره خلال المرحلة المقبلة.
"أصل المباهلة وارد في القرآن الكريم"
لقد تم توجيه الدعاء الذي تلاه الأستاذ كولن ولقي صدى واسعاً إلى أمور أخرى وأخرج من إطاره وسياقه. هل تقدم لنا آراءكم حول الموضوع؟
الواقع هو أن الأستاذ كولن لم يلعن، في أي مرحلة من مراحل حياته المديدة، على أي إنسان، دع عنك الإنسان المؤمن، حتى وإن لقي منه أذى وظلماً وجوراً. وهو يقول في المسائل والحقوق المتعلقة بشخصه هكذا: "فليعم هؤلاء الذين ظلموني وآذوني لقد تحللتهم وسامحتهم جميعاً. ولكن المظالم والانتهاكات الخاصة بالحقوق العامة فحسابها على الله سبحانه، وليس لي أن أتجاوز عنها."
أما قضية المباهلة، فكما تعلمون أنها ترد في الآية 61 من سورة آل عمران، كما ترد في آية أخرى.
ولكن لماذا شعر الأستاذ كولن بالحاجة إلى هذا الدعاء؟ للأسف ظهر في الآونة الأخيرة من انجرفوا وراء السيل الإعلامي العارم، وأخذوا يرددون ما يبثه من لا يحب الخير للطرفين من أن الأستاذ دعا على أردوغان وحزبه، مستشهدين بمقطع فيديو يشرح فيه الأستاذ موقفه مما يُسنَد إليه من أن الذين فضحوا الحكومة في قضية الفساد التي ضلع فيها مجموعة من المقربين منها من أبناء الوزراء وكبار رجال الأعمال هم مجموعة من رجال الأمن والقضاء المقربين إليه وبالأحرى “المنتمين إلى جماعته” على حد تعبيرهم، وأن هؤلاء اندسوا في سلك الدولة وأخذوا يكيلون المؤامرات ويلفقون الأدلة لإضعاف الحكومة والإطاحة به في نهاية المطاف.
لقد نشر الأستاذ كولن بياناً عبر محاميه لشرح حقيقة الأمر، غير أنهم لم يتورعوا عن الاستمرار في تلك الاتهامات. وعلى الرغم من أنه أكّد بشكل جازم في خطاب له أنه: "لا علاقة لنا بمثل هذه القضايا والعمليات؛ فنحن لا نبغي إلا سعادة الناس وسلامتهم وعيشهم جنباً إلى جنب في جو من الأمن والاطمئنان. أما فتح القضايا وإجراء التحقيقات فأمور تتعلق بشؤون الدولة"، إلا أن بعض الصحف وأصحاب الأعمدة فيها قالوا بإصرار "كلا! إن الجماعة هي من تقف وراء هذه العمليات والحملات"، على حد زعمهم.
"الأستاذ كولن لم يدع على أحد بل تحدى الكذب!"
وللتذكير فقط، قال الأستاذ كولن في دعائه كذلك:
إن المطلع على المساوئ هو الله، والذي يعرف اللصوص هو الله، والذي سيكشف السرقة هو الله، والذي يعلم الرشوة هو الله.. ومن حيث إن الله سيحاسب في الآخرة حتى على حبة من شعير فالذي سيحاسب الكل هو الله!!
وفي هذا السياق تتبادر إلى لساني مقولة تدور في ذهني.. مقولة لم يسبق لي أن قلتها حتى الآن:
إذا كان هناك بعض الإخوة يقومون -حسب ما يسنده إليهم الآخرون- ببعض التصرفات من خلال ما أتيحت لهم من الإمكانيات..
يتبادر إلى ذهني أن أقول: – وكأني لا أتمالك من أن أقول ذلك.. وهذا أمر لم يسبق لي أن تفوهت به يوما ما..
وإلا فكما هو لدى الدكتور إقبال والأستاذ المقتدى (النورسي) إن التأمين على الدعاء على الأخرين ولعنهم ليس من ديدننا وقواعدنا العامة..
ولست أدري مَن هؤلاء الإخوة؟ ولا أعرف واحدا بالألف منهم. لكن إذا كان هؤلاء الذين يحاربون بعض السلبيات بمقتضى القانون والنظام والإسلام والديمقراطية، وبهدف التنقي والتطهر والتنظيف، وبغرض الحيلولة دون تأجيلها إلى يوم القيامة.. وإذا كانوا أثناء أدائهم لهذه المهمة يقومون بما يناقض روح الإسلام، ويعارض الأسس القرآنية والسنة الصحيحة والفقه الإسلامي والقوانين المعاصرة ويعارض الأعراف الديمقراطية الحديثة.. فإني أفترض نفسي واحدا منهم وأُدرجُ نفسي فيما بينهم وأقول: أسأل الله تعالى أن يخسف بنا وبهم، ويحرق منازلهم ويهدم بيوتهم على رؤسهم.
ولكن إن لم تكن حقيقة الأمر كما يدعيه الآخرون، بل كان هناك من يتغاضون عن السارق وفي الوقت نفسه يهجمون على من يحاول القبض على السارق.. ولا يبصرون الجريمة ولكنهم يحاولون تشويه الآخرين من خلال إلقاء الجريمة عليهم.. فإني أسأل الله تعالى أن يحرق بيوتهم ويهدم منازلهم ويفرق جمعهم ويكبت مشاعرهم في صدورهم ويَحُول بينهم وبين أهدافهم ولا يمكِّنهم من أن يصبحوا شيئا مذكورا..
وقد قلت آنفا: إنني لم يسبق لي أن قلتُ مثل هذا القول.. ولكني لم أتمالك من ذلك. وإن الذي جعلني لا أتمالك من ذلك وأقول قولا لم يسبق لي أن قلته إلى الآن؛ هو أن هناك من كشّر عن الأنياب وأسال اللعابَ واستفز الناسَ، وتجولتْ عن طريق التويتر أفكار ملعونة بكل راحة.
ثم أضاف بقوله: إنني لم أستثنِ أنفسنا من دعائي السابق.
في الحقيقة أن هذا الدعاء ليس اللعن، بل هو تحدٍّ على الكذب ومباهلة للتأكيد على أنه لا علاقة له بهذه القضية، رداً على المزاعم المذكورة. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض وسائل الإعلام عمدت إلى إخراج الدعاء من إطاره وسياقه الصحيحين بالإصرار على القول: "إن الأستاذ لعن على حزب العدالة والتنمية.. لعن الأستاذ على المؤمنين.."، في مسعى منهم إلى تقليب الحقائق رأساً على عقب.
"الأستاذ "فتح الله كولن" لديه حساسية خاصة تجاه المال العام وحقوق الشعب"
هل بإمكانكم تقييم وجهة نظر الأستاذ كولن تجاه قضية الفساد المرتكبة ضد الأموال العامة؟
لا ريب أن الأستاذ كولن يتمتع بحساسية دينية غير عادية تجاه مثل هذه الموضوعات، فنذكر جميعاً مئات الأمثلة من حياته الشخصية التي تبرهن على حساسيته إزاء المال العام. ونعلم أنه لم يرغب في استخدام ورقة خاصة بالدولة من أجل مصلحة شخصية له بينما كان يقضي فترة تجنيده في الجيش. وإن الأماكن التي يتواجد بها هي مؤسسات وقفية، ونعلم أنه لا يأكل من طعام هذه المؤسسات الوقفية أو نزل الطلاب التي ينزل فيها، وإن أكل يدفع ثمن ما أكل، وحتى أنه لا يستخدم مياه هذه المؤسسات، وإن استخدمها يدفع ثمن ما استخدمه، وهو أيضاً يدفع إيجار الأماكن التي يقيم بها. ولقد تم التأكيد في أكثر من مناسبة على أن حساسية الإنسان تجاه مؤسسات الدولة وحقوقها ليست فضيلة للمؤمن، بل هي واجب وفرض عليه أدائه.
ونعرف جميعاً قدر الحساسية التي يتمتع بها الأستاذ كولن فيما يخص رعاية الممتلكات العامة وحقوق الآخرين. وبالطبع فإن الحكومات وأعضاؤها من الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية ملايين المواطنين، ينبغي أن تكون لديهم حساسية فائقة إزاء الممتلكات العامة وحقوق الشعب. وهذا ما يمليه عليهم الدستور والقانون والمبادئ الإنسانية وقواعد الإسلام الحنيف. أي أن هذه الواجبات هي بمنزلة القواعد الأساسية التي خطها لنا ديننا بشأن الأصول والآداب والحقوق التي علمها لنا وأوصانا بها.
"حركة الخدمة لم تجمعها في أي وقت من الأوقات "مصلحة مادية" بحزب العدالة والتنمية"
في رأيكم ما هي الأشياء الأخرى التي كان لها دور سلبي لتدهور التوافق بين حزب العدالة والتنمية والخدمة”؟
لم تجمع أي علاقة مصلحة مادية حركة "الخدمة" بحزب العدالة والتنمية في الفترات التي ساروا فيها معاً في طريق واحد. أي أن هذه العلاقة ليست لها صلة مثلاً بمناقصات تجارية أو أي شيء من هذا القبيل، كما أنه من الخطأ الحديث عن منفعة مشتركة بين الجانبين. وليس لحركة الخدمة أي حسابات أو أهداف تتعلق بنصيب لها من السلطة.
إن كل ما تنتظره الخدمة من الحكومة هو الارتقاء بالبلد، وترسيخ قواعد الديمقراطية ودعائمها في البلاد، وتحقيق النهضة والاستقرار للشعب، وزيادة حقوق المواطنين وحرياتهم. وقد حصل حزب العدالة والتنمية على دعم القاعدة العريضة من أنصار الخدمة حينما سعى لتحقيق مطالب الشعب. ولكن في الوقت الذي حدث فيه انخفاض في تحقيق نسبة هذه المطالب، وفرض قيودا على حقوق المواطنين وحرياتهم، وتحولت الحكومة من مؤسسة تحتضن الجميع إلى مؤسسة تنظر إلى كل شيء من وجهة نظرها الضيقة وتقصي من حولها؛ شهدنا جميعاً كيف أن هذه التطورات أفضت إلى نشوب مشاكل كبيرة على فترات معلومة.
المصدر: وكالة جهان للأنباء، 28 ديسمبر 2013.
- تم الإنشاء في