تصريحات بابا الفاتيكان مؤسفة ولا تخدم السلام العالمي
أصدر فضيلة الأستاذ محمد فتح الله كولن بياناً حول تصريحات البابا بنديكت السادس عشر بشأن الإسلام، وترجمة نص البيان إلى العربية فيما يلي:
لا نجد في جميع رسائل الأنبياء والمرسلين (عليهم صلوات الله وسلامه) منذ عهد آدم عليه السلام حتى عهد رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم أي مناقضة لروح الرسالة الأصلية. فإذا أتينا إلى الخلافات الموجودة بين أتباع الديانات السماوية وإلى النـزاعات والصراعات والحروب التي نتجت منها رأينا أنها غير نابعة من الدين، بل عن الحقد والنفور والمصالح الذاتية للمنتسبين الجهلاء وعن التفسيرات الخاطئة لهم وعن الانحرافات وعن الأهواء النفسية.
إن الذين يتناولون الإسلام وينظرون إليه من الزاوية السياسية والأيدولوجيةلم يستطيعوا الخلاص من تأثير بعض الأفكار المسيئة وأحياناً من تأثير القدوة السيئة لبعض من يبدون مسلمين، وبالتالي من تأثير التفسيرات الخاطئة النابعة من الأفكار الأيدولوجية. وأحد التفسيرات الخاطئة هو النظر إلى الإسلام وكأنه نظام يقترن بالعنف، وكأنه فلسفة تتبنى ردود الأفعال. أما صدور مثل هذه الأخطاء -المؤدية إلى الإثارة وإلى الانفعال الاجتماعي- من رجال الدين فهو شيء مؤسف جداً.
بينما تدعو كل رسالة من رسائل الإسلام إلى السلم وإلى التلاؤم الاجتماعي وإلى المسامحة والحوار وتقبل الآخرين. أما الخشونة والرعونة والحقد والنفور والعداء والارتباط بهذه المشاعر والنظر إلى الإسلام بأفكار وأحكام مسبقة صادرة عن الانعكاسات الموجودة في أرواح وقلوب المنتسبين الجهلاء وعدم تعودهم على المسامحة فتؤدي إلى مثل هذا الغثيان. لأن كل قلب دخل فيه الإسلام وسكن لا يحتوي إلا على حب المخلوقين النابع من حب الله، وإلا على مشاعر المودة والمسامحة.
من جانب آخر فإن عالمنا هذا الذي سقط تعباً من الصراعات والحروب التي دامت عصوراً عدة يبدو قابلاً لصراعات جديدة نابعة عن الشهوات الإنسانية غير القابلة للإشباع. لذا وجب على كل إنسان يشعر بالمسؤولية، ولا سيما على كل منتسبي الأديان أن يكونوا رسل سلام وحوار لكي يتحول هذا العالم إلى مهد للمحبة والصداقة.
لذا أحس الفاتيكان قبل سنوات بضرورة إصدار إعلان يعرب عن أسفه لدور الفاتيكان في الحروب الصليبية.
ولكن قام البابا بنديكت السادس عشر مع الأسف في المحاضرة التي ألقاها في جامعة ريجينسبورج باتخاذ نظرة الإمبراطور البيزنطي أساساً لرأي شخصي لا يتفق مع شعور الفاتيكان بضرورة إصدار ذلك الأسف السابق المذكور.
ونحن نتمنى ألا يكون تصريح هذا البابا سبباً في حوادث مؤسفة وفي حبك مؤامرات غير مقبولة. لأن هذا التصريح أظهر استخفافاً بعقيدة الألوهية في الإسلام، ووجه اتهامات شائنة لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى جرح مشاعر المسلمين. إن مثل هذه الكلمات والتصريحات الصادرة من قبل أعلى قمة في العالم الكاثوليكي يعطي مبررات للمجموعات المتطرفة للقيام بسفك الدماء مثلما حدث في عهد الحروب الصليبية.
نحن نتمنى صدور ردود فعل حضارية من الفاتيكان، فهذا حق مشروع للمسلمين الذي جاء رسولهم صلى الله عليه وسلم بأسس أخلاقية من الرحمة والشفقة، وعدم الانزلاق إلى الألاعيب وسوء التصرفات التي فتحت الرسوم الكاريكاتورية الأبواب لها.
لقد دلت تصريحات البابا بنديكت السادس عشر على مدى حاجة الإنسانية إلى الحوار. والمهم هو قدرة المسلمين على إظهار المبادئ السامية للإسلام للجميع، والتي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في ظل هذه العولمة التي يحتاج الإنسان فيها إلى العيش معاً، وتقاسم هذا العالم معاً، وتجاوز جميع الخلافات والفروق الدينية والسياسية والثقافية والأيدولوجية. فالإنسان في حاجة ماسة إلى هذا وإلى العيش حسب الفطرة السليمة التي فطره عليها الخالق جل وعلا.
محمد فتح الله كولن
- تم الإنشاء في