المحاضرة الختامية: مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي

د. طارق البشري

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الحضور الكرام،

 كنا نتكلم هذا اليوم واليوم السابق عن الشيخ فتح الله كولن وأتصور أن كلمتي ستكون استمرارًا لحديث اليوم الأول، وتتضمن عموميات بشأن مستقبل العالم الإسلامي. عندما نتكلم عن مستقبل العالم الإسلامي، أول نقطة نبحثها في موضوع المستقبل أن نفهم الواقع ومشكلات الواقع. فبداية ما هو واقع العالم الإسلامي؟ في إدراكنا وفي حقيقة الأمر؟ وعندما نتكلم عن الواقع والمستقبل فإننا نتكلم عن الملامح العامة للواقع أي الحاضر الممتد وليس الحاضر الآني؛ هذه الساعة أو هذا اليوم أو هذه السنة أو هذا العقد، بل نتكلم عن الواقع الممتد.

والواقع الممتد للواقع الإسلامي في هذا الوقت فيما يبدو لي هو واقع يشمل قرنين من الزمان مرا علينا، القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ونحن في بداية القرن الثالث الآن. والملمح العام لهذا الأمر -إذا كان الأوروبيون قسموا تاريخهم إلى عصر النهضة وعصر التنوير وعصر الصناعة- فنحن نقسم هذه المرحلة من المراحل التاريخية الممتدة على مدى ألف وخمسمائة سنة، نقسمها على أساس عصر الاستعمار ومقاومته.

هذا هو المعنى الأساسي أو الطابع الأساسي لكل أوضاعنا على مدى القرنين الماضيين في هذا الشأن. فعلينا أن نبحث أمورنا في هذا الواقع، في هذه المسألة وبهذه الملامح.

وسوف أتكلم إن شاء الله بقدر ما يسعفني الحديث وتلقائيته ، عن الواقع الإسلامي بهذه النظرة الشاملة، واقع أمة وأمم إسلامية على مدى قرنين من الزمان، ماذا كان؟ وما الخبرات التي تعلمناها من ذلك؟ طبعًا نحن نتكلم عن حركات الإصلاح ودعوات الإصلاح التي جرت في بلادنا على مدى هذه الفترة، علينا أن ندرسها فعلاً وأن نتبادل الحديث بشأنها ونتحاور في هذا الأمر، لا لنقلد تجربة جرت في بلد معين فننقلها برمتها وبحذافيرها إلى بلد آخر وسياق آخر. الزمان والمكان فيه قدر من التنوع بالنسبة لبلادنا، علينا أن نفقه هذا الأمر. ولذلك تمام التجربة وتمام الخبرة تكون عن طريق أن نفهم التجربة جيدًا وما أدت إليه ونفهم السياقات الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي لابست هذه التجربة، فجزء صميم ومصمم من الفهم للتجربة أن نضعها في سياقها التاريخي، الزماني، وفي سياقها الاجتماعي والثقافي، لنفهم هذه التجربة في إطار واقعها الذي جرت فيه ونمت فيه.هذه بعض النقاط الأولى التي أحببت أن أوضحها.

من النقاط الأولى أيضا التي أريد أن أوضحها، أن في هذا المؤتمر يشرفني أن أجلس هذا المجلس بين أيديكم وأن أجد في الحضور جماعات من المثقفين ومن النخب الثقافية في البلاد العربية والإسلامية، بشكل عام -من أفريقيا ومن آسيا- وأرجو أن يشمل هذا الحجم من الجمهور قدرًا كبيرًا من التنوع في التجربة التاريخية ولذلك علينا أن نتكلم في عموميات التجارب وعن قدر التنوع الذي يمكن أن يجري بين بلد وبلد وبين ساحة وساحة.

المؤتمر أعد له الجانبان التركي والمصري، وطبعًا عندما نذكر تركيا ومصر، أو نذكر تركيا والعرب نذكر تاريخًا... لا أستطيع أن أجرد نفسي من ملكة الاهتمام بالتاريخ في هذه المنطقة.

تركيا والعرب كان لقاؤهم لقاء قديمًا وعريقًا لا يمتد فقط إلى الدولة العثمانية وبدايتها، ولا يمتد فقط للقرن السادس عشر الذي اكتمل فيه بناء هذه الدولة في المنطقة الشرقية، وإنما هو أيضًا يمتد لما قبل ذلك. تعاصر العرب والترك في التجربة الإسلامية كان تعاصرًا ممتدًا من قرون أبعد من القرن السادس عشر الميلادي. التجربة العثمانية تجربة هامة لدى الوعي العربي والوعي المصري، وهناك ما أعتبره سوء فهم لهذا الفترة، فقد ألقيت عليها أوزار عصور كاملة في الماضي وألقيت عليها مشكلات كثيرة جدًا.

لقد عرفنا تاريخ هذه المرحلة نحن العرب والمصريين، عرفنا تاريخ هذه المرحلة كمثقفين وقارئين من الدراسات التي أجراها عن هذه الدولة المستشرقون، والقناصل من الدول الأجنبية التي كانت موجودة في إسطنبول وتنظر في كيف تقتل هذا الرجل المريض وتريد أن تقتله لترث ما وراءه من أشلاء.

والنقطة الثانية، أن مصدر ثقافتنا بالنسبة لها، أنصار القومية العربية في القرن التسع عشر من إخواننا في المشرق الشامي الذين كتبوا في أثناء الدعوة الإنسلاخية من دعوة الجامعة الإسلامية وكانت فترة انسلاخ لا تبدي إلا الكراهية المتبادلة في هذا الشأن.

ولذلك تأثرنا جدًا بهذين العنصرين في قراءتنا لتاريخ هذه الدولة. لن أدخل كثيرًا في هذا الموضوع، لكن حسبي أن أذكر ملمحًا أساسيًا واحدًا يهمنا جدًا وهو له مدلوله أننا كنا نتكلم اليوم في جلستنا هذه في قاعتنا هذه بالعربية والتركية ويمكن أن نتكلم بلغات أخرى، النقطة هي أن الدولة العثمانية من القرن الرابع عشر، ومن ميلاد القرن الخامس عشر، كانت هي العائق الأساسي أمام تجدد الحروب الصليبية في هذه المنطقة. هذه المنطقة عرفت الحروب الصليبية التي تعكس أطماع أوروبية فيها منذ القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وانتهت قبل السادس عشر، تلك الحروب الصليبية أخذت قرنين من الزمان.

علمنا تاريخنا في هذه الفترة وما قبلها أن خط الدفاع الرئيس لهذه المنطقة العربية على مدى التاريخ من أيام الفراعنة حتى هذا الوقت، وحتى يومنا هذا هو بناء تحالف قوي إستراتيجي بين دمشق والقاهرة والحجاز، وأن هذا الخط كان دائمًا ينكسر بفعل الحروب الأجنبية، دائمًا كان ينكسر حتى لا يبقى، وكان الحفاظ على هذا المنطقة العربية لا بد له من هذا التوافق وهذا التكون...، وما من دولة رمت إلى التوحد والنهوض في هذه المنطقة إلا وسعت إلى التكامل عبر هذه الخطوط الثلاثة، إذا قامت في الحجاز امتدت إلى القاهرة ودمشق، وإذا قامت في دمشق، نزلت إلى القاهرة والحجاز، وهكذا، إذا قامت في مصر ذهبت إلى الحجاز ودمشق، كان هذا لا بد منه، وتاريخنا يؤكد هذه الفكرة.

تحولت المسألة عندما انضمت إسطنبول والأناضول إلى هذا الخط، أنا أسميه "سور الإٍسلام العظيم" هكذا تم بناء سور الإسلام العظيم وهو موقف تعادلي، وليس دفاعيًا، بل قد يكون هجوميا أحيانا، هو موقف الردع، أنت هنا في موقف الردع وليس موقف الدفاع فقط، لقد ظل موقفنا دفاعيًا طالما كنا (دمشق، القاهرة، الحجاز). يتحول هذا الموقف الدفاعي إلى الردع ضد أي أطماع تأتينا عندما تنضم إسطنبول إلى هذا المثلث، وهذا ما فعلته -فيما أعتقد- الدولة العثمانية في هذا الوقت. ولولا هذا الذي حدث في هذه الفترة أتصور أنه كانت ستتم حروب صليبية أخرى، أتصور أنها كانت ستستمر 200 أو300 سنة، هل كنا سنحتفظ بلغتنا العربية وهويتنا الإسلامية بهذا الحجم الشاسع الهائل الذي كنا نحن فيه آنذاك؟ عانت الجزائر من استعمار 130 سنة من الفرنسة، فما بالك قبل ذلك بعهود سحيقة في هذه المنطقة، كيف كانت ستكون؟ هذه المزية قامت بها الدولة العثمانية أظن أننا يتعين علينا أن ندركها وأن نحفظها في وعينا التاريخي باعتبار أنها التقاء بين جماعة إسلامية أساسًا تتكون من العرب والترك لحفظ هذا التكوين الذي حدث. تلك نقطة أحببت أن أوضحها.

النقطة الأخرى التي أريد أن أوضحها: نحن كمصريين ما موقفنا من الدولة العثمانية. لسنا نحن كمصريين أي الدولة المصرية، بل أقصد الحركة الوطنية المصرية في مصر ما كان موقفها من الدولة العثمانية أو الدولة التركية؟

أريد الوصول هنا إلى درس معين ينبغي أن ننتبه إليه، مصر انفصلت عن الدولة العثمانية انفصالاً حقيقيًا بشكل شبه مستقل سنة 1840م، بمعاهدة لندن التي تمت في ذلك الوقت، وصار لها تاريخ شبه مستقل لا تتأثر كثيرًا في الدولة العثمانية من فعل الحكومات ولا تؤثر كثيرًا على ما يحدث في الدولة العثمانية ولا في الشام من فعل معارضة أو غيرها من الأمور. بقيت في هذا الواقع المنعزل، وكانت الحركة الوطنية أول ظهورها وظهور الطمع الأجنبي فيها، الإنجليز وما غيره، لما ظهرت هذه، كانت الحركة الوطنية تتمثل العون من الدولة العثمانية من 1840-1914، كانت الحركة الوطنية فيما تستقوي به في مقاومة الاستعمار الإنجليزي تركن إلى شيء من الدعم المعنوي -لأن الدولة العثمانية صارت ضعيفة جدًا في هذا الوقت- من الدولة العثمانية، فكانت تستقوي وتطلب العون ولو سياسيًا من هذا الإطار. فكانت علاقة القادة الوطنيين المصريين بالدولة العثمانية في هذا الإطار علاقة حميدة، مثل مصطفى كامل، محمد فريد وكتابه المشهور عن الدولة العثمانية والذي أصدره في نهاية القرن التاسع عشر وهو كتاب مهم وجيد ومتعاطف جدًا مع تاريخ هذه الدولة، وهو زعيمنا.

بعد ما صُفيت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وعقدت معاهدة لوزان وبعدما انتصر كمال أتاتورك بعد ذلك بعدد من السنوات القليلة وشكل نظامه... كان العلمانيون في مصر يميلون للتجربة الأتاتوركية ويستنصرونها ويأخذون منها خبرة، لأنها فعلت هناك أكثر مما استطاعوا هم أن يفعلوه في مصر، من هذا الجانب، والإسلاميون في هذه المنطقة كانوا يبغضون هذه التجربة ويتحفظون إزاءها ولا يحبونها، وبقى الوضع هكذا في تلك الفترة، إنما لم تكن الدولة التركية بعيدة عن العدوان المصري بعدًا كبيرًا ولم تكن هناك حساسيات بيد البلدين في ذلك الوقت.

حتى وصلنا إلى 1952، وهنا أصل للتجربة التي أريد أن أتكلم عنها، حصل نوع من أنواع الشقاق بين الوضع المصري والوضع التركي، فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، وكان أساسه الآتي: أن مصر تجد الخطر عليها من إسرائيل وتعادي الاستعمار الإنجليزي الذي كان آنذاك قد خرج منها خروجا عام 1956 وأراد الرجوع إلهيا مرة أخرى، وتخاصم الولايات المتحدة ، وهناك مشكلة أساسية مع إسرائيل، والعرب في المغرب العربي مشكلتهم مع فرنسا ولهم حركة وطنية ضد الاحتلال الفرنسي والنفوذ الفرنسي الموجود هناك، والعرب في المشرق في العراق يعملون ضد الاستعمار الإنجليزي، وكل هذه المنطقة كانت ضد الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الفرنسي، والمساندة الأمريكية لإسرائيل المستعمِرة حديثًا، كان الوضع بهذا الشكل، وكان علينا أن نقف ضد الأحلاف التي تقيمها هذه الدول، ووقفنا ضد هذه الأحلاف بدافع الوطنية والدفاع عن الحوزة الوطنية، في هذا الأمر تركيا دخلت حلف الأطلنطي، أيامها، وكنا نكره هذا الموقف جدًا.

ولكن لو درسنا هذا الموقف بشكل تاريخي وحقيقي، نرى أن التجربة التركية نفسها كانت تحمل في ذهنها مسألة الخطر الروسي، وخطر روسيا على تركيا وعلى الدولة العثمانية، وأول انتهاك لقوة الدولة العثمانية بشكل قوي كان بعقد معاهدة "كرانجيا" 1774 الذي أملته روسيا القيصرية على السلطان عبد الحميد الأول في هذا الوقت، ومن هنا بدأت مشكلة أن هناك خطرًا شماليًا شرقيًا يأتي على الدولة العثمانية من ذلك المجال. وبقي هذا الوضع حتى مع روسيا الشيوعية ومع نشوء الاتحاد السوفيتي بقيت -دائمًا- المطامع الروسية في الدردنيل والبوسفور والنزول للمياه الدافئة، وهي وصية بطرس الأكبر منذ عام 1725 وصيته قبل أن يموت "الجئوا إلى البلطيق وإلى المياه الدافئة"، والمياه الدافئة أي تركيا، فكان حقيق فعلاً على هؤلاء القوم أن ينظروا للخطر الوشيك عليهم من شمالهم وشمالهم معادى للولايات المتحدة الأمريكية، عندما يدخلون في حلف مثل حلف الأطلنطي أظنه من حقهم.

لكن هذا يوصلنا لنقطة هامة، هذه المشكلة استمرت معنا منذ 1952 إلى السبعينيات وما بعدها. ثم بعد أن تفتت الاتحاد السوفيتي وتدهور، بدأت العلاقات تختلف، وبدأت السياسات الخارجية التركية تختلف عما كان في هذا الأمر. ولكننا نستنتج درسًا هامًا في هذا المسألة، أن تقسيم بلداننا إلى أقطار صغيرة أدى مع الوقت إلى تكون جماعات سياسية في هذه الأقطار لكل منها سياساتها، وأول سياسة لأي دولة قطرية أو غير قطرية هو الحفاظ علي نفسها من مخاطر الخارج، تلك هي الوظيفة الأولية للدولة أن تحفظ هذه الجماعة المحددة بحدود هذا المكان، من الخطر الخارجي عليها وهو ما نعرفه أنه "الأمن القومي". لما تنقسم الدول إلى مناطق وقطاعات تنشأ فكرة أمن قومي لكل دولة، ولكل هيكل خاص منها، وقد يتضارب مع الآخر، تضاربنا هنا ليس لأننا ضد الأتراك، ولا لأن الترك ضد المصريين أو ضد العرب، الأتراك يريدون أن يحموا بلدهم وهو في مواجهة عدو شمالي شديد البأس، ونحن نريد أن نحفظ أمننا في مواجهة عدو شديد البأس يأتينا من الشرق والغرب، فما العمل؟ فوقع هذا الشقاق.

ولذلك يخيل إلي أن النقطة التي لا بد من التفكير فيها لمستقبل علاقات هذه البلدان مع بعضها البعض، أن ندرس كمثقفين دراسة مستقاة من التاريخ ودراسات متبعة علي مدى عقود، ما هي أوضاع الأمن القومي لكل من أقطارنا وكيف يمكن أن تتداخل هذه الأوضاع وكيف يمكن أن نسحب منها عنصر/فتيل التعارض مستقبلاً. هذه نقطة أرجو أَنْ تكون موضوعًا لندوات متخصصة نفكر فيها معًا والناس مع بعضهم البعض. وهذا ما قصدت أن أشير إليه في هذا الشأن، أننا نحتاج لندوات من هذا النوع حتى نتفادى إمكانيات تضارب المصالح من وجهة نظر كل منا باعتبارها مصالح منطقية ومقبولة، ولا بد من الدفاع عنها ولكنها متضاربة موضوعيًا. كيف ننقذ أنفسنا من هذه الأوضاع.

النقطة الأخرى التي أردت التكلم فيها أيضًا، عندما قرأت برنامج الندوة "مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي" ونحن مضى لنا عشر سنوات تقريبًا لا تثور كلمتا الإصلاح والتجديد إلا متعلقة بإصلاح الفكر وتجديد الفكر، وأنا أصبحت أُستفز جدًا من مسألة أننا نريد أن نصلح ونجدد أفكارنا كما لو كنا متخلفين في أفكارنا أو فاسدين في أفكارنا. هذا غير صحيح!

نحن لدينا... من حسن التقدير لواقعنا وأوضاعنا وفكرنا ومنهجنا في تفسير النصوص الدينية... نحن لدينا الكثير من هذا الشأن ونمارسه فعلاً، وسأعطي لحضراتكم مثلاً عليه الآن، لكن لو تكلمنا كما لو أننا دائمًا لدينا عيب في أفكارنا، فهذا خطأ كبير كما حدث في السياسة الأمريكية التي وضعتنا في هذا الوضع بعد حدث 11/9 سنة 2001، وجعلت المسألة كما لو أنها مسألة فكرية أساسًا وليست مسألة سياسية. وعندما تعتدي على بلد وتريد أن تحتله وتبسط نفوذها عليه ولو بالعنف، فعليك في هذا الوقت أن تقنع أهل هذا البلد أن فيهم عيب ما وأن نيتك إصلاحهم، وأن تلقي في روعهم أنهم معيبون.

 عندما نقول إن المشكلة بيننا وبين الغرب مشكلة فكرية- كما يريد الغرب أن يصورها لنا- ما معنى ذلك؟ معناه أن هناك أناسًا بحكم ثقافتهم متخلفون، فيظل القتال الذي يدور في فلسطين والعراق وأفغانستان والضحايا الذين يقتلون؛لأن المشكلة ثقافية، إذ إنه بسبب أن لهؤلاء الأناس أفكارًا تعشش في أدمغتهم يمسكون بالسلاح ويضربون الآخرين فعلينا أن نحاربهم. لكن حين أصف أن ما بيننا وبين الغرب مشكلة سياسية، أجد أن الأمر مختلف، وهو أن هناك معتدين على بلد آخر ليس بلدهم، يفعلون فيه ما يفعلون ويقتلون فيه الناس. مكان المعركة في أرضي وليس أرضهم، مشكلة الظلم عندي وليس لديهم، القتل يقع على أبناء وطني وليس على أبنائهم، ومع ذلك يريد أن يحول المسألة إلى مسألة فكرية تتعلق بأفكارنا. وهو ما فعله كرومر في مصر في حادث دنشواي -عندما رأى مصريون الإنجليز يضربون النار على حمام- فركضوا خلفهم فقُتل الإنجليزي، صار مبعث القتل هو أننا مسلمون؛ وليس لأن الانجليز محتلون لأرضنا. وصيغت المسألة بها الشكل -ودائمًا من سياسات المعتدي أن يصم المعتدى عليه بالنقص أو عدم النضج أو بالحيوانية أو بشيء من هذا القبيل حتى يبرر لنفسه ما يفعله فيه- المشكلة ليس في فهم هذا الأمر فحسب، ولكن في أننا شاركنا في هذا... وأصبحنا في مئات وعشرات الندوات نعقدها من أجل إصلاح تفكيرنا ومن أجل التجديد.

ففيما يخص مشروع التجديد في الفقه، هل كنا فعلا جامدين في الفقه؟ إذا درسنا كلام فضيلة الشيخ محمود شلتوت ونرى ماذا كان يقول عن التجديد: "من ظواهر المعاناة عندنا غلبة العناية بالمناقشات اللفظية -كان هذا الوضع كما يصفه فضيلة الشيخ محمود شلتوت- غلبة تقديس الآراء التي دونها السابقون والسمو بها عن النقد، نزعة الاشتغال بالفروض والاحتمالات العقلية، نزعة الاشتغال بالحيل للتخلص من الأحكام الشرعية، وروح التعصب المذهبي الشديد بين المذاهب، النكوص عن الاجتهاد وملاءمة الأحكام للواقع الحادث، هذا كله كان يحدث في وقت من الأوقات مع نهاية القرن الثامن عشر كنا هكذا.ولكن هل لدينا الآن هذه الظواهر؟

عندما نقرأ أفكار المجددين ومن ضمنهم الدكتور كمال إمام بيننا حاليًا ونحلّفه الآن، هل هو يرى في فكرنا الفقهي الحالي مثل هذه الأوزار والأوضاع؟ هل يجدها؟ إذن لماذا نعيب على أنفسنا هذا الفكر ولماذا نصف أنفسنا بالتخلف؟ مشكلتنا ليست في فكرنا، لدينا من الفكر الوضعي والفكر الإسلامي المتجدد ما يمكننا من أن نعرف واقعنا جيدًا وأن نطرح له الحلول الممكنة، مشكلتنا ليست في الذهن. نحن لسنا حمقى ولا متخلفين، مشكلتنا أساسًا في أذرعنا التي لا تعمل جيدًا وأرجلنا التي لا تسير جيدًا، مشكلتنا كلها حركية أساسًا، تتعلق بالقدرة على التنظير والقدرة على التحريك من أجل أهداف نحن نعرف كيف نضعها ونضعها بشكل جيد وما يوافق مصالحنا المستقبلية معنويا وماديا أيضًا.المشكلة أننا عاجزون عن الحركة، ومشكلتنا سياسية أساسًا وليست فكرية، وتنظيمية أساسًا وليست شيئا آخر.

سنجد مثلاً من يقول طالبان بتفكيرها المتخلف، وهناك الحركة الإسلامية في تركيا بتفكيرها المتجدد، نعم، ولكن هذه تركيا وهذه أفغانستان، وفي ظروف أفغانستان لا أظن أنه يصلح لهم اليوم إلا ما يفعله مثل هؤلاء. لا يوجد في الفكر السياسي حلٌ لمشكلة أفغانستان إلا ما تصنعه طالبان اليوم، هم أعرف بشؤون دنياهم، والأتراك أعرف بشؤون دنياهم ويعملونها، ولذلك في البداية قلت أن أي تجربة لا بد أن تؤخذ في السياق التاريخي والسياق الاجتماعي والسياق الثقافي لها ونضعها فيه؛ لكي نعرف توظيفها كيف يكون، وكيف يكون نافعًا أو يكون ضالا. ونحن خبراتنا مع الفكر الغربي غريبة، فقد تبنينا منه أفكارًا كثيرة جدًا، وكانت هامة جدًا في الواقع، الفكر القومي أخذناه من الغرب، الفكر الديمقراطي أخذناه من الغرب، حُسن توزيع الدخل أخذناه من الغرب، فكر الإصلاح الديني كان لدينا إصلاح ديني يماثل ما أخذناه من الغرب، لكن ما أخذناه اليوم في وقت من الأوقات بعضنا أخذه ونفذه بطريقة أفسدت، وبعضنا أخذه ونفذه بطريقة أصلحت، إذن المسألة تتوقف على السياق الاجتماعي والثقافي الذي تدخل فيه التجربة وبأي كيفية وبأي شكل يكون هذا الأمر.

عندما نتكلم عن الإصلاح في العالم الإسلامي، أقول حسنًا، كم عددنا؟ مليار وخمسمائة وسبعون مليون، في 57 دولة، وأساس عد الدول هو منظمة المؤتمر الإسلامي فيها 57 دولة، وكلها دول إسلامية، والعرب 22 دولة، وأساس عدهم جامعة الدول العربية وعضويتها، ومن هنا يبدو لنا أساسًا مشكلة التجزئة، والتقسيم، والتناثر، التي نحياها. أنا أتحدث عن مشكلات قرنين، فهذا هو الإطار الزمني الذي يحكمنا وليس بضعة سنوات أو بضعة عقود.

التقسيم للعالم/الأمة الإسلامية التي كانت أمة واحدة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم انقسمت إلى دولتين في العهد العباسي والأموي في الأندلس، ثم آلت إلى ثلاث دول في العهد العثماني والصفوي والمملوكي في مصر، وتناثرت تباعًا، ولكن لم تكن على هذا الشكل من التحطيم والتناثر الذي نراه الآن. أنا لا يهمني إطلاقًا أن تتحول وحدة إسلامية إلى وحدة قوميات، جماعات قومية تبلورت ورأت أن تكون حكومة، وصحيح أنه مستحيل أن تحكم حكومة واحدة مليارًا ونصف المليار من البشر، وحتى رشيد رضا والشيخ مصطفى صبري وغيرهم قالوا إنه ليس هناك ضرورة لقيام دولة واحدة، التنائي والتناثر يسمحان بالتعدد، بل المهم هو المرجعية الشرعية التي تحكم وليس أكثر من هذا. فمن الممكن أن تتحول المسألة إلى قوميات، إلى بعض التكوينات القبلية في أفريقيا، قد تتحول إلى هذا...، بل إلى ما يراه شعب بأن يكون قادرًا على أن يجتمع وأن ينظم نفسه نظامًا جيدًا، لا بأس! ومسألة الحراك التاريخي ترينا كيف يكون هذا، المهم أن تكون حركة الاندماج أو الابتعاد منبعثة من داخل هذه البلاد وليس من الفرض الخارجي عليها، هذه التقسيمات التي نجدها في العالم الإسلامي أو العربي مفروضة من الخارج، حدود مصر التي تناولتها منذ قليل رسمت في مؤتمر لندن 1840، وحدود الشام رسمتها سايكس بيكو، ووزراء خارجية إنجلترا وفرنسا هم من عقدوا تلك الاتفاقية، حدود أفريقيا كلها تحددت في مؤتمر برلين 1885، معنى أنها تتم بهذا الشكل أنها لم تعكس وحدات سياسية متبلورة في هذه الأقطار، إنما عكست موازين قوى بين الدول الاستعمارية بعضها البعض، وهذا بصرف النظر عما إذا كانت هذه الحدود تشمل شتاتًا من قوميات، وشتاتًا من قبائل وشتاتا من أديان، أمامهم خرائط يقطعون العالم فيها وفقًا لما يرونه في هذا الأمر، فنشأت التكوينات تعكس مصالح الدول الكبرى ولا تعكس حقيقة الجماعات السياسية المتبلورة في هذه المنطقة. وهذه هي المشكلة، وليست المشكلة في أن لدينا إثارة فرقة داخل كل بلد ما بين الطوائف فيه، أو القبائل أو العقائد أو خلاف ذلك في كل قطر.

هذه واحدة من المشاكل التي نواجهها، وينبغي أن ننظر في أمرها حين نتكلم عن مستقبل الإصلاح. ولا نقول بأننا نسعى للوحدة، فمسألة الوحدة لتلك البلاد عملية صعبة جدًا، إنما ما أريد أن أقوله إن في الدول الغربية عزم ألا يتم أي توحيد بين أي دولتين من دولنا ولو أدى ذلك إلى الضرب بالنار. وحدث هذا في عديد من المحاولات التي جرت، إما تفشل بالمؤامرة، أو بالغزو المسلح الصريح، هذا هو الوضع. إنما ما نراه الآن، هي الكلمة التي قالها جمال الدين الأفغاني، عندما نتكلم مثلاً عن العلاقة بين مصر وتركيا، لا آخذ من كلمات مصرهم ولا تركهم بل آخذها من الأفغاني، "على كل ذي ملك على ملكه أن يسعى لحفظ غيره ما استطاع" هذا هو التآزر، نريد في هذا الأمر حل مشكلة التجزئة، وهذا يكون عن طريق التآزر، وأنا لم أقصد أن ننظر في دواعي مشكلة الأمن القومي وما عسى أن تمهد لنا، إلا لأنها تمكن لنا من التآزر مستقبلاً في هذا الشأن.

النقطة الأخرى، من المشاكل الموجودة خلاف التجزئة هي التبعية، تبعية لمحتل الأرض وهي واضحة، تبعية لمن يفرض علينا العقوبات باسم المجتمع الدولي -أو ما يسمى كذلك وهي واضحة أيضًا- وهناك التبعية الاقتصادية وهي قوية جدًا نراها في أي إحصاءات لحجم التجارة لأي بلد إسلامي أو عربي مع الغرب، والإحصاءات عن التبادل التجاري بين هذه البلدان وبعضها البعض يظهر حقا ما هي التبعية في هذا الأمر.

بالإضافة إلى تلك المشكلتين: التقسيم والتبعية، لدينا مشكلة أخرى؛ وهي أقرب للفكر قليلاً وهي الازدواجية الفكرية والمؤسسية، هذه مشكلة عانينا منها لقرن من الزمان، ولكن بدأنا الحمد لله أن نعالجها. كان عندنا مثلاً في بداية القرن العشرين معاناة شديدة من قانون وضعي وقانون إسلامي يتعلق بالأحكام الشخصية وغيرها، وهناك قضاء شرعي وقضاء أهلي يأخذ بالقوانين الوضعية، لدينا مؤسسات مبنية على نظام المؤسسات الحديث اللا-شخصي، وبجانبها المؤسسات الشخصية، عندنا أنماط في الاستهلاك والعيش يتضارب بعضها مع بعض، عندنا قيم وأخلاقيات وثقافات متضاربة وتؤدي إلى اللا-أدرية في النهاية، استطعنا في نهاية القرن العشرين أن تتقارب تلك الثنائيات، توحد القضاء، وجدت وسائل لظهور المرجعية الإسلامية حتى من خلال القوانين الوضعية والحمد لله، وهناك محاولات فعلاً لإسباغ المرجعية الشرعية على القانون الوضعي، وهناك محاولات فكرية تبذل في هذا الأمر. ومن ثم فإن موضوع تلك الازدواجية أفقدنا جهد قرن من الزمان، انقسمنا فيه وتداركنا لمدة قرن، وبدأنا في النهاية نتوحد ونتقارب، هذا جيد في هذا الشأن وهذه المسألة، وبالأمس حين سمعنا الحديث عن فتح الله كولن، وجدت كلمة أن الناس تعاني من الفقر والجهل والفرقة، وفهمت جيدًا ما يقصد بالفرقة، الفرقة هي هذا الازدواج أو هذا ما فهمته، وكيف نتوحد في مواجهة تلك الازدواجية الفكرية ويتجه لدينا إلى تيار سياسي أساسي في بلادنا ولا ننقسم مثل ما حدث على مدى. أكثر من قرن مضى.

لتوضيح مسألة الفرقة التي حدثت، لو نظرنا من بداية القرن التاسع عشر ونهاية القرن العشرين، سنجد الآتي: في بداية القرن العشرين كان الفكر الإسلامي ينقسم قسمين يتضاربان، قسم المحافظين، وقسم المجددين. الأزهر وشيوخه محافظون، ومحمد عبده ومن والاه من خارج الأزهر مجددون، وتضاربا، المحافظون كانت لديهم مهمة، لم يكونوا أغبياء أو غير واعين كانوا علماء أفاضل، ولكنهم كانوا يرون أن هناك غزوة فكرية خارجية تأتي من هذا الباب وتجتث الأصول ولا بد من الدفاع عنها، وعندما تدافع عن الأصول لا ينبغي عليك أن تجدد، فهذا صعب جدًا، ووقفوا موقف الدفاع من أجل الأصول، والمجددون رأوا أنه لا يُحافظ على العقيدة إلا بالتجديد، ولهم حق في هذا، ولكنهم تضاربوا في اتجاهين مختلفين، ظل هذان الاتجاهان يعلو ضجيجهما ويخفت على مدى القرن العشرين وتوحدوا في شخصية بعد ذلك محمد الغزالي مثلاً، ممن يدافع عن الأصول ويجدد في ذات الوقت، في الربع الأخير من القرن العشرين، لكن قضينا ثلثي القرن لنصل إلى تلك النتيجة، وتبعثرت جهودنا في تجديد الفكر الإسلامي طوال تلك المدة من أجل هذه المعركة، هذه واحدة.

المسألة الثانية، الحركة الوطنية، كانت دائمًا تصدر من العباءة الإسلامية، الأفغاني وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي، جميع زعمائنا في القرن التاسع عشر كانوا يخرجون من تلك العباءة الإسلامية، وجميع من يقاومون الاستعمار والاحتلال كانوا من هذه العباءة. ظهرت بعد ذلك شخصية العلماني الوطني مع عشرينات القرن العشرين، ممثلاً في الحركات الوطنية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وإلغاء الخلافة العثمانية، وتضاربت حركتان وطنيتان أحداهما بمرجعية علمانية والأخرى بمرجعية إسلامية تضاربًا على مدى سنين طويلة، واليوم فقط نجد قدر من التقارب بينهم. فالحركات الإسلامية واضح أنها بدأت تأخذ شكل تقارب واضح داخل بلدانها، والحركات العلمانية بدأت تدرك أهمية الاقتراب من تلك الحركات وعدم نفي إمكانياتها في الدفاع عن الأوطان، ولكن تطلب هذا قرنًا من الزمان لكي نصل إلى هذه النتيجة في هذا الأمر.

ما أريد أن أقوله إننا لسنا في مجال مشكلة فكرية، لا بالمعنى العقدي ولا الفقهي ولا السياسي، لدينا من يقرؤون الأحداث السياسية قراءة ذكية جدًا وبنظرة وطنية جدًا في بلادنا جميعا، إنما مشكلتنا في كيف نجمع الناس، وكيف ننظمهم وكيف نحركهم، الحركة مبتغاة، كلما نظمنا شيئًا في هذا الاتجاه انتكس على عقبيه من جديد وأصبحنا كلما نملأ وعاءً يتم إفراغه، هذه المشكلة التي تقابلنا مشكلة تنظيمية وسياسية بل ذرائعية أكثر منها مشكلة فكرية وعقائدية. وعلينا أن نواجهها بما يملك أصحاب القدرة على الحركة والتحريك من إمكانيات للحركة والتحريك. وشكرًا جزيلاً.

تعقيب د. نادية

شكرًا لسيادة المستشار طارق البشري على محاضرته التي بدأت بإعادة قراءة التاريخ لاستخلاص الدروس كخطوة نحو المستقبل في محاضرة عن مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي وباستحضار العلاقات العربية التركية بالذات، وعلى نحو يبين كيف أن مستقبل العالم الإسلامي يرتهن بمستقبل العلاقات العربية التركية وغيرها من أنماط العلاقات البينية.

رد المستشار البشري على الأسئلة

أحد الأسئلة يتحدث عن كيف نتحرك؟ طبعًا الحركة لها رجالها الذين لديهم القدرات التنظيمية والتحريكية قد لا أملكها أنا، أنا عشت طول عمري قاضيًا وهذه الخبرة الحركية لم تكن عندي. فهذا السؤال مطروح على الساحة، ومن يجيب عليه لن يجيب عليه بالأقوال مثلما أفعل أنا ولكن يجيب عليه بالفعل الذي قد لا نراه الآن، قد نراه بعد حين.

حركة فتح الله كولن كيف تكيفت مع بيئاتها وسعت للتأثير والانتشار؟ أعجبني ما قيل اليوم من أن حركة الشيخ كولن حركة إيمانية وظفت الإيمان للمجتمع، وهذه قدرة حركية مهمة لمن يملكون الحركة، ونحن في مصر عندنا مشكلة تتعلق بالحركة وهذا يتعلق بالسياق التاريخي، فالمجتمع التركي بقيت فيه التشكيلات الصوفية قادرة على التحريك والتنظيم حتى في أشد أوقات معاداة الحكم للتوجه الإسلامي، لكننا مع الأسف مع بدايات القرن العشرين، الحركات الوطنية وحركات التجديد الإسلامية لم تعتني بالحركات الصوفية وتركتها واشتغلت من منابر أخرى وترتب على ذلك أن وقعت في يد الإنجليز والسلطة وبقيت في أيديهم، ولا أدري إن كان هذا وعيًا سياسيًا جيدًا منهم، وأنا أشك أنه كان وعيًا سياسيًا جيدًا، بل إن فكرة الحداثة أثرت عليهم تأثير أكبر مما كان يصح في هذا الأمر، لأنها أفقدتنا القدرة على تحريك التقاليد الإسلامية والوطنية في التنظيم والتحريك، وهى موجودة حتى في القرى، لأن عادات الانتماء لهذه الحركات منتشرة حتى في القرى، نحن فقدنا إمكانية التحريك لتلك الجماعات في هذه الفترة ولا أدرى كيف نحلها الآن. حركة الشيخ كولن تمتد من أرض بها من الخصوبة ما ينبت هذا النبت، وكذلك كانت تنبت عندنا فعلاً ولكننا تركناها للبوار للأسف الشديد.

هناك سؤال يرى أن المشكلة في الفكر وليس الحركة، ولكنى في مجمل حديثي كنت أثبت العكس، فالمشكلة ليست في الفكر، لدينا من الفكر الصائب في بلادنا هذه ما يكفي خمسه لكي تنهض هذه البلاد وتقوى، ولكننا لا نحركه التحريك الفعال، هذه هي المشكلة.

د. مصطفى أوزجان

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أبدأ كلمتي بتقديم شكري للمستشار طارق البشري، وكذلك أود أن أقدم شكري لكل من بذل جهده من الأكاديميين والمفكرين والمحاضرين والمستمعين، كلهم خلال هذه الأيام الثلاثة التي تمت فيها دراسة ومناقشة أفكار الأستاذ فتح الله كولن، لكن إليكم أخيرًا تلخيصًا لما قيل في هذه الندوة.

 فالأستاذ فتح الله كولن هو فكرة أصلاً تم تفعيلها إلى حد ما في الواقع، ومركز هذه الفكرة الإنسان، فالإنسان هو الذي يعمر الأرض وهو الذي يفسدها كذلك، لذلك أود أن أنبه مستمعي الكرام إلى ملاحظة من ملاحظات الأستاذ كولن "إن الوجدان، وجدان الإنسان، بالكراهية والعنف والبغض والغيرة والحسد يضيق ويتقلص، ولكنه في المقابل يتسع بالإيمان وبالعلم وبالمعرفة وبفكرة الخير ويتسع حتى يحتضن الدنيا والآخرة" والأستاذ كولن كعالم مسلم نقل لكل الرأي العام الإنساني أننا لا نستطيع أن نؤمن الصلح والسلام على مستوى العالم إلا من خلال إنشاء وصياغة إنسان جديد، وجيل جديد مشبع بالعلم والمعرفة وبحب الخير وبحب النفع للإنسانية كافة. وهي ليست أيديولوجية ولكنها قضية البشرية جمعاء وهي مبادرة مدنية قائمة على الاقتناع الذاتي والتحرك الطوعي.

 وأخيرًا أوجه الشكر إلى جامعة القاهرة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، وكذلك أشكر جامعة الدول العربية التي هيأت هذه القاعة وهذا المناخ للمناقشات العلمية وعلى رأسهم الأمين العام السيد عمرو موسي، وكذلك أشكر كل من ساهموا حتى يكون هذا الجو جوًا آمنًا وأن يُتابع المؤتمر بهدوء وصمت. وكذلك أشكر رئيس جامعة القاهرة وأشكر كل من شارك من المحاضرين والأساتذة القادمين من العالم العربي والعالم الإسلامي والغربي.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.