نموذج الرشد، والمنظومة المعرفية الرشيدة
- من النموذج التفسيري إلى نموذج الرشد
- نموذج الرشد
- أمثلة من الواقع
- الشروط الأساسية للرشد
- دعوة إلى فقه الرشد
- حول المنظومة المعرفية الرشيدة
- فما هي المنظومة المعرفية الرشيدة إذن؟
- خاطرة رمزية: الحفر بحثا عن المنظومة
- في البدء كان الحفر
- سمفونية الحفر
- إنه هو ...
﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ (سورة الجن:1-2)
نموذج الرشد، والمنظومة المعرفية الرشيدة
بما أنني سأقرأ "البراديم كولن" ضمن نموذج الرشد، وهو نموذج طوَّرته ليبحث في مجال معرفيٍّ واحد، وهو: العلاقة بين الفكر والفعل، وبين العلم والعمل؛ كان لزاما عليَّ أن أعرِّف للقارئ هذا النموذج، حتى أضعه على الصورة.
من النموذج التفسيري إلى نموذج الرشد
"النموذج التفسيري" مصطلح من إبداع عبد الوهاب المسيري، ولقد استطاع من خلاله اختراق الثنائية الكلاسيكية: "الموضوعية والذاتية"، أو بالأحرى "إمَّا موضوعي وإمَّا ذاتي"؛ يقول المسيري ناقدا الفكر العربي المعاصر: "وفي تصوُّري، إنَّ إحدى مشاكل الفكر العربي أنه لا يزال فكرا مضمونيًّا، أي يتعامل مع المضامين المباشرة، ولا يصل إلى العلاقات المجرَّدة الكامنة، أو إلى النماذج المعرفية" (الموسوعة).
ولا ينبغي أن نفهم أنَّ المسيري يقف إلى صفِّ "البنيوية" في مرحلتها المتأخِّرة، والتي تجرِّد النص من أيِّ مضمون، وتحوِّله إلى بنية لغوية مجرَّدة، يلوكها القارئ كما يلوك العلك، ويعطي لها المدلول الذي يريد، حسب مزاجه، وهواه، ومستواه... غير أنَّ المسيري كذلك لا يدافع عن التحليل المضموني الكلاسيكي، الذي يُعنى بالمضمون المباشر، ضاربا عرض الحائط كلَّ إطار من أيِّ نوع كان، وكلَّ سياق مهما بدا بريئا أو غير بريء، وكلَّ علاقة مهما كانت متينة أو هشَّة.
هنا يدخل الواقع معطًى أساسيا في عملية التحليل، حيث تلتصق المدرسة المضمونية بالواقع -اللفظي، أو التاريخي، أو حتى الآني- ولا تحاول تجاوزه، فتختزل المعنى في ملاحظات جزئية آنية ظرفية محضة، ولا تتجاوزها إلى الكلِّ، ولا إلى العلاقات الشمولية، ولا إلى الرؤى الكونية، إلا لماما وعرَضا...
وفي سياق التعامل مع النص النبوي الشريف، قدَّم المسيري مثالا توضيحيا بليغا، فقال: "ولنتخيل عالما إسلاميا يتعامل مع الأحاديث الشريفة من منظور المضمون وحسب، لا شكَّ أنه سيفشل في ربطها مع المفاهيم الكلية الإسلامية الأخرى"، ولنقل مثل ذلك عن تفسير القرآن الكريم، من منطلق المضمون، وهو الغالب -للأسف-.
ولا بدَّ من التنبُّه إلى أنَّ العلاقة بين الفكر والواقع، وبين النصِّ والواقع، وبين النموذج والواقع... ليست علاقة بسيطة اختزالية؛ لكنَّها متشابكة معقَّدة لا نهائية، لا تلغي منظور الإنسان ولا "ماقبلياتِه" ولا معتقاداته، وإنما تستحضرها وتعتبرها، ولا تخضع كلية لها.
ولسائل أن يسأل: وماذا عن العلاقة بين "النموذج التفسيري" و"الواقع"؟
إنَّ العلاقة بينهما علاقة حلزونية، تذكِّرنا بمدرسة "بحوث الفعل"، التي تجعل العلاقة بين البحث والفعل علاقة حلزونية، وصفتها: "أنَّنا ننحت النموذج الافتراضي عن طريق معايشتنا لواقع ما، وعن طريق تأمُّلنا فيه، وعن طريق قراءتنا وتمحيصنا. وبعد نحت النموذج نُعمل فيه الذهن والفكر لنولِّد علاقات افتراضية، تكثِّفه وتصقله. ثم نعود إلى الواقع فيُنيره لنا. ولكنَّ الواقع، في كثير من الأحيان، يتحدَّى النموذج فيعدِّله ويزيد كثافته وصقلَه" باختصار، "فالحركة إذن: من الواقع إلى العقل، ومن العقل إلى الواقع".
وهذه الحركة في مجملها هو ما اصطلحنا عليه بنموذج الرشد.
- تم الإنشاء في