5-لا تضاد بين القدر والإرادة الجزئية
لا تناقض -من حيث الأساس- بين القدر وإرادة الإنسان، بل هما متكاتفان. فلئن كان دخول الإنسان بحسَناته الجنةَ وبسيئاته جهنم قضية، فهي قضية تعني بلسان القدر تصديق رب العالمين لها، ومن جانب آخر تأييده لإرادة الإنسان. بمعنى أن في الإنسان قوة تدفعه إلى الخيرات والحسنات والدخول في الجنة، أو بالعكس؛ أي فيه قوة تسوقه إلى السيئات والشرور والآثام فتُدخله جهنم. فهذه القوة تشكّل الأساس في التقدير، وما هي إلاَّ الإرادة. ووجود هذه الإرادة لا ينافي التقديرالإلهي ولا يضاده.
وفي الحقيقة يمكننا أن نرى هذا في أفعالنا جميعًا. فمثلاً: إذا أردنا رفع أيدينا، فإننا نتمكن من ذلك إن لم يكن هناك عارض، ويمكننا كذلك أن نتكلم أيضاً عندما نريد ذلك، يعني أن قيامنا بأفعالنا يثبت وجود إرادة لدينا، فإن شئت أطلقت عليها الجزء الإختياري، أو المشيئة، أو الرغبة والطلب.. فالنتيجة لا تتغير بتغير الأسماء، إذ وجود الإرادة -التي لا نعرف ماهيتها- واضح وضوح الشمس.
أما إذا نظرنا إلى المسألة من حيث التقدير الإلهي، فنرى كأن الله سبحانه يقول للإنسان: "إنني أعلم أنك ستستعمل إرادتك في هذا الوقت في الفعل المعيّن، ولهذا أقدّر لك هذا الفعل بهذا الشكل". وهذا يعني أنه تعالى لا يحجر على إرادة الإنسان.
نعم، إن الله سبحانه هو خالق كل شيء. ولما كان عليماً بالأُمور كلها، فإنه يوجّه تقديره إلى حيث تتوجه إرادة الإنسان. بمعنى أن القدر لا يحول القدر بين الإنسان وإرادته، غير أنه يحيط بإرادة الإنسان، أي يعلمها وعلمه بها لا يعني تقديرها مسبقًا.
- تم الإنشاء في