لسان الوجود

-1-

محاصَرون.. من كل مكان محاصرون...

بالأشياء محاطون، وللأشياء مشاهدون...

والكائنات، عيونَنا تغزو، وآذانَنا تُسْمِع...

باسم الحق تنادي، وباسمه تهتف...

وإذا ما الوجودَ، تصفّحنا صفحاته، صفحةً من بعد صفحة،

تكلّم وقال: "أنا فُرْقانكم المحسوس، وكتابكم المشهود..!"

-2-

إلى سوق الكون نمضي، وإلى مشهره نلج...

نشاهد.. فنبقى ذاهلين، مأخوذين...

بجمال الصنعة، ودقّة التكوين،

وروعة العرض والتزيين...

إنَّه مُجَسَّمُ معانٍ، ومُشَكَّلُ أفكار...

-3-

الغارقون في بحار جمالك،

والسامعون لِعَذْب كلامك،

سكرى... وبالأشواق غرقى...

راقصون.. طربون...

من لَمحة جمال، وشعشاعة كمال...

إنهم ذائبون، والكونُ معهم ذاب،

والكائنات تلاشت...

وغيركَ لم يعودوا يرَون،

وبسِواك لم يعودوا يأنسون..!

-4-

يا ذا الجلال والجمال،

يا خلاَّق، وبخلقه عليم...

خلقت الأشياء،

وجعلتها عليك دليلاً وبرهانًا،

وحُجةً وميزانًا...

وبالصدق أنطقتَها،

وعلى لسانها أجريتَ الحقَّ...

ليبصر المبصرون، ويسمع السامعون...

فهل بعد هذا العيان عيان،

وبعد هذا الشاهد شاهد..؟!

-5-

يا عليم يا علاَّم،

يا مَنْ خلق الإنسان وعلَّمه البيان..!

أين علْمُنا من علمك..!

علْمنا هباء، وذرة في الفضاء...

وأنت ليس كمثلك شيء في علمك...

منك نقتبس العلم، وعنك نأخذه..

وهذه الذرّة العرفانية،

سرعان ما تنقلب عندنا إلى يَمٍّ محيط..

بها نقيم الحضارات، ونبني الصروح،

ونكتشف المجاهيل...

-6-

سطِّروا معاني هذه الكلمات،

على الحرير الأبيض...

وانشروها أعلامًا ورايات في سوق المعارف الكبرى...

ليقرأها مَن يقرأ، ويفهمها مَن يفهم...

إنها بَيان صامت يَبُزُّ أبلغ الكلمات، وأعظم البيانات..

إنها تيجان عرفانية، تتألّق على رأس العبارات..

لِمَنْ يريد أن يعلم أو يعرف...

-7-

مَن شاهدَ ثمَّ عمي، ومَنْ سمع ثمَّ تصامم،

ولم يرَ في المخلوقات ألسنة ناطقات، وأقلامًا كاتبات..

فهو للكون عدوّ، وللكائنات خصيم،

ولنا معاند، ولربّ العالمين جاحد...

المصدر: مجلة "سِزِنْتِي" التركية، مايو 1999؛ تعريب: أديب إبراهيم الدباغ.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.