الفصل الثاني: المعمار وشخصية الأستاذ النهضوي

فهرس المقال

القرآن والتفاعل المعماري

ولا بد أن الخلفية الروحية المتأثرة بالقرآن وعوالمه وأخباره، قد هيَّأت كولن لأن يتفتح وجدانيًّا على عالم المعمار؛ إذ لبثت الآيات القرآنية تحيل إلى التاريخ القديم وإلى أخبار الأمم الهالكة، وتلفت الأنظار إلى بقاياها الأركيولوجية والأثرية كما احتفظت بها الأرض، إن خبر الخضر مع الجدار الذي قام بهدمه صونًا لكنز اليتيمين، من أعجب القصص التي يتأثر الناشئ القرآني بها؛ لإعجازية مدلولها، وكذا خبر بلقيس في تلك الواقعة السردية القرآنية العجائبية، ونقلها ونقل صرحها من بلاد اليمن إلى فلسطين، إلى ما هنالك من المسارد والشواهد التي جعل القرآن فيها موضوع البناء والمعمار إطارًا لبثّ الموعظة ودروس اعتبار.

ولا ريب أن من شأن ذلك التسديد نحو تاريخ الأمم والحضارات، والتبصير بمصائرهم، والتحريض على الوقوف على مواطنهم وبقايا ما خلَّفوا وراءهم من آثار، أن ينشئ في نفسية المسلم استعدادًا يجعله يحيى على تواصل (شعوري ولا شعوري) مع التاريخ والأركيولوجيا والمعمار، ومع كل ما يمت إلى الذاكرة الأرشتكتورية بصلة.

بل إن القرآن، خطابية وتقاسيمات سورا وآيات، وتساويق بيانية رشيقة ومزخرفة، وهو يمثل بهذه الصفات نموذجًا بالغ الحسن من المعمار.

نحتم هذا الفصل بكلمات مشحونة للأستاذ كُولن: "كان الإسلام وما يزال يحتضن حياتنا وحاجاتنا وهياج مشاعرنا، بحيث إننا وجدناه قريبًا منا في وطننا وجغرافيتنا ومدننا وبيوتنا إلى درجة أن كثيرًا من حركاتنا وتصرفاتنا وفعالياتنا تكاد تصطبغ بشيء كثير من ألوانه، فصبغته في سلوكياتنا وأعضائنا ومدّه وجزره في أذهاننا، وصوته ونفسه في قلوبنا، وآثاره على وجوهنا، وثفناته في رُكَبنا، وفواصله المريحة لنا إبان تعبنا، وإلهاماته الداعية إلى التفكر إبان راحتنا.. كل هذا ربطنا به من أعماقنا.. حتى لو أنه تخلى عنا يومًا.. فأظن أننا سنهلك همًّا وغمًّا وكمدًا" .

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.