الفصل الثاني: المعمار وشخصية الأستاذ النهضوي

فهرس المقال

قطاع المساجد سجل بديع لمآثر العثمانية

سجلت المدنية العثمانية المجاهدة أبرز ملامح شخصيتها من خلال منظومة المنشآت الروحية والتعبدية التي شادتها، لاسيما قطاع المساجد؛ إذ صيّرت تلك المنشآت الباهرة الطَّرْزِ، سجلات تعكس مآثر السلاطين وما عرفته عهودهم من تطور، وتُقَيِّد ما كان لهم من أسهم في مجال خدمة الإسلام والأمة.

فلا غرو أن يكون حضور صورة المسجد ومعماريته المتميزة راسخًا في الوجدان التركي، بل لا مبالغة أن نقول: إن شيئًا من تاريخ الأتراك الجهادي قد عكست المعماريةُ المسجدية معانيه وعنفوانه، فالقباب في تجمعها فوق مناكب البنايات المسجدية، هي رؤوس جند مجاهد تعلوهم الخوذات، يَتَراصُّون زحفًا، يقتحمون القلاع، وإن منظر انتصاب المآذن الممشوقة في السماء، وقاماتها الفارهة، هو بمثابة الرماح المجهزة لخوض الوغى. إن ناصية كل مسجد تركي هي مشهد عارم لموقعة متفجرة تُظلُّها الحراب المسنونة، والتروس المحدَّبة.

أضحى المسجد العثماني مرفقًا روحيًّا ومقومًا رمزيًّا في الآن ذاته؛ لأنه موصول بخلفية انتماء حضاري عتيد؛ ذلك لأن مسيرة التاريخ جعلت من المساجد ومآذنها معالم لمسار مجيد يشهد بمفاخره ومنجزاته على عراقة الأمة التركية، ويُجَلِّي مآثرها في مجال رفع الراية المحمدية والذود عنها طيلة القرون.

إن المقوم الرمزي يتجلى اليوم في القيمة التداولية التي أخذها شكل المسجد؛ حيث بات يمثل الصورة المميزة للحاضرة التركية (إسطنبول ترمز إلى هويتها المدنية برسم المسجد).

المسجد العثماني إنجاز معماري فذّ، وصورة غير قابلة للاستنساخ، رغم أنها ظلت مادة استلهام وتوطين في ربوع البلاد الإسلامية عبر القرون؛ لِما ميز رسمها من جلال وشموخ.

العهد العثماني عمل على تعميم الطراز المعماري السناني على نحو أو آخر، فلذلك نجد التراث الذي ورثته البلاد العربية عن عهد الخلافة العثمانية تسود فيه معمارية الجوامع العثمانية بمآذنها الرشيقة وقبابها الركينة.. وما زال تراث الجوامع ذات الطابع التركي يترجح إلى اليوم في البلاد العربية بفخامة فنيته، بحيث باتت المدن التي تضمه تُصَنَّفُ في عداد الحواضر ذات الحظوة السياحية والثقافية العالمية.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.